|
من ينصف المزارع الفلسطيني ..؟1
خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 1057 - 2004 / 12 / 24 - 08:20
المحور:
القضية الفلسطينية
كانت الساعة تقارب الواحدة بعد منتصف ليل الجمعة 16/12/2004 ، وكان الظلام حالك دامس ، حين انخفضت وبشكل مفاجئ درجات الحرارة لتصل إلى ما دون درجة الصفر بستة درجات ، وهي الدرجة التي يتجمد بها الماء في عروق النبات ، والتي يتشكل بها الصقيع الذي يسمّيه فلاحونا ( بالقحير ) ،( مع انه يوجد تفاوت في درجة التجمد لكل نبات ) ،الأمر الذي يعني إتلاف وموت الكثير من أصناف المزروعات المكشوفة والمحمية .. وإذا بأجراس العشرات من الهواتف ترن في آن واحد ، فتضاء أنوار منازل أصحاب المزارع والحقول ، فينهضون من نومهم قلقين متوترين ، وينهض معهم الجيران على صوت الضجيج ، ويضيئون أيضا منازلهم ، ويخرجوا ليسألوا ماذا حصل ، وتدب في المنطقة كلها حركة غير عادية ونفير غير مسبوق ، وتتحرك السيارات والتراكتورات محملة بالرجال والنساء والأولاد ، وتسير جميعها صوب الحقول الزراعية ، وعند وصولهم إلى هناك أسرع البعض بتشغيل مرشات المياه على ظهر البيوت البلاستيكية ، لكنهم فوجئوا بتجمد المياه داخل المواسير والخطوط ، وقام البعض بإشعال إطارات كاوتشوك بالقرب من مزارعه ، أما آخرين من أصحاب البيوت البلاستيكية فاحضروا معهم صوبات تعمل بالكاز ، واشعلوها داخل بيوت البلاستيك ، وهي كلها أساليب وقائية محدودة التأثير، ومحاولات اعتاد المزارعون على استخدامها لرفع درجة حرارة الجو وطرد الصقيع .. كان صوت الدعاء إلى الله يملئ الحقول .. وتعلو صرخات الاستغاثة والغضب المليء بالحزن– خربت بيوتنا وتدمرت أرزاقنا .. ومنك العوض وعلينا العوض يا الله. وفي الصباح فهمنا نحن غير المزارعين الحقيقة – الكارثة - التي ألمّت بإخواننا المزارعين ، والتي لم يستطيعوا إيقافها أو التخفيف منها رغم كل الجهود التي بذلوها طوال الليل ، وعرفنا أن الطبيعة قد ضربت ضربتها الماحقة ، وتسببت بخراب بيوت العشرات من اسر المزارعين المساكين ، وأضافت إلى شقائهم ومصاعبهم هموم جديدة ، فالبرد الشديد وموجة الصقيع احرقا مزارع البندورة والبطاطا والكوسا والخيار والباذنجان وغيرها .. وهي المزارع التي شقي وتعب أصحابها ، واستدانوا الأموال الباهظة بانتظار أن تنتج لهم وتعوضهم عما أنفقوه عليها ، من ثمن لمدخلات الإنتاج من اشتال ومبيدات وأدوية وأسمدة ، وهذا عدا عن أثمان المياه الباهظة ، وعن الديون التي تراكمت عليهم منذ زمن للتجار والبنوك .. لقد تحجرت عيون المزارعين في ذلك الصباح ، وبكى البعض منهم ، وكاد البعض الآخر أن يصاب بالسكتة القلبية ، من شدة وهول المصيبة التي وقعت على رأسه كالصاعقة ، والتي تعني عمليّا إرجاعه إلى الوراء سنين عدة ومواسم كثيرة . وأمام هول ما حدث ، وبحركة عفوية غير مدروسة أو مخططة ، وبدون أي تحريض أو تنظيم مسبق ( إلا من تشجيع وتوجيه من قبل موظفي مؤسسة الإغاثة الزراعية الفلسطينية ) .. وكرد فعل لاناس مصدومين ، تنادى المزارعون من شتى المواقع ، وتجمعوا في الشوارع ، ونظّموا مسيرات صامتة ، توجهوا بها نحو وزارات الزراعة الفلسطينية ، ومقرات المجلس التشريعي ، والى مباني المحافظات في المناطق ، حيث اجتمعوا هناك بالمسؤولين الحكوميين ، وعرضوا عليهم ما لحق بهم من خسائر ، وطالبوا بالحصول على تعويض يخفف عنهم جزء من مصيبتهم ، ويعوض عليهم ولو اقل القليل مما خسروه من جهد ومال … ورغم أن المسؤولين الحكوميين استقبلوا المزارعين باحترام ، واستمعوا إليهم جيدا ، إلا انهم وكالعادة خيبوا ظن المزارعين بتكرار نفس المقولات ، بان لا موارد مالية لديهم حتى يقدموها للمزارعين المتضررين من الكوارث الطبيعية ، وان بنود الموازنات المتاحة لهم لا تسمح بالصرف على هكذا أمور .. فانصرف المزارعون عائدون إلى بيوتهم محبطين حانقين - ليس على أولئك المسؤولين الذين قابلوهم - ولكن على مجمل النظام السياسي والإداري الحكومي ، الذي لا يضع هموم القطاعات الأساسية والفئات الشعبية في مقدمة أولوياته ، ولا يعيد ترتيب أولويات الموازنة الفلسطينية بشكل يعطي قطاعا مثل قطاع الزراعة ما يحتاجه من أموال ، تعادل ما يشكله هذا القطاع من حجم في الاقتصاد الوطني … وحتى لقاء المزارعون وممثليهم مع السيد وزير الزراعة الفلسطيني ، فلم يخرج عنه إلا وعد من ذلك الوزير !! برفع مذكرة إلى زميله الآخر وزير المالية بهذا الخصوص ، ووعد ثان بعرض القضية على مجلس الوزراء في اجتماعه المقبل . لقد ألحقت ضربة الصقيع التي حصلت ، أضرارا جسيمة بمزارعي مناطق جنين وطوباس والأغوار والفارعة واريحا وطولكرم == وقد بلغت على سبيل المثال في منطقة جنين لوحدها تضرر 1600 دونم من البيوت البلاستيكية و 945 دونم من المزروعات المكشوفة ، وبلغ مجموع عدد المزارعين المتضررين 2300 أسرة تعيل 13800 فردا هذا عدا عن الأراضي التي لم يتم الوصول إليها == .. وأضافت هذه الضربة إلى هموم المزارعين هموما جديدة ، ليس أولها ولا آخرها انعدام التامين على الزراعة ولا الافتقار لما يضمن للمزارعين حصولهم على تعويض عن الخسائر في حالة الكوارث الطبيعية .. فهم يعانون أصلا وبشكل مزمن من مشاكل مستعصية في التسويق ، وفي التباطؤ في دفع المستحقات المجمدة لدى وزارة المالية من ضريبة أل 17% ، ويعانون من انعدام الحماية الوطنية تجاه منافسة المنتجات الإسرائيلية لهم ، وهي التي تدخل أسواقنا المحلية دون إذن أو ضوابط ، ويعانون من الارتفاع الصاروخي في أثمان المبيدات والأدوية الزراعية والأسمدة ، وهي المواد التي تحتكرها إسرائيل ، وتتحكم بأسعارها شركات إسرائيلية مستغلة ، كما ويعانون من ارتفاع أسعار المياه المخصصة للزراعة ، التي يتحكم بها أصحاب آبار المياه ، ويفتقدون الدعم والمساعدة من قبل الجهات الحكومية الوطنية ، وهم يعانون أيضا من سوء أداء هذه الجهات ، التي تمارس في كثير من الأحيان سياسة أساسها المحسوبية ، وخصوصا عند توزيع بعض المساعدات التي تأتي لإسناد المزارعين ودعم صمودهم ، والاهم من ذلك كله هو حالة الفوضى وانعدام التنظيم وضعف الجمعيات ، التي من الممكن لها أن تساهم إذا ما تعاونت معها الجهات الحكومية في تحسين الأوضاع ، وفي التخطيط والتوجيه وتقديم الإرشاد للمزارعين ..
خالد منصور مدير الإغاثة الزراعية الفلسطينية في فرع نابلس 23/12/2004
#خالد_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ر
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ث
...
-
استفتاء على الحاجز
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ث
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ح
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ع
...
-
اخبار - الاغاثة الزراعية الفلسطينية تدعو جماهير اصدقائها ومت
...
-
تصريح سياسي - حزب الشعب الفلسطيني
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ت
...
-
ثقة الشعب اولا
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ث
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - س
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - س
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ر
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - خ
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ث
...
-
الرئيس الذي نريد
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ث
...
-
من ادب الانتفاضة الفلسطينية - هتافات المسيرات والتظاهرات - ا
...
-
المؤسسات الاهلية والعمل الديمقراطي
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|