|
دول مجلس التعاون الخليجي في عين العاصفة
نجيب الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 3566 - 2011 / 12 / 4 - 14:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
مقدمة : حتى وقت قريب ، قبل بزوغ وتصاعد الاحتجاجات و الثورات والانتفاضات العربية ، التي دشنتها ثورة تونس في مطلع العام الجاري 2011 ، ثم امتدت لتشمل بلدان عربية عدة ، من أقصى المغرب العربي ، وحتى الخليج العربي في أقصى الشرق ، في ما بات يعرف في العالم بالربيع العربي ، كانت المنطقة العربية تعيش وضعا حرجا وبائسا في بيئة تعتبر من أكثر البيئات في العالم اضطرابا وخطورة وترد، وبكل الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي تمظهرت وتجلت في الانقسام والاحتراب واستفحال التناقضات (أفقيا وعموديا) بين الحكومات و بين والشعوب والمعارضات الداخلية بوجه عام من جهة، وبين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية والطائفية والمذهبية والعرقية من جهة أخرى. وحيث سادت مظاهر التبعية للخارج بمختلف أشكالها ، وتصدر العنف والتطرف والإرهاب والإقصاء وإلغاء الآخر، وتغييب العقلانية والتسامح، وتقنين الحريات العامة، وتعطيل التنمية، وتفشي الاستبداد والتخلف والفساد، واحتكار مصادر القوة والسلطة والثروة من قبل نخب حاكمة ، تتسم بالاستبداد والفساد على حساب الأغلبية الساحقة من شعوب البلدان العربية المحرومة من حقوقها السياسية والاجتماعية، والتي تعيش حالات الإقصاء والتهميش والفقر والبطالة ، وترزح تحت ظل إجراءات الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ وأمن الدولة المعلنة وغير المعلنة السارية على مدى عقود . كما جرى و يجري انتهاك الحقوق الأساسية لقطاعات واسعة من الأقليات والمكونات الاثنية والدينية والمذهبية . وحيث لا تزال المرأة محرومة من الكثير من حقوقها الإنسانية، وتعاني من اضطهاد وحرمان مزدوج ، من قبل السلطات الحاكمة من جهة ، وهيمنة الأعراف والتقاليد والأفكار العتيقة لمجتمع أبوي ذكوري من جهة أخرى. حيث يسود هذا، وصفت المنطقة العربية في كثير من التقارير والدراسات أنها سجن كبير للناشطين السياسيين، وفي مجال حقوق الإنسان والصحافيين والكتاب والعاملين في مجالات الفكر والأدب والإبداع والفن، سواء من قبل السلطات الحاكمة أو القوى التكفيرية الظلامية على حد سواء ، حيث يتعرضون لشتى صنوف العنف المادي والرمزي ، كالاعتقال ، الاغتيال ، التكفير ، التهديد ، الابتزاز ، المنع من السفر ، ومحاربتهم في لقمة العيش بما في ذلك التسريح من العمل ، والمنع من السفر و الكتابة، كما تخضع وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب، والمؤسسات الصحفية والنشر لرقابة ووصاية حكومية صارمة . و يطبق على نطاق واسع ومنتظم مراقبة أو حظر النشاط الثقافي والفكري والاجتماعي المستقل، بما في ذلك الأنشطة و والمنديات الثقافية والفكرية ، ومؤسسات المجتمع المدني والشبكة العنكبوتية الاليكترونية في الداخل، أو الاشتراك في مثل هذه الفعاليات والأنشطة في الخارج . على هذا الصعيد لا يمكن إغفال دور التسلط والهيمنة والاحتلال الأجنبي، وعلى النحو الذي تقوم به إسرائيل من قمع ومجازر وتدمير وعدوان مستمر في فلسطين ، واستمرار احتلالها للأراضي العربية في فلسطين وسوريا ولبنان، وكذلك ما يجري في العراق إثر سقوط نظام صدام حسين على يد قوات الاحتلال الأميركي، وفشلها الذريع ومعها الحكومات المتعاقبة في تحقيق أي انجاز يذكر في المجالات الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي انحدر به إلى أتون تناقضات و صراعات دموية ومدمرة بين مختلف مكوناته وطوائفه وأعراقه، وهو ما غيب وأنهى ابسط حق من حقوق الإنسان، و هو حقه في الحياة الآمنة المستقرة الكريمة. في أساس جملة الانتهاكات هذه يكمن تفجر العنف والتطرف والإرهاب وشيوع الصراعات الدينية و الطائفية والأثنية الذي يسود غالبية المجتمعات العربية . وقبل كل شيء ، نقول : في ظل هذا المناخ الكريه و على أرضيته ، اندلعت الانتفاضات والثورات العربية ضد أنظمتها الاستبدادية. السؤال المركزي الذي يطرح نفسه هنا هو أين دور وموقع المجتمعات العربية ومن بينها المجتمعات الخليجية من موضوعة حقوق الإنسان ، حيث احتفل العالم بذكرى مرور 62 عاما على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ( 10/12/1948 ) الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي صادقت عليه معظم الدول في العالم بما في ذلك الدول العربية؟. كما يثار على هذا الصعيد كثير من التساؤلات ، مثل ما هو مفهوم حقوق الإنسان والديمقراطية المرتبطة بها وماذا يتضمن وما هي آلياته؟ وهل ينبغي الاقتصار على الفهم الغربي السائد للديمقراطية كشكل وحيد في الممارسة والتطبيق؟ وهل الديمقراطية هي هدف بحد ذاتها أم وسيلة للارتقاء بالإنسان (فردا وجماعة) وإشباع احتياجاته المادية والمعنوية؟ وهل باستطاعة الديمقراطية لوحدها أن تحل قضايا التطور الاقتصادي والاجتماعي ، و وضع حد للاستغلال و التفاوت الطبقي والاجتماعي الصارخ في البلدان الرأسمالية المتطورة ، ومعضلات التخلف والفقر والتبعية بالنسبة للبلدان للبلدان النامية؟. علينا هنا أن نقف عند مغزى و دلالات تفجر واتساع التحركات الاحتجاجية الاجتماعية و الشبابية ، المناهضة للعولمة الرأسمالية وقوانين السوق الغابية ، والتي يتضح أنها مرشحة للتصاعد ، في ضوء تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية ( الهيكلية ) في المراكز الرأسمالية الكبرى ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ومنطقة اليورو واليابان و غيرها من مناطق العالم . المدهش إن تلك التحركات الاحتجاجية لم تكن بمعزل عن وقع وتأثير انتفاضات وثورات الربيع العربي التي تفجرت منذ مطلع العام الجاري 2011 في العديد من بلدان المنطقة العربية التي تعد ( وهنا المفارقة ) طرفية وتابعة للمراكز على المستويات كافة . هذه التساؤلات الجدية لا تلغ جوهرية ومركزية ومبدئية قضايا حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والعدالة ،وكونها السمة المميزة لعالمنا المعاصر ، ومن أكثر المفاهيم تداولا في الوقت الحاضر على كل المستويات، وفي البلدان المتقدمة كما هو في البلدان النامية ومن بينها الدول العربية، ويشمل ذلك الشعوب ، الحكومات ، النخب السياسية والاجتماعية و والفكرية، وخصوصاً في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي، الذي اتسم بالشمولية والمركزية البيروقراطية، وغياب الديمقراطية والحريات العامة، وسقوط كثير من النظم التسلطية والديكتاتورية في بلدان ما يعرف بالعالم الثالث (آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية) وتبني كثير منها لمبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية التي تتضمن التعددية والمشاركة الشعبية، وسيادة دولة القانون والمؤسسات والفصل بين السلطات. ومع أهمية وحيوية الدعوات القوية التي أخذت تبرز في الغرب والولايات المتحدة وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية لتعميم قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، وخصوصا في البلدان العربية والإسلامية، غير انه غالبا ما جرى و يجري استخدامها أو توظيفها بصورة انتقائية خدمة لمصالحهم الإستراتيجية وأهدافهم الآنية . التركيز على حقوق الإنسان والديمقراطية، وحقوق الجماعات والأقليات الدينية والمذهبية والأثنية ، وقضايا الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي، وهي بالطبع تمثل قضايا هامة وجوهرية للشعوب والمجتمعات العربية، غير إن الإشكالية تتأتى من محاولة استنساخ المفهوم الغربي للديمقراطية، وطرحها كوصفة جاهزة، ومن خلال التركيز على الحريات الديمقراطية العامة ومعها حرية السوق وقوانينها الغابية ، مع إغفال الحقوق الاجتماعية - الاقتصادية، ومفهوم العدالة والمساواة في التنمية المستدامة على أساس المشاركة المجتمعية في التوجيه والمراقبة في سيرورة تحرر المجتمعات العربية من كل أشكال الاستبداد والاستغلال والتسلط الداخلي، والهيمنة والتبعية والتسلط والاحتلال الخارجي في الآن معا. هذا لا يلغي إن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والجماعات، وبما في ذلك حقوق المرأة والأقليات ، أصبحت حقوقاً غير قابلة للتصرف والتجاوز من قبل الأنظمة والحكومات، تحت أي ذرائع وحجج، مثل الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والدينية. هذه الحقوق التي أقرتها المواثيق والمعاهدات الدولية والعربية كافة ووقعتها معظم البلدان العربية ، أصبحت معايير وقيما إنسانية وحضارية مشتركة وملزمة للجميع بغض النظر عن الأصل أو المنشأ الغربي لها. غير أن مكونات الإصلاح والديمقراطية في بلداننا لن تكون مطابقة بالضرورة للمسار الذي اختطته التجربة الغربية (التي تمتلك شروطها وظروفها الموضوعية والتاريخية المختلفة) بل هو سيكون تأصيل للتجربة التاريخية والذاتية الخاصة من جهة، وللتجربة الإنسانية ومنها التجربة الغربية عموما من جهة أخرى. ولكن يجب التحذير أن استمرار الجمود ورفض الإصلاح ومقاومة التغير، بحجة الخصوصية (كل المجتمعات في العالم لها خصوصياتها) تعبر عن حالة جمود وتكلس وانفصام وانفصال عن الواقع والحياة، وسينجم عنه مخاطر جدية على استقرار الدول و الحكومات العربية ، وتطور وتقدم ووحدة الشعوب العربية ، ومن بينها بلداننا وشعوبنا الخليجية . دول مجلس التعاون الخليجي والاستحقاقات المؤجلة تمر دول مجلس التعاون الخليجي بمرحلة يمكن وصفها بأنها طفرة مالية ثانية، ومن غير المعروف إلى متى ستستمر، علماً بأن الطفرة المالية الأولى استمرت لفترة تقل عن عقد من الزمن (1973 - 1981) وبالتالي ينبغي الاستفادة من التطورات الايجابية الجديدة من خلال التركيز على الإنسان الخليجي باعتباره أداة وهدف التنمية " الإنسانية " المستدامة، والتي تعني التثمير العقلاني الأمثل للموارد المادية والبشرية كافة المتاحة من اجل خلق بيئة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية " ’نشطة " معقولة ومقبولة، وتحوز على الرضا والقبول من الغالبية من الموطنين وتتفق مع مصالحهم، وتشكل منطلقا وأرضية للاستقرار والتضامن الوطني والاجتماعي، وترسيخ دعائم السلم الأهلي وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة. وذلك يتطلب تضافر وتوحيد الجهود والإمكانات (الدولة والمجتمع) كافة إزاء مختلف التحديات والمشكلات الداخلية، و التي تتداخل وتتفاعل وتتأثر إلى حد كبير مع الأوضاع والتحديات والمتغيرات الكبرى في البيئة الدولية والإقليمية والعربية . لم يعد ممكنا حتى لو أراد البعض من قوى الممانعة والجمود المتمثل في بعض الفئات المتنفذة ومراكز القوى التقليدية، والمجاميع الاجتماعية والدينية المحافظة والمتشددة (التي قد تتضرر مواقعها وتتأثر مصالحها وامتيازاتها في ظل الجديد المقبل ) الاستمرار في فرض الجمود والتخلف، والمحافظة على نمط التفكير والممارسات القديمة الآفلة، وذلك تحت مختلف الحجج والمبررات مثل الخصوصيات الدينية والاجتماعية والثقافية، أو المؤامرات الخارجية. لم يعد هناك مجال للاستمرار في التجاهل والالتفاف على الاستحقاقات الوطنية والمجتمعية، أو التقوقع والعزلة إزاء ما يدور في العالم من تفاعلات ( في ظل العولمة) اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وأمنية، وفي ظل ثورة علمية ومعرفية واتصالية غير مسبوقة، ومع ترسخ منظومات ومبادئ وقيم إنسانية وحضارية (كونية) مشتركة، وضمن أوضاع تشابكت وتناقضت فيه المصالح والقيم والتحديات، وتعمق فيه الاستقطاب بين حفنة صغيرة من الدول الرأسمالية الصناعية الغنية، التي تستحوذ على نصيب الأسد من ثروات العالم ومقدراته وعاشت شعوبها لعدة عقود أوضاعا مستقرة نسبيا ( إلى ما قبل اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة التي كشفت أزمتها الهيكلية العميقة ) على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، استطاعت من خلالهما التكيف ومواجهة الأزمات والمشكلات والتحديات التي تعترضها، وعلى مقربة منها بعض الدول البازغة ، التي استطاعت أن تحقق مستويات عالية من النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي والتقني والمعرفي والعلمي، وكسر حاجز التخلف والتأخر والتبعية، نذكر منها الصين، الهند، البرازيل كوريا الجنوبية، جنوب أفريقيا، كما نذكر من الدول الإسلامية تركيا وماليزيا. وفي المقابل هناك غالبية البلدان التي تشكل الأطراف ومن بينها البلدان العربية، التي تعيش لعنة التخلف والفقر والبطالة والمرض والفساد والاستبداد والصراعات الداخلية فيما بينها، والتي فاقهما عجز الحكومات في إيجاد الحلول للمشكلات والأزمات الطاحنة التي تواجهها، والاكتفاء بتجاهلها أو الالتفاف عليها ومحاولة تدويرها وترحيلها، الأمر الذي أدى إلى إجهاض وتعطيل التنمية بأبعادها الشاملة، ما رسخ حال الإحباط لدى الشعوب إزاء حاضرها وافقدها الثقة في مستقبلها، وأضعف روح الانتماء والوحدة الوطنية - المجتمعية، واستثار وحفز تصدر الهويات والانتماءات التقليدية القديمة، ومهد البيئة الملائمة والحاضنة والمفرخة للجهل والتطرف والعنف والإرهاب. أمام دول مجلس التعاون الخليجي فرصة تاريخية وعليها الاستفادة منها وتوظيفها إلى أقصى حد متاح، مما يتطلب مواجهة التحديات الداخلية والاستحقاقات الوطنية المؤجلة ، بأساليب ومناهج عمل جديدة تتسم بالصراحة والشفافية ، وتجاوز سياسة التجاهل أو ردود الفعل الآنية وتدوير وترحيل المشكلات والأزمات التي تواجهها على رغم أهميتها وراهنيتها ، وارتباطها بمصالح وأمن واستقرار دولها ، وتطلعات وأمال ومستقبل شعوبها. من المهم استيعاب أبعاد هذه التحديات من خلال صياغة إستراتيجية شاملة(وتحديد آليات تنفيذها وتوقيتها ) على صعيد كل دولة وفي الإطار الخليجي العام ، وتغطي الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية، وتأخذ بعين الاعتبار نقاط القوة ، ونقاط الضعف، الانجازات التي تحققت ، والإخفاقات إن وجدت ، والتعامل معها بروح وفكر جماعي و استشرافي للمستقبل ، ومواجهتها بشجاعة ووضوح ، وهذا لن يتأتى إلا من خلال سياسة تعتمد على الذات (مقدرات وموارد) وتفعيل الإمكانات المتاحة كافة، وحشد القوى الفاعلة (الدولة والمجتمع) في مواجهة العراقيل والمعوقات القائمة أمام النخب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، واحترام استقلاليتها ، والتأكيد على دور وحق شعوب المنطقة في المشاركة في صنع القرار. نشير هنا إلى التآكل المستمر لمكانة ودور الدولة بشكل عام ، ومن بينها الدولة الخليجية (الراعية – الأبوية) الذي تحقق في السابق بسبب قلة السكان ووفرة الموارد المالية الضخمة التي في حوزتها ،والناجمة عن الطابع الريعي للاقتصاديات الخليجية المتأتي من ارتفاع أسعار النفط منذ العام 1973 والتي مكنت الدولة من الاستقلالية (الاقتصادية والأمنية والبشرية) شبه الكاملة إزاء المجتمع، والتحكم والتأثير على مسار التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ، من خلال أوجه الصرف والإنفاق ألبذخي ، و الشكلي من قبل الدولة، والمقترن غالبا بالفساد المالي والإداري . يشخص ذلك بمثابة تقاسم وظيفي بين الدولة الراعية (الأبوية) التي تمتلك مفاتيح التحكم والضبط والترهيب (العصا ) ووسائل الترغيب عن طريق الإنفاق على الخدمات والتوظيف والتنفيع والهبات التي اعتبرت بمثابة رشوة اجتماعية وفردية (الجزرة) من جهة، وبين المجتمع (الطفل التابع) المتكل على الدولة في جميع احتياجاته الأساسية بما في ذلك تحديد أنماط معيشته وسلوكه وتفكيره ،ورسم حاضره ومستقبله من جهة أخرى. في الواقع هناك فئات من المجتمعات الخليجية (عقلية الغنيمة) لا تزال تنظر إلى ما تقدمه الدولة الخليجية من دعم وخدمات باعتباره هبة ومكرمة، وفي المقابل تتعامل بعض المجاميع المتنفذة والمهيمنة مع موارد الدولة بمثابة ملكية خاصة لها. ومع أن تقلص دور ومكانة الدولة ونطاق تدخلها وتحكمها في أوجه الحياة المختلفة الذي أصبح سمة عالمية ومرتبطا بصورة وثيقة بنظام العولمة و " الليبرالية الجديد " التي تقدس قوانين السوق، وتسعى إلى تهميش دور ومكانة الدولة وسيادتها ووظيفتها الاجتماعية ، غير أنها في الوقت نفسه تؤدي إلى ترسيخ التبعية و التخلع والتشوه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في البلدان المختلفة وخصوصا في بلدان الجنوب . وهو ما يفرض على دول مجلس التعاون مهمات أنية ومستقبلية ،أهمها أعادة النظر في سياساتها التنموية العامة ( إنهاء الطابع الاقتصادي الأحادي ألريعي) وتعديلها بما يتناسب والاحتياجات والظروف الجديدة، والإمكانات الفعلية المتاحة، وان المدخل الصحيح والضروري لذلك يكمن في الإصلاح الجذري والشامل للبنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة. يشهد العالم العربي ومن ضمنه بلدان مجلس التعاون الخليجي تباينا وتفاوتا ملحوظا على صعيد إقامة وترسيخ دولة القانون والمؤسسات (دولة كل المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات)التي تتضمن الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. واعتماد آليات الانتخاب للمجالس التشريعية والمحلية والبلدية، والإقرار القانوني للحريات العامة الأساسية وممارستها. ومع ان بعض الخطوات والإجراءات المحدودة والمبتسرة قد تحققت على هذا الصعيد في بعض البلدان العربية ومن ضمنها دول المجلس إلا أن الصورة العامة غير زاهية على الإطلاق. صحيح أن مفردتي التغير والإصلاح أصبحتا من أكثر المفردات تداولا على صعيد القادة والحكومات، والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية (الموالاة والمعارضة) ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، غير أن غالبية الدول العربية ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي ، لا تزال تراوح مكانها على هذا الصعيد مع انها اتخذت بعض الخطوات الجزئية والمحدودة وغالبا من باب الاضطرار ، وليس خيارا داخليا ، وذلك تحت وطأة الضغوط الخارجية (الغربية والأمريكية تحديدا) ومجاراة للتغيرات العاصفة في البيئة الدولية وقبل كل شيء تحت وقع الحراك و انتفاضات ثورات الربيع العربي غير المسبوقة. وفي هذا الإطار فان المنطقة العربية إلى ما قبل اندلاع الثورات والانتفاضات في مطلع العام الجاري والتي لا تزال تأثيراتها وتداعياتها ممتدة في عموم العالم العربي ، كانت تعتبر من المناطق الأخيرة والقليلة في العالم التي لا تزال ممانعة وعصية إزاء متطلبات التغير والإصلاحات الديمقراطية، أو ما يطلق عليها الموجه الثالثة للديمقراطية التي اكتسحت ما تبقى من نظم ديكتاتورية وشمولية في جنوب أوربا (اليونان واسبانيا والبرتغال) ونضيف إليها تركيا بحكم موقعها الأوروبي وعضويتها في حلف شمال الأطلسي وذلك منذ السبعينات وحتى بداية الثمانينات من القرن المنصرم، ثم انتقلت هذه الموجه إلى أميركا الجنوبية وشرق أوروبا وامتدت لتشمل معظم دول جنوب شرق آسيا والدول الأفريقية منذ النصف الثاني للثمانينات إلى منتصف التسعينات من القرن العشرين. الاستثناء الوحيد هنا كانت المنطقة العربية . و نشير هنا إلى ثلاثة عوامل معيقة أمام التطور الديمقراطي في العالم العربي ، العامل الأول : أن النظم العربية ظلت تحتكر وتتحكم في المفاصل الأساسية للسلطة والثروة والقوة بحيث أصبحت السمة السائدة، ما بات يعرف (التأبيد والتوريث) ليس على صعيد الدول ( الملكية ) المتعارف عليها ، بل شملت النظم الجمهورية التي تشكلت في الغالب عن طريق انقلابات ، و استطاعت الجماعات البيروقراطية ومراكز القوى المتنفذة فيها من شخصنة ومصادرة الدولة والمجتمع ( مقدرات وموارد) وتهميشهما، وتحويلهما من خلال أنظمة الحكم الشمولية /الاستبدادية إلى ملكية شخصية يجري توارثها من خلال " الزعيم " الأوحد و " القائد الضرورة " و حكم العائلة ، ومعهم الدائرة الضيقة من المنتفعين . العامل الثاني: يتعلق بالضعف الهيكلي للمجتمعات المدنية العربية وتدني مستوى تطورها الحضاري والاقتصادي والاجتماعي ، والعائد إلى أسباب سياسية في المقام الأول و تتحمل تبعاتها قبل كل شيء الأنظمة الحاكمة، ودون إغفال العوامل التاريخية والاجتماعية والثقافية التي رسخت أنساق فكرية ماضوية ، و بنى اجتماعية أبوية متخلفة ، سمحت بتسلط وهيمنة وتغول الاستبداد . العامل الثالث : علاقة التبعية والإلحاق على مدى عقود بالولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما ، حيث سيطرت أنظمة استبدادية وخانعة للغرب مثلت معبرا وأرضية مواتية لفرض مصالحه المتمثلة في النفط والأسواق وصفقات السلاح ، إلى جانب دعم وحماية إسرائيل وعدوانيتها ، واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية . كل ذلك أدى إلى غياب أو تهميش المجتمع ومؤسساته المدنية ، وضعفها البنيوي والتي أسهمت فيها إلى جانب السلطات الحاكمة ، بعض القوى والتيارات (على اختلاف مرجعياتها) التي تماهت مع الأنظمة والحكومات أو حظيت بدعمها ورعايتها بصورة مباشرة وغير مباشرة (وفقا لمصالحها) حيث تمكنت من تعطيل حركة التقدم والديمقراطية، وإعاقة تبلور مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المستقلة وتحويلها إلى ملحق وواجهة شكلية للسلطة أو حرفها عن مسارها الصحيح . كما سعت بعض التيارات الإسلامية (الأصولية) المتشددة إلى فرض وصايتها على المجتمع المدني ومحاولة اختطافه ومصادرته وفقا لرؤيتها الأيديولوجية والسياسية (الشمولية) المحافظة والأحادية التي ترفض التنوع والتعددية والاستقلالية للمؤسسات المدنية من حيث هي المعادل والمكافئ للسلطة السياسية ومنعها من " التغول " والتفرد والاستبداد، وذلك تحت شعارات عامة وفضفاضة مثل ‘’أسلمه المجتمع’’ و’’الإسلام هو الحل’’ و’’الحاكمية لله’’ و’’القرآن دستورنا’’، والمبالغة في التركيز على الشكليات المظهرية ، و الخصوصيات الدينية والاجتماعية والثقافية . كما يجري على نطاق واسع الترويج لنظرية المؤامرة(الاستعمارية - الصليبية – اليهودية) الخارجية باعتبارها العامل الرئيس في تخلف وهزيمة وتبعية العرب والمسلمين. التجربة التاريخية العامة لعلاقة الدولة بالمجتمع في العالم العربي أوجدت خياران لا ثالث لهما الأول: هو خيار المواجهة المباشرة التي تضع المجتمع والقوى والنخب المدنية في مواجهة مفتوحة مع السلطة ، وفي هذه الحالة فان الحكومات غالبا ما تلجأ إلى استخدام العنف والإرهاب ضد مكونات ومؤسسات المجتمع المدني ، والعمل على مصادرتها أو تهميشها ، ضمن موازين القوى الداخلية والعامة التي كانت حتى اندلاع الثورات العربية في صالح الأنظمة الحاكمة ، وذلك بغرض إحباط مطالب الشعب والمجتمع (السلمية) نحو الإصلاح والحرية والديمقراطية والعدالة، مما يترك المجال لتفاقم التوتر والاحتقان والإحباط إزاء الحاضر، وانسداد الأمل والأفق للمستقبل، وهذه البيئة من شأنها تفريخ النزعات و الحركات الراديكالية والمتطرفة على غرار تنظيم القاعدة وأمثالها المناهضة للحكومات ، والتي تسعى إلى فرض أهدافها عن طريق العنف والإرهاب من جهة ، كما يعمل على تأجيج وتصعيد الاحتقان السياسي والاجتماعي الداخلي ، وتفجر المواجهات والتحركات الشعبية التي تواجه بالقمع الشرس من قبل السلطات الحاكمة في غالب الأحيان ، الأمر الذي يؤد إلى تفجر أعمال العنف المتبادل ( الحكومات والجماعات والأفراد ) ويفسح المجال أمام القوى الخارجية للتدخل وفقا لأجندتها ومصالحها من جهة أخرى التجربة التاريخية والعيانية في العالم العربي ، وخصوصا في ضوء الانتفاضات والثورات العربية التي كان الشباب مفجرها و محركها الرئيس تؤكد إن تغييب و تهميش المشاركة الشعبية في صنع القرار القرار ، وغياب وضعف مؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك التكوينات السياسية المختلفة أو إلحاقها بالسلطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، من شأنه العمل على تعميق حال الفراغ والضعف لدى المجتمع ويدفع قوى مختلفة ( وغالبا ما تكون جماعات اسلامية متشددة أو معتدلة) إلى محاولة ملئه بالضرورة ، وهو ما يحمل في طياته مخاطر مصادرة المجتمع واختطافه . كما ان استبداد وقمع السلطة وفشلها إزاء مختلف التحديات والاستحقاقات الوطنية الداخلية من شأنه العمل على تقويضها، كما يتيح المجال للتدخلات الخارجية ، ويكفي أن نشير هنا إلى حالات ليبيا وسوريا واليمن والبحرين وغيرها . ثانيا : يتمثل هذا السيناريو في اعتماد الحوار والشراكة الايجابية بين الدولة والمجتمع المدني وبما يحفظ مهمات وواجبات الدولة من جهة ، واعتماد برنامجا للإصلاح السياسي الشامل ، يضمن المشاركة الشعبية في صنع القرار، واستقلالية المجتمع المدني من جهة أخرى . غير إن مؤشرات الواقع كانت تفيد بأن النظم العربية في معظمها لجأت إلى السيناريو الأول. على صعيد بلدان مجلس التعاون الخليجي لا نستطيع إغفال بعض المنجزات الإيجابية التي تحققت على مدى العقود الماضية ، ونشير هنا إلى التجربة الديمقراطية في دولة الكويت منذ عام 1961 على ما يشوبها من نواقص جدية أثارت ردود فعل معارضة من قبل النخب السياسية والبرلمانية الكويتية ، ونضيف اليها تجربة مملكة البحرين التي تحققت فيها منجزات هامة منذ تسلم العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة للحكم في عام 1999 ، ومن بينها إنهاء حال الاحتقان الداخلي ، إطلاق سراح المعتقلين ، والسماح بعودة المنفيين السياسيين ، وعودة الحياة البرلمانية ، وكفالة حق تشكيل الجمعيات السياسية ، وطرح الميثاق الوطني للاستفتاء الشعبي في فبراير 2001 والذي نال أغلبية ساحقة . غير ان المسار الديمقراطي في البحرين بات يكتنفه الكثير من الغموض في ظل التطورات السلبية والمواجهات الدامية الأخيرة ، والتي ذهب ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى والآلاف من المعتقلين والمفصولين من أعمالهم . وقد أرسلت قوات درع الجزيرة عل عجل إلى البحرين ،وهي المرة الأولى التي تتدخل فيها تلك القوات لحسم نزاع داخلي في دولة خليجية ، وذلك تحت عنوان حماية البحرين من التدخلات الخارجية , في حين تعتبرها المعارضة البحرينية أنها جاءت في سياق الرد على الحراك الشعبي المطالب بتفعيل بنود الدستور باتجاه إرساء الملكية الدستورية . كما لا يمكن إغفال إن هذا التدخل جاء منعا لانتقال عدوى تلك المطالب إلى بقية دول المجلس . وفي سلطنة عمان وعلى أثر التحركات الشعبية التي شهدتها بعض المناطق وشارك فيها الآلاف من المتظاهرين ، أقدم السلطان قابوس على اتخاذ بعض الخطوات الإيجابية لنزع فتيل الاحتقان الداخلي ، و تنفيذ بعض المطالب الشعبية من خلال إجراءات اقتصادية وسياسية ، من بينها التصدي لبعض القضايا الجدية ، كالفساد و البطالة والفقر ، كما جرى رفع سلم الرواتب ، وتوفير عشرات الآلاف من الوظائف للعاطلين ، وتقديم منح بطالة لمن لا يملك وظيفة ، وسبق ذلك إقالة العديد من الوزراء والمسئولين التي طاولتهم تهم الفساد أو التقصير ، كما اعتمد تشكيل أعضاء المجلس الاستشاري ورئيسه ونائبه عن طريق الانتخاب المباشر من قبل الشعب ( بدلا من النصف ) كما رفعت صلاحيات المجلس على الصعيدين التشريعي والرقابي بما في ذلك مسائلة ومحاسبة الوزراء والمسئولين . تلك الخطوات على أهميتها غير أنها اعتبرت غير كافية من قبل قطاعات ونخب عمانية معتبرة . سأقف عند تجربة الكويت التي تعتبر بحق رائدة في التجربة البرلمانية والدستورية والديمقراطية ، ليس على صعيد بلدان مجلس التعاون الخليجي فقط وإنما على الصعيد العربي العام . فقد استقلت الكويت في عام 1961 واعتمد الشيخ عبد الله السالم الصباح(أبو الدستور) الخيار الدستوري بالتوافق مع ممثلي المجتمع الكويتي والذي اقر من خلال الجمعية التأسيسية عام 1962 وهكذا تشكلت دولة الكويت منذ البداية كدولة دستورية قائمة على أساس القانون والمؤسسات التي تتضمن الفصل بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإعطاء المجال واسعا لقيام وتفعيل منظمات ومؤسسات المجتمع المدني المهنية والنقابية والثقافية والخيرية. أما التنظيمات السياسية فقد اعتبرت أمرا واقعا ، تعاملت معه السلطة (دون أن يصدر قانون يشرع قيامها) كحقيقة قائمة.المفارقة الدالة هنا أن التجربة الديمقراطية في الكويت ظهرت إلى الوجود في ظل وضع عربي (رسمي وشعبي) مناهض وسلبي إزاء موضوعة الديمقراطية وشمل ذلك النظم الموسومة بالثورية أو المحافظة ، والأمر ذاته شمل التيارات السياسية العربية على اختلاف مرجعيتها السياسية والأيدلوجية على حد سواء . وقد استمرت الديمقراطية ( على تشوهاتها وقصورها ) الكويتية رغم لجوء السلطة إلى حل البرلمان لمرات عديدة ، وقد ثبت فاعليتها إزاء الهزات والأزمات التي واجهتها الكويت وخصوصا محنة غزو النظام العراقي 2 أغسطس /آب 1990 الذي كان يستهدف ابتلاعها وتحويلها إلى محافظة عراقية . لقد اختبر بصورة رائعة التماسك والوحدة الوطنية والتفاف الشعب الكويتي حول الأسرة الحاكمة باعتبارها رمزا لاستقلال الوطن و وحدة الشعب. كما تابع الجميع الانتقال السلس للحكم الذي أصبح بموجبه الشيخ صباح الأحمد الصباح أميرا للكويت في 24 يناير/كانون الثاني 2006 خلفا للأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي توفي في 15 من الشهر نفسه. وقد احتكم الجميع إلى مجلس الأمة والدستور الذي يتضمن آليات توريث الإمارة في حالات الوفاة أو العجز. واللافت في الانتخابات الأخيرة هو مشاركة النساء بكثافة وممارستهن لأول مرة حقهن في الترشيح والتصويت وفوز أربع سيدات في عضوية مجلس الأمة الكويتي وهو ما تحقق بفضل نضالهم الدءوب والطويل والمفعم بالتضحيات على هذا الصعيد ،والذي تكلل بتبني القيادة السياسة لهذه المطالب على رغم رفض ممثلي بعض التيارات الإسلامية والقبائل لهذا التوجه. والأمر الثاني هو نجاح المعارضة الإسلامية/الليبرالية الإصلاحية في توحيد جهودهما وتحقيق فوزا مهما في الانتخابات الأخيرة من خلال تركيزهما على مكافحة الفساد وتعميق خطوات الإصلاح وإعادة النظر في توزيع الدوائر الانتخابية. بالتأكيد لايمكن غض النظر عن السلبيات الجدية و العثرات والمناكفات السياسة والممارسات والتجاوزات الرسمية كاللجوء إلى حل المجلس في مرات سابقة، والتدخل في سير الانتخابات لصالح بعض المرشحين وتشجيع ودعم العناصر القبلية والإسلامية واستخدام المال العام في العملية الانتخابية وفي دعم النواب الموالين للحكومة من جهة ، أو التجاوزات الأهلية الخاطئة على غرار الانتخابات الفرعية الداخلية قبليا وطائفيا واستخدام الدين في الدعاية الانتخابية من جهة أخرى . مع كل تلك السلبيات فأن التجربة الديمقراطية في الكويت مثلت تاريخيا تجربة عربية وخليجية رائدة .
على صعيد السعودية . لا نستطيع إغفال بعض الخطوات الإصلاحية الهامة التي تحققت في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسعيه لإرساء مبدأ الشفافية والمكاشفة والمصارحة إزاء العديد من القضايا والمشكلات والصعوبات التي تواجهنا، ونذكر من بينها إقامة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني ( 2004 )، الذي نظم العديد من الفعاليات والدورات للحوار والنقاش الصريح، بين ممثلي المكونات الاجتماعية والمذهبية والثقافية المختلفة في بلادنا، وخرج بتوصيات مهمة غير أنه لم يجر تفعيلها على الصعيد العملي ، وكذلك معاينة التحسن النسبي في ارتفاع منسوب حرية التعبير والرأي والفكر، وخصوصا على صعيد الصحافة والإعلام في السنوات الأولى ، لكن في المقابل نشهد بعض التراجع على هذا الصعيد في الآونة الأخيرة ، والذي عبر عنه نظام المطبوعات والنشر المعدل الصادر في شهر حزيران / يونيو الماضي الذي أشتمل على عقوبات قاسية كالسجن والغرامة المالية لكل من ينتقد كبار العلماء وموظفي الدولة ، والأمر ذاته ينطبق على ما جاء في مشروع مكافحة الإرهاب والذي يحمل في طياته تضيق واضح على حرية الرأي والنشر والتجمع السلمي . لقد اتخذت بعض الخطوات الهامة على صعيد مكافحة الفساد ( الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد ) والفقر ( الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر ) والبطالة ( الإستراتيجية الوطنية لمكافحة البطالة ) ، غير أنها تتطلب مزيدا من الشفافية والتفعيل العملي على أرض الواقع ، وذلك من خلال مشاركة مؤسسات وهيئات المجتمع المدني التي لا تزال معاقة ، والمؤمل تشريع تشكيلها في القريب العاجل. كما تحققت بعض المنجزات على صعيد حقوق المرأة في السعودية أخرها ما جاء في خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز لدى افتتاحه لأعمال مجلس الشورى لهذا العام حول إشراك المرأة في عضوية مجلس الشورى في دورته القادمة وحقها في الانتخاب والترشح في انتخابات المجالس البلدية مستقبلا . لكن في المقابل نجد بأن القضاء أمر بجلد امرأة في جدة في نفس الأسبوع لقيادتها السيارة ( ألغي الحكم بقرار من الملك ) . بوجه عام نرى وتيرة الإصلاح في السعودية وفي مفاصله الأساسية لا يزال يراوح مكانه ويكتنفه الغموض ، ويواجه الكثير من العقبات والمعوقات الجدية . ونذكر من بينها دور البيرقراطية الحكومية الفاسدة ، و الموقف السلبي للفئات المتنفذة ذات المصالح والامتيازات غير المحدودة ، ناهيك عن رفض وممانعة قوى اجتماعية ودينية محافظة ، لها سطوتها ونفوذها القوي على صعيدي الدولة والمجتمع ، كلها تسعى لفرض استمرار العقلية و الذهنية والأساليب والممارسات القديمة، وهو ما يفسر عداءها و مناهضتها لقيام دولة القانون والمؤسسات الدستورية المستندة إلى مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وتحقيق المشاركة الشعبية الكاملة في اتخاذ القرار من خلال اعتماد مبدأ الانتخاب الحر والمباشر لمجلس الشورى والمجالس المحلية والبلدية وغيرها من المرافق والمؤسسات ذات العلاقة بالمواطنين . الأمر ذاته ينسحب على ضرورة التسريع بإصدار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية الذي يجيز قيام مؤسسات مستقلة للمجتمع المدني التي تتكامل موضوعيا مع الدولة، وتكون رافدا ومعينا لها، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية المحدقة كافة، من خلال العمل على تثبيت وترسيخ الوحدة الوطنية والمجتمعية، كما تكون داعما ومشاركا، في عمليتي التنمية المستدامة والإصلاح الشامل من جهة أخرى . لقد تحققت بعض الخطوات الإصلاحية المحدودة والجزئية والتي لا تزال متواضعة على صعيد المشاركة الشعبية في كل دولة الأمارات العربية المتحدة ودولة قطر . هذا التقدم والتطور المتفاوت ، على صعيد المشاركة الشعبية في بلدان مجلس التعاون الخليجي لا يزال محدودا في جوانبه المهمة والأساسية ، وبالتالي يتعين و يتطلب عمل الكثير على صعيد ترسيخه وتعميقه وخصوصا على صعيد البناء الدستوري / القانوني / الحقوقي وبناء دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات . ناهيك عن ضرورة إحداث تغييرات جوهرية على الصعيد الاقتصادي والعملية التنموية التي تستهدف إنهاء الطابع الريعي ( الذي يعتمد على النفط بشكل رئيس ) للاقتصادات الخليجية ، ومواجهة مشكلات البطالة والفقر والفساد الأخذة بالتفاقم في العديد من دولها غير أنه ما يثير الاحتقان لدى قطاعات واسعة من الناس والنخب الخليجية ، هو سقوط عشرات القتلى والجرحى في مواجهات دامية بين المتظاهرين وأجهزة الأمن كما حصل في البحرين وعمان والسعودية ، و استمرار وتصاعد وتيرة اعتقال وسجن ومحاكمة الناشطين والحقوقيين والكتاب وممثلي المجتمع المدني في غالبية دول مجلس التعاون الخليجي ، كما لا يزال الآلاف من المعتقلين الأمنيين يرزحون في السجون منذ سنوات دون مسوغات قانونية ، أو تقديمهم إلى محاكمة تتوفر فيها شروط العدالة أفاق الوحدة والإصلاح في دول مجلس التعاون في محاضــــــرة له بمهرجان الجنادرية قبل سنوات ، أعلن وزير خارجية المملكة العربية السعودية الامير سعود الفيصل ان " الأوان قد آن لأن نمتلك الشجاعة الكافية لنقرر أن الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسيـــة هما المنطلقان الأساسيان لتجاوز الأزمة الهيكلية التي تتعرض لها دولنا العربية، وهما المدخلان العمليان لبناء النهضة العربية الشاملة والتعامل بموضوعية وواقعيـــة مع المستجــــدات والمتغيرات المتلاحقة على الساحة الدولية على الصعد السياسية والاقتصادية والتقنية والمعلوماتيــة " . هذه العبارات التي أعلنها الفيصل وفي ضوء التحديات الداخلية والخارجية (الإقليمية والدولية) المتزايدة التي تواجهها دول مجلس التعاون الخليجي ، وفي ظل العولمة و قيام التكتلات الاقتصادية العالمية والقارية والإقليمية الكبرى، وما نجم من نتائج و تأثيرات عميقة للأزمة المالية والاقتصادية العالمية ، ومع اندلاع الثورات والانتفاضات العربية وتداعياتها الحتمية على عموم المنطقة العربية بما في ذلك دول المجلس . كل ذلك يضعنا أمام استنتاج أساسي هو ان دول المجلس معنية أكثر من أي وقت مضى بتلمس وتشخيص تلك المتغيرات العميقة ، واستخلاص عبرها ، والاستفادة من دروسها بهدف بتطوير التعاون المشترك في ما بينها في المجالات كافة وصولا إلى تحقيق شكل من أشكال الاتحاد " الكونفدرالية " بين دولها تشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والتشريعية والأمنية والعسكرية كافة ، وبما يتيح المرونة والمحافظة على خصوصية ومصالح كل دولة ومستوى ودرجة تطور مجتمعاتها ومكاسب وانجازات شعوبها وخصوصا في المجالات السياسية والاجتماعية والحقوقية . وفي هذا الإطار عليها الاستفادة من دروس فشل تجمعات واتحادات عربية أصبحت مجرد هيئات شكلية " بيروقراطية " سرعان ما انتهت على غرار مجلس التعاون العربي (مصر، العراق، واليمن، والأردن) الذي انهار وانتهى في أعقاب غزو العراق لدولة الكويت. أما الاتحاد المغاربي الذي يضم الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، فإنه مازال يراوح مكانه. ولا حاجة لأن نقف إزاء الوحدات الفورية (الفوقية) الثنائية والثلاثية والرباعية التي راجت في عقد السبعينات والتي انتهت قبل أن يجف مداد الحبر الذي سكب في صياغتها، وهذا عائد إلى تغليب التناقضات والاختلافات وأحيانا العداوات بين النظم والدول العربية المنخرطة في تلك الوحدات وغلبة المصالح الظرفية (السياسية والاقتصادية والأمنية) والعارضة التي تمثل عاملا رئيسا في تشكل تلك الاتحادات وليست الإرادة والرغبة الشعبية المشتركة ، المنطلقة من وعي قومي لأهمية التعاون والتنسيق والتكامل المشترك انطلاقا من وحدة المصير والمصالح ، وضرورة تحصين البيت العربي في مواجهة التحديات والمخاطر وبما يحقق آمال وتطلعات الشعوب العربية في الاستقلال والتقدم والحرية والعدالة والوحدة. ومن هذا المنطلق فإن استمرار مجلس التعاون الخليجي ليس غاية في حد ذاته، بل انه وسيلة وأداة لتحقيق حالة متقدمة من الانجاز المشترك والتقدم نحو المستقبل، وإلا فإنه لن يختلف عن حال الجامعة العربية التي مضى على تأسيسها أكثر من ستة عقود، وأصبح غاية الأمل وذروة الانجاز مجرد انتظام دورات القمة التي تخرج بقرارات وبيانات ومزايدات موجهة للاستهلاك لدى الرأي العام والشعوب العربية، في حين تكون القرارات والتوصيات ومشروعات العمل الجدية مثل ‘’السوق العربية المشتركة’’ و’’الاتحاد الجمركي العربي’’ و’’اتفاقية الدفاع العربي المشترك’’ مصيرها النسيان والإهمال، لذا ينبغي مقارنة تجربة مجلس التعاون مع التجارب والنماذج الإيجابية ، مثل تجربة الاتحاد الأوربي ومنطقة اليورو ( على ما اعتراها من وهن وضعف في الآونة الأخيرة ) والتجمعات والتكتلات الاقتصادية والسياسية الإقليمية والقارية الأخرى في العالم . لقد بدا وكأن قوة الاستمرارية والدفع باتجاه مهمات أوسع قد فقدت زخمها وتراجعت، على صعيد دول مجلس التعاون ، وهو ما يتطلب كثير من العمل والمتطلبات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية لكي تواكب تطلعات وأمال شعوبها التي اعتبرت قيام المجلس خطوة في الاتجاه الصحيح، وفي هذا الصدد نشير إلى بعض المعطيات المتعلقة بهذه الميادين والمجالات: على الصعيد السياسي من الضروري الارتقاء بأداء المجلس وأمانته العامه وتفعيل آليات عمله وفقا لمبادئ وبنود الميثاق الذي قام عليه المجلس، مع إدخال التطوير والتحسين الضروري لمواكبة المستجدات والتطورات بما في ذلك تفعيل دور ومكانة المجلس الاستشاري الخليجي وتوسيع صلاحياته باعتباره هيئة اعتبارية لها شخصيتها المستقلة، وان يكون أعضاؤه يتمتعون بالاستقلالية وبعيدين عن التأثر والتوجيه المباشر من الحكومات والدول التي ينتمون إليها، وصولا الى وضع آليات لانتخاب المجلس الاستشاري بصورة مباشرة من قبل مواطني دول المجلس على غرار البرلمان الأوربي . يتعين العمل على تطوير المشاركة الشعبية في صنع القرار من خلال الإصلاح السياسي والمؤسسي الشامل (الذي أنجزت بعض خطواته في بعض البلدان الخليجية ) الذي يعني قيام دولة القانون والمؤسسات من خلال تأكيد الفصل بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) واعتماد آلية ومبدأ الانتخاب للمجالس التشريعية والمحلية والبلدية، وإتاحة المجال لإقامة وتشكيل مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني (السياسية والنقابية والمهنية والاجتماعية والثقافية) وضمان استقلاليتها وذلك على صعيد كل دولة خليجية وعلى صعيد دول المجلس ككل ، وإطلاق حرية الرأي والتعبير والتفكير والكتابة والنشر التي تشمل الإعلام والصحافة، وكفالة حقوق الإنسان ( فردا وجماعة ) ، وتطوير خطاب ديني وإعلامي وتعليمي ينبذ الأحادية والإقصاء والتكفير ويؤمن بالتعددية واحترام الآخر. ومن الضروري في هذا الصدد العمل على صياغة قوانين وأنظمة للإصلاح الإداري والوظيفي للحد من مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام ، وتشجيع قيام الهيئات الأهلية (المستقلة) والحكومية التي تدافع عن الحقوق المدنية وتراقب وترصد أية انتهاكات (بسبب العرق والدين والقبيلة والمذهب والجنس) قد تحدث سواء من قبل الجهات الرسمية والحكومية أومن قبل الجماعات المتشددة والمتطرفة ( التكفيرية ) بغض النظر عن المنطلقات والمبررات لما قد تحدثه تلك الممارسات والانتهاكات من احتقانات وصراعات وانقسامات وتذرر اثني وقبلي وديني وطائفي ومن أضرار بالغة بالوحدة الوطنية ،وإثارة الكراهية والأحقاد والعنف والإرهاب. مجلس التعاون الخليجي .. واقع وتطلعات ذكرى مرور 30 عاما على الإعلان عن قيام " مجلس التعاون " لدول الخليج العربي في 25 مايو/ أيار 1981 جاءت باهتة على المستويين الرسمي والشعبي وبين النخب الخليجية باستثناء احتفال برتوكولي نظمته الأمانة العامة للمجلس إبراء للذمة . ما يبرر جزئيا ذلك الفتور قد يتمثل في الظروف الجارية الدقيقة والمتسارعة ، في المشهد العالمي والإقليمي والعربي ، وخصوصا المتمثل باندلاع الثورات والانتفاضات والتحركات الاحتجاجية التي شملت العالم العربي الذي بات يمر بمرحلة انتقالية دقيقة وحساسة تتلاشى فيها مرحلة قديمة ، في حين لم تتضح بعد الملامح والوجهة النهائية للمرحلة الجديدة ، غير ان تأثيراتها وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة مست و ستمس بالضرورة دول مجلس التعاون . هنا علينا أن نقر بأن العامل والسبب الرئيسي لذلك الفتور هو حالة الإحباط وعدم اليقين السائد لدى شعوب المنطقة ونخبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، بان مجلس التعاون لم يواكب طموحاتها وآمالها التي علقتها عليه حين تأسيسه، وانه في ظل التعثر إزاء قضايا جوهرية ، تمس العمل الخليجي المشترك وصل أوقد يصل إلى طريق مسدود. ومع أن لقاءات القمة (الرسمية) الدورية تعقد في أوقاتها الدورية المقررة ووفقا لأجندة متفق عليها ويصدر عنها توصيات وقرارات (طموحة) غير أنها باتت حد كبير على شاكلة مؤتمرات القمة العربية ونتائجها التي لا ترى النور، وتضيع وسط ركام البيروقراطية وغياب الجدية في التنفيذ (نستثني بعض القرارات المحدودة وخصوصا في الجانب الأمني) ، وهو ما أشار أليه بوضوح منذ سنوات الملك عبد الله بن عبد العزيز ( حين كان وليا للعهد ) . وذلك يعود في المقام الأول من جراء تغليب بعض التناقضات (الثانوية) الثنائية وتقديم الأولوية للمصالح الخاصة لكل دولة في رسم وصياغة علاقتها الإقليمية والدولية على كافة المستويات، وهو ما يستدعي القيام بمراجعة دقيقة وشاملة لمسيرة المجلس بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وذلك في إطار من المكاشفة والشفافية للخروج من عنق الزجاجة وتجاوز العقبات والعوامل السلبية الموجودة. وفي هذا الإطار لابد من التنويه بان تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي رغم طابعه الفوقي والظرفي (المرتبط باندلاع الحرب العراقية - الإيرانية) وانطلاقا من مبادئ إعلان تأسيسه ونظامه الأساسي وقراراته (معظمها لم تفعل) فإنه مثل خطوة مهمة تتفق وتلتقي مع طموحات وأهداف مواطني الخليج والجزيرة العربية في تحقيق مزيد من التعاون والتكامل وصولا إلى تطوير هذه الصيغة شكلا ومضمونا باتجاه بلورة حالة أرقى من أشكال الاتحاد أو الوحدة ( الكونفدرالية ) الخليجية ، خصوصا مع توفر العوامل لنجاح هذا التوجه بدرجة اكبر مما في مناطق وأقاليم عربية أخرى، ويكفي أن نشير إلى أن أول تجربة وحدوية عربية ناجحة في العصر الحديث تحققت في الجزيرة والخليج العربي في الثلاثينات من القرن المنصرم عندما تأسست المملكة العربية السعودية ، وأمامنا أيضا التجربة الناجحة الأخرى المتمثلة في قيام دولة الأمارات العربية المتحدة في مطلع السبعينات. صحيح أن الظروف التاريخية والعوامل الموضوعية قد رسخت إلى حد بعيد الكيانات والمجتمعات الخليجية في بلدان ( قطرية) مستقلة ذات سيادة على غرار الأقطار العربية الأخرى، كما أن مستويات تطورها السياسي والاجتماعي والثقافي (في الوقت الحاضر) متباين وهذه حقائق لا يمكن القفز عليها بل يجب أخذها بعين الاعتبار لدى التطرق والبحث عن أساليب وآليات جديدة لتطوير العمل الخليجي المشترك. هناك حقائق تاريخية وجيو / سياسية لا يمكن القفز عليها . فمنطقة الخليج والجزيرة العربية تشكل كيانا جغرافيا واحدا وتمتلك جذورا تاريخية مشتركة وخصائص اجتماعية وثقافية ولغوية وإثنية متماثلة ، كما أن نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية متشابهة، وقبل كل شيء فإن مصالحها ومصيرها ومستقبلها ووجودها مرتبط بمدى النجاح في تحقيق أقصى درجات التنسيق والتكامل على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، خصوصا في ظل العولمة وبروز التكتلات الإقليمية والقارية والدولية الكبرى ومحاولات القوى الإقليمية والدولية (خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر والتطورات الجارية في العراق ) ترسيخ وجودها ومصالحها وتوسيع نفوذها في المنطقة واستغلال موقعها الجيواقتصادي في المنافسة والصراع الدولي في عالم لا مكان فيه للكيانات الصغيرة . علينا استيعاب الدروس من تجربة دول الاتحاد الأوربي الذي يضم بلدانا وشعوبا تختلف من حيث منحدراتها القومية والاثنية واللغوية والثقافية، وحكمها تاريخ طويل من المنازعات والحروب الدامية، ومع ذلك استطاعت تجاوز كل التناقضات والصراعات والعداوات وأقامت كيانا سياسيا واقتصاديا ونقديا موحدا من اجل تحسين موقعها إزاء المراكز الأخرى في نظام العولمة، وهو ما يتطلب مزيداً من الجهد والعمل من قبل القادة والشعوب والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية للارتقاء بالعمل الخليجي المشترك وإضفاء البعد والطابع الشعبي من خلال تحفيز دور ومشاركة منظمات المجتمع المدني في تعميم وتقويم وتصويب مسيرة مجلس التعاون الخليجي ، الذي واجه منذ قيامه تحديات خارجية خطيرة تمثلت في حرب الخليج الأولى (1980 - 1988) بين العراق وإيران وما رافقها من تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية تأثرت بها الدول الخليجية كافة ، ثم جاءت حرب الخليج الثانية حين أقدم نظام صدام حسين على اجتياح دولة الكويت وتشريد شعبها، وما تعرضت له دول المنطقة من تهديدات ومخاطر جدية من قبل النظام العراقي البائد. وقد مثل التضــامن والـــدعم الخليجــي المشـــترك (إلى جــانب الــدور الحـــاسم الذي لعبتـــه الـــدول الكـــبرى وخــــاصة الولايـــات المتحدة التي تقاطعت والتقت مصالحها آنذاك مع المصلحــة الخليجية) أحــــد العـــوامل الرئيسة في دحـــر العــــدوان وتحـــرير دولـــة الكـــويت وهــو ما يمثل احـــد الانجـــازات القليلة لمجـــلس التعاــــون . وعلى اثر هجمــــات 11 سبتمبر 2001 الارهـــابية التـــي تعـــرضت إليـــها الولايات المتحدة الأمريكية من قبـــل تنظيم القــــاعدة ، واتضـــاح أن الأغلبيـــة الساحـــقة من منـــفذي تلك الهجـــمات ينتمـــون إلى دول المنطقــــة (معظـــمهم من الســــعودية) فان دول الخلـــيج العــــربي أصبـــحت في عين العـــاصفة وبــــدأت تتـــعرض إلى ضغـــوط متزايدة من قبل الولايات المتحدة والغرب، عموما فيما يتعلق بأوضاعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وصلة ذلك بتفشي نزعات العنف والتطرف والإرهاب ،وخصوصا في ضوء الإستراتيجية الأميركية القديمة – الجديدة في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش التي دشنت الحرب ضد الإرهاب والقوى والدول التي تعتبرها داعمة وحاضنة له ،وعلى النحو الذي تابعه العالم بدءا من إسقاط نظام طالبان ثم نظام صدام حسين، كما تزايدت الدعوات إلى تجفيف البيئة الفكرية والثقافية والاجتماعية الدافعة والمولدة للعنف والكراهية والإرهاب التي أول ما طالت دول المنطقة (السعودية بالدرجة الأولى) . ناهيك عن الأحداث الدامية الجارية في العراق وتعميق الانقسامات الاثنية والدينية والطائفية فيه، إلى جانب المواجهة المحتدمة بين الولايات المتحدة (حول العراق ولبنان وسوريا والموضوع النووي) وإيران وما يمكن أن تسفر عنها من تداعيات خطيرة على مجمل الأمن والاستقرار في البلدان الخليجية ومجمل المنطقة العربية والعالم. واهم ومخطئ من يضن بأن دول مجلس التعاون الخليجي ستكون محصنة أو بمنأى من تداعيات وتأثيرات الربيع العربي تحت وهم الخصوصية الخليجية ، الاجتماعية ، الدينية ، الثقافية والاقتصادية . فالأوضاع العامة السائدة متشابهة في العالم العربي ، اما الخصوصية إذا كان هناك من خصوصية فهي في التفاصيل. الشعوب العربية في العديد من البلدان العربية تهدر في الشوارع رافعة شعار إسقاط النظام ، أما الشعوب الخليجية ونخبها لا تزال تطالب حتى الآن بالإصلاح الحقيقي والشامل الذي يستجيب لتطلعاتها المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة .
#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوحدة الخليجية .. والاستحقاقات المطلوبة
-
منتدى وحدة الخليج والجزيرة العربية
-
- أبو أمل - .. نضالاتك و تضحياتك تتجسد شموسا وأقمارا
-
هل نحن بصدد عولمة جديدة ؟
-
أزمة الديون الأمريكية وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي
-
معوقات التغيير في العالم العربي
-
رحيل المثقف و الإنسان .. شاكر الشيخ
-
دور البطالة والفقر في إشعال الثورات العربية
-
تساؤلات حول الفقر المدقع والفقر المطلق
-
المثقف العربي وربيع الثورات والانتفاضات العربية ؟
-
أوباما ونتنياهو .. اختلاف في الشكل وتطابق في الجوهر
-
هل تدشن ذكرى النكبة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة؟
-
أبعاد ودلالات المصالحة الفلسطينية
-
رحيل خلدون النقيب
-
سؤال الهوية في زمن التغيير؟
-
جريمة بشعة مجللة بالعار!
-
استعادة الوعي .. ووهم الخصوصية
-
المسار المتعرج للتغيير في العالم العربي 2-2
-
المسار المتعرج للتغير في العالم العربي
-
المخاض الليبي العسير!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|