جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3559 - 2011 / 11 / 27 - 22:15
المحور:
كتابات ساخرة
هل تعلموا بأن الفن هو أشرف مهنة في العالم, وهو المهنة الوحيدة المطلوبة أينما نذهب وخصوصا مهنة الرسم فهذه المهنة مطلوبة حتى عند مهندسي تصميم وتشغيل الماتورات الكهربائية أو التي تعمل على الطاقة النفطية,ومهنة الفن هي المهنة التي لا يمكن تعلمها في الجامعات وفي الكليات العلمية ولكن من السهل تدريس النقد الفني أما تعليم الفنان الفن فهذا مستحيل لأن الفنان يولد فنانا ويموت فناناً ومنه يتعلم النقاد والمؤرخون,وكذلك الشاعر والرسام والممثل...إلخ.. وهل تعلموا بأن المنزل المتواجد به فنانون من مختلف الأعمار يكون المنزل على الأغلب مسكونا بأرواح طيبة ونفوس هادئة وعيون حساسة للبكاء بقدر ما هي حساسة للضوء؟, وأول الممثلين المصريين لم يكونوا من عائلات محافظة بمعنى المحافظة على القيم والعادات والتقاليد وبأن معظم الفنانات والممثلات كن يئتين إما من اليهود أو من الأقباط المصريين كونهم أكثر انفتاحا من المسلمين وكونهم يعرفون بأن هذه المهنة هي أفضل وظيفة في العالم , ومعظم الفنانين انحدروا من عائلات متواضعة وفقيرة وبائسة ولكن كانت أنفسهم وأرواح تفيض حبا وتشرق إحساسا وتبكي في المشاهد التمثيلية وكأنها تبكي حقيقة وليس تمثيلا وإذا ضحكت تضحك حقيقة وليس تمثيلا,وأحيانا كان يأتي الممثلون من العائلات التي لا تهتم بسمعتها ولا بشرفها إذا ما قسنا ذلك الشرف بما يؤمن به المجتمع العربي المحافظ,فكان الممثلون يضحون بنظرة المجتمع نحوهم كونهم يريدون أن يوجهوا إلى العالم وإلى التاريخ رسالة فنية كبيرة وهادفة, وكان المجتمع في بداية السينما المصرية ينظر إلى الممثلين كما ينظر اليوم أهل حارتنا إلى المثليين الجنسيين من لوطيين وسحاقيات, فتصوروا معي كم هي نظرة مجتمعنا قاسية جدا للمثليين وتصوروا معي بأن الممثلين يحصلون على نفس النظرة أما من ناحية الفنانين فقد كانت القيم بالنسبة لهم تختلف ونظرتهم للفن وللحياة تختلف عن نظرة غيرهم وكانوا يعتبروا أنفسهم فنانين وتقدميين أما المجتمع فكان يعتبرهم إما مخاليع أو مهابيل أو مجانين على الآخر بلا عقل وإما بلا شرف,وليلى مراد كانت من أصول يهودية و(راشيل) مصرية كانت من أصول يهودية مقيمة في مصر وكان اسمها الفني: راقية إبراهيم (1919م)،من أسرة يهودية من أوائل الممثلات المصريات غادرت مصر إلى أمريكيا وتوفيت هناك,وهذا النوع من الممثلين معناه كثير ويحمل دلالات كثيرة على نوعية الشريحة التي قادت أو فتحت باب الفن على مصراعيه.
بدأت صناعة السينما في العالم كله من خلال الأفلام الصامتة أولاً وتحديدا في باريس سنة1896م وتبعته في نفس السنة السينما المصرية في الإسكندرية وكانت هنالك دار لعرض الأفلام, وبدأت صناعة السينما العربية أو المصرية فقط من العائلات الفقيرة جدا أو من العائلات اللواتي يعاني فيها بعض الأفراد المنشقين عتها مرضا اجتماعيا يؤدي بالفرد إلى إعلان انشقاقه عن المجموعة, وبالعربي الفصيح (أهمل واحد)في العائلة هو الذي سيقود الدولة والمجتمع بأسره ليدخل بهم عالم الفن والسينما والتمثيل الإذاعي والسينمائي وهذا معناه أن الفنان لم يأت من بيئة صحية ونقية 100% ولكنه سيكتشف بعد عشرات السنين بأنه قدم إلى الفن من أكثر العائلات رقيا وتحضرا وتقدما وثقافة بعد أن يدرك بأن مهنته كلها إحساس ومشاعر حقيقية لا يستطيع أي شخص أن يتقن أدوار الحب والحنان والعاطفة إلا من ذاق لوعة الحب وحلاوته .
وبإمكان القارئ تتبع السيرة الذاتية لكبار الفنانين القدماء حيث سيجد نفورا من قبل أقرباء الفنان أو الفنانة وحتى اليوم ينفر مجتمعنا من كلمة ممثل أو بالأحرى ينفر أكثر من كلمة ممثلة دون أن يعلم بأن مهنة الفن تتطلب مزيدا من المشاعر الصادقة ومزيدا من الانفتاح على العالم ومزيدا من إعطاء الحرية للممثل أو للكاتب أو للفنان,وكان وما زال أغلبية الناس يعتبرون عالم الفن عالم وساخة وزبالة ودعارة,ودائما لدى مخيلة عوام الناس كثيرا من التصورات التي يتصورون بها هذه المذيعة أو تلك المذيعة بقميص النوم وبأزرار مفتوحة على منتصف الشق الذي يفصل الصدر من منتصفه ,وطوال النهار والليل وهم يتخيلون الممثلات أو الفنانات في وضع مخل بالشرف في إحدى العوامات أو الشقق المفروشة بالإيجار, وتنقل المخيلة العربية خيال الرجل العربي إلى داخل القصور وفلل الفجور في العواصم العربية بحيث تكون الفنانة كذا أو المطربة كذا وكذا الآن نائمة في أحضان رئيس الجمهورية أو قائد الجيش وكثيرا ما تتلذذ آذان الناس وهم يسمعون من الرواة عن المغامرات الجنسية في مجتمع الفنانين حتى أن المجلات قبل الإنترنت كانت تكسب من رسم وتصوير وكتابة وبيع وشراء قصص زواج وطلاق الفنانين والنجوم , وسمعت رجلا مرة قال لي بعد أن سمعت من ابنته وهي في سن الثامنة أغنية جميلة لنانسي عجرم فتنبأتُ لصاحبي أو بالعربي الفصيح إلى قريبي بمستقبل مشرق فني لأبنته فقال هو وزوجته: والله نذبحها على السكين ولا أنشوفها بتغني أو بتمثل, لذلك لاحظوا معي حتى أن الجامعات في الكليات والأقسام الفنية تتقبل معدلات هابطة جدا لدراسة الفن والموسيقى والمسرح لعدم وجود إقبال على التخصصات الفنية وذلك لعدم رغبة أهالي الطلاب في تدريس أبناءهم الفن لكي لا يدخلوا إلى مجتمع الفنانين أو مجتمع القاذورات ومن النادر أن نجد فنانا عربيا قادما من بيئة صحية؟.
وأول فيلم مصري سنة 1917م كان اسم الفيلم الأول(الشرف البدوي) ومن هذا الاسم نستطيع أن نستشف منه مدى تعقيد المسألة للفكر البدوي حتى من قبل 100 عام..والفيلم الذي جاء بعده بعنوان(أولاد الذوات) وكان المجتمع المصري العربي الإسلامي ينظر إلى السينما كما ينظر إلى بيوت الدعارة وبيوت(الخبص) كما كان يُطلق عليها في مصر أو بيوت(الخبيزة) وكان كل المجتمع المصري العربي الإسلامي يعتبر الفنانين منحطين أخلاقيا واجتماعيا ولا تستغربوا من ذلك فحتى اليوم هنالك الملايين من العائلات العربية التي تعتبر الفن دعارة وتعتبر الفنان فضيحة وعليها شهود,وكانت أغلبية العائلات المصرية تهدد أي فرد من أفرادها بمقاطعته إذا دخل عالم التمثيل أو عالم صناعة السينما ربما يظن البعض بأن النساء اللواتي اتجهن إلى السينما المصرية وإلى إثراء حركة الأدب الفني هن من الطبقة الراقية والمتعلمة, غير أن هذا الكلام غير صحيح إطلاقا أو حتى لا نظلم أحد علينا أن نقول بأن 90% من النساء اللواتي اتجهن إلى السينما هن على الأغلب من الأحياء الشعبية الفقيرة جدا أو المنحلة جدا نتيجة تفكك أسري وعائلي فيغيب الممول الرئيسي للعائلة وتبدأ الإناث بمرحلة البحث عن الرزق الحلال وبما أن الرزق الحلال عند العرب قليل الفائدة فإن أغلبية النساء أو البنات القادمات من عائلات مفككة قد اتجهن إلى إثراء حركة الرقص والفن والطرب دون أن يأخذن في الحسبان بأنهن في يوم من الأيام سيصبحن نجوما لامعة في سماء العواصم العربية ولم يكن على علم بأن مهنتهن مهنة شريفة وهي أرقى وظيفة ومهنة على وجه الأرض ويكفيها شرفا هذه المهنة لأنها تغذي الروح والقلب والعقل والوجدان ولا أحد يتقن الفن إلا إنسان مطبوع على الحساسية وعلى حب الحياة وعلى القدرة الفائقة في فهم الناس وفهم سلوك الشخصيات..ومن هنا قدمت أغلبية النساء الفنانات والموهوبات من أصول ليست ولا بُد,ولكن بعد نصف قرن على المشوار الفني أدركت أغلبية الفنانات بأنهن أشرف من الشرف نفسه, وفي البداية هربن من الفقر لتحسين أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الأولى على مبدأ (الشرف بروح وبيجي بس المصاري إذا راحت ما ابترجعش) وكن على قناعة بأن ما يفعلنه خطأ وغلط ولكن تبين لهن بعد طول العمر أنهن يعملن في أشرف وأفضل مهنة في العالم, لقد كانت الفنانات يعملن على المبدأ المكيافيلي القائل:(الغاية تبرر الوسيلة), أما بخصوص العائلات الغنية فقد كانت تلك العائلات تهدد الإناث والذكور بقطع العلاقة الاجتماعية معهم إذا بقوا مصرين على دخولهم عالم السينما والفن والأدب ,وسمعتُ مرة من النجم العالمي الكبير(عمر الشريف) بأن موظفي المطارات وسكك الحديد كانوا في مصر يتعمدون الإساءة إلينا حين يعرفون بأننا ممثلون فنيون نعمل في مجال صناعة السينما, وذكر يوسف وهبي بأن أباه قد طرده من العزبة أو من البيت الذي كان يسكن به مع العائلة وقرر والده عدم رجوعه إلى البيت أو لن يسمح له بالعودة إلى البيت إلا إذا تخلى عن المسرح والتمثيل السينمائي ومات والده وهو مغترب عنه وحين عاد تقاسم مع باقي أفراد العائلة التركة وأنفق حصته على الفن والفرقة التي أسسها, وكانت عائلة يوسف وهبي من الأغنياء المصريين جدا وكانوا يعتبروا أن الذين يدخلون السينما هم من الأوباش والسفلة والمنحلين أخلاقيا ودينيا, لذلك كانت العائلة تحافظ على سمعتها بالتخلي عن الأفراد الذين يعملون في صناعة السينما حتى لا تتلوث سمعة العائلة, وكذلك العقاد الذي اعتبر (مديحه يسري-هنومه خليل) قد تركت الأدب ودخلت إلى عالم قلة الأدب والقاذورات.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟