|
ورقة/ تعقيب على مداخلتين حول: أثر التطورات المحلية والعالمية والتمويل الدولي، على إمكانات التنمية الفلسطينية
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 1054 - 2004 / 12 / 21 - 11:54
المحور:
القضية الفلسطينية
مقدمة الى مؤتمر الإعلان عن تقرير التنمية البشرية الرابع/2004- الصادر عن برنامج دراسات التنمية- جامعة بيرزيت المنعقد في غزة، السبت :18/12/2004
النقطة المركزية التي تمحور عندها تقرير التنمية البشرية الرابع، هي تعزيز بناء المجتمع الفلسطيني من خلال مفهوم وآليات مبدأ الاعتماد على الذات أو ما سماه التقرير بعملية التمكين. وفي تعقيبي على الورقتين* المقدمتين الى هذا المؤتمر حول تأثير التطورات المحلية والعالمية، ومنظومة التمويل الدولي على امكانات تحقيق التنمية الفلسطينية المنشودة، أبدأ بالإشارة الى الثنائية المتناقضة التي تصطدم بالتوجهات المستقبلية للتنمية الفلسطينيــة، الوجه الأول لهذه الثنائية تتفاعل في إطاره ثلاث معوقات تعرقل كل منها نمو الفرص الاحتمالية المتاحة للانطلاق بالتنمية الفلسطينية، وهي: 1- استمرار الاحتلال وعدوانيته الهمجية على مقدرات شعبنا. 2- المعوقات الذاتية الفلسطينية الداخلية، التي باتت معروفة لكل أبناء شعبنا، وأهمها غياب النظام العام وغياب سيادة القانون العادل وضعف البناء المؤسسي وانتشار مظاهر الفساد المالي والإداري في مقابل تزايد أصحاب ورموز الثروات غير المشروعة على مستوى السلطة والمجتمع معاً، بما يتناقض – وهذه مفارقة محزنة – مع كل قواعد ورموز الصمود والمقاومة والاستشهاد والتضحيات والمعاناة المرتبطة بصورة مباشرة بفقراء شعبنا وكادحيه. 3- المعوقات الإقليمية والدولية : وهي تنحصر في تراجع الدعم العربي الرسمي عموماً عن تأييده الواضح والصريح لقضايانا العادلة والمشروعة، وغياب الدعم المالي والاقتصادي والاستثماري ضمن الحد الأدنى المطلوب، بحيث بات النظام العربي في معظمة، يرى في القضية الفلسطينية عبئاً ثقيلاً عليه يسعى للخلاص منها بأي ثمن إرضاء للسياسة العدوانية الأمريكية وحماية لمصالح النخب الحاكمة في هذا النظام . أما ما يسمى بالدعم الأوروبي- الأمريكي أو الدول المانحة، فقد اقتصر على المساعدات المالية التي لم تتجاوز في المتوسط 200-300 مليون دولار سنوياً طوال العشر سنوات الماضية لم تستطع تغطية 20% من خسائر شعبنا الفلسطيني خلال الأربع سنوات الأخيرة، الناجمة عن التدمير الهمجي للعدو الإسرائيلي لمقدراتنا، والتي تقدر بحوالي 12 مليار دولار، ورغم ذلك يتجاهل البنك الدولي هذا الواقع المرير، ويزعم أو يتبجح بما قدمته الدول المانحة دون أن يشير الى خسائرنا المباشرة ومعاناة شعبنا بسبب غطرسة وعدوانية المحتل الإسرائيلي كسبب رئيسي أول لتدهور أوضاعنا المجتمعية والاقتصادية وغيرها. أما الوجه الثاني لهذه الثنائية المتناقضة فهو: البديل الوطني الشعبي الديمقراطي باعتباره الخيار الوحيد الممكن الذي يمهد الطريق للتنمية المنشودة لفلسطين بكل أبعادها وآفاقها الوطنية والقومية، حيث بات واضحاً أنه لم يعد ممكناً التعويل على إحداث هذا التغيير النوعي التنموي الديمقراطي بكل شموليته من داخل الإطار الحالي للسلطة ونهجها، وفي هذا السياق فإنني أحذر من نتائج القبول بالشروط الأمريكية أو شروط البنك الدولي لا فرق حول ما يسمى بعملية الإصلاح التي رسموها لبلادنا والتي تتناقض مع الإصلاح والتغيير الديمقراطي الذي تتطلع إليه جماهير شعبنا . إن تأكيدي على عجز الإطار الحالي للسلطة إنما يعود بصورة رئيسية الى سببين رئيسيين : 1- فشل السياسات الاقتصادية للسلطة في أداء دورها التنموي المطلوب بسبب استشراء المصالح الخاصة ومظاهر الخلل والفساد، وتغييب أو تعطيل آليات الرقابة والمساءلة، خاصة في المجلس التشريعي الذي لم يحترم قراراته أو يقوم بدوره المطلوب منه في هذا الجانب. 2- فشل القطاع الخاص الفلسطيني في الداخل، واستنكاف رأس المال الفلسطيني في الشتات عن الإسهام بدوره في المشاريع التنموية والتطور الاقتصادي الاجتماعي المطلوب لأسباب كثيرة أهمها ارتباط مصالحه برأس المال الدولي المعولم. إن هذا الفشل يعود بالدرجة الأساسية الى عجز السياسة الليبرالية الاقتصادية أو اقتصاد السوق الحرة، الى جانب قيود ومعوقات بروتوكول باريس، وتنامي المصالح الأنانية والطفيلية في مجتمعنا بصورة فاضحة وغير مسبوقة. على أن فشل هذه السياسات لا يعود الى العوامل الذاتية أو بروتوكول باريس فحسب، وإنما كان له ومازال أسباباً جوهرية من أهمها: 1- غياب السوق المنظم، التنافسي، الناضج، فالسوق الفلسطيني- كما هو معروف- على درجة عالية من الانقسام والتجزؤ، الى جانب أن آليات هذا السوق، عاجزة أو غير راغبة في تصحيح اختلالاته ذاتياً، بسبب غياب الدور الفعال للتخطيط المركزي والتأشيري بما يؤدي الى تغييب السياسات الاقتصادية الواضحة، التي تدفع الى تزايد عملية الانفلاش والفوضى في السوق واستفحال الأزمات المتمثلة في الغلاء المتواصل للأسعار، والتضخم، والبطالة والركود واتساع دوائر وأنواع الفقر في بلادنا. 2- غياب الطبقة الرأسمالية الكبيرة، والجادة، والتي يمكن أن تسهم بدورها في إنجاز التنمية، والمعروف أن الرأسمالية الفلسطينية أو القطاع الخاص، خليط من الكيانات، ضعيفة التكوين تاريخياً، وهشة المقومات، وفيها من السلبيات الشئ الكثير الذي لا يتوافق مع إنجاز متطلبات التنمية الجادة، فهي تعزف عن المخاطرة وتفضل الربح السريع من الأنشطة التجارية والطفيلية، وهي أيضاً رأسمالية مُقلدّة وليست مبتكرة، كما أنها شديدة الارتباط بالخارج، فهي رأسمالية تابعة ومشوهة، وهي بالتالي تفتقر الى مشروع وطني لتنمية بلادها، كما هي الحال في كل بلداننا العربية. إن هذا الواقع يدفعني الى إيراد مجموعة من الأسس التي تشكل النموذج التنموي البديل صوب الإصلاح الحقيقي الذي يوفر ضمانات تحقيق مفهومي التمكين والتنمية بما يتوافق مع أهداف شعبنا ومصالحه: أ?- الأساس الأول للإصلاح القابل للاستمرار هو الاعتماد على النفس، والسعي الى تخفيض درجة الاعتماد على الخارج، واعتبار أن أي عون خارجي هو عون مؤقت، وأنه ليس بديلاً للجهد الوطني. ب?-الأساس الثاني: هو الانتقال بمجتمعنا كله من حالة الاسترخاء التنموية، أو التنمية الرثة، الى حالة من الجدية تقوم على اعتبار التنمية معركة حقيقية ارتباطاً بضرورات التحرر الوطني والديمقراطي معاً، يتعين علينا الانتصار فيها، ولا سبيل الى ذلك بدون التقشف، والاستخدام الأمثل لأدوات العلم والتكنولوجيا في العملية الإنتاجية، وتطوير قطاعي الصناعة والزراعة، والحد من الواردات الكمالية ، والإقلاع عن مظاهر الاستهلاك الترفي السفيه، وحشد كل الموارد المتاحة لكسب معركة التنمية والتحرر. ج- الأساس الثالث: التخطيط الجاد والشامل للسياسات الاقتصادية وأدواتها واضطلاع السلطة بدور مهم في الإنتاج والاستثمار الإنتاجي الى جانب الدور الرئيسي للقطاع الخاص. تلك هي الأسس الرئيسية لتحقيق المشروع المجتمعي/ الاقتصادي الوطني، التي يمكن أن نحقق من خلالها التنمية المنشودة على قاعدة الاعتماد على الذات الكفيلة وحدها بتوفير القسم الأكبر من الإيرادات المالية المطلوبة وكسر التبعية للاقتصاد الإسرائيلي والحد من الآثار الضارة لشروط البنك الدولي وتعزيز بناء مجتمعنا الفلسطيني وفق قواعد الديمقراطية والتقدم الاجتماعي في إطار المحيط العربي من حولنا.
* الورقة الاولى مقدمة من الاخ د.محمد السمهوري ، الورقة الثانية مقدمة من الاخ محسن ابو رمضان .
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي تنميـــة لفلســطيــن ؟ الواقـــع والآفـــاق
-
القصور والعجز الذاتي في أحزاب وفصائل اليسار العربي ... دعوة
...
-
الآثار الاقتصادية الناجمة عن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة
-
حول مفهوم الثقافة ... وأزمة الثقافة في فلسطين
-
المأزق الفلسطيني الراهن
-
الدستور الفلسطيني ومفهوم التنمية
-
كلمة غازي الصورانـي في : المهرجان الجماهيري التضامني مع بيت
...
-
الاقتصاد الفلسطيني ... تحليل ورؤية نقدية
-
التحولات الاجتماعية ودور اليسـار في المجتمع الفلسطيني
-
الطبقة العاملـة والعمل النقابي في فلسطين ودور اليسار في المر
...
-
مجتمع المعرفة في الوطن العربي في ظل العولمة - على هامش اصدار
...
-
ورقة أولية حـول : الإشكاليات التاريخية والمعاصرة لهيئات الحك
...
-
الاصدقاء الاعزاء في منتدى الحوار المتمدن
-
التشكيلة الرأسمالية وظهور الفلسفة الماركسية
-
حول فلسفة هيجل وفيورباخ
-
الفلسفة الأوروبية الحديثة(1) عصر النهضة وتطور الفلسفة الأورو
...
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية ) والفلسفة
...
-
-محاضرات أولية في الفلسفة وتطورها التاريخي - مدخل أولي في ال
...
-
ورقـة :حول الواقع الاقتصادي الفلسطيني الراهن
-
عرض كتاب : الليبراليــة المستبـدة دراسة في الآثار الاجتماعية
...
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|