|
الفلسفة وسؤال النهضة والحرية والتنوير الغائب في العالم العربي
مجدي عزالدين حسن
الحوار المتمدن-العدد: 3558 - 2011 / 11 / 26 - 11:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لماذا الفلسفة في هذا التوقيت بالذات؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه بالنسبة لواقعنا الحالي؟ كيف ننجز النهضة بعقل غير ناهض أساسا؟ لماذا نستفيد من منجزات الغرب الهائلة على مستوى التقنية المادية ونترك انجازاته التي أحرزها على مستوى علوم الإنسان؟ أليست الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها؟! 1/ تعريف بهذا اليوم: هذا اليوم أسسته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة التي تعرف اختصاراً ب (اليونسكو) ليكون موعداً سنوياً للاحتفال بالفلسفة في كل أنحاء العالم وذلك في ثالث خميس من شهر نوفمبر من كل عام، بدءاً من العام 2002م. في العام 2006م كانت فعالياته بالمغرب، وفي العام 2009م أقيم في موسكو، وفي العام 2010م كان من المقرر أن تكون فعالياته في إيران إلا أن منظمة اليونسكو أعلنت أنها انسحبت من إيران بعد موجة احتجاجات في الأوساط الجامعية وفي صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان وعلى رأسهم جميعاً الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس الذي دعا إلى حرمان إيران هذه الفرصة احتراماً للمثقفين الإيرانيين الذين يعانون من التضييق والتهميش ومن حقهم المشروع في حرية التعبير، وبدلاً من طهران عقدت فعالياته في مقر اليونسكو بباريس. تهدف منظمة اليونسكو بهذه الاحتفالية السنوية إلى التأكيد على الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه الفلسفة في كثير من قضايا عالمنا المعاصر وخاصة قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح الديني والسلام العالمي وحوار الحضارات والتنوع الثقافي والقضايا المتصلة بالبيئة..الخ. 2/ لماذا الفلسفة: لماذا الفلسفة في هذا التوقيت بالذات؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه بالنسبة لواقعنا الحالي؟ تمنحنا الفلسفة طرائق تفكير جديدة ـ يمكن أن نستثمرها ونوظفها من أجل بلوغ وضعية وواقع أفضل ـ تشكل بديلاً لما هو سائد من طرائق تفكير(أكل عليها الدهر وشرب) هي في رأيي المسئول الأول عما آلت إليه أوضاعنا الراهنة سواء على مستوى العالم العربي الإسلامي. لماذا الفلسفة؟ لأن السؤال المطروح هو سؤال التنمية والنهضة والحرية والتنوير، وبالله عليكم أجيبوني: كيف يكون بإمكاننا إحداث التغيير المنشود والذي نطمح إليه بدون أن نحدث تغييراً أولياً على مستوى طرائق تفكيرنا وطرق نظرنا؟ كيف يكون بإمكاننا تحقيق نهضة اجتماعية وسياسية ودينية وعلمية وثقافية..الخ دون الاستناد في ذلك على عقل ناهض في الأساس؟ باختصار كيف ننجز النهضة بعقل غير ناهض أساساً؟ ولذلك إذا أردنا أن نتجاوز إشكاليات الواقع المتردي والمتخلف الذي نعيشه، فلابد لنا في المقام الأول من تشخيصه، حتى يتسنى لنا أن نمسك معرفياً بمفاتيحه وبالتالي يكون في مقدورنا تقديم رؤى جديدة تسهم في خلق وعي جديد يسهم بدوره في إحداث النهضة المنشودة. والتشخيص ليس هو إلا النقد ولكي ننقد لابد لنا من أدوات من خلالها يمكن أن نقدم رؤية نقدية واضحة للحاضر والماضي (الحاضر فينا دوماً). وتلك بالضبط المهمة التي يمكن أن تقوم بها الفلسفة بالتعاون مع العلوم الاجتماعية وبقية الدراسات الإنسانية. ونحن في مرحلة لا تمكننا من الادعاء بامتلاك تلك الأدوات النقدية، تبعاً لذلك تأتي أهمية الانفتاح على منجزات العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية. إذن لا بد من إحداث نهضة العقل في المقام الأول. والنهضة العقلية تعني فيما تعنيه أن نقوم بمراجعة شاملة وكاملة للعقل نفسه لرؤاه وتصوراته ومفاهيمه وأدواته التي يقارب بها موضوعاته وأن نقوم بمعاينة وفحص طرائقنا في النظر والتناول والاستدلال وبفحص نقدي لأدواتنا المعرفية وعدتنا المنهجية..الخ. وواضح أن ذلك كله من المحال تحقيقه إلا إذا سبق كل هذا نهضة على مستوى العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية وعلى رأسها صاحبة الجلالة الفلسفة! لأن هذه الحقول المعرفية هي من بيدها منحنا إمكانية التأسيس النظري للمشروع النهضوي على مستوى العالم العربي الإسلامي. لماذا الفلسفة؟ لأن الفلسفة بطرحها للتساؤلات المختلفة عن الوجود وعن الإنسان إنما تستهدف تبيان ما يليق بنا وما هو حقيق بنا ككائنات إنسانية وذلك من خلال تعرية حقيقة وجودنا وفضح ما هو زائف فيه، وهو ما طمحت الفلسفة عبر تاريخها الطويل إلى الكشف عنه. لماذا الفلسفة؟ لأنها تعمل على صيانة العقل من آفة التقليد والاجترار والإعادة، والانقياد الأعمى وراء الآخر، فهي تصون الفكر بسياج من الحصانة، والتحرر، والفاعلية، وترفض التسليم إلا بما يستحق القبول والموافقة، بعد تمحيص وتدقيق وروية. كما ترفض الأحكام المتسرعة، والأحكام الفجة السطحية، والأحكام قطعية الدلالة. ولأننا يمكن أن نسهم عبر استخدامنا لهذه الأدوات المعرفية في إنتاج رؤى وأفكار تحدث نقلة نوعية في طرائق تفكيرنا وتحدث تغييراً إيجابياً في نظرتنا للعالم الذي نعيش فيه وما حوله. لماذا الفلسفة؟ لأننا لازلنا عاجزين عن ابتداع رؤى جديدة، لازلنا عاجزين عن تطوير نظرية نقدية تلبي كافة احتياجاتنا الفكرية والمادية. والبون أو الفاصل الحضاري بيننا وبين الآخر الحضاري الغربي واسع وكبير، فالغرب متقدم علينا بمقدار يزيد عن خمسمائة عام. ولابد من الاعتراف بتقدم الآخر الغربي في هذا المضمار تقدماً على كافة الأصعدة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية..الخ. وفي ظل هذا السياق تُطرح مجموعة من التساؤلات من قبيل: هل نحن في حاجة إلى الآخر الحضاري المتمثل في الغرب المتقدم والمهيمن والمسيطر الآن؟ ولماذا نستفيد من منجزاته الهائلة على مستوى التقنية المادية ونترك انجازاته المعرفية التي أحرزها على مستوى علوم الإنسان؟ أليست الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها؟! 3/ أين هي الفلسفة على مستوى الساحة العربية الإسلامية؟ الملاحظ والمتابع للمشهد المعرفي وخصوصا في حقول العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية في البلدان العربية يدرك الوضعية المزرية والتهميش الممارس تجاه هذه الحقول المعرفية وتحديداً الفلسفة ويدرك الحرب الدائرة في الخفاء( وخصوصاً ضد الفلسفة). هذا الحرب التي تهدف على أعلى أجندتها إلى اجتثاثها نهائياً من الوجود وعلى أضعف الإيمان إلى بيان تهافتها وعدم جدواها بل وخطرها على العقيدة والدين. إن هذه الحرب الدائرة هي أصلاً دائرة بين قوى الاستنارة الداعية إلى التنوير والحرية وقوى الظلام التي لا تريد لنا أن نخرج من قروننا الوسطى. وفي ظل هذا السياق فإن معركة علوم الإنسان وعلى رأسها الفلسفة هي معركة الحرية والتنوير والاستنارة، هي معركة سلاحها الفكر والكلمة والعقل والحجة، هي معركة ضد كافة أشكال الجبروت والطغيان ـ الذي يمارسه الإنسان على أخيه الإنسان ـ بكافة مظلاته سواء كانت سياسية أو دينية..الخ. هي معركة ضد استلاب إنسانية الإنسان وضد الانغلاق والتبعية للآخر الناتجة عن قصور الفهم وضد تقييد الحريات وخاصة حرية الفكر والمعتقد وحرية التعبير بما نؤمن به من قناعات وفرضيات باختصار هي معركة من أجل واقع إنساني أفضل تُحترم فيه إنسانية الإنسان وتصان فيه حقوقه وحرياته وتُحفظ فيه كرامته وعزته. وهناك من يحاول تشويه صورة الفلسفة والمنخرطين في حقلها بتصوريهم وكأنهم يعتلون برج عاجي. ولا شك أن هذا فهم مغلوط للفلسفة وللمشتغلين بها فالفلسفة طوال تاريخها الطويل لم تكن في يوم من الأيام معتزلة أو مترهبنة ولا متبرجنة ولم تكن يوماً ما متقوقعة أو متشرنقة داخل ذاتها وإنما كانت دوماً منخرطة في كل ما يمس الإنسان وقضاياه كانت ولا تزال نصير للإنسان بغض النظر عن لونه وثقافته ودينه وعرقه..الخ كان هدفها المعلن طوال تاريخها هو تحقيق إنسانية الإنسان وصون حقوقه وكرامته الإنسانية. وبعد هذا كله تُحارب الفلسفة، نعم تُحارب لأن في سيادتها خطراً على قوى الظلام عدوة النور والتنوير والاستنارة والتي لا تستطيع أن تبسط نفوذها إلا على مجتمع هو أشبه ما يكون بمجتمع القطيع، لا تستطيع أن تبسط نفوذها إلا إذا كانت تحكم رعايا وليس مواطنين وشتان ما بين مفهوم الرعية والمواطنة! لا تستطيع أن تبسط خطابها وبالتالي السلطة التي يمنحها لها خطابها إلا إذا اجتثت دابر هذه العلوم وجففت كل منابع التنوير. إذا أردت أن تقيس مدى تقدم أو تخلف بنية اجتماعية ما فانظر إلى وضعية العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية وعلى رأسها الفلسفة: فإذا وجدت وضعية هذه العلوم وضعية مزدهرة فأعلم أن المجتمع الحاضن لمثل هذه العلوم مجتمع متقدم على كافة أصعدته الاجتماعية والدينية والسياسية والفكرية...الخ. أما إذا وجدت علوم الإنسان هذه محتقرة فأعلم أن مجتمعاً كهذا متخلف على كافة أصعدته. وهذه الوضعية الأخيرة تنطبق على مجتمعنا العربي الإسلامي. وبالله عليك أجبني: كيف يكون بإمكانك أن تحدث نقلة نوعية على مستوى بنية اجتماعية متخلفة على كافة أصعدتها المختلفة دون أن تكون هناك نهضة فعلية على مستوى علوم الإنسان؟ كيف يمكن أنجاز نهضة أو تنمية أو تقدم على مستوى بنية اجتماعية لا تولى كبير أهمية بعلوم الإنسان؟ أننا أشد ما نكون اليوم إلى الفلسفة في هذا العالم الذي أصبح لا يؤمن إلا بالاستهلاك المادي والإنتاجية الاقتصادية ويكفر بالإنسان. في هذا العالم الذي أصبح لا يؤمن إلا بالربح والمردودية وتنافس الشركات على الأسواق المحلية والعالمية، في هذا العالم الذي كل شيء فيه موجود إلا الإنسان!
#مجدي_عزالدين_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|