|
كنائس الخليج
نادين البدير
الحوار المتمدن-العدد: 3556 - 2011 / 11 / 24 - 09:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى أول عام لى بمدينة دبى وقفت مذهولة أمام مسجد وكنيسة متجاورين يفصلهما سور وشارع ضيق جداً، تلك الصدمة الثقافية اختصرت وقتها مراحل استيعابى أجواء الحريات العامة فى دولة الإمارات المتحدة، والخليج عموما، تبنى الكنائس هنا دون اعتراض.. تبنى ولا تحرق.
أول كنيسة تمثل الطائفة الأرثوذكسية بالجزيرة العربية الآن بإمارة الشارقة، هى كنيسة القديس فيليب على أرض مقدمة من حاكم الشارقة، ليس هنا فقط، ففى قطر تم تدشين أكبر كنيسة بالشرق الأوسط على مساحة عشرة آلاف متر مربع.. فى الكويت الصغيرة، عدد يتزايد من الكنائس، وعدد آخر بالبحرين أيضاً.. فى الإمارات تبنى دور العبادة للجاليات المختلفة بلا كراهية.
بهدوء، يمارس أصحاب الديانات طقوسهم على أرض الخليج دون أى اتهام بالاستفزاز، بإمكانك رؤية رموز البوذية وغيرها، يعلقها أصحابها على نوافذهم وأبوابهم فى أعيادهم دون أى اتهام بجرح مشاعر المسلمين أو طمس هوية أو محاولة نشر ديانة ما على أرض الإسلام.. إلى آخر الذعر المنتشر عربياً.
الأفراد هنا لا يمتون لبعضهم بصلة، لا ينتمون للوطن ذاته ولا تجمعهم قومية أو عرق أو تاريخ أو حتى لغة. كل هذا الانقطاع ويبقى المكان خالياً من أى بوادر لفتنة طائفية أو دينية.
أبتعد قليلاً، وأبدأ بدخول بقية الحدود العربية، حيث تجمع سكان الدولة الواحدة روابط العرق، النسب، العائلة، القبيلة، الدين، التاريخ، اللغة، الأرض، الحروب المشتركة.. كل هذا الارتباط القوى لم يتغلب على التطاحن والتفجيرات والنزاعات، اللا حد لها، لأسباب أغلبها أيديولوجى وقليل منها سياسى. وكانت الأنظمة اعتقدت طويلاً أن سعادتها باقية ببقاء هذا التطاحن قبل أن يسقطها الواحد تلو الآخر.
هنا الركود السياسى فى أوجه، لكن الحريات الاجتماعية والاقتصادية والدينية فى أوجها أيضاً، هنا احترام الإنسان لأنه إنسان، هنا قوانين حفظ الكرامة والحقوق فى قمة تألقها، عدا السعودية، فدول الخليج تنحى نهجاً متسامحاً بالتعاطى مع الأقليات، البعض يرجعه لتعاملاتها التجارية وحاجتها للنمو والرقى والبعض يؤكد تقدم الحكام فكرياً فيما يتعلق بقبول الآخر.
وهذا يدفع للتساؤل عن سبب تقبل شعوب الخليج كل هذا التسامح المرفوض فى السعودية، أهم دول الخليج، والمرفوض فى غالبية المجتمعات العربية.
صحيح أن رجال الدين تسببوا فى قطيعة وعزلة وانعدام ثقة، بل خوف من الآخر، لكن القوميين أيضاً حولوا النظرة المتسامحة للأقليات الدينية والأجنبية إلى عداء سياسى، ثم من جهة أخرى، النظام الذى لم يقصر فى دعم عزلة المواطن ودعم كل بنود الكراهية للذات ولأى آخر مختلف، رغم أن هذا النظام صديق حميم لكل الأديان ولكل الأنظمة بالخارج..
أخيراً، دور المجتمعات التى لم تقصر فى الانجراف كالحملان وراء أولئك اللاعبين. معروف أن الدول العربية لم تكن فى عز تقدمها إلا زمن انتشار الجاليات الأجنبية بها، وحين أخرجها الفكر القاصر بذريعة الوطنية والقومية وحماية اقتصاد ابن البلد، بقى الداخل منكفئا على نفسه إلى اللحظة. وحين انتهت الحروب مع إسرائيل وكل المعارك القومية الخاسرة، اشتعلت بأمر من الأنظمة حرائق داخلية دينية وطائفية لم تخمد حتى اللحظة.
هنا، لا تنتشر الحريات السياسية بالمعنى الذى يطلبه الربيع، لكن الأفق رحب لاستيعاب الأقليات فى بيئة أساسها الاحترام والتسامح، وقانون لا يتسامح مع الخطأ. الأمر فى النهاية لا يخلو من جماليات حياتية منتشرة بعدد من دول الخليج.
أما عن أمر السعودية (الحديثة) فهى ذات خصوصية. بحثت كثيراً عن تعريف هذه الكلمة، فوجدته مسمى يفرضه المسؤول ليبرر رفض التغيير.
وأما عن السعودية القديمة، فمن يصدق أن هناك مقابر يهودية بنيت قبل عشرات السنين ولاتزال موجودة حتى اليوم فى البلد الذى تحول لنقيض التسامح، بلد يمنع أى دور عبادة وأى ممارسات دينية خارج الملة المتبعة. يقول الكاتب يوسف المطيرى فى كتابه (يهود الخليج) إن الملك عبدالعزيز آل سعود عند توحيد المملكة رفض مسألة تهجير اليهود المنتشرين وقتها فى جنوب السعودية. كيف انتقلنا من تقبل الآخر بلا تعصب إلى أن صار تكفير المسلم للمسلم نهجاً يومياً؟ بلد أراه يتجه لمنحى مخيف، لأبعد من مناوشات دينية وأبعد من بيانات جريئة خجولة لإصلاحيين، وأبعد من حكايا رخيصة تشغل الرأى العالمى عن حق المرأة فى القيادة.
ليست هناك حريات سياسية، ولا حريات دينية، ولا أى حريات اجتماعية.. ماذا بقى لنا؟ متابعة الثورات العربية.
ما دورنا فى الربيع العربى؟ الثائرون من بعيد. نراقب الثوار، نكتب عنهم، نشيد بهم، نستيقظ من الصباح ونتابع حتى المساء أدق مجريات كل ثورة عربية. إذا دخلتم المواقع الاجتماعية للسعوديين ستجدون ترجمة كلامى بعباراتهم المؤيدة والمشجعة لمبادئ الربيع العربى.. لكننا ثائرون من بعيد، تلك حدودنا.
#نادين_البدير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا للحريات الاجتماعية
-
امنحنى السلطة أمنحك الفتوى
-
ميليشيا الشرطة الدينية.. قريباً
-
حياتى كعازبة
-
متى أستطيع..؟
-
فتوى المرضعات الجدد
-
ما بكم؟ وما كل هذا الغضب؟
-
أنا وأزواجى الأربعة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|