أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فكرى عبد المطلب - بعد أن صار العالم الحداثى افتراضيا وما بعده حقيقيا .. العقل اليسارى المصرى فى عالم ما بعد الحداثة ، نقداً















المزيد.....


بعد أن صار العالم الحداثى افتراضيا وما بعده حقيقيا .. العقل اليسارى المصرى فى عالم ما بعد الحداثة ، نقداً


فكرى عبد المطلب

الحوار المتمدن-العدد: 3556 - 2011 / 11 / 24 - 00:26
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


بعد أن صار العالم الحداثى افتراضيا وما بعده حقيقيا
العقل اليسارى المصرى فى عالم ما بعد الحداثة ، نقداً

• " فى المجتمع والثقافة المعاصرين – مجتمع ما بعد صناعى ، ثقافة ما بعد حداثية – يصاغ سؤال مشروعية المعرفة بمفردات مختلفة 0 فقد فقدت الحكاية الكبرى مصداقيتها ، بصرف النظر عن نمط التوحيد الذى تستخدمه ، وبصرف النظر عما إذا كانت حكاية تأملية أم حكاية تحرر " .
جان فرانسوا ليوتار (*)
اكتسبت ثورة 25 يناير الشبابية فى مصر- وكذا نظيرتها التونسية ، من قبل – افاقا يسارية – مابعد حداثية – ملموحة ،عبر الروابط التقنية غير المسبوقة فى عوالم التحديث الصناعية ، بكل مكوناتها الأيديولوجية والعقائدية المغلقة . وهو مافضح مدى العقم المعرفى الذى أصا ب تلك المكونات فى مواجهة التحولات العالمية مقارنة بثورتى تونس ومصر الفتيتين ، بعدما جمعتا بين فضيلتلى العدل والحرية فى مشهد جديد ، يتجادل مع مفهومات وتطلعات حركات اليسار الصاعدة ، فى أقطار أمريكا اللاتينية ، ومع ذلك التوهج الفعال لحركة الاحتجاج العالمية ، المناهضة للعولمة الرأسمالية – التى انطلقت ، منذ عقود ، من أراضى هذه القارة الفتية (البرازيل تحديداً) – بعدما انذوت حركات اليسار العربية التقليدية، ولاسيما المصرية، منها ، داخل أقبية أيديولوجية وتنظيمية ، لاتزال سراديبها تنضح بمقولات لينينية وستالينية توتاليتارية ، مضت ، وبليت ، تلك التى حاصرت وسجنت – من قبل – الرؤى الخلاقة للمنتج / المُنشأ (ماركس) ، ناهيك عن التلفيقات البعثية والناصرية والقوموية ، التى تعايشت – كغيرها – على المقولات ، السابق ذكرها ، وعلى ما شابهها من طروحات شعبوية وإسلاموية ، حداثوية ، وكانت النتيجة ، ذلك الاخفاق المدوى لليسار العربى ، والمصرى ، سياسياً، ومعرفياً ، لينصرف العديد من كوادره ومناصريه ، بعيداً عنه ، إما إلى سلفية إسلاموية ، مستجدة ، ترعاها سلطات وقوى مالية وإعلامية ، متعاظمة الشأن ، عربية ، دولية ، وإما إلى ليبرالية ، مُدعاة التجدد ، ضمن أفق أمريكى ، عدوانى ، ومستبد ، ومحافظ ، ترعاها مؤسسات وشركات ، متعدية الجنسية ، وعابرة للقارات ، فيما تحيا الأجيال العربية الصاعدة ، تمزق اللحظة الراهنة ، بعبثيتها ، وعدميتها ، ورخاوتها ، وفى ذلك المجتمع العالمى ، الذى بات يعرف بـ " مجتمع المشهد " .


تجاوز معرفى
بيد أن المساعى التى يضطلع بها ، بعض من طلائع اليسار العربى والمصرى – لأجل تجاوز مآزقه – لاتزال تصب فى أفق يتجاذبه قديم الخطاب السياسى ، لذلك اليسار ، وجديد التحولات والانقلابات الجارية ، فى هذا العالم ، على مختلف أصعدته الفكرية والمعرفية ، السياسية والاقتصادية ، الاجتماعية والأخلاقية . وها هنا ، تمثل الطروحات التى أذاعها ، مؤخراً ، عبد المنعم تليمة ، أنموذجاً متبلوراً ، لذلك التجاور المعرفى لمفاهيم ، تنتمى إلى زمانيين متعاكسين ، زمن التفكير الحداثى ، الأفل نجمه ، وزمن التفكير الما بعد الحداثى ، البازغة أنواره ، المعرفية والتنظيمية ، وحداثته الخالية من الأحلام والآمال التى مكنت البشر من احتمال الحداثة القديمة كما يقول هيبداج ، بيد أن ذلك التجاور الزمانى من المفاهيم ، التى رشحتها طروحات تليمة لا يحد من موضوعية هذه الطروحات ، إذ أن زمن ما بعد الحداثة ، الجارى فصوله ، منذ عقود قليلة ، خلت ، هو استمرار لما سبق من زمن الحداثة ، وانفصال عنه ، فى آن ، لذا هو زمن " التمفصل " – على حد وصف عالم الفلسفة صلاح قنصوه - بين زمانين ، بين التشابه ، الباهتة ملامحه ، والاختلاف ، المُغممة قسماته ، ومن حيث وحدة قديم الرؤية الحداثية وتمركزها الرخو ، حول ذاتها ، وتمزقها المتشذى ، فى مختلف الآفاق ، بحسب ما يشير إلى ذلك إثنان ، من أبرز فلاسفة ما بعد الحداثة ، وهما إيهاب حسن ومارجريت روز، وهو ما دعا حسن لوصف زمننا الراهن بزمن " استحالة التحديد " ، أما طروحات تليمة فإنها تجافى ذلك العالم دون المحدد ، كما عبر عنها فى مقالات ثلاث ، نشرتها له ، تباعاً ، أسبوعية الأهرام العربى المصرية ، فى وقت سابق، وصدرت فى كتيب مستقل ، تحت عنوان جامع ، تصدرها ، هو : " المصريون يستأنفون مبادرتهم فى التاريخ الحديث " ، فيما حملت كل مقالة عنواناً مستقلاً ، بذاتها ، وهى على التوالى : " أعمدة النهضة المصرية " ، "التطور الديمقراطى السلمى" ، " تخطيط أولىَّ للمستقبل " ، وعلى الرغم من إقرار تليمة ، منذ مطلع مقالته الأولى ، بأن ثمة " بشرية جديدة قد بدأت تاريخاً جديداً " ، إلى حد وصف ما يجرى بـ" الثورة الشاملة " ، التى " تغير الحياة على كوكب الأرض " ، فإنه يسارع – وعبر تحديدات حداثية قاطعة – بتلمس ما أسماه معالم " النهضة – الصحوة " ، المصرية الراهنة ، والتى تقوم – برأيه – على أعمدة ، حصرها ، فى ستة ، ضمن الداخل المصرى ، وخمسة مع خارجه ، تتصل الأولى بما أسماه : تصفية احتكار إدارة البلاد ، سياسياً ، من جانب قوة سياسية وحيدة ، واحتكار الدولة لإدارة شئون الحياة العامة ، واستكمال مؤسسات المجتمع المدنى ، وإعادة توزيع الثروة الاجتماعية ، كى تسد " الأغلبية المرهقة ضرورات الحياة " ، وأن يصير للعلم وتطبيقاته زمام القيادة فى العمل المصرى ، وذلك فى إطار برنامج إصلاح شامل ، أما أعمدة النهوض مع الخارج فتتضمن : تصحيح علاقات مصر بالعالم ، عبر الحوار الثقافى ، والإقرار بتعدد العناصر المكونة للوطن العربى ومصر ، فالأخيرة وطن افريقى آسيوى عربى مسلم أوسط متوسطى ، دون تغليب واحدة من هذه السمات على الآخرى، ثم تزكية تعدد الأقطاب ، وتزكية الحركة الشعبية الديمقراطية العالمية (أى المناهضة للعولمة الرأسمالية) ، وأخيراً المشاركة فى تأسيس نظام جديد لإدارة العالم ، عبر إعادة هيكلة منظمة الأمم المتحدة ، كى تتسع أوعيته لتمثيل متوازن وعادل لجميع الشعوب .
واللافت فى طرح تليمة ، هذا ، هو ذلك التداخل بين الطابع ما بعد الحداثى الآنى ، والطابع الحداثى الغابر ، فالصياغات تتسم بالعمومية المُفرطة ، تأتى أقرب إلى المبادىء الفلسفية العامة ، الصالحة للعرض فى كل الأزمة والأمكنة العالم ثالثية ، على الرغم من أن الجمهور الذى يخاطبه ، هو – هنا - هم المصريون ، وليس غيرهم ، ليصير ذلك الخطاب اللامحدد ما بعد حداثى ، لكنه يظل – كذلك – حداثياً ، من حيث اضطرار فئات من الكُتاب للعمل بتلك اللغة فى وجه سلطة الاكراه ، التى فرضتها ثقافة المؤسسة / الدولة على العقل العام ، وخاصة فى مصر ، على مد عقود مضت . وهو ما يحيل إلى سمات حداثية أخرى ، تبدت ، بجلاء فى سياق طروحاته ، والمتمثلة فى ذلك التحديد السياسى للامحدد سياسياً ، وذلك فيما يتصل باصطلاح "القوى"إذ يصنف تليمة سلطة الدولة المتجبرة بالقوة السياسية ، التى ينبغى تصفية احتكارها لإدارة البلاد ، على الرغم من كونها قوة بيروقراطية بوليسية – بالأساس – مما يخرجها من صفة القوة / التيار / الحزب الشعبى ، وهو ما يقره تليمة ، فى مقالته الثالثة ، من أن أى من قوى مصر السياسية لم تتول – منفردة أو مجتمعة – إدارة شئون البلاد ، ومن شارك كانوا محض أحاد منها – بأشخاصهم وليس بـبرامجهم – تحت مظلة الحكم ، فى أوقاته.
أما " القوى" التى يشير تليمة إلى فعاليتها الراهنة فيحددها – حداثياً – فى الليبرالية ، والسلفية، والاشتراكية ، والقومية (من ناصرية وبعثية وغيرها) ، وهو تحديد يتكأ على تاريخ بدأ قبل أكثر من 90 عاماً وينتهى قب نحو 60 سنة ، وهو ما حمل تليمة ، على الاستدراك – فيما بعد – بقوله أن هذه القوى ليست قوى سياسية ، بالمصطلح الفنى ، بل هى قوى شعبية ، ذات أصول اجتماعية ، وجذور ثقافية ، وربما جاز قول تليمة ، هذا ، نظراً لحرمان تلك الاتجاهات من ممارسة العمل السياسى العلنى ، والحر ، لأكثر من خمسة عقود ، متصلة ، لكن ، يظل غياب هذه الاتجاهات – أو تغييبها ، بالأحرى – غياباً ثقافياً ، فى ذات الآن ، إستناداً إلى النظر الحداثى ، الذى يوليه تليمة اعتباراً متعاظماً ، فى هذا الشأن ، فمع انعدام – أو ما يكاد – تجلى العبارة السياسية / الثقافية لهذا الاتجاه ، أو ذاك ، تتميع كل عبارة فى أتون العبارة المهيمنة ، أى العبارة الشمولية ، التى سادت مصر ، منذ عقود ، ولاتزال ، بقوة ونفاذ سلطة الدولة ، ليجرى التنافس بين عبارات غارقة فى شموليتها ، الاستبدادية ، والنصر لما كان له قدرة التلاعب الأوفر ، سواء بالمأثور الدينى ، فى حالة السلفيين (إخواناً ، ومن شابههم) أو بسلاح الإخافة من المجهول ، فى حالة السلطة ، ومن والاها ، وهو سلاح قديم الزمن ، حيث أقر أحد قدامى فلاسفة الحداثة ، وهو هوبز " أن الشعور الذى لابد من استثارته فى سبيل فرض السيطرة الفعالة هو الخوف " ، لأنه برأيه هو " الذى يقيد النظام الاجتماعى ويضمنه " ، لذا يبقى الخوف ، إلى يومنا ، هذا ، آلية التحكم الرئيسية التى تخترق المجتمع والمشهد والصورة ، بحسب ما يذكر مايكل هاردت، وانطونيو نيغرى ، فى كتابهما المثير : "إمبراطورية العولمة الجديدة " .
كُتل شمولية
إن ما نعنيه – هنا – هو أن تلك الاتجاهات السياسية / الثقافية / التاريخية – التى عددها تليمة) سلفاً – تنتمى إلى عصر حداثى ، انقضت فعاليته فيهم ، وفعاليتهم فيه ، لينتهى جلهم إما إلى كتلة شمولية مسمطة ، وإما إلى شظايا تتفتت مرجعياتها وتتضارب فيما بينها ، ضمن عالم يدوى بكل ما هو ما بعد حداثى ، على صعيد الاتساع الهائل للوعى ، الذى صار ينظر إليه على أنه معلومات ، والتاريخ على أنه حدوث ، بحسب ما يلفتنا إليه إيهاب حسن ، بيد أن تليمة لايزال يعتقد – حداثياً – بجدوى هذه الحدوث ، إذ يعلق صواب السبيل المصرى إلى المستقبل ببلوغ برنامج إصلاح شامل ، تستلهم متونه من فحوى مشروعات القوى الأربع ، بوصفها "القوى التى رشحها التاريخ المصرى فى القرنين الماضيين لبناء مصر الحديثة والمعاصرة " ، كما جاء فى مقالته الثانية لكن ، هذا الاستلهام يظل محدداً – برأيه – بغايات أربع لا تتجاوزها ، غايات أخرى ، ولا سبيل لغيرها ، كى تحط مصر إلى المستقبل المرتجى - من تليمة - لبلاده ، وهى استكمال مهام " التحرير " ، من الاستبداد الخارجى (الاستعمار) والداخلى (احتكار السلطة) ، فـ " التحديث " ، والذى يعنى – برأيه – استكمال بناء مؤسسات المجتمع الحديث ، بآفاق عصرية ومستقبلية ، فـ " التعقيل " ، عبر الاعتداد به فى كل نظر ، وقرار ، وفى صياغة كل قانون ، وعلاقة ، وأخيراً " التوحيد "، وهنا يعود تليمة للتطرق إلى ضرورة "الاعتراف المتبادل بين قوى المجتمع السياسية والفكرية " ، مستلهماً التاريخية المصرية أو ما يسميه ، هو ، " قانون التاريخ المصرى " ، الذى يكمن – برأيه – فى التفاعل بين قوى المجتمع، لكون التعددية " أساس الوحدة ، والوحدة حامية التعددية " ، طبقاً لتعبير تليمة .
وتتعاظم فعالية هذه التاريخية ، حين يستأنف تليمة الحديث عن دورها ، فى تحديد مسار نهضة مصر ، أو ديمومة ثورتها – كما يوضح فى مقالته الثالثة – فلتلك النهضة – كما يقول- أطوار أربع ، بدأ طورها الأول بخروج المصريين ضد الفرنسيين ، فى نهايات القرن الثامن عشر ،والثانى بالخروج ضد الإنجليز والخديو (الحاكم التركى) بقيادة عرابى (1881)، ثم خروجهم ضد الإثنين ، بقيادة سعد زغول (1919) ، وأخيراً بخروج الجيش ، وإنهاء سيطرتهما على حكم البلاد (1952) .
جُرح الهوية
واللافت فى ذلك التحديد الحداثى لأطوار النهوض المصرى هو اتخاذ القرن الـ 18 نقطة إنطلاق لهذا النهوض ، بوصفه النهوض المنتمى إلى الحداثة ، أو التحديث ، مقابل القديم ، أو التقليدى ، كما دأب الحداثيون ، بشتى انتماءاتهم واتجاهاتهم ، التشديد عليه ، حتى صار لديهم، ولدى من حذا حذوهم ، بداهة مستقرة ، وبعد أن شاعت فى الأدبيات الفكرية والسياسية ، ليبرالية كانت ، أم يسارية وقومية . فالقرن الثامن عشر – برأيهم – كان هو قرن التحديث الأوروبى ، الذى ينبغى للتاريخ المصرى ، بل ولتاريخ أقطار كل المناطق الأخرى ، أن يتماهى معه ، بحيث صار التحديث – أو التطوير ، إن شئت الدقة – أمراً أوروبياً خالصاً ، يتمركز فى إقليمها ، وعلى الشعوب الأخرى الدوران حوله ، كى تتجاوز تعثرها القائم بفعل ثقافاتها المعوقة ، لكل تقدم(!) وذلك فى مقابل ما تروجه الحركات الإسلامية من أن عصر السلف الحق هو نقطة الانطلاق لكل تنوير وتحديث .
بيد أن الدراسات ما بعد الحداثية ، كما تتبدى فى مدارس وحركات نقد الاستشراق والمركزية الأوروبية ، وتاريخ ما قبل الاستعمار ، تُبين – بجلاء – مدى تهافت خرافة الترابط بين الحداثة الأوروبية وما قبل الحداثة ، لدى الشعوب الأخرى ، ورخاوة التعميم المسرف حول مثالية العصور الإسلامية الأولى ، إذ ترسم دراسات وطروحات عجم وعرب ، مثل أندريه ريمون وعفاف مرسو ، وبيتر جران ونيلى حنا ، وفرد لوسون وعبد الرحمن عبد الرحيم ، وعلى بركات ، ومحمد عفيفى ، واقع التفاعلات التحديثية التى جرت فى مصر وبلاد الشام، بين خبرات النخبة الفكرية المكتسبة ، وتشابكها مع العقل البرجوازى الصاعد ، محلياً ، خلال القرنين الـ 17 والـ 18 ، وهو ما وسم علماء هذا العصر بالموسوعية ، ناهيك عن انحياز العديد منهم للدراسات التجريدية لا الاستنباطية فى علوم مثل التشريح (انظر مقالينا بـ جريدة"العرب" اللندنية فى 9و16 فبراير 2006) ، وهو ما دعا مؤرخاً لامعاً ، مثل جران للاعراب عن أمله فى أن يُقدم أحد الباحثين ، على درس كتابات ممن أسماهم " مثقفو القاهرة " فى أواخر القرن الـ18، بغية عقد المقارنة بين أعمالهم وأعمال معاصريهم " فى عصر التنوير فى أوروبا والعالم الجديد " ، وذلك بعدما توافرت لجران إمكانات دراسة مخطوطات الجامع الأزهر ، وكذا أعمال العلامة المصرى حسن العطار ، خلال هذا العصر ، وما بعده ، والتى كشفت له عن سمتين رئيسيتين ، وهما العقلانية والتعددية الفكرية والسياسية ، ضمن الأنماط التى عرفها هذا العصر ، والمتمثلة فى التجمعات والتنظيمات الصوفية ، وهما سمتان يشدد تليمة على وجوب توافرهما فى المجتمع الذى يتسم بالحداثة ، إلا أن الحداثة الأوروبية – ويلاالمفارقة – هى التى أضرت ، بشدة ، بتطور الحداثة المصرية ، عبر الغزوات الأوروبية لأراضيها ، ومنافسات رأسماليتها على ثرواتها ، فيما ظلت بعثات محمد على الأوروبية غير ذى تأثير كبير ، على واقع التحديث المصرى – كما يرى جران – إن لم تكن الأضرار التى سببتها هذه البعثات ، أعظم من نفعها ، من حيث فوقيتها واستعلائها على الثقافة المحلية ، وافتتاحها لعصر الازدواجية الثقافية والحضارية ، فيما بات يعرف ، إلى اليوم ، بجرح الهوية، وهى الهوية التى حملت تليمة على البحث عن جذورها فى أعماق التاريخ المصرى القديم ، وتحديداً فى طورها الفرعونى الأول ، مستنداً فى ذلك إلى مناهج الحداثة القائلة بوجود " ما يميز مجموعة تاريخية من البشر " ، وهو ما يفارق قوله ، فى موضع آخر ، من مقالته الثالثة ، من أن نهوض النظر المستقبلى يقوم على " جدلية بشرية ، تتراجع فيها المفهومات المنغلقة ، التى لا تعتد بالمشترك الإنسانى ، فتفصل بين ما عليه المجتمع وما يجرى على كوكب الأرض ، فتغيم الأواصر بين المحلى والعالمى (...) " ، وهو أمر يقع فى قلب عالم ما بعد الحداثة ، الذى يشكل عصوراً صعبة التحديد ، وتنفلت عن الأطر والمناهج والتصورات ، التى صاغتنا ، وصغناها ، فى محاولة فهمنا للعالم ، ولأنفسنا ولظواهرنا ولغتنا وأفكارنا ، وأساليب تفكيرنا ومناهجه ومعانينا ، حيث لم تعد صالحة ، كلياً ، لوصف ما بعد الحديث ، على حد ما يذهب الباحث المصرى نبيل عبد الفتاح ، فى واحدة من أبحاثه ، المتصلة بهذا الأمر .
بيد أن ذلك لا يحوول دون الجدة التى اتسمت بها طروحات تليمة ، المنفتحة على تراثه اليسارى التليد ، وتقلبات معارف عصره الجديد ، لتظل تلك الطروحات لا متناهية فى عالم ما بعد الحداثة ، عبر الجدلية والتفاعل ، مع طروحات أخرى ، لا متناهية ، أيضاً ، فى فعاليتها ، وكما يقول ليونار : " إن الفنان أو الكاتب ما بعد الحداثى ، فى وضع الفيلسوف : فالنص الذى يكتبه ، والعمل الذى ينتجه لا تحكمهما ، من حيث المبدأ قواعد راسخة سلفاً ، ولا يمكن الحكم عليهما طبقاً لحكم قاطع عن طريق تطبيق مقولات مألوفة على النص أو العمل . فهذه القواعد والمقولات هى ما يفتش عنه العمل الفنى ذاته ، الفنان والكاتب ، إذن ، يعملان دون قواعد لكى يصوغا قواعد ما تم عمله فعلاً ومن هنا حقيقة أن للعمل والنص سمات – حدثُُ – ومن هنا أيضاً ، فإنهما دائماً ما يأتيان متأخرين جداً بالنسبة لمؤلفهما " .



#فكرى_عبد_المطلب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل الحركات الاسلاموية فى مجتمع العولمة..- الاخوان - مثال ...


المزيد.....




- القبض على -سفاح صيدنايا- ومقتل شجاع العلي في سوريا
- زيارة مثيرة للجدل: رئيس المخابرات العراقية يلتقي أحمد الشرع ...
- ماذا نعرف عن تعيينات الحكومة الانتقالية السورية الجديدة؟
- حقائب مهجورة وزجاج على الأرض.. هكذا بدا مطار صنعاء الدولي بع ...
- بولندا تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي والتركيز على ا ...
- الدرك المغربي يداهم قرية ويحرر 19 شخصا كانوا محتجزين في ظروف ...
- شولتس يعلن اتفاقه مع ترامب على تنسيق المواقف بشأن النزاع في ...
- ريابكوف: موسكو ترى مؤشرات على انطلاق سباق تسلح جديد بالفعل
- الحوثيون يقصفون مجددا مطار بن غوريون
- أوروبا 2024.. هزيمة استراتيجية التصعيد


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - فكرى عبد المطلب - بعد أن صار العالم الحداثى افتراضيا وما بعده حقيقيا .. العقل اليسارى المصرى فى عالم ما بعد الحداثة ، نقداً