|
الديمقراطية والإسلام .. متعايشان أم متنافيان 1/2
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3550 - 2011 / 11 / 18 - 21:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محاضرة ألقيت مساء يوم الجمعة 16/09/2011 في مدينة يوتبوري (ڠوتبورڠ) Göteborg السويدية بدعوة من البيت الثقافي العراقي وجمعية المرأة العراقية. جرت عليها لاحقا بعض الإضافات. ثم ألقيت كمحاضرة بمضامين متقاربة ظهر يوم الخميس 17/11/2011 في بغداد، في ملتقى الخميس الإبداعي في قاعة الجواهري في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. . مقدمة عندما تكون هناك مشكلة مهمة وخطيرة ومصيرية، لا يجوز أن نحول المشكلة إلى قلعة محصنة ثم نبقى نحوم حول جدران هذه القلعة، بل يجب أن نملك شجاعة خرق جدرانها والولوج إلى عمقها، عمق المشكلة، أن نملك شجاعة الكشف عن المشكلة، لتسفر عن حقيقتها بلا نقاب ولا رتوش، ونملك شجاعة مواجهة تلك المشكلة. لذا نطرح هنا السؤال المهم: هل سيكون بمقدور الديمقراطية والإسلام أن يتعايشا، أم سيبقيان متنافيين، أو متربصين لأحدهما الآخر. مدى فرص التعايش بين الديمقراطية والإسلام إذا ما واجهنا سؤالين، الأول ما إذا كان الإسلام يمثل عنصر تهديد للمشروع الديمقراطي، والثاني ما إذا كانت الديمقراطية تمثل عنصر تهديد للإسلام، يمكن الإجابة على كل من السؤالين بجوابين متناقضين؛ أي تارة بالإيجاب، وأخرى بالنفي، حسب زاوية النظر. فالإسلام، نعم وبكل تأكيد، يهدد الديمقراطية، كما إن الديمقراطية، وبكل تأكيد، تهدد الإسلام. هذا جواب له مبرراته على كلا الطرفين. أما الجواب، أو الجوابان المضادان اللذان يملكان هما الآخران مبرراتهما، هما إن الإسلام لا يمثل عنصر تهديد للديمقراطية، بل هو قادر على التعايش معها، ذلك بحكم ديناميكية الشريعة حسب التنويريين، أو المعتدلين حقيقة أو ظاهرا، أو التأويليين، وكما إن الديمقراطية لا تمثل عنصر تهديد للإسلام، بل هي قادرة على التعايش معه، بل هي صائنة له، كما لكل الأديان والعقائد. هذا التناقض في الإجابة على كل من الطرفين، ناتج عن حقيقة يمكن تطبيقها على كل من الإسلام والديمقراطية. مفاد هذه الحقيقة هو إن لكل من الإسلام والديمقراطية أكثر من قراءة، وأكثر من فهم، وأكثر من تطبيق. لكني أستطيع أن أقول إن هذه الحقيقة غير متساوية التحقق على كل من الطرفين، ففيما يتعلق بالديمقراطية، فإن التفاوت في طرق فهمها وتطبيقاتها تفاوت جزئي لا يمس جوهر الديمقراطية، بينما التفاوت في صور فهم الإسلام وتأويلاته واستنباطات أحكامه وتطبيقاته وصور عيشه من المؤمنين به والملتزمين بأحكامه، هي أشد بكثير، سواء كان ذلك أفقيا أو عموديا، وأقصد بشدة التفاوت الأفقي التفاوت الكمي أي من حيث عدد تلك الصور والأوجه المختلفة للاجتهادات والاستنباطات والتأويلات والتطبيقات، وأما بشدة التفاوت العمودي فأعني التفاوت النوعي، أي من حيث مدى درجة حدة التفاوت بين فهم وآخر، يصل أحيانا إلى درجة التناقض، وكأننا أمام أديان مختلفة، وإسلامات عديدة، لا إسلام واحد، ذلك من أقصى الانغلاق والجمود والتخلف والظلامية والتطرف والعنف، إلى أقصى درجات الانفتاح والمرونة والتنويرية والاعتدال والرفق، من أقصى مستويات الإسلام الإرهابي، إلى أقصى درجات الإسلام الديمقراطي الليبرالي، مع إن ديمقراطية الإسلام الديمقراطي تبقى ديمقراطية مشروطة، وبالتالي منقوصة بدرجة أو بأخرى. عن أيهما نتخلى لصالح الآخر مع التنافي بينهما؟ إذا ما افترضنا أن الديمقراطية، حق الديمقراطية، لا تتحقق كمنظومة كاملة غير قابلة للتفكيك والاجتزاء ما زال هناك إسلام، وكما أن الإسلام لا يمكن أن يُعاش ويُطبَّق حق تطبيقه وبكل أبعاده وعلى جميع الاصعدة ما زالت هناك ديمقراطية، فيمكن أن يقال إذن هناك تنافٍ، أي إن أحدهما ينفي الآخر، فبالتالي يجب علينا أن نطرح سؤالا مشروعا، وهو إذا ما وجب علينا التخلي عن أحدهما لحساب الآخر لاستحالة تعايشهما، فهل ننخلى عن الديمقراطية ونضحي بها لصالح الإسلام، لأنه يمثل الأصل، والديمقراطية تمثل طارئا دخيلا على المجتمعات المسلمة، أم علينا أن نتخلى عن الإسلام، لا أقل في بعده الاجتماعي والسياسي، لأن الديمقراطية تمثل المشترك، بينما الإسلام لا يمثل المشترك، فهناك في المجتمعات ذات الأكثرية المسلمة غير المسلمين، وهناك المسلمون غير المتدينين، والمسلمون غير الإسلاميين، أي العلمانيون، سواء كانوا متدينين أو غير متدينين، كما هناك المسلمون ظاهرا المرتدون عن الإسلام، أو لا أقل الشاكّون به، باطنا. كلا الخيارين الإقصائيين غير واقعيين، فمحاولات إقصاء الإسلام جرت من قبلُ من قبل رضا شاه، والحبيب بورقيبة، وكمال أتاتورك، ولم تؤدِّ إلا إلى العكس. ثم إننا كديمقراطيين علمانيين نؤمن بحرية العقيدة، وندافع عن حرية المتدينين في مزاولة تدينهم والالتزام بأحكام دينهم، كما ندافع عن حرية غير المتدينين في عدم الالتزام بأحكام الدين، ندافع عن الدينيين في الترويج لدينهم، بما يصطلح عليه حسب التعبير الديني بـ(الدعوة) أو (التبليغ) أو (التبشير)، كما ندافع عن اللادينيين، الإلهيين منهم أو اللاإلهيين (الملحدين)، في الترويج لعقائدهم وفلسفاتهم ونقدهم للدين. وبكل تأكيد لا يمثل إقصاء الديمقراطية خيارا مقبولا ولا معقولا، فبديل الديمقراطية لا يكون إلا الديكتاتورية والاستبداد، أو الاحتراب بين القوى المتطلعة إلى احتكار السلطة في إطار ديمقراطية مشوهة، ما هي في الواقع إلا ديكتاتورية تعددية. إذن لا بد من التعايش، ومن هنا ندعو لما أسميه بـ(التعايش المتكافئ)، والاحترام المتبادل، وحرية النقد الموضوعي المتبادل. هل من فرص للديمقراطية في ظل الإسلام؟ أو: هل الديمقراطية ممكنة من غير العلمانية؟ وما هي حقيقة فرص الديمقراطية بدون العلمانية؟ يجب أن نقر هنا بمجموعة حقائق؛ بالذات الدول ذات الأكثرية المسلمة، العربية وغير العربية، ما زالت متخلفة عن ركب التحول الديمقراطي في العالم، وبالذات هذه الدول ستبقى أو يبقى معظمها عاجزا عن اللحاق بمسيرة العصر، وعلى رأس الملامح الأساسية لهذه المسيرة هي الديمقراطية، والحداثة، وحقوق الإنسان، والحريات العامة والخاصة، ومساواة المرأة بالرجل، والفصل بين الدين والدولة. ولذا يجب أن نشخص بكل صراحة وبكل شجاعة معوقات الديمقراطية في هذه الدول. الديمقراطية في المنطقة بين نارين هنا يجب القول وبشكل واضح ومحدد، إن الديمقراطية في عالم الأكثرية المسلمة واقعة بين نارين: نار الديكتاتوريات، القائمة منها، أو المنهارة توا، أو التي في طريقها إلى الانهيار، وبين نار الإسلام السياسي. من هنا لا يمكن للديمقراطية أن تكون ديمقراطية، إلا إذا اعتمدت العلمانية. ما هي العلمانية التي ندعو إليها؟ العلمانية أو السيكولارية بالإنگليزية (secularization) بالألمانية (Säkularisation) أو (secularism) بالألمانية (Säkularismus) مشتقة من الكلمة اللاتينية (saeculum) بمعنى الزمن، أو العصر، أو المعاصرة، كما واستخدمت أيضا حسب اللاتينية الكنسية بمعنى القرن، كما واستخدمت كذلك بمعنى العالم المعاصر، أو عالم العصر. هذا من حيث اللغة، أي كمفردة بمعناها الأصلي، أما كمصطلح، أو بتعبير آخر كمعنى منقول، فتعني العالمية (worldly) وليس (international)، أي نسبة المفاهيم إلى )العالم(، أي إلى )الأرض(، أو بالمصطلح الديني إلى )الدنيا(، أي إلى عالم )الشهادة( حسب المصطلح القرآني، في مقابل نسبتها إلى )السماء(، أو إلى )الآخرة(، أو عالم )الغيب( حسب المصطلح القرآني، أو ما يصطلح عليه بالميتافيزيقا، أي عالم ما وراء الطبيعة. وإن كان مصطلح العلمانية (السيكولارية) قد اتخذ في القرن التاسع عشر معاني متعددة، إلا أنه يعني بشكل عام، وحسب المعاجم الألمانية المعتبرة كل عملية علمنة (Verweltlichung) (نسبة إلى العالم)، أو دنونة (نسبة إلى الدنيا)، باعتماد العقلانية والإنسانية، في مقابل ربط المفاهيم الحياتية لقضايا المجتمع ربطا وثيقا بالفكر الميتافيزيقي والتعاليم الدينية حصرا؛ مرة ثانية مع تأكيد اعتماد العقلانية والإنسانية. فالعلمانية تأخذ بنظر الاعتبار حقيقة تطور الحياة الاجتماعية والتحولات الجارية في المفاهيم المتعلقة بها. أما العلمانية الاجتماعية - حسب المعاجم المشار إليها - فتعني الازدياد المطرد في استخدام مرجعية العقل والتجربة البشرية، وتراجع التعويل على الدين في معالجة القضايا الاجتماعية. بينما العلمانية السياسية فهي التي ندعو إليها كمشترك الحد الأدنى لقضايا الدولة والوطن والسياسة. هنا دون أن ننفي أن هناك ثمة قراءة للإسلام - لاسيما من قبل التنويريين والمعتدلين والعقلانيين - تقترب قليلا أو أكثر من القليل من الفهم العلماني، أو لنقل إن هناك قراءة علمانية للإسلام، فيما يتعلق بتحول المفاهيم والأحكام بحكم تطور الحياة ومتغيرات الزمان والمكان. لكن عموم المسلمين، وخصوص الإسلاميين، بل وحتى المتدينين التقليديين غير المسيسين، لكن المتشددين في تدينهم، يختلفون كثيرا في مدى التعويل على صحة هذه المدرسة وفق المعايير الشرعية للإسلام، وتبقى هذه المدرسة الإسلامية التنويرية ذات القراءة العلمانية أو المقاربة للعلمانية، متهمة في أصالتها وسلامة خطها، بل حتى في نواياها وعلاقاتها، أو العلاقات المدعاة عليها، فلطالما اتهم رموزها بالارتباط بالماسونية أو ما شابه ذلك. 16/09 – 17/11/2011
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا تضامن العراق (الديمقراطي) مع ديكتاتوريات المنطقة
-
دعوة تشكيل الأقاليم ما لها وما عليها
-
هادي المهدي القتيل المنتصر
-
الشرقية تسيء إليّ مرة أخرى بإظهاري محاضرا دينيا في تسجيل قدي
...
-
حول التيار الديمقراطي العراقي مع رزكار عقراوي والمحاورين
-
ليكن التنافس حصرا بين العلمانية والإسلام السياسي
-
علاوي - المالكي - جزار التاجي - الخزاعي - ساحة التحرير
-
عملية التحول الديكتاتوري والشباب الأربعة وهناء أدورد وساحة ا
...
-
حكومتنا تتقن فن تصعيد غضبنا إلى السقف الأعلى
-
ضياء الشكرجي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الإسلامي
...
-
مصانع الإرهاب: الفقر، الجهل، الدين
-
سنبقى خارج الإنسانية طالما لم نتفاعل إلا سنيا أو شيعيا
-
سنبقى خارج الزمن طالما سنّنّا وشيّعنا قضايا الوطن
-
المالكي والبعث و25 شباط ومطالب الشعب
-
بين إسقاط النظام وإصلاح النظام وإسقاط الحكومة
-
القذافي ثالث ثلاثة والآخرون هم اللاحقون
-
عهد الثورات الشعبية من أجل الديمقراطية
-
تحية لشعبي تونس وجنوب السودان
-
الجعفري، المالكي، عبد المهدي: رموزا للشيعسلاموية
-
العلمانية .. بين السياسة والدين والفلسفة
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|