وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3550 - 2011 / 11 / 18 - 13:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نظرة نقدية :
سمعان بطرس اسمه في العبرانية شمعون و معناه السمع و يكتب باليونانية سيمون و من الصبغة اليونانية جاء الاسم سمعان و عندما تبع يسوع دعاه ( الصخر ) و بالسريانية ( كيفا ) و ترجمت إلى اليونانية بطرس و إلى العربية ( صفا ) و من كلمة ( كيفا ) أي الصخر جاءت تسمية مدينة ( تل كيف ) شمال الموصل في العراق و تعني ( تل الحجارة ) . يظن البعض ان بطرس كان من جماعة الغيارى المسلحة المعادية للدولة الرومانية . و يستندون في ذلك إلى ما نلاحظه في الإنجيل بحسب متى عندما أعلن بطرس بان يسوع هو المسيح فيجيبه يسوع بقوله : ( طوبى لك يا سمعان ( بريونا ) فليس اللحم و الدم كشف لك ذلك ,بل أبي في السماوات , و أنا أقول لك انت صخر ( كيفا petros ) و على هذا الصخر ( كيفا petra ) سابني كنيستي .... ) متى 16 / 17 – 18 . يكتب الأب عبد السلام حلوه في كتابه ( هل كان يسوع سياسيا ؟ ) قائلا : ( تترجم عبارة ( بريونا ) عادة ب ( ابن يونان ) . و لكن إنجيل يوحنا يدعو سمعان بابن يوحنا ( يوحنا 1 / 42 ) ( و جاء به إلى يسوع . فنظر إليه يسوع و قال : " انت سمعان بن يوحنا , و سأدعوك ( كيفا ) أي ( صخر ) ) . و كذلك في يوحنا 21 / 15 ( و بعد ما أكلوا , قال يسوع لسمعان بطرس يا سمعان بن يوحنا أتحبني أكثر مما يحبني هؤلاء ؟ فأجابه نعم . يا رب انت تعرف إني احبك . فقال له يسوع : ارع خرافي ) . و هكذا نجد ( و الكلام للأب عبد السلام حلوه ) , بحسب دعاة هذا الرأي عبارة Bariohanna في صيغة المطلق و ليس Bariona المستعملة عند متى , و هذا الأمر لا يفسر إلا بالرجوع إلى الأصل الاكدي للمصطلح الذي منه اشتق , أي إلى الآرامية مثلما يذكر جورج كريسبي و بذلك تعني العبارة الخارج عن الطريق أو القانون أو قاطع الطريق مما يدل على حقبة معينة في حياة سمعان بطرس كان فيها غيورا ) انتهى الاقتباس . ألا ان الكاتب وليد يوسف عطو يرى رأيا آخر و هو ان يسوع أراد ان يقول بطرس لا تكن كالغيارى و تحمل السلاح بل كن حنونا و محبا و رقيقا و متسامحا و هو ما سنناقشه . جاء في الإنجيل بحسب مرقس ( 14 / 27 – 31 ) : ( ستتركوني كلكم لان الكتاب يقول : اضرب الراعي , فتتبدد الخراف . و لكن بعد قيامتي أسبقكم إلى الجليل . فقال له بطرس لو تركونا كلهم , فانا لن أتركك . فأجابه يسوع : الحق أقول لك يا بطرس , اليوم في هذه الليلة , قبل ان يصيح الديك مرتين , تنكرني ثلاث مرات . فأصر بطرس على قوله لا أنكرك و ان كان علي ان أموت معك و هكذا قال التلاميذ كلهم ). انتهى الاقتباس . في الحقيقة , نجد هنا أساليب أدبية لتوصيل معان باطنية للقراء كانت مفهومة للناس في ذلك الوقت . فلا يمكن ليسوع الذي هو النبي و المسيح و ابن الله ان يعمد إلى جعل بطرس ينكره و هذا يعني ان الإنسان مخير و ليس مسير و بالتالي لا معنى لوجود جهنم في هذه الحالة و لا معنى كذلك لخلق الإنسان الذي يسير حسب هوى ربه . صدقا و حقيقة فان يسوع بقوله هذا يشير إلى ثلاث شخصيات تاريخية اسمها سمعان , الشخصية الأولى كان لها دور في الوصول إلى الاحتلال الروماني لفلسطين و الشخصية الثانية كان لها دور في تدمير هيكل اليهود في أورشليم و الشخصية الثالثة كان لها دور في تدمير مدينة أورشليم نفسها و جعل اليهود شعب شتات في العالم . الشخصية الأولى تدعى سمعان بن متى حشمون و متى حشمون ، هو الذي قاد تمرد الحشمونيين أو ( المكابيين ) فكان له خمسة أولاد مشوا معه , هم يوحنا الملقب كديّس , و سمعان المسمى طسيّ , و يهوذا الملقب بالمكابي , و اليعازر الملقب اوران و يوناثان الملقب افوس . في عام 143 ق . م توفي يوناثان و خلفه أخوه سمعان و تم إعلان الدولة اليهودية دولة مستقلة عام 142 ق . م و هي دولة دينية أصولية , دامت حوالي ثمانين عاما انتهت بالاحتلال الروماني لفلسطين .الشخصية الثانية هي سمعان بن غوريا الذي قاد تمرد ضد السلطة الرومانية بين أعوام 68 – 70 م و المدعوم من العبيد الذين شكلوا نواة قواته و كان يبشر بمشروعه الثوري لإعادة تنظيم المجتمع على أسس العدالة و المساواة .و قد حوصر سمعان داخل الهيكل و شب في الهيكل النار و قد القي القبض على سمعان و جماعته و تم تدمير الهيكل من قبل الجيش الروماني الذي رأسه القائد الروماني تيطس و فيه فرض تيطس على اليهود داخل مقاطعة اليهودية و خارجها ان يدفعوا إلى معبد جوبيتر في روما نفس ضريبة الخمس التي كان الفلاحون و المزارعون اليهود يدفعونها لهيكل أورشليم من محصولهم الزراعي . و الشخصية الثالثة هي سمعان باركوخبا ( ابن كوخبا ) حيث أعلن احد رجالات المجمع اليهودي ( السنهدرين ) بان سمعان باركوخبا هو المسيح المنتظر و طبق عليه نبؤات العهد القديم ( التوراة ) و لقبه ب ( نجمة الصبح ) . و قد تم الهجوم على أورشليم عام 135 م بقيادة الملك هاوريان و تم إلقاء القبض على سمعان باركوخبا و جماعته و قتلهم , حتى أصبح سعر العبد اليهودي اقل من سعر الحمار . ثم عمد هاوريان إلى هدم أورشليم و تسويتها بالتراب و بنى في موضعها مدينة جديدة اسماها ( إيليا – كابتولينا ) حيث إيليا يشير إلى اسم الملك هاوريان . و التي اسماها العرب المسلمون القدس أو بيت المقدس . بعد تدمير أورشليم أصبح اليهود شعب شتات في العالم . و منع الملك هاوريان اليهود من دخول أورشليم . و عندما تم التوقيع على معاهدة التنازل عن المدينة لصالح العرب المسلمين و التي سلمت مفاتيحها للخليفة الثاني عمر بن الخطاب و رد فيها اسم المدينة ( إيليا – القدس )و قد قام الملك قسطنطين بعد اعتناقه المسيحية بإعادة الاسم القديم ( أورشليم ) بدلا من ( إيليا – كابتولينا ) و بذلك ساهمت المسيحية في الرفع من شان اليهودية و في تهويد المسيحية نفسها . الخلاصة : ان يسوع أراد ان يقول لبطرس لا تكن مثل جماعة اللصوص و قطاع الطرق و الغيارى المسلحين و لا تستعمل السلاح و العنف , بل كن حنونا و محبا و متسامحا و الدليل انه عند اعتقال الحرس الروماني ليسوع في البستان استل بطرس سيفه و ضرب خادم رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى فقال يسوع لبطرس : ( رد سيفك إلى غمده ! ألا اشرب كاس الآلام التي جعلها لي الأب ) . ( يوحنا 18 / 10 – 11) . و نرى يسوع يخاطب بطرس في الإصحاح الأخير من إنجيل يوحنا أي الإصحاح / 21 بعبارة ( يا سمعان بن يوحنا ... ) و ذلك بعد توبة بطرس و يعد قيامة يسوع من الموت . حيث أصبح بطرس حنونا و رقيقا . راجع ( يوحنا 21 / 15 و 16 و 17 ) للبحث في إنكار بطرس ليسوع , راجع كذلك متى ( 26 / 31 – 35 ) لوقا ( 22 / 31 – 34 ) , يوحنا ( 31 / 36 – 38 ) .
بعض من المصادر
1- هل كان يسوع سياسيا ؟ للأب عبد السلام حلوه .
2- تاريخ أورشليم و البحث عن مملكة اليهود للباحث فراس السواح – دار علاء الدين للنشر و التوزيع و الترجمة , ط 3 – 2003 – سورية – دمشق .
3- الكتاب المقدس ( العهد الجديد ) .
4- موسوعة الكتاب المقدس .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟