|
بين المازوت والجلّي في عصر ثيران و-ثورات التصحيح-...
فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 3550 - 2011 / 11 / 18 - 08:42
المحور:
كتابات ساخرة
بين المازوت والجلّي في عصر ثيران و"ثورات التصحيح"... أول مرّة سمعت فيها عن فاكهة الشتاء كنت يومها تلميذاً في الصف الأول الابتدائي وفي قرية صغيرة على حوافي المقرن الشرقي، وكان ذلك مع بدايات ثورة الثامن من آذار المجيدة!!. أغرانا العنوان نحن الأطفال وتخيلنا البرتقال والموز الذي كنّا نعرفه فقط من كتب المدرسة. كانت خيبة أملنا كبيرة عندما قال المعلم أن فاكهة الشتاء هي النار، ولم يكن المقصود بنار جهنم بل النار التي نتدفأ عليها. كانت فاكهة شتاءاتنا المتلاحقة هي فضلات الحيوانات والتي كانت النساء ـ اللاتي لا فرق بينهن وبين الرجال!ـ كنّ يقمن بتصنيعها يدوياً كي تكون وقوداً مناسباً بعد تجفيفها بأشعة الشمس، وكانت تسمى تلك الفاكهة الشتوية "جلّي"، وكانت حيطان قرانا المبنية من أحجار البازلت الأسود تغطيها "طبابيع الجلّي" بانتظار جفافها في أشعة الشمس، وهذا المنظر كان يتكرر تقريباً كل أسبوع منذ الربيع وحتى الخريف!. وكانت الأسرة التي تملك بقرة، ترضع منها وتفلح عليها وتتمتع بفاكهتها الشتوية!. وحتى هذه الفاكهة كانت ترافقنا إلى المدرسة، فكل تلميذ يأخذ معه إلى جانب كتبه ودفتره وكمشة الزبيب في جيب مريوله، كان يأخذ معه "طبوّع جلّي" كي يعطينا دفئاً وسلاماً في نهارات شتاء المقرن الشرقي القاسية بثلجها وبردها وفقرها. أما التدفئة على المازوت فلم تكن معروفة عندنا لأنها مادة كمالية يجب شراءها بالمصاري وكنا نجهل المازوت قبل أن تعلمنا شعار بترول العرب للعرب، وقبل "زلغوطة" أم سليمان في 16 نوفمبر 1970 والتي تردد صداها عند كل الحيطان، والذين يعرفون الطبابيع ومواصفاتها يدركون ضعف تردد الصدى، لأن الجلّي يمتص الأصوات. ومع الزمن بدأ يتراجع الجلّي أمام هجمة المازوت والذي صار حاجة يومية وأكثر أهمية من القهوة العربية المرة، وما عاد المواطن العادي يصدق نفسه بأنه كيف استطاع العيش قديماً بدون الفاكهة الجديدة!. بعد هذا التحول الفاكهي الشتوي والبدء برفع الدعم الحكومي عن المازوت، أي أن المازوت حراً في بلد يضمن الحرية للجميع، بعد هذا قام الباحثون بدراسة عينة من متحف"الطبابيع" على أمل أن تحوي تركيباتها الكيميائية عناصر بترولية سائلة أو جافة، وارتفعت مكانة الثور والبقرة بسرعة، وصار الجميع يدللوهم حتى لو وضعوا فاكهتهم الطازجة بالقرب من الصور أو تمائم الثورة، وما عادت كلمة الثور إهانة وصار الثور وثورة التصحيح والطبابيع والفاكهة من أكثر الأسماء التي تتردد. وتبين فجأة أن الثلم الأعوج ليس من الثور الكبير، ولم يكن كذلك أبداً!. وصار المازوت فاكهة بكل معنى الكلمة ـ فاكهة الشتاء والصيف، وبعد أن قام أصحاب الاجتهاد والإرشاد بتقنين المازوت وتعديل بعض قوانين لافوازيه، صار يستخدم المازوت لضرورات أخرى حيث دخل في صناعة العطور، وصارت نسبة المازوت في قناني العطر تعتبر مؤشر للجودة. ولأهمية الموضوع صارت عملية تطوير وتوزيع العطور المازوتية من مهمة السيد رئيس الوزراء العطري وبمساعدة المستشارة السيدة العطار والتي لم يفسدها الدهر، أدام الله عطرهما الفوّاح علينا!. ويعرف السيد العطري والسيدة العطار أن البترول السوري، ولسنين طويلة كان في يدٍ واحدةٍ أمينة عطرة –رحمها الله طاهرة! وكان الجلّي بأيادي جماهير الثورة المُصحّحة!. لقد دخل المازوت وبكل أشكاله وألوانه المختلفة عالم الدعاية والإعلان والبروباغاندا، وصرت ترى المسئول وهو يمسك بيده نصية مازوت، أو يرتدي لباس طنبرجي المازوت، أو يرفع بيده كأساً من المازوت النقي في حفل تدشين منشأة حيوية...، ولم تتجاهله برامج مرشحي البرلمان والإدارة المحلية وبرامج مرشحي رئاسة الجمهورية والبلديات المؤمنة منها والمؤتمنة...، وظهر مازوت لايت ليتناسب مع الإصلاحات الجديدة!. وقامت وزارة المازوت والتي يشرف عليها عضو قيادة قطرية لم يعلن عن إسمه الصريح لضرورات استراتيجية أمنية، بالتعاون مع وزارة الثقافة بتنظيم المسابقات الشعرية والقصصية والموسيقية الراقصة والدورات الرياضية، وتمّ إنشاء هوليود أفلام بترولي، وظهرت اللوحات الفنية والتماثيل. وحلّت قناني مازوت الأفراح محل خواتم الخطبة والزواج، وظهرت أغاني الديسكو المازوتية، وصار تمثال النقطة، نقطة المازوت ـ صار رمزاً للوط، وظهرت دورات تأهيل وترشيد التنقيط! وبالأمس قدّم الشاعر الأشعر صاحب شعر الشاليش الأسمر ديوانه الجديد الأحمر على أغبر، ويعتبر هذا الديوان إشارة لافتتاح دورة محو الأمية المازوتية الأولى والتي تمت برعاية المساعد أول أبو محمود! ورفعت لافتات ولاء للقائد، وأخرى تحثّ على تربية الثيران و"ثورات التصحيح"، وتؤكد على أهمية الفواكه بالنسبة للحركة الجلّية المباركة!. وقامت مجموعة من مؤيدي جمعيات المازوت المشبوهة بإثارة الفوضى مما اضطر رجال مكافحة الشغب لاستخدام خراطيم الكازوز لتفريقهم. وانطلاقاً من أهمية الوحدة الوطنية القومية الثورية أعطى السيد الأول توجيهاته للشيخ البوطي بإصدار بيان يؤكّد أهمية فاكهة ما قبل المازوت حيث تستخدم في النار الكبرى، ويلفت البيان نظر الجلالة العظمى إلى إمكانية استخدام المازوت كمادة ثانية تكميلية للحطب والجلّي في النار الكبرى والصغرى، ولتخفيف احتجاجات جمعيات الرفق بالبيئة والحيوان ضد استغلال ثورات الإصلاح وثيرانها، وتعتبر هذه أول خطوة جهنمية إصلاحية تقدمية للتأقلم مع روح العصر.. "ورغم كل المكانة والغرور الذي رافق البترول ومشتقاته إلاّ أنه لم يستطع إزالة دور طبابيع الجلّي" ـ صرّح بذلك رئيس جمعية حماية تراث الجلّي المركزية، خلال مسيرة تأييد عفوية، رفعت فيها اللافتات والشعارات المناهضة للمازوت وفاكهته، ومن الهتافات التي رددها المتسيّرون: أنا الجلّي وليمت أعداؤه...!، طبابيع الجلّي نزلت عالشارع .. والبدّو يصارع بيصارع...، لا يسلم الجلّي الرفيع من الأذى .. حتى يداس على المازوت بالقدم ...إلخ.! فاضل الخطيب، 18 / 11 / 2011...
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجد لا يُعطي سعادة للذي يسرقه، بل للذي يخدمه...
-
نجاح -البعبع- ليس نهاية التاريخ...
-
زوايا دينية في حضرة الثورة الشعبية، -فيسبوكائيات-...
-
أزمة أقليات مذهبية، أم أقليات مأزومة!؟...
-
الهروب من مواجهة آخر آثار النظام....
-
مغامرة الحرية، والخوف منها...
-
افتراضية الحكم الذاتي فرضت انتقاداً غير افتراضياً...
-
هل يُعطي الأسد حكماً ذاتياً للأكراد، قبل محاولة هروبه لحكمه
...
-
إله العقل في أزمة أخلاق؟ أم على وثبة انعتاق؟!..
-
تجربة المجر في التغيير الديمقراطي...
-
غزوة غازية...
-
الجبل الذي وُلدت فيه نسراً، لا تمُت فيه عصفوراً...
-
نكتة ممدوح الأطرش...
-
المنافسة على كسب الذلّ في الجبل...
-
-أشرف- يحكي وعاقل يفهم...
-
إيديولوجية -مطرح ما يدوس يبوسوا- للأحذية المستعملة...
-
هل صار الأسد مثل النبي شعيب؟...
-
أسرانا يهزّون العرش..
-
الجذور العظيمة الطيبة تنزف دماءً في النيل العظيم...
-
عائلة الأسد تُحب سوريا وتكره السوريين...
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|