رسميه محمد
الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 18:09
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
4-- الارهاب أحد ظواهر الاضطراب السياسي
في العصر الحديث
ان الارهاب أحد مصطلحات علم السياسة المعاصر , التي حظيت في العقود الثلاثة الاخيرة بالعديد من الدراسات والتحليلات بحيث أصبح له مضمونه المحدد في الدراسات السياسية . فالارهاب هو أولا شكل من أِشكال العنف المنظم , ولذلك لجأت المنظمات الدولية – وعلى رأسها الامم المتحدة – الى استعمال مفهوم اجرائي للفعل الارهابي , بحيث أصبح هناك اتفاق عالمي على كثير من صور الاعمال الارهابية مثل الاغتيال والتعذيب واختطاف الرهائن واحتجازهم واختطاف واحتجاز وسائل النقل والرسائل الملغومة...الخ.
والارهاب هو ثانيا أداة أو وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ليس فقط في سياق المواجهة الداخلية بين السلطة السياسية وبين جماعات معارضة لها , وأنما أيضا كأداة للتعامل بين الدول وبعضها البعض, والارهاب ثالثا يتضمن انتهاكا عمديا ليس فقط للقواعد القانونية والشرعية العامة , وانما أيضا للقواعد العرفية والدينية السائدة
وهذا أمر ملائم لطبيعة الفعل الارهابي التي تفترض اشاعة الاحساس بعدم الامان واستحالة التنبؤ به . والفعل الارهابي رابعا ذو طابع رمزي , فهو لايقصد لذاته , بقدر ما ينطوي عليه من رسالة موجهة الى كافة الضحايا المحتملين الاخرين , بحيث يوقع الرعب في القلوب ويثير التساؤل عن ماهية الضحية التالية.
فالارهاب الذي نشهده الان هو أداة لصراع سياسي , تمليها امكانات وظروف القوى التي تلجأ اليه , وهذا يعني أنه اذا ماتوفرت ظروف وامكانات أكبر فأن تلك القوى سوف تكون مستعدة لتطوير أدواتها وأساليبها . وهذا الارهاب منظم , ومخطط . وذو أهداف محددة ومتراكمة . أي أنه جزء من استراتيجية معدة سلفا يجري تنفيذها على امتداد الوطن بأكمله.
بتعبير اخر أن الارهاب هو رد فعل مزدوج , فهو من جهة أولى رد فعل على القهر والظلم , وهو من جهة ثانية , محاولة لكبح جماح رد الفعل هذا . هو رد فعل تقوم به شعوب مغلوبة على أمرها ضد الانظمة الحاكمة المستبدة , ثم هو رد فعل يائسة من هذه الشعوب المغلوبة على أمرها . ولذلك فهو حلقة مفرغة لايمكن للعالم أن يخرج منها الا بأزالة أسباب القهر والظلم وليس بمنع المظلومين والمقهورين من التمرد والاحتجاج حتى الموت(1)
وتشير بعض الدراسات ان الارهاب كفكرة سياسية قد ظهرت ابان الثورة الفرنسية , وهو مايعني في المحصلة أن الارهاب والدولة الديمقراطية الحديثة كانا توامين منذ الولادة . فقد بدا الارهاب أول مابدأ كارهاب دولة خلال حقبة دانتون وروبسبير . وكان عبارة عن عنف جامح تمارسه الدولة ضد أعدائها . وليس هجوما على السلطة العليا من قبل أعدائها الذين يتربصون بها في الخفاء. فخلال الثورة الفرنسية مارس روبسبير وزمرة معه منهم سان جيست وكوثون العنف السياسي على أوسع نطاق . فمن أصل سكان فرنسا , الذين كان يبلغ عددهم في ذلك الوقت 27 مليون نسمة , تمكنت تلك المجموعة من قطع رأس (40) الفا بواسطة المقصلة . كما تمكنت من اعتقال 300 الف أخرين . وكاد السيناتور جوزيف ماكرثي أن يصبح روبسبير القرن العشرين ( 1950 -1954 م) في الولايات المتحدة الامريكية , الا أن اتهاماته بالخيانة للالاف لم تصل الى حد قطع رؤوسهم بالمقصلة أو خنقهم في غرف الغاز المغلقة.(2)
ان المستفيد الوحيد من انتشار ظاهرة الارهاب وتعميمها في العالم هو الاستعمار و والامبريالية , وعملاؤها . وعندما جاء القرن العشرون , وعصر التحرر من الاستعمار القديم التقليدي والتبعي وبالتحديد بعد ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 بدأت تزهر الى الوجود دول جديدة ذاقت شعوبها ويلات الحروب , من خلال الثورات الشعبية ضد المحتلين. وكان الوصف الدائم لجميع هذه الثورات ( الارهاب والارهابيين) . فلم يكن هناك تمييز بين الارهاب والعنف , والكثير من المصطلحات , فأذا كان العمل العنفي مدانا , فأن موقع الارهاب الذي تجاوز أي عمل عنفي بالاف المرات , لما يتركه من أثر نفسي وسياسي على اقتصاديات الشعوب , فمن باب أولى ادانته هو – أي الارهاب – بداية تبعا للاثار المترتبة عنه.
ويتفق العديد من المفكرين والباحثين ان السياسة الاستعمارية والامبريالية تعد المصدر الاساسي في انتاج الارهاب الدولي . فالحرب كاعنف شكل من اشكال العنف حصدت في الفترة مابين عامي 1900وعام 1989 مايساوي 86 مليون انسان منهم 58 مليون قتلوا في الحربين العالميتين الاولى والثانية وبالتالي فعلى مدار مدة تسعين عاما ستكون الحرب قد قتلت 2500 شخص كل يوم .. في معرض الحديث هنا نجد ان الكاتب المحافظ جورج ويل طرح عنوانا (حرب الى الابد ), أكد فيه أن الحروب هي القاعدة التي تحكم العلاقات الدولية , أما السلام فهو استثناء واستشهد بدراسة تؤكد أنه من اصل 3421- سنة من تاريخ البشرية المعروف فأن 268-سنة فقط سادها السلام , أما الباقية فقد كانت مسرحا للحروب . وفي سؤال طرحته صحيفة (واشنطن بوست )الامريكية..كم تبلغ نفقات البنتاغون- وزارة الدفاع الامريكية – في الثانية الواحدة؟. وتولى (مركز المعلومات العسكرية ) في واشنطن الاجابة , التي جاء فيها .. ان هذه النفقات تصل الى مبلغ – 8612 دولارا في الثانية والى – 516 الفا و 720 دولارا في الدقيقة والى مايزيد على – 3 ملايين دولار في الساعة(3).
ان انقسام العالم الى قطبية ثنائية متكافئة من حيث القوة العسكرية كان من اهم النتائج التي اسفرت عنها الحرب العالمية الثانية . وعلى اثر توطيد مكانة الولايات المتحدة الامريكية على المستوى العالمي , ايقنت واشنطن أن القرن العشرين يجب ان يكون عصرا امريكيا , وعلى الولايات المتحدة أن تصطلع بزعامة العالم . لذلك عمدت الى انتهاج سياسة تصب في خدمة هذه التوجهات .
ويمكن ان نتناول توجهات السياسة الراسمالية في مرحلتين وهي
اولا- الرأسمالية الاحتكارية في مرحلة الحرب الباردة
تميزت السياستين الداخلية –الخارجية للدولة الرأسمالية الاحتكارية بالمؤشرات التالية
(-1 اتسم نشاط الدولة الراسمالية باعتبارها القوة الضاربة والاداة الحارسة لراس المال المالي بسمات هجومية لهدف تدمير خصمها (الاشتراكي) استنادا الى بناء وتطوير التكنولوجيا العسكرية الهادفة الى خرق التوازن الاستراتيجي بين النظامين الاجتماعيين لغرض التوصل الى تفوق ستراتيجي يضمن في نهاية المطاف حرية التحكم في سير
الصراعات الدولية فضلا عن تحجيم نمو وتطور اقتصاديات البلدان الاشتراكية بعد ربطها
بمتطلبات تطوير قدراتها الدفاعية.
2- اتساع دائرة الانشطة السرية التي كانت من حيث المدى والفعالية اداة اشد عدوانية ووحشية حيث انيطت بالاجهزة المخابراتية –الامنية مهام تعدت حدودها الوطنية ارتكازا على عاملين – الاول الغاء الرقابة على عملياتها السرية من قبل الهيئات الشرعية للدولة الراسمالية . وثانيهما – استقلاليتها النسبية وعدم التدخل في شؤون انشطتها السرية .
3- اتسعت في حقبة الحرب الباردة انشطة وفعاليات المنظمات الارهابية اليمينية – اليسارية والتي تحولت في مجرى الصراعات الاجتماعية الى اداة تخريب ضد الحركة اليسارية والديمقراطية وقوة مجابهة معادية للحركة العمالية , وبذات المسار ساهمت الدولة واجهزتها المختلفة بتشجيع هذه التجمعات واحتضان الزمر المتطرفة منها وجرها الى طريق الارهاب(4) بهدف تعويق حركة التغيير الاجتماعي الديمقراطي .
4- لم يقتصر نشاط اجهزة المخابرات السرية على تشجيع ومساعدة المنظمات الارهابية
وحسب بل تعداه الى حالة من الترابط العضوي بين اجهزة الدولة وبين تلك المنظمات حيث اعطى انتساب العديد من رجال الشرطة والاجهزة الامنية الى المنظمات العنصرية والارهابية) صيغة ترابطية بين الاعمال الاجرامية المراد تحقيقها وبين تخريب العمل السياسي المناهض لخيار التطور الرأسمالي وبذلك يصبح النشاط الاجرامي للمتطرفين بمثابة ترديد صدى الارهاب على مستوى الدولة(5) .
ان السياسة الداخلية للدولة الراسمالية الاحتكارية وجدت انعكاسها على السياسة الخارجية والتي تمثلت بالتوجهات التالية –
-1 التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلدان من خلال تنظيم الانقلابات العسكرية للانظمة الديمقراطية الشعبية غير الموالية لها , واعاقة حركات التحرر الوطني والتأمر على قياداتها , ودعم الانظمة الدكتاتورية والعنصرية الموالية للسياسة الامريكية وتوضيف جزء من نشاط اجهزتها الدبلوماسية والمخابراتية لهذه الاغراض .
2- تجنيد المرتزقة والمتطرفين واستخدامهم في اعمال عنف وارهاب ضد حركات
التحرر وقياداتها .
3- سعي المخابرات الامريكية في تجنيد العديد من المثقفين في مختلف ارجاء العالم للاسهام في الحرب الباردة , ضد السوفيت والشيوعية ولخدمة اهداف الرأسمالية الامريكية وسيطرتها , وانفقت ملايين الدولارات في هذا السبيل- وقد عرف العالم العربي العديد من المؤسسات الثقافية , منها المرتبطة بمؤسسة فرانكلين الامريكية أو بمنظمة الحرية الثقافية .
4- استخدام قوات التدخل السريع والتي تحمل في خفائها الرعب والخوف في كونها قوة عسكرية جاهزة لضرب اي مكان تراه مناسبا لتحقيق مصالحها .
5-العمل بكل الوسائل على ابقاء اسرائيل الكيان الاقوى في المنطقة وتفوق قوتها على قوة الدول العربية مجتمعة(6) .
6- أدت الحملة ضد الارهاب في عهد الرئيس ريغان ثلاثة أهداف
اولا- وفرت وسيلة لنفي الشرعية عن سائر قوى التحرر والمعارضة في العالم الثالث .
ثانيا- انها اثارت قلقا من نوع خاص داخل الولايات المتحدة وعملت بكل فاعلية على ايصال الرسالة القائلة بوجود خطر خارجي .
- ثالثا- انها كانت اداة اضافية لانهاك الاتحاد السوفيتي الذي وقف متهما بمساندة الارهاب من خلال صلات محددة بجهاز المخابرات السوفيتية او من خلال الدعم المتاصل فيه لقضايا العالم الثالث , وخاصة في القضايا العربية(7) .
- ثانيا- الرأسمالية المعولمة والحرب على الارها ب
العولمة كظاهرة هي اتجاه طبيعي في التطور . وقد ازداد هذا الاتجاه وتفاقم الجانب السلبي فيه, بفعل عاملين – تطور التكنولوجيا في كل عناصرها وميادينها وتحكم الرأسمال المعولم بها , من جهة , وانهيار القطب الاخر النقيض للرأسمالية. ان هيمنة الرأسمال المعولم ادت الى جملة من المتغيرات على كل الاصعدة السياسية والفكرية والاجتماعية يمكن اجمالها بالنقاط التالية ..
-1 تحول الدولة الامريكية الى اداة مركزية للشركات الاحتكارية متعدية القومية , يفرض ان تكون هي القوة المسيطرة والفاعلة عالميا ) وعبر ادوار للدول الحليفة
تضمنت التوجهات التالية ---
الف – التدخل السياسي والعسكري في كل المشاكل العالمية , انطلاقا من انها المعنية وحدها بحلها .
باء – اعادة ترتيب الوضع العسكري عالميا , تحت اشرافها ووفق ماترتئيه , مثل تكريس هيمنتها على حلف الناتو وتوسيعه في الاطار الذي تراه ضروريا , وعقد حلف عسكري استراتيجي مع اليابان , وتكريس وجود دائم لقواتها في كل المناطق الهامة في العالم (8). باختصار تحولها الى اداة بيد الراسمال المعولم لتذليل كل الظروف الملائمة لنشاطه على الصعيد الداخلي والعالمي .
2- تنامي افواج العاطلين عن العمل وتأكل المنجزات التي احرزتها الطبقة العاملة والحركة الثورية طيلة نضالها المديد , واتساع الهوة بين الفقراء والاغنياء .
3- افضى تفكك النسيج المجتمعي وشيوع الجريمة المنظمة واتساع تجارة المخدرات الى تنامي ميول الدولة الامنية و تضييق هامش الديمقراطية .
4- بروز ظواهر خطيرة ابرزها اثنان – تتمثل الاولى في الحروب الاهلية المفتعلة بمعظمها ليست فقط في اسيا وافريقيا , بل حتى في قلب القارة الاوربية , والثانية تتمثل بالنزعات العرقية والدينية والقبلية التي تخاض وتشجع , من خارج البلدان المعنية باسم الدفاع عن الهويات وهي ظاهرات ولدتها الايديولوجية الجديدة للعولمة المتمثلة ببدعة صراع الثقافات لصاحبها المفكر الامريكي هنت
نغتون . وهي موضوعة اضافة الى كونها لاتستند الى اساس موضوعي , تعبر عن نزعة الهيمنة لدى الرأسمال المعولم , وهي هيمنة لاتتحقق ولاتحقق اغراضها , الا في ظل مثل هذا النوع من الصراع المفتعل بين ثقافات هجينة مبتدعة لايربطها أية علاقة حقيقية بثقافات الشعوب التي تدعي الانتماء اليها(9).
5- تنامي دور الاحزاب والتجمعات اليمينية وتوسيع قاعدتها الجماهيرية من القوى المتضررة بهدف حرفها عن النضال الديمقراطي وتوجيها باتجاهات عنصرية وعنفية ضد الاجانب . أي ان ميول التطرف في المراكز الرأسمالية تتجه اتجاهات فوضوية عنفية وبتقديري هذا لاينفصل عن ضعف القوى اليسارية وانحسار فعاليتها السياسية والفكرية .
وتمشيا مع هذا التوجه صاغت الادارة الامريكية خطابا مضللا طرحت من خلاله ثلاث موضوعات مترابطة لتبرير تدخلاتها في شؤون الدول الاخرى وانتهاك مبدأ السيادة الوطنية وهذه الموضوعات هي ..
اولا- الديمقراطية وحقوق الانسان – التدخل الانساني – مكافحة الارهاب
وشكلت ستراتيجية الامن القومي الامريكي لعام 2002 تحولا بالغ الخطورة في منظور الولايات المتحدة في الطريقة التي ينبغي ان تتعامل بها مع التحديات التي تواجه امنها القومي اذ تخلت بشكل اساسي عن مفاهيم سياسة الردع التي هيمنت على السياسة الدفاعية الامريكية خلال فترة الحرب الباردة لصالح استراتيجية استباقية او وقائية . والاستراتيجية تحذر اية امة من محاولة امتلاك القوة لمعاداة الولايات المتحدة ومحاربتها .
ان احتكار القوة واستخدامها في العلاقات الدولية من قبل التحالف الاطلسي وتخطي مبادىء الشرعيىة الدولية في حل الخلافات بين الدول يمكن توصيفه بانه الوجه الاخر لليبرالية الجديدة التي ارست الممهدات الضرورية لانتشار العنف والعنف المضاد في السياسة الدولية . وساهمت في انتشار شبكات الاجرام في الدول الضعيفة(10)
المصادر
1- السماك محمد – الارهاب والعنف السياسي – دار النفائس للطباعة والنشر – بيروت 1992
2- قرحالي سليم – مفهوم الارهاب في القانون الدولي – بحث مقدم لنيل الماجستير للعام الدراسي 88-89 جامعة الجزائر.
3- رافع شوقي . جيش المهمات القذرة , مجلة العربي ,الكويت , العدد 447.
4- حاتم لطفي . اراء وافكار حول التوسع الرأسمالي , فيشون ميديا , السويد ,
النهج , العدد (66).
6- الاحمد عدنان سليمان .قضايا معاصره. دار وائل للنشر والتوزيع, عمان.
7- هاليداي فريد . نهاية الحرب الباردة والعالم الثالث , صحارى للصحافة والنشر بودابست.
8- مروه كريم . كريم مروه يتذكر بما يشبه السيرة , دار المدى للثقافة والنشر , سوريه .
#رسميه_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟