|
أوطان للبيع.. وأخرى للإيجار
محمد ياسين رحمة
الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 15:22
المحور:
كتابات ساخرة
ارتدت القيم عن إيمانها، وانحرفت المفاهيم عن مسارات معانيها، وتعطّّل الوقت العربي في ساعة الرمل، حيث العقارب تلتهم أعمار الأوطان والأجيال.. ولا عجب، فمستعمر الأمس قد تطهّر من روحه الاستعمارية ورفع راية المُخلّص للشعوب العربية، بينما ثوّار الأمس ومجاهدوه وصانعو استقلال الأوطان صاروا خونة وعملاء ومصاصي دماء. هذا الانقلاب البشري الطارئ حوّل الملائكة إلى شياطين وصيّر الشياطين إلى ملائكة، بل جعل من البدوي الجلف، الذي تجتمع تحت كنفه أربع زوجات ويتسمّى باسمه قبيلة من البنات والبنين، مُبشّرا بالديمقراطية ومُموّنا للتحرر ونبيّا لحرية الشعوب.. "العربي" هو أغبى الكائنات البشرية على الإطلاق، إن تكن هذه حقيقة لا يجب تصديقها، فعلى الأقل هي أكذوبة من الأكاذيب التي زُرعت على الطبقة الرمادية لكائن بشري كان دوما في موقع المفعول به وفيه تاريخيا وحضاريا.. والأجدى أن ننبش في كناشات التاريخ المهملة عمدا، لنعرف من أين يستمد "العربي" عبقرية الغباء التي تلازمه منذ "تحرّره" الأول من الاستعمارات الغربية. كيف يتحوّل "خالع أبيه" ومغتصب لسلطة أخيه إلى مُبشّر بالحرية والديمقراطية وهو يعلن بكل خجل أن "مجلس نواب الشعب" سيتأسس في بلده منتصف 2012..؟ وكيف يكون لمثل هذا الكائن ضميرا إنسانيا ومئات الآلاف من العمالة الهندية والبغلاديشية وغيرها تحيا حياة العبيد على أرضه بلا حقوق ولا قانون يحميها؟؟ أليس جديرا بهذا الشيخ أن يعدل بين زوجاته وأبنائه ويقدّم المثل على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من صحرائه؟ أم أن العباءة الإعلامية التي يتدثّر بها والعطر الغربي الذي يتضوّع به يجعلان منه ذلك الجميل الذي لا تبصر المرايا قبحه ولا تشتم الأنوف نتانته؟؟ كيف يتحوّل ابن مرتزق حصل أبوه على الجنسية الفرنسية نظير خدماته في تقتيل الجزائريين.. كيف يتحوّل إلى محارب للمرتزقة ومؤمن بحق العربي في الحياة والكرامة؟ كيف يتحوّل خادم الصهيونية إلى خادم للإنسانية على جغرافية العرب؟ أليس جديرا به أن يعترف بجرائم أبيه ضد الإنسانية ويقدّم اعتذارا للجزائريين؟؟ وهذا الغرب بأوروبته وأمريكته، هل يقبل أن تقوم دول قوية مرتبطة بأصولها الإسلامية ومعتزة بثقافتها العربية، جنوب البحر الأبيض المتوسط؟ هل يقبل الغرب بسلطة الشعوب العربية على أوطانها، وهو الذي يحيا على الصفيح الاجتماعي الساخن وإذا لم يسارع بمعالجة أوضاعه الاقتصادية فإن "الثورات" ستشتعل على أراضيه؟ لن أقول أن الغرب استبق انفجاراته كي يعالجها بأيادي نظيفة، فترك مهمة تلطيخ الأيادي بالدم للعرب فيما بينهم، واكتفى هو بالاستثمار في بورصة تحرّر الشعوب.. ولن أقول أن الغرب لا يرتضي للعرب إلا ما يبقيهم تُبّعا له وملحقين به، وأن جنّته التي يٌبشر بها إنما هي جهنّم التي لا نستبصرها.. ولن أقول لماذا الإصرار على التغيير الجذري في الجمهوريات والتشبث بالإصلاح في الملكيات، رغم أن مطالب الشعوب تتقارب في "الزريبتين".. لن أقول ولن أقول.. فالأمر واضح جلي، أوطان تم إيجارها ووجب الحفاظ على شيوخ الزرائب من أصحاب الجلالة والسمو كي يرعوها بروح البدويّ الجلف الذي يُطلّق ويتزوّج مثنى وثلاث وينجب بالعشرات.. أما زرائب أصحاب الفخامة فيجب بيعها وتوكيل "الشعوب" عليها، فليس هناك أغبى من الكائن البشري العربي.. ما قيل، أن ثورات الشعوب أو الربيع العربي الذي استبدل الورد بالجمر، قد أسقط منطق المآمرة، وعلينا أن نصدّق بأن مستعمرنا بالأمس الذي قتّلنا ونهب خيراتنا ونصّب أزلاما تحكمنا نيابة عنه، هذا المستعمر قد تطهّر من روحه الاستعمارية، وأقصى ما يبتغيه نظير خدماته في دعم الربيع العربي، أن يشرب من آبار النفط ويضطلع ببناء ما دمّرته صواريخه التي كانت تصيب عن خطأ أو للضرورة ما كان مبنيا منذ عقود.. ولا حرج أن يساعد في رسم السياسات ويشرف بخبراته على البرامج، وأين يكمن الحرج إذا كنّا نستورد منه المأكل والملبس والمركب والدواء.. حتى لم يبق أمام العرب إلا أن يضعوا نقطة على العين وكفى.. ما قيل، أنه لا خيار إلا التغيير الجذري في الجمهوريات، والإصلاح في الملكيات، فهذه إرادة الشعوب.. لكن ما لم يُقل حتى الآن، ربما لأنه من طابوهات الثورات الشعبية والربيع العربي، أن الثورة تعقبها الفوضى وبعدها الفتنة وتليها زراعة بؤر التوتّر المستدامة التي تمنح حق التدخّل الطارئ لرعاع الحرية وحماية الأقليات، متى ما توضّح لهم أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان.. بالمختصر المفيد، لقد تم تأجير أوطان وبيع أخرى.. والأكيد أن من قبض الثمن ليس أغبى الكائنات البشرية..
#محمد_ياسين_رحمة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|