|
- الإنبثاق من العلم والشعر إلى السياسة والثورة-: إنما الخلاص للذين يركبون
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 14:47
المحور:
الادب والفن
الإنبثاق ظاهرة كونية، نعيشها أينما يممنا وجوهنا ورغمها لانكاد نرى لها أثراً فى أفكارنا وسلوكنا ورؤانا، ذلك أننا نأخذ الأمور على عجل ونعيش على حواف الظواهر، نغادر كتاب الحياة المفتوح إلى حيث الهوامش والهوامل والعناوين الباهتة. وهنا تكمن المفارقة. الانبثاق سر من أسرار الوجود والحياة، وهى ظاهرة أسس لها العلم الحديث واستجلى حقائقها، فمن العدم ينبثق الوجود ومن الجماد تنبثق الحياة، من أديم الأرض قدت أجسادنا، ومن الهيدروجين والأكسوجين تكون الماء "وجعلنا من الماء كل شئ حى"، ومن النيتروجين والفوسفور والسكر تكونت شفرة الحياة لتصنع الجينات وحاملات الصفات الوراثية فى كل أجناس الأرض من زواحف وحشرات وأسماك وزهور ونبات وفراشات وطيور وحيوان وكائنات وبشر، إنه الإنبثاق بقدرة الخالق وإبداع الطبيعة وحقائق العلم وتجليات المعرفة، وهو ليس وقفاً على العلم وحده وإنما له إرهاصاته وتجلياته فى السياسة أيضاً، وما الثورة المصرية الناشئة إلا نموذجاً حياً على هذه الظاهرة، فمن رحم المعاناة والضياع والاستبداد والفساد والظلم والتخلف والعدم والفشل، من أنقاض دولة وعناد بشر انبثقت الثورة تروم الحياة وتنشد العدل والحرية لوطن جديد ودولة ناهضة، نأمل أن تستوعب كل التيارات وكل الأفكار وكل الفرقاء ليؤسسوا معاً دولة مدنية ديمقراطية تأخذ بمعطيات الحداثة وتستهدف التقدم والنهضة. من الشعر انبثقت الموسيقى والجمال والبهجة وتفاعلت الأفكار والرموز لتكون حالة من التوهج والألق تشف عن روح الشاعر وخبيئة ذاته فى رحلة البحث عن الخلاص والتوحد مع قيمة الإنسان فى عذاباته وأمنياته، بالشعر ينبثق عالم جديد فى رحلة بحث عن فكرة الوجود ومعنى الحياة وخلاص الروح ومتعة النفس وقيم الجمال وتأمل الواقع وإعادة إنتاج عالم جديد يلبى احتياجات الشاعر والمتلقى ولو إلى حين، من الشعر انبثقت فكرة الوجود الموازى للإنسحاق والتشظى والعدم فتوحد الانسان بالانسان واستقوى وخرج يعيد بناء عالمه وربما خرج إلى طريقه يصنع الثورة ويحرر الإنسان من إسار الواقع وخطايا الرتابة والكآبة ومشكلات الحياة. من الشعر تنبثق روح الثورة وإرادة التغيير فتعبء الوجدان وتشحذ الهمم وتخلق بالخيال واقعاً جديداً عله نموذج العالم المنتظر، وأقرأ معى فى قصيدة نزار قبانى "متى يعلنون وفاة العرب" إذ يقول: أحاولُ منذ الطُفولةِ رسْمَ بلاد تسمى مجازاً - بلاد العرب - تُسامحُني إن كسرتُ زُجاجَ القمرْ... وتشكرُني إن كتبتُ قصيدةَ حبٍ وتسمحُ لي أن أمارسَ فعْلَ الهوى ككلّ العصافير فوق الشجرْ... فأفرشَ تحتكِ ، صيفا ، عباءةَ حبي وأعصرُ ثوبكِ عند هُطول المطرْ... رَحَلتُ جَنوبا...رحلت شمالا... ولافائدهْ... فقهوةُ كلِ المقاهي ، لها نكهةٌ واحدهْ... وكلُ النساءِ لهنّ - إذا ما تعرّينَ- رائحةٌ واحدهْ... وكل رجالِ القبيلةِ لا يمْضَغون الطعامْ ويلتهمون النساءَ بثانية ٍ واحدهْ. أحاول رسْمَ بلادٍ تُسمّى - مجازا - بلادَ العربْ سريري بها ثابتٌ ..ورأسي بها ثابتٌ لكي أعرفَ الفرقَ بين البلادِ وبين السُفُنْ... ولكنهم...أخذوا عُلبةَ الرسْمِ منّي. ولم يسمحوا لي بتصويرِ وجهِ الوطنْ... أحاول - مذْ كنتُ طفلا، قراءة أي كتابٍ تحدّث عن أنبياء العربْ. وعن حكماءِ العربْ... وعن شعراءِ العربْ... فلم أر إلا قصائدَ تلحَسُ رجلَ الخليفةِ من أجل حَفْنةِ رزٍ... وخمسين درهمْ... فيا للعَجَبْ!! هكذا تحدث نزار شاعراً وكأنه يرسم بشفرة موسى حاد آلام وطموحات الناس فى بلاد العرب وتناقض الواقع والحلم ومفارقة السياسة لمعنى الوطن، وماذا كانت النتيجة؟ فى كلمة واحدة ..الثورة، وهى فعل تراكمى يختمر فى عمق الزمن لينبثق فعلاً ثورياً يغير الواقع ويعيد تأسيس عالم جديد. هكذا فعل نزار كما آلاف من شعراء العرب ليبزغ فجر انتظرته الجماهير طويلاً ثم خرجت لتفرض واقعه وتراهن عليه. وهكذا من الشعر تنبثق الثورة ويتحرر الإنسان. والثورة فى الشعر بشرى وطموح وتسامى وعطاء ودأب. فى قصيدته "غرسة الزيتون" يتحدث نجيب سرور عن إنبثاق الثورة كما شتلة الزيتون تنبت من أحشاء الصخر طالعة تعانق الحياة وتصنع السلام وتبشر بالمحبة والنماء، يقول لصاحبته: إنظريها تخرق الصخر وترنو كابتسامة غرسة الزيتون كالطفل نقاء ووسامة كالندى كالحب كالحلم الذى يصدق مرة بعد أعوام من العلقم مرة. قال هذا فى ستينيات القرن العشرين لتفور الثورة فى يناير بعد عشرات السنين، لكنها من أسف تخرج ناضجة راقية عفية فتتلقفها أياد خفيه تذهب بها بعيداً فتستحيل بطلاً أسطورياً يصارع غوائل المخلوقات وعجائب الدنيا من أجل التحقق والخلاص، انبثقت الثورة وعليها انفتح عالم الانتهازية المسحور بكل الأفاعى وكل الكواسر وكل الذئاب المتلمظة لقنص الفريسة لتروغ بها وحدها بعيداً عن ضوء النهار، تحاول سحبها لأسدال ليل بهيم تعشش أفكاره فى الأمس ولاتتفتح زهوره إلا على أعتاب ماض سحيق يحاولون جر الثورة إلى غياباته. ولاأمل إلا فى سفينة نوح حيث لاعاصم اليوم للثورة إلا من رحم ربى، هو وحده الذى يقيض لها من أبنائها البررة من يرسوا بها فى مرفأ أمين حيث، كما يقول نجيب سرور: يموت من يموت ويغرق الذين يغرقون فنوح لا يلوح مرتين وإنما الخلاص للذين يركبون.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-جيتو القاهرة المستبد واستبعاد الكفاءات والمناضلين-: رأفت نو
...
-
-الأخطاء التى ترتكب فى بداية الثورات لاتموت أبداً-: إنتاج وإ
...
-
الوزراء وأصحاب الرابطات الحمراء
-
9 مارس ومشروع النهضة
-
أحاديث منتصف الليل
-
مصر.. وعَودةٌ أخري قريبة
...
-
راكيل وولش والنانوتكنولوجى
-
الثورة ومشروع النهضة
-
عندما لاتؤدي المقدمات إلي نتائجها
-
البحث العلمى وإدارة المعرفة
-
إستراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة
-
الوعي الزائف والعقل البديل
-
مبدعون على الشاطئ الآخر
-
الموتى لا يروون حكاياتهم
-
المثقف المجتمع والسلطة
-
إناللا هاموهى تونبلكا فيرينا
-
العلم ساحر الغيوب
-
البرتقالة الرخيصة
-
معجزته ليست في ذاتها
-
لن تخبو نار بروميثيوس
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|