|
ميتافيزيقا الطبيعة الأنسانية وميتافيزيقا الأخلاق في أوراق ناكتوس الثقافية
أبُو ذَرّ الجبوري
الحوار المتمدن-العدد: 3547 - 2011 / 11 / 15 - 00:01
المحور:
الادب والفن
يميز قراءة ناكتوس لآوراقه الثقافية بين نمطين من الابعاد الثقافية بحسب وجهة نظري عند القاءه محاضرته في منتدى العراق الثقافي في يوم الثلاثاء المصادف 8.11.2011 في الحوار الثقافي الاجتماعي - الالكتروني لآمسيته تحت عنوان: قراءة في أوراق ثقافية. فهي إما أن تكون تلك الاوراق لها أبعاد طبيعة أنسانية وإما أن تكون في مرماه الدقيق في بُعده للحرية، لموضوع احدى اوراقه التي أستهل بها عن الحرب الصليبية وأبعادها التاريخية، وما يبحث عنه عمو الاستاذ ناكتوس من باريس، هو فيما إذا كانت توجد قوانين كونية وضرورية لتلك الحرب، فيجب التمييز إذن بين ميتافيزيقا الطبيعة وميتافيزيقا الأخلاق. وحين الاشارة لتحليلاته بميتافيزيقا الأخلاق في خفايا مقولاته فلكي يفصل بين الأخلاق والتجربة, وحتى تكون للفعل قيمة أخلاقية فيجب أن يكون القانون ينبني على ضرورة مطلقة، وهذا يعني ألا يكون للطبيعة البشرية دخل في مبدأ الإكراه، فمبادئ الإكراه يجب أن يبحث عنها في المفاهيم القبلية للعقل الخالص، فلا يمكن إذن للتجربة أن تكون مصدرا لأي قانون أخلاقي، لذلك ترتكز كل نظرته لاوراقه في أمسيته على فلسفة أخلاقية على ما هو خالص، وتعطي قوانين قبلية.
يتوجب إذن من خلال ما تفضل به التوجه مع المحاضرعلى ميتافيزيقا الأخلاق حسب ناكتوس أن تفحص فكرة مبادئ إرادة خالصة ممكنة، وليس أن تفحص أفعال وشروط الإرادة/القوة التي يمكن استخلاصها من السيكولوجيا، ولكي تتأسس ميتافيزيقا الأخلاق، تحتاج إلى نقد للعقل الخالص العملي، من وجهة نظره الثاقبة فما يوجه العمل إذن هو كيف تكون الأوامر الأخلاقية ممكنة؟ وعلى أي أساس ينبغي أن تقوم الأفعال الإنسانية؟ وهل توجد شروط تحدد للسلوك الإنساني مجاله وحدوده؟ ومن أين تستمد تلك الشروط مشروعيتها؟ ومن أين تستمد مبادئها؟
يبدأ ناكتوس مسلطا الضؤ بفحص مفهوم الإرادة، مشيرا بمحاضرته الفكرية بأنه لا يوجد شيء، سواء داخل العالم أو خارجه يمكن أن يكون حسنا إلا الإرادة، فهي تهذب النفس وتوجهها نحو غايات حضارية كونية، وتحدد مهمة الإرادة/القوة السليمة في أنها تجعلنا جديرين بالسعادة، ويقود المحاضر بالغوص في بحث الإرادة/القوة السليمة إلى أن أثار بحثه عما يشكل قيمة داخلية في الفكر او الشخص، أي ما يكون قيمة في ذاته، وما يجعل الإنسان قيمة في ذاته. لذلك يجب فحص الإرادة/القوة فيما إذا كانت تكون سليمة في ذاتها، أم تكون سليمة لغاية خارجية.
ويظهر من هذا الفحص للمحاضر وبقراءته المُبطنة الابعاد على أن الإرادة/القوة، إذا كانت تسعى إلى أن تكون حسنة، فيتعين أن ينظر إليها من حيث كونها تبتعد عن كل تقييم منفعي، لأن من شأن هذا التقييم أن يجعل الإرادة سيئة، فتسيء إلى الطبيعة، هنا يؤكد عمو ناكتوس بأنه يمكن أن تصير المواهب الطبيعية سيئة إذا غابت الإرادة الحسنة، لكن ألا تتحدد الإرادة على أنها ما ينبغي أن يقود الإنسان نحو السعادة؟ أليست السعادة هي ما يمكن بل ما يجب أن ينشده الانسان؟
يظهر من الجواب الذي يقدمه عمو ناكتوس أنه يجب ألا يفصل بين الإرادة/القوة السليمة وفكرة السعادة، فلأن الإنسان يتحدد على أنه الكائن الوحيد الذي حاز على العقل، ويتميز بالإرادة, فإن الطبيعة الانسانية تسعى إلى حفظه وإسعاده. لكن هذه الغاية يتوجب عليها ألا تثنينا عن أن نتوجه نحو وجهة إنتاج إرادة حسنة، لا تكون وسيلة، بل تكون غاية في ذاتها. وعلينا فقط أن ننتبه إلى أن ما نبحث مع الاستاذ ناكتوس عنه هنا هو فكرة سعادة توجهها فكرة الإرادة/القوة كشيء سليم، أي كإرادة تنتمي إلى العقل الخالص العملي، ولا توجهها أية فكرة عن الطبيعة البشرية أو النفسية، وهذا التوجه يقتضي أن يوجد عقل، ويكون وجوده ضرورة مطلقة ما دامت الطبيعة تسلك بحسب غايات.
تمثل هذه الإرادة/القوة السليمة لهذه المحاضرة، وتمثل شرطا لباقي الخيرات، وهي بهذا المعنى لا يمكن أن تكون ضد الطبيعة الانسانية، ولا يمكن أن تسلك ضد غائيتها، وحين يؤسس العقل هذه الإرادة/القوة الحسنة، فإنه سيحقق إشباعا يناسبه، فيجب إذن أن نفصل بحثنا من خلال ما تفضل به المحاضر، عن الإرادة/القوة الحسنة عن كل النوايا الخارجية، وهذا ما يجعل منها مفهوما يمتلك أعلى مكانة في تقييم القيمة الكاملة لأفعالنا التي تكون شرطا لباقي الأفعال. ويلزمنا المحاضر بالبحث عن هذه الإرادة الحسنة بأن نفحص مفهوم الواجب... عما هو الواجب اذن؟ وكيف يمكن أن نحدده؟ وأين يجد برهانه المسند؟
يتوقف عمو ناكتوس هنا عند مثالين: يتحدث في الأول عن الحضارة بمفهومها الجديد الذي ينصف في التعليل والتحول, وهو ما لا يحدث عادة في المباحث الكُتبية في النظر اليها كما لفتنا لها بذكاء بارع ورصين. ويمتد هذا الإنصاف إلى أي أسان المشاركة منه بأي شيء لمد سواحل مرامي البحث لموضوع محاضرته. لكن ذلك لا يكفي لكي نستخلص بأن الانسان كان يحكمه الواجب ومبادئ الإخلاص، فقد تضغط عليه مصلحته، دون أن تكون الحضارة ميولها نحو تجهيل الانسان بلغطه. وأشار ايضا في مثال لثاني له عن حفظ الذات، فقد يحفظ إنسان ما ذاته من الهلاك، لكن هذا لا يعني أن تكون لهذا الفعل قاعدة أخلاقية, فقد يحفظ الإنسان حياته، لكن ذلك قد يكون بتوافق مع الواجب، ولا يكون قياما بالواجب. فقد يكره الإنسان الحياة-الحرب , لكنه يحافظ مع ذلك عن ذاته، فينتج فعله هذا عن قاعدة أخلاقية. وما يجعل منه فعلا أخلاقيا، أي ما يجعل إنجازه يكون إنجازا للواجب, هو أنه يجد قيمته الأخلاقية ليس في الهدف الذي يجب أن يحققه بل في القاعدة التي تقرر التوتر من خلالها لذلك الفعل.فهو يتعلق بمبدأ الإرادة وليس بملكة الرغبة، لذلك يتوقف عمو ناكتوس بمحاضرته عند ثلاثة قضايا، يمكن أن ترسم الطريق نحو فهم واضح ومتميز لفكرة الواجب وهي: الاولى، أن يضمن الانسان سعادته الخاصة كواجب الوجود. ثانيا، يجب ان تحدد الارادة الحسنه من خلال مبدأ التصور للارادة الواجب ايضا. ثالثا، ان يكون الواجب هو ضرورة بأنجاز الفعل في أحترام القوانين يترتب عن هذا الوضع بما يطرحه المحاضر، أنه لا يمكننا أن نتحدث عن فكرة عن الواجب إلا من خلال ما يسميه ناكتوس بقراءته بالقيمة الأخلاقية للفعل، وهي قيمة لا يمكن أن تتولد إلا من مبدأ الإرادة.
ما يمكن أن نستنتجه من خلال هذه القضايا التي يطرحها ناكتوس يكمن في كون القيمة الأخلاقية للفعل لا توجد فيما ينتج عن ذلك الفعل كشيء منتظر، وليس لتمثل القانون في ذاته وجود إلا في كائن عاقل، وهذا التمثل هو ما يجب أن يكون مبدأ محددا للإرادة وهو وحده يمكن أن يشكل الخير الأسمى، ويجب أن يصنف على أنه أخلاق. ولا ينبغي للإرادة أن تشتغل وفق أي قانون كيفما كان نوعه، لذلك وجب علينا أن نحدد الإردة بشكل يرتبط مع هذا الخير الأسمى، وهنا يمنح ناكتوس بمحاضرته الحيوية بأن ما يحدد الإرادة هو كونها تتوافق كونيا من حيث أفعالها مع القانون. إن ما يحدد الإرادة بهذا المعنى هو التوافق الكوني للأفعال مع القانون. ولن يكون هذا القانون إلا ما يصلح أن يكون مبدأ لهذه الإرادة، وهذه العلاقة المبدئية التي تربط الإرادة بالقانون لحضارة وتاريخ أشكالية الانسان وسلوكه.
لقد تمكن الاستاذ ناكتوس هنا من أن يشخص مفهوم الواجب مع العقل العملي المشترك، وهذا لا يعني أن يتصل مفهوم الواجب بالتجربة، فلا تستمد إذن القواعد الأخلاقية من التجربة، فهذه القواعد ترتكز على مبادئ أخلاقية وتمثل الواجب, ومن هذا الواقع يرفض ناكتوس أن تشتق الأخلاق من التجربة للحرب، فهي تشتق من العقل الخالص العملي المشترك، والذي يحدد ناكتوس من خلال محاضرته هذي، مهمته الأخلاقية في التحديد القبلي لما يمكن أن يحصل. وهذا ما يعطي للقواعد الأخلاقية طابعها الكوني، بحيث تصبح قابلة لأن تصلح لكل كائن عاقل وفق ضرورة مطلقة.
يظهر إذن أن كون الأخلاق تشتق من التجربة للحرب، هو أقبح خدمة يمكن أن يسديها الفيلسوف والمشرع للأخلاق، فيؤكد المحاضر على أنه يجب أن ترتكز المبادئ السامية للأخلاق على العقل الخالص وتكون مستقلة عن كل تجربة. وهذا ما يدعو المحاضر كأنه بالتوافق يدعو مع الكانتيه في مذهبه الاأخلاقي في المنظور الفلسفي على أسس ميتافيزيقية لأوراقه. وهذه الدعوى تقتضي استبعاد كل كلام عما يسمى من خلال تشريحه وتفرعاته الابسيتمولوجية في الفلسفة بالطبيعة البشرية. فالمحاضرعمو الاستاذ ناكتوس يدخلنا في مفهوم الطبيعة البشرية في مجال انشغالنا بالمبادئ الأخلاقية، يشكل في واقع الأمر أكبر عائق لكل أخلاقية، فيجب إذن أن نفصل مبادئ السلوك الإنساني عن مفهوم الطبيعة الإنسانية، لذلك لا تشكل ميتافيزيقا الأخلاق الأساس الضروري لكل معرفة نظرية لواجبات تتحدد يقينية، بل تمثل أكثر من ذلك، أمنية ذات أهمية بالغة في الإنجاز الفعلي لما تأمر به تلك الواجبات. وسيكون لهذه الواجبات بالغ الأثر على الإنسان، حتى إنه في إطار وعيه لكرامته، سيحتقر ما دون التجذر للقانون الأخلاقي. لكن هل يمكن أن تطبق هذه القوانين الأخلاقية على الكائنات العاقلة دون أن تكون لدينا حاجة إلى البحث في مفهوم الطبيعة البشرية والأنتروبولوجيا النفعية؟ يستوضح المحاضر في أعتراك ذهني معرفي في أستيضاحته، ويشير بأن هذه الأخلاق النقية من كل تأثير مادي، يكون لها وقع كبير على العقل يفوق كل التأثيرات، حتى ان الإنسان في وعيه بكرامته يحتقر ما دون القانون الأخلاقي، ويردها المحاضر عمو ناكتوس بأنها كون الأخلاق، وأن كل المفاهيم الأخلاقية تجد أصلها الكامل قبليا في العقل، بل الأكثر من ذلك تجد أصلها في العقل الانساني الأكثر اشتراكا، كما في العقل الذي يوجد في أعلى درجات التأمل، ومن البديهي أنها لا تشتق من التجربة. ولكن عمو ناكتوس ينبه هنا إلى أمرين يتعلقان بتطبيق القوانين الأخلاقية : أولا وجود حاجة إلى أنثروبولوجيا لمعرفة الطبيعة البشرية، وثانيا ضرورة نقد الفلسفة الشعبية التي تربط الأخلاق بالتجربة للحرب، وهذا يقتضي أن يكون هناك انتقال الميتافيزيقا حيث توجد الأفكار، وهذا بدوره يلزم بأن تعرض القوة العملية للعقل بوضوح بدءا بالقواعد الكونية للتحديد إلى المستوى الذي ينبثق مفهوم الواجب من تلك القواعد.
يوجد نتيجة تترتب في الاسهاب الموضوعي للمحاضر وتسلسلها عن هذا الإنتقال وهي أن كل شيء يسلك في الطبيعة وفق قوانين، ولا يوجد إلا كائن عاقل يمتلك ملكة السلوك من خلال تمثل القوانين، أي من خلال مبادئ أي كائن له إرادة، وليست الإرادة إلا العقل العملي، فالإرادة في رأي المحاضر هي ملكة الاختيار، وتكون الأفعال التي تصدر عنها معروفة بالضرورة موضوعيا وبالتالي ذاتيا في التشكيل الفلسفي للحضارة، فكل إنسان بما هو إنسان، يسلك وفق إنسانيته، وتكون الأفعال الإنسانية من حيث اتصالها بالإنسان وبالعقل العملي بما هو إرادة للتاريخ والحضارة/الانسان وبماهو قوة عملية ظاهرة الوضوح، فالفعل الضروري للتاريخ والحضارة من وجهة نظر المحاضر يعرف من الناحية العملية كفعل حسن كما يضعها المحاضر، وقد تكون هناك أفعال أخرى تعرف موضوعيا كأفعال احتمالية، لكن يشترط فيها أن تكون نابعة من الشروط الذاتية، وليس من الشروط الموضوعية، فتكون الإرادة هنا لا تتوافق مع العقل بحيث لا يحدد هذا العقل الإرادة من ذاته أو لا يكون ذلك التحديد كافيا.
كما ان المحاضرعموناكتوس يشير الى انه لما تتحدد الإرادة للتاريخ والحضارة وفق القوانين الموضوعية أي وفق قوانين العقل العملي، فإن هذه الإرادة تكون إكراها، وتكون نتيجة هذا التوافق تمثل مبدأ موضوعي، كمبدأ لإكراه الإرادة هي ظهور هذا الإكراه في صيغة أمر: الأمر الأخلاقي، معبرا عن كل الأوامر بفعل : وجوب الواجب وهي التي تحدد علاقة قانون موضوعي للعقل بالإرادة التي تحدد ما يجب فعله كفعل حسن، ومن هنا مفهوم الإرادة الحسنة في ذاتها، وتحدد الأوامر الخير الأسمى كمبدأ في العقل يكون صالحا للعالم.
وفي راي المحاضر ستتحول الإرادة الحسنة الحضارة وقراءة التاريخ لتصبح خيرا في ظل مملكة القوانين الموضوعية في ظل قوانين الخير الانساني التنويري, فتمثل الخير الانساني من وجهة نظره، إذن هي التي تحدد القوانين، فأن يتمثل الإنسان الخير يسعى بسعيه، الى تحقيقه، فهذا ما ينبغي أن يحدد له أفعاله، وكيف يجب عليه أن يسلك، لكن يلاحظ عمو ناكتوس ارتباط الخير بالنقص، ويفهم من ذلك بأن الإنسان لايسعى إلى تحقيق الخير إلا بإحساسه بالنقص.
موضحا المحاضر ايضا أمر أخر يتعلق بما تترتب عن النقص من أفعال وسلوكات تنتج عنها الأوامر لتتخذ صيغة "ال يجب"، لكن هذه الأوامر، كما يبين عمو ناكتوس، تكون افتراضية أو قطعية "خلاقية" تكون الأولى تحديدا للضرورة العملية لفعل ممكن، أي كوسيلة للوصول إلى شيء نريده، أما الثانية فتحدد الفعل على أنه ضروري في ذاته، ودون أن يرتبط بهدف آخر تحدده من حيث ضرورته الموضوعية، وفي هذه الحالة التي يتحدد فيها الفعل من خلال الضرورة الموضوعية، يتم تمثل الفعل كشيء حسن في ذاته، فيكون المبدأ الذي يحدد الفعل على أنه ضروري في إرادة تكون مطابقة لذاتها وفي ذاتها للعقل، وهذه الحالة يكون فيها الأمر قطعيا أو أخلاقيا.
وبصفة عامة، يبقى لمدعون لكتابة البحوث العلمية، حسب رأي الاستاذ عمو ناكتوس، أن نفترض أنه توجد غاية واقعية بالنسبة لكل الكائنات العاقلة التي تطبق عليها الأوامر، وهي غاية تفرضها الضرورة الطبيعية وهي السعادة الاخلاقية ولن تكون هذه السعادة الاخلاقية إلا بتمثل فكرة عن سيرورة الخير، والسعي الى تحقيقه. وهنا يصنف المحاضرالاستاذ نكاتوس الأوامر التي يمكن أن تبلغ بها السعادة إلى ثلاث، حين يؤكد بأن تكون مبادئ الأخلاقية للحضارة : إما قواعد تمتهن المهارة، وإما الارشاد الحذرالاخلاقي، وإما أحكام القوانين الأخلاقية للحضارة، لكن ما يلاحظه المحاضر هو أن معطيات الارشاد الاصلاحي او "النصيحة" تتضمن ضرورة لا يمكن أن تكون صالحة إلا وفق شروط ذاتية محتملة، أما الأوامر القطعية فهي لا تحددها أية شروط، لكن كيف تكون القوانين ممكنة؟
يصعب علينا أن نقدم جوابا على التساؤلات التي يطرحها المحاضر عمو ناكتوس ويتسبب في هذه الصعوبة، على أن الإنسان تحركه فكرته عن السعادة على التاريخية للحضارة الانسانية المرتبطة بالرغبة، وهذا ما يجعل مفهوم السعادة غامضا، فلا أحد يعرف ما يرغب فيه وما يريده ويكون ذلك بكلمات منضبطة، ومن هنا ضرورة طرح السؤال كيف يكون الأمر الأخلاقي ممكنا؟ وهنا ما يحاول طرحه نكاتوس بأن ما يحتاج إلى حل هو هذا السؤال، والأمر الأخلاقي لا يتضمن افتراضا، ولا ترتكز ضرورته على أية افتراضية كما هو الحال في الأمر الإفتراضي للدرسات التاريخية الفلسفية وهنا يعطي ناكتوس أمثلة تجعل الأمر الأخلاقي ممكنا فيقدم بذلك جوابا لتساؤله ويقدم أمثلة في شكل أوامر.
كما يؤكد المحاضر بمحاوراته على ان التراكيب التاريخية، قد أحيانا تدخل في ظل "لا تنقض العهد" ليكون هذا الأمر قطعيا، إذ لم يكن تتوخى منفعة، فتتحدد الإرادة للحضارة إذن من خلال القانون وليس من شيء نفعي يرتبط بالتجربة، وهو ما يتضمن دعوة عمو ناكتوس إلى الفحص عن الأمر الأخلاقي بعيدا عن التجربة، ويمتلك الأمر قيمة القانون العملي لأنه يمثل قانون الإرادة وما يتميز به القانون أو الأمر الأخلاقي، أي أن يكون معروف المحتوى، فهو يحتوي على ضرورة أن يتوافق مع القانون، ولا يحتوي على أي شرط يخصه، بل يصدر عن مبدأ عام، وهذا ما يعطي للقانون الأخلاقي كونيته الحضارية للمكون التاريخي.
ويدفع ناكتوس بهذه القناعة إلى حدودها القصوى "كقاعدة"، حينما يعتبرها ما تنبثق منه باقي قواعد السلوك، فهذه القاعدة/القناعة، تعني حسب رأي المحاضر بأنه يمكن للواجب الأخلاقي أو للأمر الكوني أن يعلن عنه كما يلي في احدى مداخلاته التوضيحة "السلوك للتاريخ لمراحله هو بفضل الإرادة الحضارية كقانونا كونيا للطبيعة الانسانية"، وما يسمح لناكتوس بهذا الإستنتاج هو أن الكونية التاريخية لا تعني شيئا سوى الطبيعة الانسانية ذاتها، فكل الوقائع تنتج عن الطبيعة الانسانية، ويعطي عمو ناكتوس بهذا الصدد أمثلة يوضح من خلالها ما يقصده بالأوامر الأخلاقية، لكنه في العمق يقدم دليلا على ارتباط الكونية بالطبيعة الانسانية بوجه عام، فلا تقدم هذه الأمثلة كما سنلاحظ مداخله التحليلية لقراءته، في واقع الأمر،لا تمثل سوى غاية الطبيعة الانسانية بالمعنى الدقيق للكلمة لنظرته في أحد ابعاد محاضرته للحرب الصليبية وتقسيماته لمراحلها.
كعنف الحرب والحضارة: إن غاية الطبيعة الانسانية هو النمو نحو الحياة، وحينما يقبل مجموعة/فرد ما على التعنيف فإنه يقبل على فعل يناقض هذا النمو، فهو إذن يتناقض مع غاية الطبيعة الانسانية، فيمثل ذلك خرقا لقانون الطبيعة الانسانية، لكنه يساهم الأكثر من ذلك وفي العمق في إفلاس الحياة، إذا نظرنا إلى التاريخ الانساني من جهة القدرات والمهارات. الأهمال للبحث العلمي والفلسفة النقدية له: وهو ما أطلق عليه المحاضر عمو ناكتوس بماهية القدرات والمهارات التحليلية، التي أوجدته الطبيعة الانسانية للباحث وزودته بقدرات بالتحليل, فهي بمعنى ما تدخل في ملكية الطبيعة الانسانية فهي قدرات طبيعية لا يملك الإنسان منها وحده بأنعزال مطلق، في واقع الأمر، إلا أن يستعملها لغاية طبيعية. وحينما يقرر الباحث أن يهمل قدراته، فإنه بذلك لا يضر بالإنسانية في غيره فقط، إذ يشكل ذلك أسفافا لهذه الإنسانية وعلميتها مما يمكن أن يساهم في إسعادها، بل يضر بالطبيعة الانسانية بوجه عام. اللامسؤولية الاخلاقية في الاداء والمتابعة: ينتج عن حب الذات الباحثة عن السعادة الفردية، وهو ما يترتب عنها من فقدان الثقة، فيؤدي ذلك إلى انتشار نسق من الأخلاق تنبني على مبدأ الارشاد الاصلاحي/النصيحة الدينية، وتصبح المعاملات تتحكم فيها قوانين الحيطة والمؤامرة وما يترتب عن ذلك من كذب ونفاق، وانعكاس كل فرد على ذاته في إطار سيكولوجية فردانية منغمسة في التجربة التي يرفض ناكتوس أن تشتق منها القوانين الأخلاقية. بُعد الحرب ورغبة السياسة: قد ينسجم هذا الأمر الذي مر علينا به المحاضر مع القانون الكوني للطبيعة الانسانية، وذلك إذا لم يكن الهدف منه هو أن يسعى المحاربون إلى إسعاد السياسي, ويكون السعي غاية في ذاته وليس وسيلة.
يمكن أن نفهم هذه الأشخصة بشكل أفضل واوضح من خلال الرؤى الذي يوجها المحاضر لرواد الجلسة المتعقلة علينا أن تكون لدينا قدرة على أن نريد ما يشكل قاعدة لعملنا وعلمنا بحيث يصبح لدينا منهجا نقديا للتراتب الحدثي، وهذا هو المنهج الذي يسمح بالتقييم الأخلاقي لفعلنا بصفة عامة للتاريخ وطريقة وعي قراءته. وبهذا النداء يظهر أن ناكتوس قد برهن على أن الواجب مفهوم يتضمن تشريعا واقعيا لأفعالنا، ويتم التعبير عن هذا التشريع داخل الأوامر الأخلاقية، وتشتق الإرادة الانسانية هذه من التكوين الخاص للطبيعة البشرية التي تفيد أن يكون الواجب بالضرورة ضرورة عملية لا مشروطة للفعل، فيصلح بذلك لكل الكائنات العاقلة، فيكون منهجا لكل إرادة إنسانية عاقلة. وهذا القراءة للواقع النقدي مما ارساه المحاضر، هو الذي يجعل الأخلاق العلمية ونقدها نقية من كل ما يتصل بالتجربة فتتأطر بهذا المعنى، تحت مفهوم ما يسمى بالفضيلة، والذي لا يتضمن في واقع الأمر إلا معنى المنهج ضرورة لكل الكائنات العاقلة، يكون صالحا كقانون كوني للسلوك، ويتطلب تحقيق هذا الفرض أن يكون هناك تقدم نحو ميتافيزيقا الأخلاق، والسبب قد يكمن في أن التوجيه هنا، كما يتعلق بتوضيح برامج جادة للقراءة التاريخية ليس لما حدث فقط بل منهج لما ينبغي أن يحدث.
لكن المحاضر لا يقصد برامج بالمعنى العام، بل يقصد البرامج العملية وذات جدوى بأدوات التحليل، وهذه البرامج حتى وإن كانت عملية قد تكون صورية حين تجرد كل الأهداف الذاتية، وقد تكون مادية حينما تفترض غايات ذاتية ترتبط بموضوعات محددة، وهذا التصنيف من الأهداف لا تكون له سوى قيمة بالنسبة للذات، أي تكون لها قيمة ذاتية، وفي مقابل ذلك تكون للبرامج العملية الصورية ذات قيمة مطلقة، لأنها تكمن في ذاتها، وتومأسس توجهات أخلاقية معرفية في الوقت الذي تؤسس فيه الأهداف الذاتية برامج افتراضية للمعرفة.
وأن نفترض بأنه توجد برامج موضوعية عملية للتنقب العلمي للمعرفة بأدوات التحليل، تكون لها قيمة مطلقة في ذاتها فإن ذلك يطرح السؤال عن طبيعة الموجودات الارثية التي يمكن لهذه البرامج أن تشتق منها منهجا يصلح لوجودها، وهنا لا بد من أن نفترض وجود منظومة توجد كغاية في ذاتها، وتكون لوجوده هذا قيمة مطلقة في ذاتها، وهذه المنظومة هي القوة. فتمثل القوة إذن ككائن عاقل، مبدأ لقوانين محددة تعبر عن نفسها في الأوامر القطعية، فالقوة توجد كغاية في ذاتها، وهي ما تعني أنها لا يمكن أن تكون وسيلة، يمكن لإرادتها أن تستعملها لغاياتها الخاصة، وبما أنها قوة يتوجب عليها أن تعتبر نفسها في الان نفسه، وأن تعتبر كغاية في ذاتها، وذلك في كل مل يتصل بأفعالها، سواء كانت تلك الأفعال تهمها أو كانت تهم منظومات عاقلة عامة، وما لم يمكن أن تكون وسيلة لغاية فلن تكون لها قيمة ثوابت ومتحكمة، وهذا ما يجعل من الموضوعات المعرفية التي نحصل عليها بأفعالنا لا تكون لها سوى قيمة، وتلك تكون دائما لها ثوابتها المتحكمة، ويتحدد وجود هذه الموضوعات المعرفية التاريخية لكونها لها وجود لا يتعلق بالإرادة، بل يتعلق بالطبيعة الانسانية ، وبما هي كذلك فإنها تفتقر إلى العقل، فهي إذن منظومات ليس لها سوى قيمة نسبية، كما يؤكد عليها المحاضر عمو ناكتوس. وإذا كانت هذه الموجودات للحروب تتعلق بالطبيعة الانسانية، فإنها تكون عبارة عن وسائل، فهي إذن أفعال، وعلى العكس من ذلك تتوفر المنظومات العاقلة على الطبيعة الانسانية يتحددون من خلالها كغايات في ذاتها، فيتحددون إذن بوصفهم ما لا يمكن أن يستعمل فقط كوسيلة، ولا يتعلق الأمر هنا بغايات ذاتية، بل بغايات موضوعية، يتحدد الفعل من خلالها كفعل حسن/سيء كما هو لما حدث عند أحتلال العراق، فتكون لها قيمة بالنسبة لكل منظومة عاقلة سلبيا كان ام أيجابيا , وفي هذه الحالة لا يمكن أن نعوض غاية بغاية أخرى، لأن من شأن ذلك أن يحول الغايات الموضوعية التي تكون ذات صلاحية بالنسبة لكل عقل إلى مجرد غايات ذاتية تكون لها قيمة نسبية ومشروطة. تجد المبادئ الأخلاقية في القراءة والتحليل المعرفي إذن أساسها في العقل، وما يعطي للمبادئ التي تشتق منها كل القوانين الأخلاقية موضوعيتها، لكونها تنتمي إلى العقل، وتصدر عنه مباشرة، هذا ما يجعل أفعال المنظومات العاقلة تكون غاية في ذاتها، ويظهر هنا أن العقل لا يحدد السلوك فقط، بل هو نفسه الذي يسلك، ويكون اشتقاق المفاهيم من العقل لمبادئه عن طريق الاستنباط، وتواجد الإنسانية في أساسه وفي نهايته، لذلك يمكن أن نعتبر أن الإنسانية هي مبدأ أستنبط المحاضر منها باقي المبادئ الأخلاقية في النظر لموضوع المحاضرة، وهذا ما سمح به أيضا بأن يحدد الأنا العملية الذي أشتق منها هذا الهدف في التعامل مع ابعاد زوايا الموضوع للمحاضرة.
وتبعا لهذا الرأي وزوايا ابعاد داينمية المحاضر في أدارة خفايا المعلومات الابستمولوجية بتفقيل المتلقي معه، فإن المبدأ الذي يعتبره أن الإنسانية من خلال وجهة نظره هي طبيعة منظومات عاقلة كغاية في ذاتها، وكشرط تحدد حرية أفعال الإنسان لا تشتق بالضرورة إلا من العقل الخالص. ويشتق من هذا المبدأ مبدأ عملي للإرادة الانسانية لتتوافق مع العقل العملي الكوني/الحضاري، مشيرا بذلك لإرادة المنظومة العاقلة يتصورها كإرادة تومأسس التشريعات كونيا/حضاريا, وتكون هذه الإرادة/القوة، من حيث أنها تحمل دليل عدالتها، صالحة للأمر الأخلاقي من وجهة نظرها، وما دامت فكرتها او مشروعها تشريعا كونيا حضاريا، هذا لا يتأسس على أية مصلحة ذاتيه، وتعتبر هذا الأمر الوحيد من ضمن باقي الاخذ بالتنفيذ، الذي يكون غير مشروط، فيحدد هذا الأمر إذن الفعل بفضل قاعدة الإرادة/القوة التي يمكن أن تؤخذ في ذاتها كموضوع لإرادة تشرع حضارة كونية.
ويعتبر المحاضر عمو ناكتوس في هذا السياق، أن ما يمكن الإنسان/وأشكالية ازمة تاريخية حروبه الربط بين القوانين في فكرته عن الواجب، وهذا ما يجعل العقل لا يخضع إلا لتشريعاته الخاصة التي تقدم نفسها كتشريعات حضارية كونية، فيسلك وفق إرادته بتوجيه من الطبيعة الانسانية، وليست هذه التشريعات إلا قوانين الإرادة/القوة، وهي قواعد تسمح لكل منظومة بأن تحكم على ذاتها وعلى أفعالها، وهذا ما يقود المبرر للمحللون بعلاقة المحارب بالسياسيون إلى مفهوم سيادة الغايات الذي لا يمثل في واقع الأمر إلا الربط النسقي لتنوع المنظومات العاقلة بقوانين حضارية عالمية مشتركة.
وتكون المنظومات العاقلة، بموجب هذه الكونية الحضارية، موضع منهجي، لا تسمح لأي واحد منهم أن يعامل نفسه أو يعامل الآخرين كوسائل، بل يتوجب أن تعامل هذه المنظومات العاقلة، في الفرد كما في الجماعة، كغاية في ذاتها، وهذا ما يسمح للمحاضر بأن يقول بأن هذا ما يشكل المصدر الذي يشتق منه الربط النسقي للمنظومات العاقلة بقوانين موضوعية مشتركة، ويعتبر عمو ناكتوس الإنسان مشرعا في إطار سيادة الغايات، ولا يكون هذا التشريع ممكنا إلا في إطار حرية الإرادة/القوة، ويشرع الإنسان لنفسه ولغيره من خلال أفعاله التي يتعين عليها، لكي تكون أفعالا أخلاقية، أن ترتكز الأخلاقية على أساس كونها تربط هذه الأفعال بالتشريع في إطار سيادة الغايات. وإذا لم تكن الإرادة مشرعة، فلن تدرك المنظومة العاقلة كغاية في ذاتها، وتتمكن الإرادة/القوة من خلال هذا التشريع الكوني الحضاري من أن تنقل هذه التشريعات إلى باقي الإرادات/القوى. فأن يسلك الإنسان على هذا النحو أي أن يكون السلوك غاية في ذاته في إطار مفهوم سيادة الغايات، فإن ذلك يعني أن هذا الإنسان يقدم سلوكه كنمودج لسلوك يسلكه الإنسان تبعا لمبدأ الواجب، وما يملي هذا الواجب هو الضرورة العملية التي ترتكز أساسا على العلاقات بين المنظومات العاقلة، ولا تتوخى هذه الضرورة العملية التي توجد في قلب كل تشريع سوى فكرة المنظومة العاقلة، التي تلزمها هذه القيمة بألا يسلك، ولا يخضع إلا للقانون الذي يؤسسه هو بنفسه. وما يجعل الإنسان كائنا كريما، هو أنه لا يقدر بثمن. ويتخذ ناكتوس هذا التقدير لكي يميز من خلاله بين الإنسان وباقي المنظومات التي شاركت او تدين الحرب بدفع ثمن باهض بسبب سيناريوهات التعويض القييمي كمقابل او ثمن لأنتصارته او تعويضا في أطار سيادة الغايات او العكس.
يوجد إذن في الفهم التاريخي المعرفي النقدي شيء لا يمكن أن يقدر بثمن، ولا يعوض بشيء آخر، يقوم مقام الإنسان، فهو يمثل الكائن الوحيد ضمن مخلوقات الأرض يمتلك قيمة داخلية مطلقة، يحددها ناكتوس في مفهوم القيم الاخلاقية العليا للانسان وأحقيته في السلام والأمن، ويتحدد وجوده من خلال هذا كشيء في ذاته، وهذا ما يجعل منه غاية في ذاته. ويتعين على الإنسان أن يقدر هذه الغاية في ذاته، وفي باقي المنظومات العاقلة للحضارة الكونية. ولكي يوضح لنا المحاضر عمو ناكتوس تصوره هذا، يميز نظرته النقدية لقيمة الانسان ما يمكن ان يكون لها ثمن تجاري/او قيمة سلعية, وتحدد في ما يرتبط بميولات وحاجات الإنسان عما يكون له ثمن عاطفي، وأرتباطها بقيمته العاطفة كما هو الأمر بالنسبة للذوق عما له من قيمة داخلية، وتحدده في القيمة الاخلاقية. ولا يرتبط مفهوم القية الاخلاقية إلا بالشرط الذي يجعل المنظومات العاقلة غاية في ذاتها، وتتمثل هذا التقييم في كون أن الإنسان لا يقبله أي تقويم سعري/أثماني او "لما يقابلة بالميزان التجاري".
يبدو إذن منظور المحاضر الى أن قيمة الإنسان، لا تقبل المقارنة، فتحدد كرامته كقيمة في ذاتها، فتمثل الكرامة قيمة ذاتية مطلقة، ولا تقبل هذه القيمة أن تكون مشروطة. وتجد هذه القيمة الداخلية ترجمتها في مفهوم الإحترام الذي يجب أن يكنه الإنسان لكل المنظومات العاقلة وفي غيرها كما في نفسها. ويكون هذا الإحترام حضاريا كونيا، ويقدم هذا الإحترام نفسها , وبحسب ما يراها المحاضر, في أن القييم الأخلاقية تتحول في نفسها إلى منهج حضاري كوني. وفي هذا السياق، يرجع المحاضر إلى مفهوم الإرادة/القوة الايجابية، لجعل تلك الإرادة/القوة الحسنة بالمعنى الدقيق للكلمة في ألا تتناقض مع ذاتها، وما يجعل ذلك هو تحولها إلى منهجية حضارية كونية ، بمثابة الصياغته العقلية المنظومة العاقلة.
حينما يصوغ ناكتيوس هذه القواعد الأخلاقية، التي يسميها بالمتابعة الأخلاقية، لمرتجعات الاسباب التحليلة للحرب، فلأنه يريد أن يجعل من المنظومة العاقلة موضوعا لسيادة الغايات من المعرفة النقدية المحكمة، فهو يظهر مبدأ مُعرّفا لكل قواعد الأخلاق. لذا يحاول المحاضر جاهدا عن المنظومة العاقلة المعرفية أن تعامل كغاية في ذاتها، فيتوجب عليه إذن أن يكون مشيرا للتشريعات الحضارية الكونية وخلفيتها التاريخية، لتصلح لكل المنظومات العاقلة المعرفية. وبما أن المنظومات العاقلة، قد تكون مشرعة بهذا المعنى وتكون في ذات الوقت موضوعا وغاية لتشريعاتها، وهذا ما يجعل منها غاية في ذاتها، فإن المحاضر يسميها المراحل الانسانية. هنا يرجع المحاضر لكي يوضح ويوكد ما يقصده بسيادة الغايات وسيادة الطبيعة الانسانية، وهو ما يتيح لنا أن نفهم ما يقصده صاحب المحاضر بمفهوم الحرب وضرورة تبني الحضارة الكونية العاقلة، فلا يمكن فهم الحضارة الكونية بما هي طبيعة الانسانية إلا من خلال كون المنظومة العاقلة تضع قوانين حضارية كونية، ويفرضها على طبيعة أنسانية عاقلة، في حين تتحدد الحضارة الكونية في مجال الطبيعة الانسانية من خلال قوانين السببية في ظل سيادة الطبيعة الانسانية.
وحينما يشير المحاضر من الاجابة على بعض الاسئلة من قبل ضيوف منتدى العراق الثقافي للمحاضرة الالكترونية، على أن المنظومة العاقلة هي من تخلق تشريعاتها، فلأنها هي من لها مصلحة وحاجة في تكون الإرادة المستقلة. وهي من تعتبر الإستقلالية/المشاركة لمبدأ القييم والكرامة للطبيعة الإنسانية وكل طبيعة عاقلة. ولا يمكن أن نفهم هذه الإستقلالية إلا في إطار المشاركة للقواعد الأخلاقية عن كل الغايات المادية، بحيث تتوصل هذه القواعد إلى غايات في ذاتها. وتنتج هذه الإستقلالية/المشاركة عن احترام لفكرة لا تصلح لأن تكون جبرا للإرادة الإنسانية, وهو ما يحدد المنظومة العاقلة ككائن جدير بأن تكون مشرعة في ظل سيادة الغايات. فما يدافع عنها المحاضر هنا هو استقلالية ومشاركة الإرادة/القوة , وهي القدرة التي يعتبرها ما تتوفر عليه الكرامة الإنسانية لتشريع وإقامة قوانين حضارية كونية، ويجب أن تكون موضوعا خاصا للإحترام، لكن يشترط فيها هي بدورها أن تخضع لهذه التشريعات، فتمثل استقلالية الإرادة إذن مبدأ أساسيا لكل أخلاقية ممكنة المشاركة.
ويدفع المحاضر بهذا التصور عن خفافيا الدوافع للحرب اتجاه ربط الإرادة/القوة بمفهوم السببية، فيحددها على أنها تمثل سببية المنظومات العاقلة، وتدخل الحرية في ملكية هذه السببية حتى تتمكن من أن تسلك بشكل تستقل به عن الأسباب الخارجية التي قد تجعل الإرادة/القوة تابعة، فينتج عنها جبر وإكراه تاريخي، ويلاحظ بأن هذا التعريف للحرية سلبي، لكنه يتيح لمفهوم إيجابي أن يصدر عنه، ويكون هذا المفهوم غنيا وخصبا يقول حين يوجزها : بأن مفهوم السببية لتلك الحرب في ذاتها تعني القوانين التي من خلالها يجب أن يوضع شيء نسميه نتيجة ينتج عن شيء آخر نسميه سببا الحرب. فإن الحرية الانسانية، حتى وإن لم تكن خاصية الإرادة/القوة التي توافق قوانين الطبيعة الانسانية, ليست بعيدة التوازن عن تلك القوانين. فيمكن القول من خلاله اذن القول بمبدأ الأخلاقية أو إرادة/قوة حرية، أو إرادة/قوة تخضع لقوانين أخلاقية، لذا فالأمر يتعلق من وجهة نظر المحاضر دائما بالشيء ذاته, ولفكرة إرادة/قوة سليمة منطلقا منها لتلك التي يمكن لقاعدتها أن تحصر قانونا في ذاتها، لمكون حضارة كونية، وتستطيع تلك الإرادة/القوة أن تكون بذاتها لذلك القانون.
وأخيرا، يحدد المحاضر مع عمو الدكتور خيرالله سعيد ابو سعاد يسلك من خلاله المحاضر تتبعا لفكرة الإرادة بالمبادرة في النشاط بدعوة الحضور للمشاركة بالبحوث والتطوير , ويكون بهذا ايضا يمنح المتلقي كأنسانا حرا واقعيا من الناحية العملية، وأحقيته فستطيع أصلحه من جمع النظر لكل القوانين التي تتصل بالحرية وصلاحية التطابق وصلاحية الإرادة الحرة . وبمبادرة مستكملا عما يحققه الباحث بوعيا تكوينيا أخلاقيا بالمساهمة، وأظهر ذلك من خلال وتكونه يعي ذاته كمصدر لأفعاله بترشيح وحهات النظر للمداولة والنقاش بالاراء. إذا يوصف بخاصية كونه يسلك تبعا لفكرة الإرادة/القوة، لكن لا يوجد القانون الأخلاقي كغاية في ذاته بدون أن توجد شرعية تجعله يكون ممكنا. كما اود تقديم شكري وتقديري وبأعتزاز للاستاذ المحاضر عمو ناكتوس على هذه المحاضرة القييمة، وكذلك الى الدكتور خيرالله سعيد عن ملكة ادارته المحاضرة وقيمة المحاور وتوزيع المداخلات الفكرية، والى جميع فريق ادارة منتدى العراق الثقافي، ولا شكري الجزيل الى بابا لمراجعته ، وكذلك د. شعوب ود.الغزالي ود.اشبيبلية في المساعدة بالترجمة والمراجعة للنص.
د. أبـُو ذَرّ الجبوري جامعة طوكيو - اليابان
#أبُو_ذَرّ_الجبوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|