|
المعارضة السورية بين ثقافة الاختلاف وثقافة الاستبداد
هدى زين
الحوار المتمدن-العدد: 3545 - 2011 / 11 / 13 - 21:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما يصنع الاستبداد نفسه ويبلغ مداه من رحم تناقضات المجتمع القائمة على الاستغلال والتفرد بالسلطة تنشأ الحاجة الاجتماعية الموضوعية لاستبدال شكل السلطة السائد ويبدأ الإنسان فردا وجماعة بالبحث عن منافذ الخروج من هذا الواقع ... تتراكم التناقضات وتتفاقم وتتراكم أشكال الاحتجاج البدائية وتنضج ويشق المجتمع بقواه المجتمعية طريقا يترنح فيه بين لحظات تاريخية طويلة من ركود وانكفاء ولحظات أقصر من مبادرات وأزمات كمراحل استباقية لمرحلة الانفجارالذي يبدو فجائيا لأنه لايحدث عادة بتخطيط مسبق في حين أن هذا الشكل الانفجاري في التغيير ماهو إلا انعكاس لإحدى مسلمات قوانين التغيروالتغييرفي تاريخ المجتمعات الانسانية ... بهذا المعنى لايمكن للثورة إلا أن تكون ضرورة اجتماعية سياسية واقتصادية وليست حدثا استثنائيا معزولا .. وهي تصطدم دائما بقوى مضادة تعمل على تشويهها والالتفاف على أهدافها وقمعها إلا أنها غير قادرة على تجنبها أومنع حدوثها ... إن حرب الإبادة التي ارتكبها حافظ الأسد ضد الاخوان المسلمين في عام 1982 كانت ناجحة بمنطق السلطة لأنها ـ وليس هذا هو السبب الوحيد ـ لم تكن ثورة شعبية تعبرعن ضرورة اجتماعية للتغييرعلى المستوى البنيوي للمجتمع بأكمله ... بينما يعاند اليوم نظام بشار الأسد وأجهزته الأمنية والعسكرية قوانين التاريخ والمجتمع الموضوعية وإرادة شعب لن تقهرلأنها بدأت تعي ذاتها ..فنراه يغوص في بحر دماء شعبه ويزيد في القتل الأعمى والتنكيل الهمجي تشبثا ببقايا وجوده وبسلطته كسيد مستعبد للأرض و الشعب .. يجند عبثا كل مايملك من قوة من جيشه وعناصر أمنه لإبادة شعب وصل تاريخيا إلى نقطة اللاعودة .. إلى لحظة الإرادة التي لابد للواقع أن يستجيب لها... إن استبداد الدولة أواستبداد نظام يستخدم مؤسسات وأجهزة الدولة كملك خاص له يعني حسب منطق الأشياء أن الدولة تؤكد ذاتها وتحقق إرادتها من تلقاء ذاتها وبالتمحوروالتمركز حول نفسها .. أي أن الاستبداد يتطلب بالضرورة تحويل كل مكونات وقوى الانتاج في المجتمع وكل أجهزة العنف والردع وكل أشكال السلطة السياسية والايديولوجية إلى أدوات تحتكرها فئة قليلة تحقق من خلال هذا الاحتكار هدفها بألهنة الحكم وأحاديته وجعل هذه الصفات تبدووكأنها تتنمي إلى منطق "طبيعة الشيئ" ... فالسيطرة الكلية على علاقات وشكل وسيرعملية الانتاج التي تمثل عصب الحياة للمجتمع والفرد وخلق بنى سياسية قائمة على احتكار القراروالمصلحة واتخاذ المواقف وتبني الخطط و تحديد حركة وحجم ودور الشعب والفرد بشكل مسبق وإنتاج ثقافة أحادية يراد لها أن تسود وتحاصرالفكروالتفكير في المجتمع هي ثقافة السلطة التي تقوم على إعادة إنتاج الواقع الاجتماعي بكل متغيراته واختلافاته منفردة فتحدد شكل ومضمون قراءة الواقع وتحليله بلغة الرؤية ذات البعد الواحد والخلفية الواحدة التي لاتحتمل طبيعتها عقلية النقد وثقافة الاختلاف ولذلك تأخذ على عاتقها مهمة تزويرحيثيات الواقع وتعبئة الوعي الجماعي بقضايا تبدو وكأنها سامية مثل قضية الممانعة ومواجهة العدو الخارجي بكل أشكاله فتتشكل عقلية جماعية مستلَبة ولاوعي اجتماعي متلقٍ انهزامي على مستوى الفرد والمجتمع تهدف إلى ايجاد أرضية خصبة لزرع مفاهيم وقواعد الطاعة والخوف الذي يتراكم مع تراكم القمع والقهر فيتكلس ويترسب في أعماق الروح الفردية والجماعية ويصبح الخوف والطاعة من أهم دعائم استقرارنظام الحكم الأحادي الاستبدادي ... لم يسمح حكم حافظ وبشارالأسد لانظريا ولاعمليا بحق الاختلاف فكان حزب البعث حزبا قائدا ليس فقط للدولة وإنما للمجتمع أيضا وكان حافظ الأسد الرئيس الخالد إلى الأبد حتى بعد موته وكان ابنه بشارالرئيس الذي يُسجد له أرضا ويصفق له حتى البلاهة والشذوذ والقرف وكان الإعلام الذي لايقرإلا بعالم أحادي البعد والنظرة .. عالم القائد الذي لايخطئ والحزب الذي لاينحرف عن قضية الأمة وعالم العائلة المقدسة التي تحكم بجبروت المستبد مع من حصل منها على الامتيازات .. عالم محبط يسلب حق الاختلاف للاخرويجبره على إلغاء ذاته أي إعلان الولاء والتأييد والانسجام للسلطة ومعها .. عالم سلطة يلغي الحقيقة والواقع ويستمر بكل بساطة لأنه عنيف ... ولأن النقد في جوهره هو تعبيرعن واقع متعدد الأبعاد في مجتمع مفعم بالتناقضات الناتجة عن حالة الاستغلال و الاستلاب فهو يستمد استحقاقه من طموحه لتجاوز وقائع المجتمع السلبية ... ولأن استبداد الأسدين قام على تكريس منظومة الأحادية والهيمنة الكلية كان لابد لهذه المنظومة من تقويض أسس النقد العميقة وذلك بجعل القائد شخصا وحزبا وأجهزة فوق المجتمع وفوق الأحزاب و الجماعات والأفراد وبتخدير المجتمع ايديولوجيا بالتضليل والترهيب مايؤدي إلى انكفاء النقد ونسف مظاهر الاختلاف في المجتمع .. إن هذه التربية العسكرية في جوهرها للفرد والمجتمع على مدى أربعة عقود من الزمن كفيلة بأن تمسخ مفهوم حق الاختلاف للمواطن السوري الذي يتطلع إلى التغييروالانعتاق من قيود النظام الأسدي الجائر... فما يحدث اليوم من أشكال الإقصاءات المختلفة للمعارضات السورية المتناحرة من لغات التخوين ومحاولات تقزيم وتدمير الاخر اعلاميا إنما يدل دلالة واضحة على أن هؤلاء الذين يصبون إلى الحرية والتحررمن النظام الأسدي هم في حقيقة الأمر مازالوا يدورون في فلك العالم أحادي البعد في فلك الذات المعزولة عن الذوات الاخرى ولم يرتقوا بعد إلى تجاوزهذا العالم والانفتاح بعمق وصدق على عالم الاختلاف والتعددية على عالم الانا والاخر ... وهذا يخص كل أطياف المعارضة ... إن حادثة الاعتداء على أعضاء هيئة التنسيق الوطنية أمام جامعة الأنظمة العربية في القاهرة من قبل مؤيدي المجلس الوطني ماهو إلا مؤشرعلى أن المعارضات التي تريد أن تطرح علينا البديل بعد سقوط النظام لم ترتق بعد إلى مستوى ما تطمح إليه أهداف الثورة ... وإن تبجح وزعم بعض أعضاء المجلس الوطني بأنه الممثل الوحيد للشعب السوري ماهو إلا اعتداء سافر على حق من لايمثله المجلس الوطني حتى لو كان معترفا به كأحد الممثلين للشعب السوري... وليس من حق أي جهة أو طيف من أطياف المعارضة الحرة ولا من حق أي مواطن سوري أن يدعي بأن هناك جهة واحدة تمثل الشعب ... لكل مواطن أن يختار القوى السياسية المعارضة التي تمثله دون إلغاء وجود معارضة أخرى ودون منطق الإقصاء والتخوين .. وإلا فلم الثورة .. إن الثورة في جوهرها تقوم على ومن أجل حق الاختلاف ... فلايمكن أن تتحقق الحرية بدون حق أن يختلف الانسان عن الاخر .. السلطة عن المعارضة .. الحزب عن حزب اخر .. الدين والطائفة والقومية عن الاخرى .. ورغم كل هذه الاختلافات يجب أن يتساوى الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات بدون التفرد بالحكم عن طريق الدين أو القومية أو ماشابه .. فإذا لم تتبنى قوى المعارضة المختلفة والشارع السوري نفسه منطق الاختلاف ليس فقط كلاما وهتافا وانما سلوكا وممارسة وتأملا .. كيف يمكن لنا إذا كمعارضة أن نلتقي مع المواطن السوري الاخرعلى مختلف انتماءته الدينية والطائفية والقومية اذا لم نقبله شكلا ومضمونا باختلافه... علينا أن نربي ذواتنا ووعينا على أن الاخر ليس عدوا يجب ان نلغيه وانما جزء من ذواتنا وهويتنا علينا أن نعرفه ونفهم المختلف فيه حتى نفهم أنفسنا ونحقق ذاتنا ... فالحرية حسب ماركس هي معرفة الضرورة و هي كما تراها روزا لوكسمبرغ دائما حرية الذين يفكرون بشكل مختلف ... إننا نقول لأعضاء المجلس الوطني ولهيئة التنسيق الوطنية في الداخل والمهجرسوف نرفضكم عندما تسمحون لكياناتكم إلغاء الاخر لأنكم ستكونون أسديين في المنهج .. لولا هذا الحراك الثوري لكنتم وكنا جميعا مازلنا نثابر في أعمالنا اليومية الغير خلاقة التي لاعلاقة لها لابقضايا الحرية ولا الكرامة ... فكفوا عن العمل والتحريض ضد الاخر وكفوا عن الحرب الاعلامية التي لاترتق إلى مستوى النقد العميق وإنما إلى مستوى الاتهامات والتبريرات .. لانريد فعاليات تحريضية على نمط ماحدث في الأسبوع الماضي حينما كانت إحدى اقتراحات تسميات الجمعة السابقة "هيئة التنسيق لاتمثلنا" .. إنها حركة غيرنظيفة قد يكون القصد من ورائها تحريك الشارع ضد فئة من المعارضة وإلهاء الشارع عمليا بتسميات تحيد عن التسميات الكبرى لهذه الثورة العظيمة ... ونرفض كيل الاتهامات غير الحقيقية التي تتهم البعض بالدخول في الحوار مع نظام القتل وذلك لكسب تأييد شعبي بطرق التضليل والفتنة سواء كان ذلك عن حسن نية أو سوءها .. ومهمتنا كمعارضة أن نعمل معا على تحقيق مطالب الشعب الذي يموت كل يوم أمام بهيمية ودموية بشارالأسد ونظامه وأجهزته وأزلامه ... إن الإنكارهو أحد أهم الانتهاكات التي يمارسها نظام بشارالأسد ضد شعبه .. إنكار الاخروإلغائه أي عدم الاعتراف بحق الشعب في مطالب الحرية والكرامة والاختلاف وعدم الاعتراف بحقه في إسقاط شكل السلطة الحالي بمرتكزاته وأشخاصه .. فإذا لم تعلمنا هذه الثورة أن يعترف أحدنا بالاخر ويعترف باختلافه ومحاججة اختلافه بالعقل والمنطق والكلمة المفكرة فهذا يعني أننا مازلنا مؤيدين لنظام بشارالأسد حتى لو كنا معارضين له ... على أطياف المعارضة المختلفة الكف عن تحريض الشارع وجره إلى اصطفافات مضللة غير محقة لجهات معارضة دون أخرى .. والكف عن ايذاء هيئة التنسيق الوطنية التي لا تريد أقل من إسقاط النظام بهياكله وأشخاصه ولكنها تحاول قدر الامكان تجنب التدخل العسكري الأجنبي الذي سيكون كارثيا على البلاد إن حدث ... فكما بدأ ينضج الحراك والوعي الثوري في قلب الحدث على المعارضة أن تنضج وتعي بأنه لاعودة للاستفراد والاستبعاد لأي طرف يؤمن بحرية المواطن وكرامته ... لقد دعت جامعة الانظمة العربية بعد قرار تجميد عضوية سوريا غير المسبوق والذي يعد تقدما على طريق الحل العربي أطياف المعارضة للقاء في مقر الجامعة ورسم تصورات مشتركة لسوريا المستقبل .. ليس المطلوب أن تتوحد قوى المجلس الوطني وهيئة التنسيق على شكل تكتل واحد .. فمن يؤمن بالحرية الحقيقية لايخاف الاختلاف ... ولكن المطلوب اللقاء الجاد والتنسيق والعمل المشترك من أجل هدف يطمح له الجميع وهو ليس اسقاط النظام الأسدي فحسب وانما أيضا وضع تصورات محددة لبناء سوريا حرة مدنية يتم فيها فصل الدين عن الدولة ومساواة المواطنين أمام قانون مدني يحفظ حقوق الأقليات والأغلبية ومن أجل دعم شعبنا الذي ينتفض كل صباح ومساء مثكنا بجراحه الساخنة ليغني للحرية كما لم يغن لها أحد ... السكينة والرحمة لشهداء الثورة السورية الأحرار الحرية للمعتقلين المناضلين المعذبين في سجون الأسد الظلامية الشفاء لجرحانا والقوة والعزيمة لذوي الشهداء الحرية لشعب سوريا العظيم الذي لن ينساه التاريخ أبدا ...
#هدى_زين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منهجية التعذيب و ثقافة الإذلال تحت رعاية الأسدين
المزيد.....
-
أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل
...
-
الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر
...
-
الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب
...
-
اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
-
الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
-
بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701
...
-
فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن
...
-
الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة
...
-
مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|