|
لماذا تضامن العراق (الديمقراطي) مع ديكتاتوريات المنطقة
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3545 - 2011 / 11 / 13 - 14:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس غريبا أن ترفض حكومة علي عبد الله صالح قرار جامعة الدول العربية بتعليق مشاركة سوريا في اجتماعاتها. كما يمكن أن نتفهم لخوف الحكومة اللبنانية من ردة فعل حزب الله، إذا ما صوتت لتعليق عضوية سوريا في الجامعة، وهي حاضنة حزب الله وحليفة إيران ومؤتمرة بأوامرها بوصفها تملك ولاية الأمر الشرعية الملزمة لحزب الله، الذي كانت هي المؤسسة له. لكن الغريب - وهو في نفس الوقت ليس بغريب - أن يكون موقف الحكومة العراقية مماثلا لموقف الحكومة اليمينية الآيل مصيرها إلى ما آل أو سيؤول إليه مصير الديكتاتوريات العربية التي انهارت مؤخرا، والتي هي على وشك الانهيار. غريب موقف العراق، لكون المسؤولين يتبجحون بدعوى أن العراق يمثل أو مثل منذ 9 نيسان 2003 الواحة الديمقراطية في المنطقة. وغريب موقفها لكون سوريا قد آذت العراق لسنوات طويلة باحتضانها لبقايا أزلام صدام المتآمرين على العملية السياسية، كتنظيم يونس الأحمد وغيره. وغريب موقفها لأن رئيس وزرائنا قد هدد سوريا في فترة سابقة بالذهاب بشكوى العراق ضدها إلى مجلس الأمن. ولكن في نفس الوقت ليس هذا الموقف من الحكومة العراقية بغريب، لأن سوريا حليفة إيران، ولأن سوريا حاضنة حزب الله، ولأن سوريا ... لا أدري ربما يكون للعامل الطائفي دور. سمعنا يوم أمس كيف يتودد ممثل سوريا في الجامعة للحكومة العراقية، متغزلا بها غزل الحبيب بحبيبه، ولكن - في نفس الوقت - معاتبا إياها، أيضا عتاب الحبيب لحبيبه، كون العراق امتنع عن التصويت، وكانت سوريا تنتظر من (العراق الشقيق) أن يصوت ضد القرار، كما فعلت كل من اليمن تعاطفا وتضامنا بسبب وحدة المصير بين النظامين، ولبنان خوفا وحذرا من حزب الله حليف سوريا وصناعة إيران. فهل حقا العراق هو الواحة الديمقراطية؟ لا أنفي غياب الديمقراطية كليا، لكنها ديمقراطية عرجاء تتعكز على رؤى طائفية وعرقية، وعلى مصالح شخصية وأسرية وحزبية ومذهبية وقومية ومناطقية وعشائرية، ديمقراطية يشوبها فساد مالي وإداري، ونزعة استبداد وتفرد، وصراع على السلطة بدل التنافس على تحقيق الخير للعراق، ولمشروع التحول الديمقراطي، وللإنسان العراقي واحتياجاته الضرورية، ديمقراطية ليس فيها تعددية سياسية بقدر ما فيها تخندقات طائفية وعرقية، وإسلام سياسي لا يؤمن في العمق بالديمقراطية ولوازمها ولوازم الدولة المدنية، دولة المواطنة، بل هو مضطر لركوب الديمقراطية، بالعنوان الشرعي الثانوي، عبر القاعدة الفقهية القائلة بدرء أكبر المفسدتين بأصغرهما، إذا ما خير السياسي الإسلامي بين الديمقراطية والديكتاتورية التي تقمعه وتقمع العلمانيين المعارضين على حد سواء، أو بين الديمقراطية التي تستثني الأحزاب الدينية والديمقراطية التي تحتضن الديمقراطيين والإسلاميين على حد سواء. أقول هذا لبيان أن الذين يقومون على الشأن السياسي من المسؤولين لا يتمتعون بثقافة الديمقراطية، من هنا نفهم جيدا لماذا وقف العراق مع سوريا البعث، ومن هنا نفهم لماذا أصر الشيعة والكرد في لجنة كتابة الدستور على إطلاق مصطلح (البعث الصدامي)، تبرئة للبعث السوري، وكان ينبغي أن يقال البعث المعادي للديمقراطي، مع فرض أن هناك من البعثيين من لا يعادون الديمقراطية، رغم إن لنا ثلاث تجارب مع البعث، تجربتان في العراق، هما تجربة 1963، وتجربة 1968 – 2003، والتجربة الثالثة هي تجربة البعث السوري في حقبتي الأسد الأب والأسد الابن. وازدواجية الحكومة العراقية واضحة، فهي من جهة تشن حملة اعتقالات على البعثيين المتآمرين على العملية السياسية، وتتهم دولة القانون كل معارض لها وللدعوة والمالكي بتهمة البعث، ومن جهة أخرى تتضامن مع البعث السوري الديكتاتوري، الذي لا يقل دموية عن البعث الصدامي. نعم لدينا مخاوف من مستقبل سوريا، كما هو الحال مع مستقبل كل دول الربيع العربي الحالية والقادمة، بسبب قوى الإسلام السياسي المتطرف. وعلى ذكر الإسلام السياسي، فإن كل قوى الإسلام السياسي، بما فيها المعتدلة - ظاهرا أو حقيقة -، تشكل عامل إعاقة لمشروع التحول الديمقراطي، إذا لم نقل تمثل خطرا عليه. السبب هو أن حتى الإسلاميين المعتدلين منهم نجد أن حلفاءهم الأقرب لهم هم الإسلاميون المتشددون، وأحيانا المتطرفون، أكثر من أن يكون حلفاءَهم الديمقراطيون العلمانيون المؤمنون بدولة المواطنة والحكم المدني - لا الثيوقراطي - والمحترمون للدين والمدافعون عن حريات المتدينين، ولكن المطالبون بعدم إقحام الدين في السياسة. وإذا كانت ليس كل الرؤى الدينية السياسية متقاطعة مع الديمقراطية، فمعظمها لا يتعايش مع الديمقراطية بانسجام كلي والتزام حرفي، وكما بينت إن حلفاء عقلاء ومعتدلي الإسلام السياسي هم متشددوه ومتطرفوه أكثر من أن يكون الديمقراطيون غير الإسلاميين حلفاءهم. ثم إن الإسلام السياسي هو الذي أفرز - بشكل أساسي وليس حصرا - الطائفية السياسية، المتقاطعة مع أهم ركن من أركان الديمقراطية، ألا هو مبدأ المواطنة. ولا يجب أن تكون الأحزاب والتيارات السياسية طائفية، عندما تعلن أو تضمر الموقف المعادي لا قدر الله أو لا أقل السلبي بأي قدر تجاه الطائفة الأخرى. بل يكفي أن يكون الحزب مغلقا على أبناء طائفته، شيعيا كان أو سنيا، ليكون حزبا طائفيا بامتياز؟ باختصار ما زلنا نفتقد في المشهد السياسي المتنفذ إلى من يتمتع حقيقة - فكرا وسلوكا، إيمانا وتطبيقا - بثقافة الديمقراطية، ومن هو مؤهل ليقود عملية التحول الديمقراطي. وهذا ينعكس في معظم السياسيات الداخلية، والسياسات الخارجية، ومنها المواقف تجاه الدول الإقليمية، سواء إيجابا أو سلبا، أو تعاونا وتنسيقا، أو سكوتا وتمريرا، تجاه دول تدخلت وأضرت واعتدت وتآمرت، ومنها ما زال يشكل خطرا على ديمقراطية واستقرار العراق. 13/11/2011
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوة تشكيل الأقاليم ما لها وما عليها
-
هادي المهدي القتيل المنتصر
-
الشرقية تسيء إليّ مرة أخرى بإظهاري محاضرا دينيا في تسجيل قدي
...
-
حول التيار الديمقراطي العراقي مع رزكار عقراوي والمحاورين
-
ليكن التنافس حصرا بين العلمانية والإسلام السياسي
-
علاوي - المالكي - جزار التاجي - الخزاعي - ساحة التحرير
-
عملية التحول الديكتاتوري والشباب الأربعة وهناء أدورد وساحة ا
...
-
حكومتنا تتقن فن تصعيد غضبنا إلى السقف الأعلى
-
ضياء الشكرجي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الإسلامي
...
-
مصانع الإرهاب: الفقر، الجهل، الدين
-
سنبقى خارج الإنسانية طالما لم نتفاعل إلا سنيا أو شيعيا
-
سنبقى خارج الزمن طالما سنّنّا وشيّعنا قضايا الوطن
-
المالكي والبعث و25 شباط ومطالب الشعب
-
بين إسقاط النظام وإصلاح النظام وإسقاط الحكومة
-
القذافي ثالث ثلاثة والآخرون هم اللاحقون
-
عهد الثورات الشعبية من أجل الديمقراطية
-
تحية لشعبي تونس وجنوب السودان
-
الجعفري، المالكي، عبد المهدي: رموزا للشيعسلاموية
-
العلمانية .. بين السياسة والدين والفلسفة
-
المالكي يتشرف بمباركة الولي الفقيه
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|