محمد بابكر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 12:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يهدي إلي أبي الذي قابل المشنقة بالأبتسامة ومشي إلي الله مشيا ..
دخلوا الدنيا فقراء,,, وكما دخلوا منها خرجوا
*بن عربي
كانت لحظة ميلاد القطب الأكبر أبا بكر محمد بن علي الشهير ب (بن عربي ) لحظة فريدة في التاريخ الأنساني ,,بل هي لعمري بشارة للعقول العطشي للمعارف الماورائية وللأنعكاسات الأشراقية الروحانية ..
بشارة للأذكياء بأن دين الحب قد أقبل وبأن الرجل الحر قد أقترب آوان ميلاده ,,
ففي البشارة وأن شئت قل الأشعار دفق من الحب والفكر والشعور ,,
لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لاوثان وكعبة طائف
والواح توراة ومصحف قران
ادين بدين الحب اني توجهت
ركائبه فالحب ديني وايماني1
عقد الخلائق في الإله عقائدا
وأنا إعتقدت جميع ما اعتقدوه
2
دين الحب و بن عربي ...
الدين عند أغلب أهل الأجتماع هو ظاهرة أجتماعية في المقام الأول فالمجتمع من وجهة نظرهم عندما يتعرض لبعض الأزمات ,فإنه يحاول جاهدا الخروج منها ويبتكر لذلك الكثير من الحلول وعندما تنجح طريقة معينة للخروج من الأزمة فإن المجتمع يقدس هذه الطريقة وتقدسها الأجيال المتعاقبة بعد ذلك.ومن هذا المنطلق يمكننا أن نقول أن الدين هو وسيلة المجتمعات في حل مشاكلها الحياتية والوجودية أو بشكل أشمل هو مجموع الأجابات التي تفسر علاقة الأنسان بالكون ,,لكن مع توسع الحضارة الأنسانية وأختلاف أديانها ,,تحول الدين من وسيلة لحلحلة مشاكل المجتمعات ألي سبب شقاء جميع البشر ,,فكم من الحروب شنت بأسم الدين أو الله أو يسوع المسيح ؟؟الكثيرين شردوا وقتلو وعانو مرارات ومعاناة لا حد لها لا لشيئ سوي أن هناك من يظن أن الله سيسعد بأهراق دماء الكفرة والفجرة !!تحول الدين من علاقة روحية بين الأله إلعبد ..إلي مسلك يتعالي به الأنسان علي أخيه الأنسان ,تعالي ممجوج يصنف به خلق الله إلي أحباب الله وأعداء الله,, أمسي أداة للترهيب والقمع,..فمن وجهة نظر المسلمين لا يعني شخص قدّيس وعظيم ك (مهاتما غاندي ) غير شخص كافر بغيض ومطرود من رحمة الله وسيملأ الله به وبغيره من الكفرة والفجرة نار جهنم التي أعدها للمشركين أمثاله..يال سخف العقول !!الأمر ليس في الأسلام فقط بل شمل جميع الأديان فكل مجموعة متدينة تنطلق في تشكيل عقيدتها ووحدتها الفكرية علي تصور قاتم للآخر فمن وجهة نظر المسيحيين لا يعني شخص بحكمة وعظمة سيدنا المعصوم عليه الصلاة والسلام غير (أعرابي مهرطق) حالفه الحظ فحقق بعض الأنتصارات !!وملايين المسلمين من وجهة نظر اليهود هم عبارة عن مهرطقين وفجرة حق عليهم غضب الله .ومرد كل هذا هو الأستيعاب القاصر للنصوص الدينية والأبتعاد عن المقاصد الكلية للأديان وأنشغال رجال الدين بقضايا ممعنة في السخف والتخلف..بدلا من الأشتغال بأيجاد حلول لمعضلات الحاضر ,والعمل علي تحرير الأديان من الأدران التي حاقت بها ,,علي مر التاريخ الأنساني بذلت جهود ضخمة في سبيل الأصلاح الديني ,,وقدم الكثير من المصلحين أرواحهم في سبيل تحرير الأنسانية من الخرافة والهيمنة الدينية ,,كانت حرب بأسلحة غير متكافئة أستخدم فيها القتل والصلب والتعذيب آزاء الخطاب العقلاني العلمي وعلي سبيل المثال لا الحصر نذكر الراهب نسطور والعالم الأريب جاليلو والشاعر المجيد دانتي (صاحب الكوميديا الآلهية ) ومن المسلمين الأمام محمد عبده والحلاج والجنيد وبن عربي والأستاذ محمود محمد طه..ونحن في مسعانا لأستحضار فكر القطب الاكبر بن عربي نعي تماما حال الأديان الذي وصلت إليه من غلواء وتطرف ,,لذا أرتأينا أن نقتحم هذه اللجج ببيادق فكر بن عربي مبددين الظلامات برصانة المنطق وسداد الحجج ..هي ليست حالة أرتهان تأريخي أو نستالجيا عبثية لأن واقع الحال يؤكد كل يوم حوجتنا لفكره ورؤيته الدينية القائمة علي الحب ,,
الحب عند بن عربي هو سبب الوجود هو منهج للحياة والتفاعل والأنفعال بالأحياء والأشياء ,حب غير مشروط لا يستثني أحدا حب متجاوز لمحددات الشريعة دون أغفال بل بأستيعاب لحدود الشريعة والحقيقة..فهذه الأبيات الشعرية يمكن أن نصطلح علي أنها منفستو دين الحب عند الشيخ الأكبر ففيها تلخيص صميم لفكر بن عربي وعقيدته,,
والشيخ بنفاذ بصيرته وعمق تجربته الروحية وبفضل الرياضات الروحية والتأمل أدرك الحقيقة الكونية الأولي وهو السؤال المؤرق(لماذا خلق الله الخلق؟؟ ولأبن عربي أجابة بسيطة /عميقة علي هذا السؤال ألا وهي ,,الحب,,
الحب عنده هو سبب الوجود (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف) 3 وأدرك أن الغرض الأساسي من بعث الله الرسل والأديان بشرائعها المختلفة هو لسبب الأرتقاء بدرجة حضارة المجتمع البشري وللأرتفاع بمستوي أخلاقه ..والحقيقة الثالثة التي أسس عليها الشيخ بن عربي منهجه أو قل دينه القائم علي الحب هي أن كل الأديان وكل المعتقدات سبل موسلة وموصلة للذات العلية فهي جميعها من لدنه أستنادا علي تأويل واعي لقوله تعالي (أن الدين عند الله الأسلام ) 4 فالأسلام هنا هو التسليم والأنقياد والحضور مع الفاعل الحقيقي في كل الاوقات..
في دين الحب لا ضغينة ولا أنغلاق علي الذات بل تسامي علي الخلافات والصغائر وتوجه صادق لحب الخالق والخلق جميعهم بلا أستثناء لأن الله يحبهم جميعا بلا أستثناء...
من هذا الفهم المرن والمتصالح مع الغير حلق بن عربي كالطود الشامخ في سماء الفكر والفلسفة والعلوم الماورائية وجاب العالم ملقيا محاضراته ودروسه علي مريديه ,, ولما بلغ الثلاثين 5من عمره كانت شهرته قد عمت جميع أنحاء الأندلس والمغرب لكثرة تجواله بين المدن لزيارة العلماء والشيوخ ولحضور المناقشات ,وتبادل الآراء المتعلقة بالقضايا الروحية والمسالك التوحيدية ..كان خطيبا مفوها جزل العبارة سديد الحجة وهو علي هذا متسق القول مع الفعل حقق كل الذي تحدث عنه في نفسه فكان كما قال السهروردي (بحرًَا للمعارف) أزعجت محاضرات بن عربي التيارات السلفية فهي بطبيعة الحال جماعات لا تستطيع العيش إلا في بيئة البغض ونبذ الآخر والعنف الممنهج ,,في العام 603 هجرية 6 أتهم الشيخ بن عربي بالكفر والزندقة وطالب البعض بقتله ومنع قراءة تصانيفه وملاحقة القائلين بأقواله,,لكن سرعان ما أنبري الشيخ ابو الحسن البجائي (من قبيلة البجا بشرق السودان) مدافعا عن مذهب بن عربي في وحدة الوجود ودين الحب فأطلق الملك سراح الشيخ الأكبر ورحل الي الأسكندرية...
نواصل ,,,,
محمد بابكر ...الخرطوم _10_11
#محمد_بابكر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟