|
الهستيريا النووية والمؤامرة الامبريالية في المنطقة
عصام مخول
الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 08:01
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"إن الضجيج الخطير والمكثف وقعقعة الحرب الصادرة عن اسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا اليوم، بشأن الاعداد لعدوان مغامر على إيران هي جزء من مخطط يطال سوريا ويطال المقاومة اللبنانية ويطال إيران ! ليس نظرية في المؤامرة ولكن مؤامرة!". بهذه الفقرة أنهيت مقالتي الاسبوع الماضي تحت عنوان :"ما يحدث في سوريا.. والأهداف الإستراتيجية الكبرى" (الاتحاد 4.11.2011)،. ويبدو من الهستيريا الدائرة حول المخططات لمهاجمة منشآت ايران النووية، والتي تثيرها القوى الامبريالية الغربية المركزية وفي طليعتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ورأس حربتها في المنطقة اسرائيل، أننا أمام فصل جديد مغامر وخطير من هذه المؤامرة لانجاز المشروع الامبريالي لشرق أوسط كبير. وأن هناك من يعتقد أن الساعة مؤاتية للتقدم في هذه المغامرة، وأن زعزعة الأوضاع في سوريا هي ظرف مناسب لتوجيه ضربة عسكرية (أو غير عسكرية )، من الخارج أو من الداخل، لما يطلق عليه الإستراتيجيون الأمريكيون "مستقبل المنظومة الأمنية الإيرانية في المنطقة". والمقصود بالمنظومة الأمنية الإيرانية في المنطقة، علاقات التعاون والتحالف بين إيران المحاذية لمنطقة نفط الخليج الإستراتيجية من جهة، وبين سوريا والمقاومة اللبنانية المحاذية لإسرائيل، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة من الجهة الاخرى. وذلك عقابا على أن مركبات هذه المنظومة تمانع جميعها، معا وعلى انفراد، الاندراج في مشروع الهيمنة الامريكية في المنطقة وتعمل على إعاقة نجاح هذا المشروع. وليس من قبيل الصدف، ما تناقلته مصادر عليمة في أجهزة الأمن الإسرائيلية (موقع تيك ديبكة)، من أن هجوما على المنشآت النووية الإيرانية لن يكون مهمة إسرائيلية، وأن الدور الإسرائيلي سيتركز في هذه الحالة على التعامل مع الخطر السوري ومع المقاومة اللبنانية. وإذا كانت تحليلات المصادر الأمنية الإسرائيلية المتنفذة، تتعامل مع ما يحدث في سوريا في إطار هذا المنظور الإستراتيجي المركب، فما الذي يجعل بعض ذوي القربى يتغاضون عن ذلك ويقللون من وزنه؟!. وعلينا أن نحذّر من السقوط في فخ الحملة التضليلية المكثفة والمنسقة، التي يقودها أقطاب القوى الامبريالية العالمية في الأسبوع الأخير، وربطها بتقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية، حول تطور المشروع النووي الإيراني، وما يتضمنه التقرير من مؤشرات على قيام إيران بإجراء تجارب تقربها من تطوير قدرات نووية عسكرية. إن الوكالة الدولية للطاقة النووية نفسها، التي أصدرت التقرير هذا الأسبوع في تزامن مريب مع حاجة القوى الامبريالية إلى ورقة توت لتبرير تصعيد حملتها على إيران وسوريا، وتبرير عدوانها المبيت عليها، هي نفسها الوكالة الدولية للطاقة النووية التي أسقطت في العام الماضي فقط، وبضغط رهيب من الولايات المتحدة، مشروع قرار عربي في مجلس الوكالة، دعا إلى إعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، والى إخضاع المنشآت النووية لدى جميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل وإيران للمراقبة الدولية. إن ركوب الولايات المتحدة وحلفائها على تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية اليوم، لتبرير التصعيد العدواني على إيران وسوريا لن يكون أكثر صدقية، من ركوب الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس بوش، على أكذوبة القدرات النووية العراقية، وفرق التفتيش الدولية عن الاسلحة النووية العراقية، وفرية "خطرها الوجودي على اسرائيل" لتبرير الحرب العدوانية على العراق واحتلاله وتفكيكه في العام 2003، وما جلبه من سقوط مليون ونصف مليون ضحية من بنات وأبناء الشعب العراقي.
// اسرائيل مصدر الخطر النووي في المنطقة
ليست اسرائيل هي ضحية الخطر النووي الايراني المفترض، إسرائيل هي مصدر الخطر النووي الحقيقي على دول المنطقة بما فيها ايران. ان الترسانة النووية الاسرائيلية التي تتراكم بشكل مرعب منذ العام 1968، تشكل مصدر قلق وتهديد لشعوب المنطقة ومبررا لسباق تسلح نووي فيها، لا يمكن التخلص منه من دون التخلص من هذه الترسانة نفسها. ويصبح من العهر السياسي إطلاق هذه العاصفة من التحريض والتهديد ضد ايران بتهمة تطوير قدراتها النووية العسكرية، بمشاركة الثنائي النووي المقامر نتنياهو – براك، على رأس هذه الحملة المسعورة، وتسريب الاخبار عن تدريبات ومخططات يعدون لها لتوجيه ضربة الى المنشآت النووية الايرانية. إن ادعاء الخطر على وجود اسرائيل بسبب إمكانية تطوير قدرات نووية عسكرية في إيران، ليس أكثر من البحث عن مبرر لعدوان إمبريالي أكبر من إسرائيل، وأكبر من قدراتها، لضرب إيران. إن المعركة الحقيقية التي تقودها الولايات المتحدة ضد ايران، بحجة مشروعها النووي، تقوم على اعتراض امريكا بأي ثمن، على نشوء قوة نووية في منطقة الخليج، على تخوم مرابض النفط والقواعد الامريكية المنتشرة على امتداد "جزيرة العرب". وتعتبر الولايات المتحدة ان مثل هذا التطور، يهدد هيمنتها ويعيق مخططاتها وأهدافها الاستراتيجية الكبرى في المنطقة وفي العالم. وعندما تتصدر القيادة الاسرائيلية التحريض الهستيري على الهجوم على إيران، فإنها بذلك، لا تقوم بدورها في الدفاع عن وجود الشعب اليهودي في اسرائيل كما تدعي، وانما تقوم بدورها التاريخي المغامر بشعبها، كرأس حربة للدفاع عن مصالح الهيمنة الامريكية الامبريالية في المنطقة، وهو ما تحاول ان تخفيه عن شعبها. وإلى جانب ذلك فإن إسرائيل طورت ترسانة نووية كبيرة، وطورت بالتعاون مع ألمانيا، أسطولا من الغواصات التي تحمل رؤوسا نووية تمخر أعماق البحار، توفر لها فرصة لتوجيه ضربة نووية ثانية. وهي عندما تقوم بالتحريض الهستيري على الطموح النووي الايراني، فإنها تقوم بذلك دفاعا عن احتكارها للسلاح النووي في المنطقة. ليس دفاعا عن أمنها، وإنما دفاعا عن أمن سياستها النووية. لان قيمة السلاح النووي وفاعليته، مرتبطة بمدى القدرة على احتكاره. فلو توفر هذا السلاح الفتاك لدى الجميع لفقد مفعوله وما تجرأ أحد على استعماله او التهديد به. وبهذا المعنى فإن محاولة إيران أو أية دولة أخرى في المنطقة إمتلاك السلاح النووي، يشكل خطوة دفاعية في وجه الخطر النووي الذي تمثله إسرائيل والاساطيل النووية الامريكية. إن الادعاء الإسرائيلي والأمريكي الحقيقي بشأن المشروع النووي الايراني، يرتكز على منطق آخر. فامتلاك ايران للقنبلة النووية في مفهومهم، سيغير قواعد اللعبة وقواعد السياسة في المنطقة تغييرا جذريا. وهذا صحيح في رأيي. ولكننا مع شعوب المنطقة، معنيون بتغيير قواعد هذه اللعبة، ونناضل من أجل تغييرقواعد السياسة وحالة الهيمنة الامبريالية في المنطقة تغييرا جذريا. فهل يعني ذلك أننا من أجل إيران نووية ؟. إن مصلحة الشعوب تقتضي تجريد جميع دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل وإيران، من الاسلحة النووية ووقف سباق التسلح النووي فيها. ولن يتحقق ذلك ما دام هناك طرف واحد في المنطقة يحتكر السلاح النووي. إن الطريق لمنع إيران نووية، يمر بالضرورة عبر تفكيك الترسانة النووية الاسرائيلية. إن المسؤولية الكبرى الاّن تتطلب تصعيد المعركة لوقف التحريض الهستيري لاشعال الحرب على إيران، وتركيز طاقات شعوب المنطقة المعنية بالحياة،بما فيها الجمهور الواسع في اسرائيل على المعركة من أجل شرق أوسط خال تماما من الاسلحة النووية، مقدمة للسلام العادل والشامل.
#عصام_مخول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما يحدث في سوريا... و-الاهداف الاستراتيجية الكبرى-
-
تصدير الثورة المضادة- عنوان المرحلة! (2)
-
تفكيك اللغز حول الموقف من سوريا!
-
ما بعد مجلس الأمن !
-
بين الانتماء إلى المعركة الاجتماعية وأدلجة ضيق الأفق !
-
توفيق طوبي إسم لطريق مشرّف وعنوان لمرحلة
-
ليس بالعدوان الامبريالي وإنما بمقاومته يتحرر الشعب الليبي!
-
من النظام النووي القديم إلى نظام عالمي جديد مناهض للنووي
-
حين يصبح اللا حل هو الحل !
-
الان جاء دورعادل مناع : التسطيح الاكاديمي والافتراء الفظ على
...
-
لمن هذه الحرب في القوقاز؟؟
-
ليست حماس هي مشكلة اسرائيل... انما الحقوق القومية المشروعة ل
...
-
انفلات التشريع العنصري في اسرائيل والافلات من الفرص السياسية
...
-
ليس الملف (النووي الايراني) .. وانما الملف النووي!
-
تطبيع اسرائيل هو الشرط المسبق للتطبيع معها! (حالة العلاقات ا
...
-
توأمان سياميان ومأزق مشترك!
-
-مفاوضات الحرب- واختراق المفاهيم!
-
انابوليس- والانقلاب على المفاهيم!
-
مفهومنا لمناهضة الصهيونية- ليس مقصورا على تحرير الشعب الفلسط
...
-
حدّدنا خيارنا ان نخرج من المؤتمر ال - 25 بحزب شيوعي قوي واكث
...
المزيد.....
-
ما قصة أشهر نصب تذكاري بدمشق؟ وما علاقته بجمال عبد الناصر؟
-
الاشتراكيون بين خيارين: اسقاط الحكومة أم اسقاط الجبهة الشعبي
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تعمل من أجل إنجاح الإضراب الع
...
-
تعليم: نقابات تحذر الحكومة ووزارة التربية من أي محاولة للتم
...
-
تيار البديل الجذري المغربي// موقفنا..اضراب يريدونه مسرحية ون
...
-
استمرار احتجاجات ألمانيا ضد سابقة تعاون المحافظين مع اليمين
...
-
رائد فهمي: أي تغيير مطلوب
-
تيسير خالد : يدعو الدول العربية والاسلامية الانضمام إلى - مج
...
-
التخطيط لمظاهرات في ألمانيا لمناهضة التعاون مع اليمين المتطر
...
-
Al-Sudani and Keir Starmer’s meeting – and male hypocrisy!
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|