أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء الفاضل - المهاجر














المزيد.....

المهاجر


زكرياء الفاضل

الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 00:58
المحور: الادب والفن
    


عندما استيقظت الشمس متتائبة وباشرت وظيفتها، في تكاسل، صباح يوم ناعم دافئ، كان جسمه يتصبب عرقا ويشكو تعبا. توقفا برهة ليتجرع قطرات ماء تنعشه وتعطيه حيوية ليستمر في مضاجعة أرض خصبة راجيا سخاءها بمحراثه العتيق. كانت الشمس أرحم به من سحب السماء العاقرة، حيث قطرات عرقه جاءت أغزر من منّها عليه.. عرّجت عين السماء نحو المغيب في حمرة دم يديه السائل رحمة بضمأ الأرض أمله الوحيد في الخروج من الضيق المالي الملازم لسلالته عبر أجيال..
في ليلة مظلمة صاقعة كزمنه الظالم استقرّ قراره على الهجرة إلى بلاد جنة النعيم كما توهم ليلتها. عد عدته بعدما باع أرض أجداده لإقطاعي المنطقة الملقب ب"كرش الحرام" (بطن المحرمات بالعامية المغربية) وشد رحاله إلى ما وراء حدود الوطن وكله أحلاما وردية عن بلاد برّ، ولم يشفع لوطنه في قراره هذا الربيع العربي الزاحف عبر الحدود كحبات رمال زوبعة صحراء الجيزة..
وصل إلى مقصده، حيث كان بانتظاره شخص قدم نفسه على أنه صاحب شركة تساعد المهاجرين الجدد في الحصول على الإقامة الدائمة وتوظيف أموالهم في مشاريع تجارية مربحة. تنفس الصعداء مبتسما للحياة السعيدة التي تنتظره بهذه الأرض المضيافة، ثم استقل سيارة صاحبه وسرد يحكي له عن ظروف حياته التي دفعت به إلى الهجرة وذاك يستمع إليه باهتمام.. بعد حوالي خمس وأربعين دقيقة توقفت السيارة أمام عمارة:
- هنا الشقة التي أجّرت لك.. سعرها 1500 يورو في الشهر.. أعلم أن السعر غير هيّن، لكن أنت تعلم أسعار أوروبا غير تلك التي بالبلاد العربية..
- لا عليك، مع ما يسد وزيادة..
ودعه صاحبه بعد أن اتفقا على لقاء في اليوم التالي ليتدبرا أمره من حيث تسوية وضعية إقامته بشكل قانوني وتباحث المشروع الذي يحقق له حلمه.. نام ليلتها نومة لم يراها طول حياته، فهو غير مجبر على الاستيقاظ مع الديكة، ولا ملزم بالأعمال الشاقة تحت نيران أشعة الشمس الحارقة، ولا.. إنها حياة الكرامة التي طالما ركد وراءها، بوطنه، دون جدوى..
في الوقت المتفق عليه جاءه صاحبه وأخذه إلى إدارة الهجرة وقام بما تستوجبه الوضعية، وحصل على إقامة مؤقتة سرّ بها وكأنه حصل على الجنسية، فعزم صاحبه على الغذاء بمطعم احتفالا بنصره المظفر كما توهّم ساعتها. أثناء الغذاء شرع صاحبه في الحديث عن مشروع مطعم مغربي صغير بالمدينة بطريقة لا تترك للشك مجالا، فوافق دون تمهل ولا تفكير..
- المشروع سيكلف بحدود ثلاثين ألف دولار أمريكي، لكن ستدفع في البداية عشر آلاف فقط..
- وأنا جاهز..
في اليوم التالي إلتقى بصاحبه وسلمه المبلغ الأولي بعدما عاين المكان الذي سيتحول إلى مطعم في القريب العاجل.. بعد أسبوع جاءه صاحبه مرة أخرى طالبا بقية المبلغ نظرا لظروف عاجلة حتى لا يفقد المطعم، هناك شخص آخر ينافسه على المكان ومستعد لدفع المبلغ دفعة واحدة.. صاحبه إلى مكتب، أو هكذا توهّم، ودفع بقية المبلغ لشخص محلي وقلبه مطمئن لإتمام الصفقة بنجاح ولم ينتبه أنه لم يستلم أية أوراق أو مستندات تشفع له أمام المحكمة في حالة نزاع ما.
بعد عدة محاولات للاتصال هاتفيا بصاحبه باءت بالفشل بدأ في البحث عنه بالمدينة وساعتها فقط انتبه إلى أنه لا يدري عنه شيئا: لا إسمه ولا عنوانه ولا جنسيته..
- الأخ عربي؟
- نعم..
- السلام عليك.. هل تعرف شخص إسمه أبو محمد؟
- بالطبع..
أخبره الشاب أن أبا محمد حرفته النصب على المهاجرين الجدد وأنه قد يعثر عليه بأحد الكزينوهات، حيث يلعب القمار بما يحصل عليه من النصب..
استيقظ في غرفة ناصعة البياض على فراش لا يقل عنها نصاعة.. دخلت عليه شقراء كاد يظنها حورية من حور العين لولا لباسها الذي طرد حتى مجرد التفكير في الشك من أنه يتواجد بمستشفى، عرف بعدها أنه بقسم الإنعاش، إذ أغمي عليه فجأة ولم يعد يدري عنه نفسه شيأ، ولولا ذاك الشاب لكان حاليا بالثلاجة لا بسريره.. تمنى لو أنه فقد الحياة.. وما ذا سيفعل بها بعدما فقد كل ما كان معه من مال لتحقيق العيش الكريم الذي من أجله فارق أرضه وأهله وعانق الهجرة بكل آماله..



#زكرياء_الفاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا ودلالات شذوذ التوجه
- الربيع العربي والآفاق الغامضة
- الربيع العربي في معادلة الشواذ
- الشعب يطالب بالكرامة لا بصدقة
- انتصار الشعب الليبي سيعطي انطلاقة جديدة للربيع العربي
- حرب إعلامية فاشلة
- شعب أمس غير شعب اليوم
- Madamme Font Du Picard
- من ذكرياتي مع الاتحاد السوفياتي
- الفيزازي من السلفية إلى الاشتراكية أو ما دمت في المغرب فلا ت ...
- الدولة ليست فكرة مجردة ولا جهازا فوق المجتمع
- رسالة عاشق
- رسالة الشعب للقصر في يوم احتفاله
- الفيزازي والاحتيال السياسي
- البيعة في المغرب المعاصر تزوير لإرادة الشعب
- ليس العيب في أن نخطأ بل العيب في أن نتمادى في خطئنا
- إنما المنتصر من يفوز بالحرب لا من يربح معركة
- النادل
- لماذا نقاطع الاستفتاء أو يوم الجمعة يوم حاسم أم يوم انطلاقة ...
- الشعبوية


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زكرياء الفاضل - المهاجر