|
ثلاث قصص قصيرة جداً
طالب عباس الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 3542 - 2011 / 11 / 10 - 09:42
المحور:
الادب والفن
ثلاث قصص قصيرة جداً طالب عباس الظاهر
طــلاق
هو يدرك جيدا بأن قراراً كهذا بات ضرورياً لاستمراره بهذي الحياة، فقد وصلت علاقته الزوجية بها إلى طريق مسدود، وهاهو ذا يعاني آفة التشتت، ومن مداهمة نوبات شبه ذهان، أدت إلى انتكاسته النفسية الحادة، والى تدهوره الصحي الشديد، رغم ماضيه الرياضي العتيد، لتوقفه فصول المحنة أخيراً على حافة هوة الانهيار السحيقة. نعم...حركة واحدة منه فترتكن كل هذه الأشياء الضاجة في داخله الآن إلى السكون، وربما إلى النسيان، والأهم لكي يتسنى له أن يستريح من غليان هذه الآلام، واحتدامات تلك الهواجس، التي يحسها تمزق أحشاءه تمزيقاً، وتنهش فيه كألسنة النيران...بل وتكاد تقود خطاه بسابق إصرار وتعمد إلى الجنون. أجل ...أجل، حركة واحدة منه، فتلملم هي بقيتها الباقية عنده، وترحل بصمت وهدوء إلى أهلها، أما هو فإلى........... إلى أين؟! وا أسفاه عند هذه النقطة اللعينة بالذات كان اصطدامه دائماً، وإصابة تفكيره بالشلل التام، فلا يستطيع التقدم خطوة أخرى، لأخذ القرار الحاسم، بإطلاق رصاصة الرحمة على احتضارات تلك التجربة...لأنه يدرك جيداً بأن المجهول القابع ما بعد القرار، حتماً سيكون أكثر مرارة مما هو قبله... بما هو كائن الآن. لذا فهو في منطقة اللا قرار سيظل مرفرفاً كطير ذبيح!.
جمــوح
لمحها وهي ترحل فيه بعناد أسطوري صوب الفراق، وتنسلّ من حياته كزوجة ورفيقة، ومن قبل كحبيبة، وتتسرب عنوة كالماء من بين أصابعه، دون أن يستطيع إيقافها، وهي تمتطي صهوة الجحود، فتقطع مسافات تحديه السافر، رغم عدم تصديه للمنازلة بالأساس، متجه صوب النهاية للحقبة التي عاشاها معاً...الغنية مع حصار الجدب، غير عابئة بشيء من تلك العشرة التي تقاسما حلوها القليل ومرّها الكثير، وتجوس بحوافر الإهمال أديم مشاعره المرهفة، التي بات يؤلمها مرور النسيم، بل لعلها أنبل ما يمكن أن يحياه إنسان لإنسان من هذا الوجود...تاركة له فقط آثار سنابك غرورها، في اجتياحها العاتي لأيامه البائسة، وسنينه العجاف، وهي ما تزال تنز قيحاً، ودماً أسود، ودمعاً كالدم من خلل أشلاء ضحاياه الداخلية الممزقة. إلا إنه رغم ذلك، ظل مخلصاً على الدوام لها، وهو يحاول أن يحرسها بحرصه حتى النهاية، ويسند هياج اندفاعها بعنايته، مبتهلاً من اجلها بقدس أقداس روحه، بأن لا تكون قشة أخرى يسوقها الشيطان لأتون نار الجحيم. ولشد ما كان مشفقاً عليها من تهور انطلاقها الجنوني صوب الهاوية، بعد انتهاء فسحة الأمل باستطالة صبره، وفاءً لحكاية العهد القديم الذي قطعه لقلبه أمامها، في ذات صفاء غدا الآن بعيداً ...بعيدا كحلم مستحيل.
فيلسـوف آخـر
أخيراً وبكثير من الألم...استسلم رغم عناده لحقيقة فشله الذريع معها، خلال تجربة زواجه المريرة التي امتدت زهاء الخمسة عشر عاماً الماضية تقريباً، عدا سنوات حبهما المرثونية، ومن ثم فترات الخطوبة والعقد و...و...!! فواجه نفسه بشجاعة بهذا، ولأول مرة في حياته، وبصراحة جارحة لم يألفها من قبل،كمن يمارس عمليات التشريح الذاتي للكشف عن الخلل، مترجلاً من كبريائه المجروح، وأوهام حبه الغابر لها، بأفلاطونية التضحيات التي آمن بها، وهراء لا نهائيتها، إلا إنه لم يجد متهماً في القضية، من بين شتى الوجوه، مثل وجه الفقر، لذا همس بذاته بسخرية. - تعدد الأسباب وطريق الطلاق واحد. فراح يستحضر من بين ركام خزين ذاكرته المنهكة، ما كان يتردد على مسامعه الغرة ، من كلمات والده المرحوم وقتذاك بإلحاح، وهو يردد بألم: (المرة مرمرة) فلم يكن يعنيه من الأمر شيء في ذلك الحين، لأنه لم يزل صغير، لكنه الآن وبعد استذكاره أحداث ذلك الزمن الغابر، يتساءل مع نفسه بحيرة: يا ترى أمن مرارة العيش؟ أم من طعم المرورة؟ أم من (المرمرة) على وقع (مطمطة) في نياط القلب جاءت للمرأة تلك التسمية؟! إلا إنه بحزم ومكابرة...الجديدين عليه أيضاً ، راح يلملم شتات أفكاره المبعثرة، ورآه الضالة، وهشيم ما تبقى من أحلام منسية، وآمال مقعدة طي الذكريات، فجأة بدا المشهد له مذهلاً، كأنها قرية آمنة ضربها إعصار عات، هامساً لنفسه: لتذهب ورأسها المتعجرف إلى الجحيم (وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر) ولكن................!. هنا عاجلته دمعتان كبيرتان انحدرتا على وجنتيه الذابلتين، فمسحهما بإصرار، لكي يهيئ نفسه، ويعدّ عدته، ليكون الفيلسوف الجديد!. [email protected] **************************************************************
#طالب_عباس_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وداع
-
زائر نحن في حضرته الضيوف!
-
تراتيل
-
أرجوحة الموت
-
فوق المطر... تحت المطر
-
-ترانيم صباحية-
-
تسع قصص قصيرة جداً
-
عذراً يا عراق (رسالة من مسؤول إلى شعبه)
-
الزنزانة
-
الشيء...!!
-
نداءات الوهم
-
الحصان العجوز
-
- طعنة -
-
القارب الورقي
-
قصتنا اليوم - التركيب السردي وانفتاح النص
-
صلصال - نص من الخيال السياسي
-
القنطرة
-
قصص قصيرة جداً جداً
-
لحظة حصار
-
نثيث أحزان كالمطر
المزيد.....
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|