|
منطقة تقليدية
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3542 - 2011 / 11 / 10 - 08:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منطقة الجزيرة العربية وإيران منطقة تقليدية، تأسست على حراك المذاهب المتنازعة، وعرقلت تطور بعضها بعضا. ومع اكتشاف النفط واندفاعها للتغييرات الاقتصادية، وهجوم ملايين البشر نحوها بأشكال مختلفة، تغدو الجذور التقليدية معيقةً لها أكثر فأكثر. اتخذ الانجذابُ نحو الماضي صراع المذهبين الكبيرين والقوميتين المتداخلتين غير المنفصمتين عن المذهبين. حداثةٌ برانية واقتصاديةٌ كبيرة، وجذور ماضوية مركبة، كل هذا يجعل النمو الديمقراطي صعباً. هي أكثرُ المناطق مالاً وتقييداً للنساء والثقافة الحرة معاً. وإذا كان دور الديمقراطية أن تفكك كل هذه العقد التاريخية فتتطلب أن تكون ديمقراطية تتغلغلُ في نسيج المذهبين المحافظين والقوميتين البدويتين القرويتين، بشكل متقارب تاريخي. وبؤرة الديمقراطية الرئيسية هنا أن تراقب الأموال الهائلة التي تتوجه للأسلحة والبذخ وأن تتوجه للخدمات والصناعة والبناء العلمي، بعكس ما يجري الآن. لا يمكن حدوث ديمقراطية متصاعدة إلا بسلام حقيقي في المنطقة، وهذا من أصعب الأمور، وتصاعد التسلح وخاصة النووي يعني عدم مقاربة أي شيء من تلك الأهداف ومن التطور الحداثي. كيف تراكبت هذه العقد وأصبحت متغلغلة في صراعات وطنية مذهبية؟ يعود هذا إلى القفزة السياسية التي جرت في إيران من نظام ملكي محافظ إلى نظام ديني شمولي، فليس ثمة من شيء مشترك إلا النزعة القومية المتضخمة، وهو أمرٌ أدى إلى تباطؤ التحولات الديمقراطية والسلمية والتقدمية في المنطقة الجزيرية الإيرانية معاً. ثمة من يفصلُ شبكةَ العلاقات هذه ويركزُ على بؤرةٍ وطنية هنا أو هناك، وهذا التركيزُ وذلك الفصلُ غالباً لا ينبعان من رؤية شاملة جدلية، بل من أجندة سياسية مع هذا الطرف أو ذاك، فمن يتحرك بسرعة قافزاً على اللوحة العامة سواء في الطرف العربي أو الإيراني يهدف إلى تغليب جهة على الأخرى. وللأسف فإن الجانب الليبرالي النامي في الجانب العربي أُصيب بالإحباط والتباطؤ، فإذا تذكرنا ميراث الجزيرة العربية البدوية التقليدية، ورفض الكثير من قبائلها الموجودة بقوة رغم كل التاريخ الحديث، أي تطور ليبرالي يُظن انه يفكك وحداتها وعاداتها، ندرك كم تؤدي القفزات الادعائية إلى عودتنا إلى الوراء! إذاً لقد قامت الرساميلُ الكبيرة بتقوية الهياكل التقليدية والتعصب القومي والجمود القبلي، وغدتْ الجماعاتُ البيروقراطية هي المتنفذة في الجهتين كل لمشروعه الخاص، بينما عُزلت فئاتُ التحديث والقوى الوسطى. تقوم بعض القوى السياسية بالمطالبة بالكثير من الديمقراطية والتحديث وهي قوى مذهبية محافظة، وتوجهها نحو بلدان عربية فقط دون أن تطالب إيران بذات التطور الديمقراطي، وبنشوء علاقات سلام وبزوال عمليات التسلح الهائلة التي تجرى. غيابُ هذه الرؤية الكلية لمجموع دول المنطقة يثير التساؤلات والشكوك كذلك. فكأنها عملية تفكيك دول وتضخيم دول أخرى. أليس من الواجب لهذه القوى السياسية أن تكون مفيدة لجميع الدول ولجميع المسلمين، وأن تراعي الاختلافات الجارية وموازين القوى والخطط المغرضة المتوارية؟ وليس من الممكن تنفيذ عمليات التطور الديمقراطية في جانب واحد ومع غياب نشر الثقافة الديمقراطية والتنوير بين شعوب المنطقة. هذا لا ينفي ضرورات التغيير والإصلاح وتحويل حياة الشعوب نحو الرفاه ونقد التجاوزات، ولكن الرؤى المحدودة الضيقة غير الممتدة لرؤية كل الدول وضرورات تقدمها معاً، تغدو رؤى مرتبطة بقوى مرحلة ولفائدة جانب على جانب، وتغدو تحت مظلات مذهبية فتصرخُ في جانب وتخرسُ في الجانب الآخر تماماً! أليس من الممكن أن تنشأ لغةٌ متوسطةٌ بين الصراخ والخرس؟! لكن هل تمتلك هذه القوى السياسية الإمكانية الثقافية واللغوية والسياسية لتكون قوى متجذرة تتطلع لآفاق التطور البعيدة وهي قوى مرحلية نشأت من خلال العواطف الحادة اليومية وجزئيات مذهبية غير مرتبطة بعمق حتى بالمذاهب الإسلامية العريقة؟ هو إذاً حراكُ الصراعاتِ المباشرة المحدودة بينما تضيعُ ثرواتٌ غيرُ محدودة تستفيدُ منها القوى الأجنبية من شركاتٍ وعمال وصناديق مالية بينما تبقى الشعوب في خنادقها القديمة تتراشق بالجمل السياسية والدينية. تلك الجهاتُ تقومُ بتنمياتٍ عميقة بينما المنطقة تستهلكُ وتبذر وتحرق الغازات في الهواء! هي ورطةٌ تاريخية بمعنى من المعاني، لعبت فيها الاختلافاتُ الطائفيةُ والصراعاتُ القومية مع سطحية كبيرة في الوعي السياسي السائد دورها في جعل منطقة الثروة البترولية منطقة الحروب المستمرة لكل خمس سنوات أو عشر حسب تراكمات صناديق الثروة الخليجية والعجوزات والأزمات الغربية والاستنزافات المخططة وحرائق النفط المجانية وفضائيات الصراخ الطائفية!
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرصة لقوى الوسط
-
البرلمانات وغياب الطبقة الوسطى
-
العولمةُ والسيطرة على الثوراتِ العربية
-
جناحان يتصادمان
-
مستويان من الحياة التقليدية
-
مستقبلٌ كبيرٌ للرأسماليةِ الخاصة
-
سقوط هارونَ الرشيد السياسي
-
تقدمٌ بوعي متخلف
-
من أجلِ الشعبِ أولاً! (5-5)
-
من أجل الشعبِ أولاً (4-5)
-
من أجلِ الشعبِ أولاً! (3-5)
-
من أجلِ الشعبِ أولا! (2)
-
من أجل الشعب أولاً! (1)
-
الوعي الطائفي والوعي الطبقي (3-3)
-
الوعي الطائفي والوعي الطبقي (2-3)
-
الوعي الطائفي الوعي الطبقي (1-3)
-
الرأسمالياتُ والدول
-
تحليلٌ لكلامٍ مغامرٍ (2-2)
-
تحليلٌ لكلامٍ مغامر (1-2)
-
ثلاثُ تشكيلاتٍ وسياساتٌ متصادمة
المزيد.....
-
ترامب يوقع مرسوما بفرض عقوبات على الجنائية الدولية
-
بيسكوف: لم تناقش روسيا والولايات المتحدة تنظيم لقاء بين بوتي
...
-
وزير الدفاع السوري: منفتحون على استمرار الوجود العسكري الروس
...
-
سياسي عراقي: انسحاب القوات الأمريكية من البلاد قد يتأخر
-
-الغارديان- : ترامب سيضطر إلى مراعاة مصالح روسيا والصين
-
الخارجية الأمريكية: نقل الفلسطينيين إلى خارج غزة سيكون مؤقتا
...
-
خلافات بشأن حكومة لبنان: اجتماع لعون وسلام وبري ينتهي بلا تص
...
-
الطيران الإسرائيلي يشن غارات على جنوب لبنان وشرقه رغم اتفاق
...
-
دعوة للانتباه.. مسار ضم وتهجير الضفة بدأ
-
جوا وبحرا.. كاتس يدرس السماح لسكان غزة بالسفر عبر إسرائيل
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|