|
نزعة التعبير الايديولوجي روائيا .... من اشكالية تفسير النشأة الى آفاق التجديد - مقاربة أخرى -
حسن مجاد
الحوار المتمدن-العدد: 3541 - 2011 / 11 / 9 - 00:01
المحور:
الادب والفن
لا يمكن لنا أن نفسر ظهور الرواية بعيدا عن التحولات الاجتماعية تكوينا ووظائف ، لأننا سنواجه مشكلة الاسترداد التاريخي في إحالة النوع الأدبي إلى سياقات ما قبل تحقق شروطه الموضوعية ،و لعل مراجعة سريعة في نقدنا العربي ستجعلنا أمام هذه الإشكالية ، المراجعة لعلها تبدأ من الرواية عصر التجميع لفاروق خورشيد ولا تنتهي بآخر ما كتبه عبد الله إبراهيم في الرواية العربية الحديثة و تفكيك سياقات النشأة، اعني بذلك شرائط وجوده تلك التي تحقق ديمومته وظهوره اللامفاجئ ، فالرواية بوصفها نوعا أدبيا لم تظهر إلا بولادة المدينة ببعدها المدني الحديث ، وولادة الطبقة البرجوازية ،وهنا مكمن الإشكالية التي سنفترضها ، لان المدينة بكل ما يعنيه المصطلح في الأدبيات السياسية والأطروحات الاجتماعية تشكل بؤرة لتعايش الأضداد والصراع الأيديولوجي في الاستحواذ على سلطة الرأي وتدجين الرأي الآخر ، ومن هنا ، ارتبطت الرواية بما هو واقعي طبقي ، في الوقت الذي تجاوزت فيه الملحمة كثيرا؛ لتضع لنفسها مسافة فاصلة عن الخيالي ، انزلقت الرواية إلى سطح القاع والى أعماقه معا وواجهة مشكلة التعبير عن المستويات المتعددة لحيوات الشخصيات وصراعهم المستمر نحو تحقق الإرادة ومواجهة ضرورة الواقع في الوقت الذي ابتعدت عن تصويره آليا ،ونحن إزاء ما يمكن تسميته " اختبار النوع " بمعنى إزاء ما يفرض منطق صيرورة الأشياء وتناميها في ظل الصراع والحراك الثقافي ،وفي ظل مجتمع سيكون متعددا بطبيعة الحال ، على الرغم من محاولات تهميش التعدد لصالح ما هو شائع ومهيمن ، ولا نريد أن نمضي بعيدا في عملية التنبؤ التاريخي على حد تعبير كارل بوبر الذي حاول أن يبرهن في كتابه على عقم المذهب التاريخي وبؤسه معا في محاولة التنبؤ بما ستؤول إليه المجتمعات التاريخية ، لأنه على حد تعبيره يرى في المحاولات التي يبذلها الآخرون في التنبؤ لا يمكن أن تبلغ إلى نتيجة إلا بعد حدوثها ، أي بعدان يكون الوقت قد فات على التنبؤ ، وهي لا تصل إلى نتيجتها إلا بعد أن يكوم التنبؤ قد استحال إلى مجرد تقرير لما وقع في الماضي ، لا نريد أن نناقش بوبر في أطروحته الإشكالية بقدر أن نحاول الإفادة من معطياتها لأول وهلة في معاينة تاريخية هذا النوع الذي تشكل في ظل نشوء المدينة الحديثة ، وإذا كان لوكاتش على الرغم من تحوله من الماركسية إلى الماركسية الجديدة قد أفاد من الماركسية في تفسير ظاهرة النشوء بصيغة أخرى ،إلا انه على حد تعبير بول دومان:- "لا يقدم لنا في هذه المقالة نظرية سوسيولوجية تستطيع أن تستكشف الصلات بين بنية الرواية وتطورها وبين بنية المجتمع وتطوره. وهو لا يقترح نظرية سيكولوجية تشرح الرواية من خلال الصلات الإنسانية. وأقل من هذا كله أننا لا نجده يُسبغِ على المقولات الشكلية استقلالاً يمنحها حياة خاصة بها، بمعزل عن الهدف الأعم الذي ينتجها. إنه يمضي عوضاً عن ذلك إلى أكثر مستويات الخبرة الممكنة عمومية، إلى مستوى يبدو معه استخدام مصطلحات كالمصير، والآلهة، والوجود، الخ، بمجمله طبيعيا" من هنا ، شكلت مفاهيم لوكاتش أسس الانطلاق في أجيال لاحقة ربما كان أكثرها وعيا وتأثيرا في إشاعة هذا الفهم وتطويه المفكر الروسي ميخائيل باختين الذي اعد كتابا عن الماركسية وفلسفة اللغة ، وقد عمل على إجراء مقايسة نظرية وابتعاد بين ما طرحه لوكاتش وبين ما طرحه أيان وات في نشوء الرواية ، لان الجذور الأولى لا تعني اكتمال الشجرة بطبيعة الحال ، وكانت أفكار فيلدينغ) و(هيغل)أساس منطلقات أيان وات في تفسير الظاهرة الروائية معتقدا إن الرواية نوع مختلف عن الأنواع الأخرى المحايثة لها ، وهو نوع هجيني تعددي ، ولا تتحدد خصائصها إلا بابتعادها عن الغرائبي ببعده الملحمي واقترابها من الواقعي وتصوير تفاصيل الشخصيات ولواعجهم وخطوط تنامي الأحداث، ما يعنينا الآن ،إن أفكار باختين قدمت إلينا عبر منظور تدوروف الناقد البلغاري الأصل والفرنسي الثقافة والتكوين ، الذي اعد كتابا حول أفكار باختين وترجم عن الانكليزية فخري صالح ، يؤكد تدوروف على أهمية باختين في نظرية الرواية لاسيما في مقولة التعبير الإيديولوجي وتعدد الأصوات أو ما يعرف أخيرا بالحوارية الباختينية التي عثر عليها في النص الديستوفيسكي ، نعم صحيح جدا إننا تعرفنا على باختين سابقا في نهايات السبعينيات وبدايات الثمانينيات حين ترجم الدكتور جميل نصيف التكريتي ملخصا لكتابه الخاص عن قضايا الفن الإبداعي عند ديستوفيسكي وقد نشر في نهايات 1986 غير إن التلخيص الخاص بأفكار باختين حول تعدد الأصوات في روايات ديستوفيسكي كان قد نشر في بداية الثمانينيات في مجلة الثقافة الأجنبية ، إلا إننا ما يفيدنا في هذا السياق كيف فهم باختين التحولات الجوهرية لنشوء الرواية إيديولوجيا ومديات انتشارها الغريب ، يفسر باختين إشكالية النشوء عبر فهم الساق التاريخي لصعود البرجوازية الأوربية وتهديم مركز الرؤية للعالم الذي عمل عليه غاليلو مؤكدا على لا مركزية الأرض وإنها تدور حول نفسها وحول الشمس ، هذا الرأي إلى جواره أطروحات ماركس في الحركية المادية للتاريخ ، والى يساره التطور الدارويني في حقل االبيولوجيا وتطور الكائنات ، وهذا هو الذي مهد لصعود طبقة أخرى هي طبقة البرجوازية الأوربية التي عملت على تحرير الطبقات الهامشية من ربقة الاستبداد الكهنوتي والسلطوي على حد سواء ، ولا بد لهذا التحرير من آليات وانساق فكرية يحكم بناءها النظري وتطلعاتها المستقبلية في ظل الإيمان بحركة البروليتارية التي عكست تطلعات جيل تال قاد جذوة الثورة على السلطتين الدينية والسياسية ، ومن هنا وجد باختين تفسيرا عميقا لتعدد الرواية وتناميها إيديولوجيا لأننا إزاء تحول خطير في بناء عوالم الرواية الاجتماعية التي أفرزت طبقات لا ترضخ لصوت أحادي ارستقراطي شعري ، ومن هنا عبر باختين عن إن الرواية هي وعي غاليلي بمعني وعي لا مركزي للعالم ، إذ لا مركزية للغة بأبعادها التركيبية والنفسية الدلالية ، وتعد الايدولوجيا تعبيرا عن نسق فكري لتمثلات اجتماعية على مستوى المفاهيم والنزعات والروابط تحددها الإطار التاريخي لظهور الطبقة الاجتماعية ، وعلى الرغم من انحدار المصطلح من التراث الماركسي إلا انه بقي خاضع لتغيرات في المفهوم من قبل تيارات أطاحت بالأصولية الماركسية ، ومن هنا نجد اختلافا في الوعي النظري بين التوسير وبيلخانوف في مفهوم الإيديولوجية حيث يرى (بليخانوف) "بأن ما نطلق عليه الأيديولوجيات، ليس سوى مختلف أشكال الانعكاس، في نفوس أناس يعيشون تاريخا واحدا، لا يقبل التجزئة في العلاقات الاجتماعية. ويعارض ألتوسير النظرية كعلم بالأيديولوجية حيث يعلم العبور من الأيديولوجية إلى العلم كقطيعة إبستمولوجية" لأنها تعبر عن مجموعة من التصورات والآراء النسقية والسياسية وهي جزء من البناء الفوقي لأنها تعكس المنظومة القيمة للعلاقات الاقتصادية في نهاية الأمر.
#حسن_مجاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سعدي سماوي في الخروج من القمقم ... البناء ودلالة التعبير الر
...
-
عبد الرحيم صالح الرحيم ...في طريقه الى أبواب الليل
-
جرار قهرمانة - أو مساء الخير أيها الادب النسوي
-
الخزانة المحفوظية ، تأملات في وجوه نجيب محفوظ في النقد العرب
...
المزيد.....
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|