|
الاسلام الشعبي في مواجهة الامبريالية
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 3540 - 2011 / 11 / 8 - 20:08
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
" ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر" تصطف القوى الثورية والمنظمات الحقوقية والحركات الشبابية والطلابية في الطابور العالمي الأول لمناهضة الامبريالية والاستعمار رافضة ما يخلفه من فقر وتفاوت وبطالة وأمراض وغطرسة القوي على الضعيف ولكن الأمر المستعجل زمن الثورة العربية من أجل الكرامة والحرية والعدالة هو تزايد أيام الاحتجاجات وأسابيع المقاومة على الاعتداء الطبيعة البشرية والمحيط والبيئة وذلك لاشتداد حدة التناقض مع قوى رأسمال العالمي واقتصاد السوق ورفض الشعوب المضطهدة للمشاريع والمخططات المبرمجة من طرف الصناديق المالية الدولية وتصاعد الأصوات السياسية تنادي بعولمة بدلية أكثر عدلا وانسانية. من هذا المنطلق لو بحثنا في العلاقة بين الاسلام والامبريالية فإننا نجد بروز لمنطق الهيمنة والاختراق والاستقطاب ونعثر على علاقة احتواء وتحدي وصلت الى حد استعمار الغرب للشعوب المسلمة ومحاولة اخضاعها بالمنطق الحربي ولما تعثر ذلك المنهج وقع الاستنجاد بمنطق اقتصادي وثقافي للتوسع. اذا عرفنا الامبريالية من الناحية السوسيولوجية نجدها سياسة توسيع نطاق السيطرة على الوجود الخارجي وذلك بإقامة الامبراطوريات الاقتصادية والمحافظة عليها وتعني أعلى مراحل التطور الرأسمالي وهي حركة توسعية استعمارية يقوم بها المركز الغربي نحو مختلف أطراف العالم النامي الخارجة عن السلطة. تتكون الامبريالية من أنظمة سياسية وشركات تجارية عملاقة ومتعددة الاختصاصات ومن مراكز دراسات وبحث وتخطيط ومن أحلاف عسكرية ومنظومات اعلامية وتعتمد أسلوب الترهيب والترغيب. في حين أن الاسلام هو السلام وتسليم كامل من الانسان لله في كل تصريف شؤون الحياة، ويعني كذلك آخر الأديان السماوية الابراهيمية ينسخ لما قبله والنبي الذي بشر به هو خاتم الأنبياء والرسل ويأتي في مرتبة ثانية بعد المسيحية من حيث الانتشار في العالم ويرتكز على شريعة تطال جميع جوانب حياة الانسان وتسعى الى تدبير الوجود الاجتماعي وفق جملة من الأحكام والعقائد والمبادئ والسنن القرآنية. ان التناقض بين الاسلام والامبريالية هو أمر بيّن وينتمي الى التباين الثقافي بين الشرق والغرب والتنافس السيادي بين الشمال والجنوب والى التدافع الاقتصادي والاجتماعي بين دول المركز ودول الأطراف. ليس من مصلحة الامبريالية حسب عرابيها أن يظل الاسلام متماسكا ومحافظا على ذاته ومقوماته الرمزية والروحية بل يجب تفجير مدخراته على الممانعة وتشتيت جهوده نحو التطور والرقي وتذريته الى كيانات صغيرة وجسيمات وزرع بذور الفتنة وتغذية نيران الفرقة داخل جسد الأمة. على هذا النحو تحاول الامبريالية عبر أنظمتها الرأسمالية ومؤسساتها غير الحكومية استعمال جماعات الاسلام السياسي في حربها على الأمة وذلك بدعوتها الى الانفتاح والمرونة وتطويعها لخدمة الأجندة الغربية وتبني خيارات اقتصادية ليبرالية والدخول في شراكة سياسية واقتصادية مع الدوائر المعولمة والتطبيع من الواقع وفي المقابل تواصل مراكز الدراسات صناعة الخوف من الاسلام وشيطنة العرب والتخويف من البديل الاسلامي باعتباره عودة الى الماضي وعلامة على تخلف وجمود. غير أن الاسلام هو واحد من حيث الجوهر ومن جهة رسالته الروحية والمدنية الى العالمين ولكنه متعدد من حيث القراءات التاريخية وكثير بحكم تغير السياقات الاجتماعية والثقافية والتوظيفات السياسية ولذلك نجد قراءة رأسمالية للإسلام تخدم الأجندات الغربية وتنخرط في وعود العولمة وتحاول ارضاء الدوائر المالية الامبريالية ولكن من جهة ثانية هناك قراءة اجتماعية ثورية للإسلام تضعه في خدمة الشعب وتحوله الى أداة لمناهضة الرأسمالية والظلم والاستبداد وتعول عليه في مقاومة مؤامرات الصهيونية والتصدي الى مخاطر الامبريالية ونيتها السيئة تجاه الشعوب الفقيرة والمستضعفة في المعمورة. لكن أليس المطلوب هو ان يعمم التناقض ضد الامبريالية ليشمل القوى اليمينية المنبطحة والخادمة لها؟ ان التشجيع على قيام تيار ثوري داخل الدائرة الاسلامية هو دعوة الى الجمع بين دمقرطة العروبة واليسار الجديد والتوفيق في الانتماء بين الدائرة الوطنية والانسانية التقدمية ويعطي الأولية الى حقوق الناس وواجبات الحكام ويحتكم الى الارادة الشعبية والاستحقاقات الثورية ويقطع مع البراغماتية والفساد. ان الحاضنة الطبيعية لهذا التيار الاسلامي الشعبي هو النقابات والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية وان قبلة التوجه هي نحو النضال الاجتماعي والمعارضة السياسية للتسلط والاحتكار والدفاع عن الكادحين ضد شجع الأغنياء والعقلية الربحية الانتفاعية لدى التجار والسماسرة والمرابين. ان أدوات مناهضة الامبريالية هي الدعوى والفتوى والتحريض وكذلك العمل التربوي الرسالي والفعل الثقافي الملتزم وتنضيج الوعي السياسي الراديكالي وتوسيع دائرة التحالف على أساس معاداة الاستكبار. ان واجب علماء الاسلام اليوم هو احداث ثورة ثقافية وتحويل العقائد الى لاهوت ثورة ولاهوت تحرير ولاهوت تنمية ومقاومة والاعتبار من فرض الاسلام الزكاة وربطها بطهارة اليد من الشرك ورفضه لأكل المال بالباطل وتفريقه بين الهبة والصدقة وتأكيده على ضرورة ابرام العقود في الأعمال وكتابة الديون والايفاء بها وآداء الأمانات الى أهلها واعطاء حقوق العمال. لقد جاء في الذكر الحكيم:" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم." من نافل القول التذكير بتجذر هذا الاتجاه في التاريخ الاسلامي وذلك بالعودة الى التجربة النبوية والسنة الشريفة والى الامام علي ابن ابي طالب وابنه الشهيد الحسين والقرامطة والمعتزلة وأبي ذر الذي " قرر أن يخلق بكلماته وشجاعته رأيا عاما في كل بلاد الاسلام يكون له من الفطنة والمناعة والقوة ما يجعله شكيمة لأمرائه وأغنيائه وما يحول دون ظهور طبقات مستغلة للحكم أو محتكرة له." ان منطق الثوري في الاسلام يقتضي تجديد فلسفة التشريع التي حللت البيع وحرمت الربا وذلك لتسن قوانين تشجع على العمل الصالح لخدمة المصلحة المشتركة وتقيم العدل الاجتماعي وتوزع الخيرات بالقسط وتحارب الملكية الخاصة والربح المشط وتكديس الثروات والفساد في المعاملات والغش في التجارة والاستخفاف بالصناعة والكسل عن الخدمات والأعمال التي فيها مصالح الناس ومقاومة الفساد وتأويل الآيات القرآنية الآتية باعتبارها مقدمات كبرى: "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" و"يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وكهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون" . ألم يقل امام المعارضين ابي ذر الغفاري:" عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه"؟ أليس من المنطقي أن يتعارض خط الاسلام الشعبي مع كل من يتحالف مع الدوائر الامبريالية وأن يكون على يسار القراءات الرأسمالية الزائفة للدين وفي مقدمة الجبهة العالمية المناهضة للاستعمار والعولمة المتوحشة؟ المرجع: خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، دار الفكر ، بيروت، طبعة أولى 2006. كاتب فلسفي
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف التونسي والسياسة
-
الفلسفة بين الأدلجة والتسييس
-
الأنظمة العربية بين الصعود والهبوط
-
متابعة كتاب -الثورة العربية وارادة الحياة، قراءة فلسفية-
-
السيادة بين المطلق والنسبي
-
مفارقة السلطة والعنف
-
الثورة الرقمية والفعل الافتراضي
-
تعاقب النظام والفوضى على المشهد العربي
-
طبيعة التحولات المعاصرة
-
الحذر الفلسفي من سطوة الخطاب القانوني
-
الاسلام المستنير وأهمية العمل السياسي
-
فهم الظاهرة الشمولية
-
فصل المقال بين السياسة والدين
-
المد الثوري العربي واستحقاقات المرحلة
-
الارادة الشعبية سر انتصار الثورات العربية
-
سيكولوجيا الشعوب والعقل الجمهوري
-
الحرية للأفراد والسيادة للشعوب
-
فلسفة الثورة التونسية
-
المعقول واللامعقول عند جوليان فروند
-
الارتقاء بأخلاق المهنة
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|