|
سياتل بداية النقد العملي للعولمة
نقولا الزهر
الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:12
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
سياتل... بداية النقد العملي للعولمة المظاهرات التي احتشدت بين شهري تشرين الثاني وكانون الأول من عام 1999 في مدينة { سياتل=seattle } عاصمة ولاية واشنطن في أقصى الشمال الغربي من الولايات المتحدة ، احتجاجاً على لقاءِ { منظمة التجارة العالمية } ، وكذلك المظاهرات التي جرت في العاصمة الأميركية { واشنطن } ، أثناء اجتماع مسؤولين من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، ومندوبين عن الدول السبع الغنية في العالم ، كانت تضم تكتلاً حاشداً من النقابات والشباب الراديكالي ومنظمات الدفاع عن البيئة وحقوق الإنسان . وقد طرِحَتْ فيها ، قضايا العمل، والمحافظة على الغابات والأنواع الحيوانية والنباتية ، ومشاكل الأطعمة المعدلة والمعالجة بالهورمونات ،والقضايا الطلابية ، وحقوق المرأة والأطفال والشيوخ ، ومشاكل العالم الثالث من تخلف وبطالة وفقر ومجاعات وديون متراكمة . كانت الحشود تنتمي إلى حوالي 600 تجمع ، مختلفة الإتجاهات والمطالب ، من { اتحاد العمل الأميركيAfl-Cio } إلى {نادي سييرا من أجل الحفاظ على البيئة} ، ومنظمة {الجدات الغاضبات} ، و{شبكة التضامن المكسيكية} و{الأرض أولاً} و{التجمع لأجل عدالة معولمة} و{الحملة من أجل حقوق العمل } و{مجموعة عمل واشنطن} و{العمل لأجل حماية غابات المطر} .. إلخ من فسيفساء هذه المنظمات التي تشكل معظم الطيف المعارض والناقد للعولمة ، التي هي الآن من أكثر القضايا استحواذاً على اهتمام السياسيين والاستراتيجيين والإقتصاديين والمثقفين عموماً . ولقد وصلت أصداء الإحتجاجات والإشتباكات العنيفة بين المتظاهرين ورجال الأمن وأجهزة مكافحة الشغب إلى أروقة المبنى الذي حدثت فيه اجتماعات منظمة التجارة الدولية ، وخيم التوتر على أجواء المؤتمر طوال أيام انعقاده وهذا مما أدهش الرئيس الأميركي كلينتون وطوني بلير ، ومدير صندوق النقد الدولي {ميشيل كامديسو } الذي قدم استقالته فبما بعد وغيرهم من المسؤولين الكبار في المنظمة . ومن جانب آخر عمقت هذه الأحداث الشكوك لدى ممثلي الدول النامية حول االمعايير والأسس التي تعتمدها منظمة التجارة الدولية إزاء الغالبية الساحقة من الشعوب الفقيرة التي تشكل دولها أربعة أخماس الدول المنضوية فيها {135 دولة} . ويصف الكاتب اللبناني المقيم في الولايات المتحدة {ريتشارد الخوري} ماجرى فيقول : نجح المعارضون في سياتل في منع قادة العولمة من مواصلة اجتماعاتهم . كانوا حوالي خمسين ألفاً ، في وحداتٍ تتحرك بمرونةٍ وحيوية. كانت هذه الوحدات تشكل حلقة مقفلة حول أماكن الإجتماع ؛ مقفلة لكنها كانت دائمة الحركة ، يتغير شكلها باستمرار والوحدات تنتقل من شارع إلى آخر، من دون فك الحصار للحظة واحدة . لم تعهد الشرطة مثل هذا في تاريخها ، وكانت كلما زاد شعورها بالإحباط كلما ردت بعنفٍ أكثر إلى أن قذفت القنابل المسيلة للدموع وانهالت بالهروات على الأبرياء بعد فوات الأوان .. " . وقد مهدت احتجاجات سياتل وواشنطن الطريق لاحتجاجات أخرى ، وكان عقد منتدى {دافوس في سويسرا } الذي ضم في أروقته ممثلي الدول الصناعية الغنية وكبار رجال المال والسياسة في العالم ، مناسبة مهمة لإظهار المخاوف والإعتراضات على سياسات النظام الإقتصادي العالمي الجديد التي توحي بلوحة قاتمة للعالم . وبهذه المناسبة كان الإحتجاج من {جنيف} التي تصنف بين كبريات عواصم المال ، فأصدر برلمانها بياناً ، توجه به " إلى مواطني العالم " معبراً عن قلقه إزاء تعاظم تحرير التجارة الدولية ، خوفاً من أن يؤدي هذا إلى فقدان السلطات العامة سلطتَها ، وسيادةِ الفوضى . ولقد أكّدَ برلمان جنيف في بيانه على فشل منظمة التجارة الدولية في تحقيق أي شيء من " الرفاه " لشعوب العالم ، الذي أعلنت عنه في اجتماع { مراكش } التأسيسي في 1994 . ولنكتفي هنا ببعض المؤشرات على تفاقم الفقر العالمي ، وهي مستقاة من الولايات المتحدة ذاتها حاملة لواء العولمة، حيث في 1969 كان 1%من سكانها يملكون 25% من إجمالي الثروة الأميركية ، وفي 1997 أصبحت حصة هؤلاء 39% . وتقدر موجودات شركة {مايكروسوفت} بسبعة أضعاف الدخل المتوقع لدول الخليج من النفط بعد ارتفاع اسعاره . وأما مدير هذه الشركة{بيل غيتس} فتقدر ثروته ب100 بليون دولار عام 1998 وهي تفوق الدخل الإجمالي لعشرات من بلدان العالم الثالث والرابع والخامس ...إلخ . في الحقيقة كان يستشرف هذا الطيف الواسع من المحتجين في سياتل وواشنطن ، ما في آفاق العولمة الراهنة ، من جوانبَ مرعبة ووحشية . إن هؤلاء الذين بادروا إلى توجيه أول نقدٍ عملي للعولمة ، كانوا لايرون فقط القرية العالمية وماعليها من وسائل الإتصالات والرفاهية ، بل كانوا مدركين أيضاً للتناقضات الهائلة التي بدأت تدهم هذه القرية الجميلة !!...وهم لم يقوموا بعمليات تخريبٍ للحواسيب والأنترنيت وآخرمنجزات ثورة المعلوماتية ، كما فعل أنصار { ند لود Ned Ludd} في مطلع القرن التاسع عشر حينما حطموا الآلات في معامل { يوركشير ونوتنغهامشير } في انكلترا إبان الثورة الصناعية ، التي اعتبروها حينئذٍ عدوةً لقوة عملهم وسبل معيشتهم . فيبدوا أن المنتفضين الجدد كانوا مدركين تماما ، أن تدمير وسائل الإنتاج الجديدة لايجدي نفعاً في حل مشاكلهم الراهنة ، ومدركين أيضاً أن خصمهم ليس هوالتقدم المعرفي والتقني وتطور وسائل الإنتاج، وإنما خصومهم هم رافعو ألوية {الليبرالية الجديدة } الذين يستخدمون منجزات الثورة العلمية الحديثة بشكل مدمّرٍ للبشر والطبيعة . تقييم مظاهرات سياتل ولكن من الصعب التكهن بمدى قوة وتوحد هذه المجموعات المعارضة المختلفة، وبمدى استمرارية تحركها وتطور وسائلها . وفي هذا الإطار تقول { بربارة ابشتاين Barbara Epstein } الأستاذة في جامعة كاليفورنيا ، سانتا كروز : إن اسبوع التظاهرات التي ألقت بظلها عل قمة منظمة التجارة العالمية في سياتل ، يجسد أحد أكثر الأوقات تحفزاً عرفه اليسار الأميركي منذ عدة عقود ، وهو بإمكانه بعد انحسار طويل ، أن يفرض وجوده داخل الحركة الأوسع للدفاع عن الديموقراطية ، ضد الأضرار التي تتسبب بها الشركات الكبرى المتوحشة العاملة على المستوى الدولي " (1) . ثم تعرب الكاتبة عن أملها بأن يتوسع التجمع الذي نشأ في سياتل ليضمَ إلى صفوفه الأميركيين من الأصول الإفريقية والإسبانية الذين ظلوا على الحياد . وعن مقومات هذه الحركة تقول : في البداية كان التحرك في سياتل نتيجة نشاطات متباينة لمنظماتٍ متمايزة بأهدافها ، وما أن جاءت حملة الشرطة ضد مجموع المتظاهرين حتى تحول التكتل الظرفي إلى حركة شبه موحدة . لكن ماهي آفاق استمرار هذه الوحدة ؟ " (2) أما حول النتائج المباشرة لحركة سياتل تتابع الكاتبة فتقول : في إطار السياسة الأميركية ، يبدو في التجمع الناشئ ، في العام الفائت أمران جديدان مشجعان ، أولاً وُضِعَتْ سلطة اقتصاد السوق في قفص الإتهام ورفِضَتْ حلقةٌ جديدة من التحرير التجاري . وثانياً استهدف المتظاهرون بشكل أوسع و{ ضمنياً } الشركات المتعددة الجنسيات التي تشكل المنظمة ركيزة لسلطتها . وهذه المرة الأولى منذ الثلاثينات التي يقوم فيها تكتل بين الأوساط العمالية ، والمجموعات التقدمية والراديكالية . فبعد الحرب العالمية الثانية كان قد تشرذم هذا التحالف ، فدافعت النقابات آنذاك عن سياسات الحرب الباردة والممارسات المكارثية ، وفي الستينات أيضاً لم تؤيد حركات السلام المطالبة بإيقاف الحرب في الهند الصينية ، ولم تدعم حركات السود في مطالبتهم بالحقوق المدنية . ويقول ريتشارد خوري حول هذه النقطة الأخيرة : تحالف النقابيون هذه المرة في الولايات المتحدة مع الطلاب الثائرين ، بينما كانوا يكرهونهم في الماضي ؛ فالنقابي الأميركي المتعصب لبلاده كان يرى في معارضة الطلاب للمؤسسات التي يقدسها أيادي إبليس "الحمراء"، وهو قد أيقن الآن أن القضية الراهنة تتعدى العصبيات القومية ، وأن المسؤولين عن المؤسسات التي يقدسها ، يخوننها الآن" . سياتل ونهاية التاريخ : ويبدو أن أحداث سياتل كان وقعها ثقيلاً ،على المبشرين ب{الجنة العولمية} . إذ لم تمضِ أيام معدودة على الأحداث ، حتى ينشر {فرانسيسكو فوكوياما } مقالاً يكتب فيه، عبر خطابٍ مشوبٍ بالتوتر، عن " اليسار الجاحد" و " الكرنفال المعادي للرأسمالية " (3) ؛ فلربما شعر بخدش إطار اطروحته الجميل ، حينما رأى بأم عينه ، كيف أن التاريخ راح يطل برأسِه مجدداً من " تحت الصخرة الكبيرة " التي ألقاها ، بكلتا يديه ، قبل أكثر من عقدٍ من الزمن !!.. فيقول هذا الأكاديمي ذو الأصل الياباني: هذه الجماعات تزعم أن منظمة التجارة العالمية ، قد تجاهلت حقوق العمال ، وسعت إلى تدمير البيئة ، والصحة ومعايير السلامة باسم التبادل الحر . وبرأي اليسار ، استحالت الأمبريالية الأميركية إلى عدوٍ جديد ، إسمه العولمة . إنه لمن الغريب أن يتمرد اليسار ضد العولمة ، التي هي أكثر القوى التقدمية في عالم اليوم " . هنا من الأفضل أن ندع مهمة شرح " التقدمية العولمية " التي يتكلم عنها فوكوياما ، إلى بعضِ أصدقائه العولميين ، من الذين حضروا قبل خمس سنوات في عام 1995 ملتفى فندق {فيرمونت Fairmont} في سان فرانسيسكو لاستشراف آفاق المستقبل . فيقول مدير شركة الكومبيوتر الأميريكية ميكرو سيستمز {جون جيج John Gage} في هذا اللقاء: بمستطاع كل فردٍ أن يعمل لدينا المدة التي تناسبه ، إننا لانحتاج إلى الحصول على تأشيرات السفر للعاملين لدينا من الأجانب . فالحكومات ولوائحها لم تعد لها أهمية في عالم العمل . إننا نتعاقد مع العاملين لدينا بواسطة الكومبيوتر ، وهم يعملون لدينا بالكومبيوتر ، ويطردون من العمل بالكومبيوتر أيضاً " . ثم يجيب جون جيج ، مديرَ الجلسة في فيرمونت البروفسور في جامعة بنسلفانيا { رستم روي Rustum Roy} حينما سأله هذا الأخيرعن عدد العاملين في شركته : لدينا 16 ألفاً من العاملين ، لكن إذا ما استثنينا قلة ضئيلة منهم ، فإن كل هؤلاء احتياطيون يمكن الإستغناء عنهم عند إعادة التنظيم " (4) . في الحقيقة ، لقد اختذل البراغماتيون في فيرمونت المستقبل إلى 80/20 أي 20%من السكان العاملين ستكفي في القرن 21 للحفاظ على نشاط الإقتصاد الدولي , ويؤكد هذا الرأي عملاق التجارة { واشنطن سي سيب Washington Sy Cip } فيقول : لن تكون هناك حاجة إلى أيدٍ عاملة أكثر من هذا " (5) . وعن ال80% العاطلين عن العمل يقول الكاتب الأميريكي {جيريمي ريفكن Geremy Rifkin} في كتابه " نهاية العمل " : إن الثمانين بالمائة من الطبقة السفلى ستواجه بالتأكيد مشاكل عظيمة " ويعززهذا الرأي { سكوت ماكنلي Scoot Mc Nealy } فيقول : إن المسألة ستكون في المستقبل”to have lunch or be lunch” أي إما أن تتغدى أو يتغدى بك " (6) . ولكن لم يحظَ هذا الوضع المأسوي المستقبلي بأي اهتمامٍ من الحاضرين ، بل كان مصطلح ال “ tittytainment” الذي طرحه { زبيغنيو بريجينسكي Zbignew Brezenski } ، المنحوت من الكلمتين " Entertainment التسلية " و "Tits حلمة البيبرون " هو المسألة الأبرز ، التي أخذت حيزاً كبيراً من المناقشة (7) . إذاً كان جل اهتمام كبار رجال السياسة والمال والإقتصاد في فيرمونت ، قد ذهب إلى البحث عما يفيض من أثداء المرضع [20%] وعن وسائل التسلية ،التي يمكن تقديمها ، لتهدئة خواطر 80% الذين يشكلون معظم سكان المعمورة . ولقد ارتأى المؤتمرون هناك أن يقع عبء الأعمال الخيرية و"دمج العاطلين في جسم المجتمع " على عاتق المبادرات الفردية [الصدقة بمختلف أشكالها] . وحسب رأي الأستاذ الجامعي { رستم روي } : فإنه بالإمكان الإعلاء من شأن هذه المساعدات ، وذلك من خلال دفع مبلغ بسيط من المال نقداً ، حفاظاً على كرامة هذه الملايين من المواطنين " (8) . ويتوقع المهيمنون على مصائر الإتحادات والمؤسسات الصناعية ، أن الأمر لن يستمر طويلاً حتى نرى في الدول الصناعية أفراداً ينظفون الشوارع بالسخرة ، أو يعملون خدماً في المنازل مقابل الحصول على ما يسد الرمق . ويقول {هربرت هتسلر} رئيس الفرع الألماني للشركة الإستشارية { مكنزي Mc Knsey } : إن الصناعة ستسلك نفس الطريق الذي سلكته الزراعة، فالإنتاج السلعي لن يوفر إلا لنسبة ضئيلة فقط من القوة العاملة ، فرصةً لكسب الأجر والقوت " (9) . ونعتقد أن نسبة ال20% سوف لن تبقى على حالها فهي ستنخفض مع التقدم الهائل لوساءل الإنتاج ، ولانعرف في المستقبل ، فيما إذا بقيت العولمة فوق السياسةوالدولة ، أين يقع موقع هذه النسبة من الصفر. إلا إذا كانوا [جماعة فيرمونت] كرماء بعض الشيء [ وهذا لايتفق مع سمات البراغماتية والليبرالية الجديدة } ، ويريدون تثبيت هذه النسبة العشرينية المتوقعة ، فلا بد حينئذ من إدخال عامل آخر لتثبيتها ، وهنا المخرج لن يكون سوى الحروب بمختلف أشكالها . وفي هذه الحال ، سوف تتناسب هذه الحروب عكساً مع انخفاض نسبة الفلئض عن الثدي !!.. وهذا العامل في الواقع أدخل في طور التجربة منذ فترة ، في أفريقيا في منطقةالبحيرات ، في الكونغو وبوروندي ورواندا ، وفي القرن الأفريقي ، وفي العراق وأفغانستان ويوغسلافيا . وفي الحقيقة لقد عرضت أميركاعلى سكان العالم أفلاماً أميركية طويلة عن حروب مابعد الحداثة ، التي تجري عن بعد . ولنعود إلى فوكوياما الذي برأيه أن العولمة قد جعلت بلدلناً مثل الصين والهند وماليزيا وغيرها ، جزءاً من العالم الحديث " . فهنا بالإضافة إلى أنه لم يعطِ الكاتب أي دورٍ لشعوب هذه البلدان التي ذكرها فيما أنجزته من تقدم ، فهو يريد أن يقنعنا ، بأن الولايات المتحدة الأميركية ، وصندوق النقد الدولي ، والدول السبع الغنية ، كل هؤلاء يريدون أن يخرجوا بلدان العالم الثالث من التخلف والفقر والجوع . كلام يثير السخرية !!. إذا كان هؤلاء الليبراليون الجدد ، منذ ظهور {التاتشرية } و {الريغانية} ، والآن في ظل الترويج لنظرية " الطريق الثالث " وأبطاله {كلينتون ، بلير ، شرويدر} ، يقلصون في بلدانهم ذاتها ماحصلت عليه شعوبهم خلال نضالات طويلة منذ منتصف القرن التاسع عشر ، من مكتسبات اجتماعية فيما يتعلق بالعمل والصحة والشيخوخة والتعليم ، من أجل ربح أكثر للنخب ، فلماذا يذهبون إلى جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا ، وحتى أوربا الشرقية ، ليقدموا خدماتهم ويبذرون أموالهم ، أليس الأقربون أولى بالمعروف ؟ وكلنا نعرف بأن الشعار الذي كان أكثر ترديداً في شوارع سياتل : لا لزيادة الأرباح ، ولا للتجارة الحرة ونعم للتجارة العادلة . فلقد أصبح بحوزة الشركات المتعددة الجنسية ، نظراً لتقدم تقنية الإتصالات العالية وانخفاض أجور النقل وحرية التجارة الدولية ، هامش واسع جداً للمناورة إزاء الحكومات المختلفة. ف "الأممية الرأسمالية الجديدة " تهدد مرة هنا، ومرة هناك ، بهروب رأس المال لكي تجبر الحكومات على تقديم تنازلات ضريبية أكثر ، وحتى على تقديمها منحاً تبلغ المليارات أحياناً، أو بنيات تحتية مجانية لإقامة مصانع للشركات في بلدانها . وكذلك هذه الشركات الصناعية الكبرى لاتخلق في البلدان الأجنبية فرص عمل جديدة إلى حد كبير لأنها سرعان ما تأخذ هناك بإعادة هيكلة هذه المصانع وتسريح أعداد غفيرة وهائلة من العمال . وهنا يجب أن نلاحظ بأن البطالة ستكون في بلدان العالم الثالث ذات طابع مركب ، فبالإضافة إلى استبدال المصانع القديمة والورشات الحرفية بمصانع ذات تقنية عالية التكثيف ، فهذا التصنيع يجري على حساب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والغابات . ولنرى كيف العولميون يطردون الهنود من أراضيهم على ضفاف الأمازون ليقطعوا غاباتهم ويلوثوا بيئتهم وأنهارهم ...وإن مايجري من اعتداءات على الطبيعة ، وتلويث للبيئة ، وإهمال للأراضي الزراعية وقطع متواصلٍ للغابات دون تعويض ، في كل من البرازيل والصين والهند واندونيسيا وباقي بلدان جنوب شرق آسيا لأمر مخيف ؛ ولربما في وقت ليس ببعيد، ستصبح هذه البلدان بحاجة ماسة لاستيراد القمح والأرز والذرة . ولنتصور حينئذ ذلك الوضع المأسوي الذي ستصبح فيه الولايات المتحدة مسؤولة عن توزيع الخبز إلى العالم !!! وفي معرض تعليقه على سياتل يقول فوكو ياما : يمكن أن تقاد منظمة التجارة العالمية للدفاع لا عن الحرية الإقتصادية فقط ، بل عن حرية الإنسان عموماً . وأن العولمة ناقلة للحداثة، وذات تطلب أكثر للشفافية والإنفتاح، وذات تربية أفضل وتقدم في الإدارة ، وعلى لسان توماس فريدمان يقول أن في أندونيسيا ، كان المدافعون عن الديمقراطية لايسمح لهم بنقد فساد السلطة ، ولكن مع ارتفاع مستوى الحياة التي سببته العولمة ، أنشأت مشروعات العمل طبقة متوسطة ، وقوة عمل مدربة جيداً لإقامة مؤسسات ديموقراطية على نحو موثوق أكثر من العمل السياسي الذي اختاره المتظاهرون في سياتل " (10) . هنا يريد الكاتب أن يهمش دورالعمل السياسي للجماهير الشعبية في المجتمع ، أو بالأحرى يريد أن يجعل من السياسة خادمة للإقتصاد الجديد وفق مايراه البراغماتيون والليبراليون الجدد ، ولكن إذا كان النضال السياسي في سياتل غير ذي قيمة إلى هذا الحد ، فلماذا يشن عليه هذا الهجوم العنيف ؟ ولماذا بعد مظاهرات واشنطن يذهب كلينتون إلى أوربا ليبحث "المشاكل التي تحدثها العولمة " في مؤتمر "الإصلاحيين" من الإشتراكيين الديموقراطيين من 15 دولة الذي عقد في {برلين} أخيراً ؟ وماهي العوامل التي اضطرته لأن يدعو عبر كلام ضبابي إلى "نظامٍ للعدالة الإجتماعية" وإلى " توازن بين السياسة وحرية السوق " . أما بالنسبة لأندونيسيا بالذات ، فيبدو أن فوكوياما ، إما نسي تاريخ تلك الحقبة أو يتناساها ، حينما قام هؤلاء الفاسدون الذين يتكلم عنهم بقيادة الجنرال {سوهارتو} بانقلابهم في عام 1965 وعزلوا الرئيس {سوكارنو } وشرعوا بمذبحتهم الرهيبة التي كان عدد ضحاياها حوالي المليون قتيل ، وبطبيعة الحال قد تناسى أيضاً تلك الجهة الرئيسة التي كانت داعمة لهذا الإنقلاب الدموي. يقول {نعوم تشومسكي} في كتابه " مسؤولية المثقفين " حول الموضوع الأندونيسي: لقد أجمعت الصحف الأميركية آنذاك في التعبير عن فرحها إلى أقصى الحدود إزاء [حمام الدم المزبد بامتياز } و[سيل النور الآسيوي ] كما وصفه بسعادة وفرح كاتب افتتاحيةٍ ليبرالي جداً في نييورك تايمز " . ثم يتابع تشومسكي قائلاً : وقد بارك المعلقون الأميركيون واشنطن ، لكونها قد عرفت كيف تحافظ على موقف متزن اتجاه الحدث ، عوضاً عن الغبطة والسرور والغطرسة ، وهذا كان [صواباً ] نظراً لمساهمتها الرئيسة في هذا الإنقلاب . إنه [موقف يقظ] . لأن [ دعما حاراً ومفتوحاً إلى حدٍ كبير ] للقادة الجدد ، كان سيضعهم في وضع محرج . غير انه كان من الطبيعي جداً تقديم [ مساعدة سخية من الرز والقطن والعتاد ] ، وإعادة سياسة المساعدات التي كانت مقطوعة قبل أن تأتي [ المذبحة الرهيبة لأصلاح الوضع ] " (11) . وحول نفس الموضوع يقول { بنديكت اندرسون } : فأكسب هذا الواقع الجنرال سوهارتو ، المسؤول عن إدارة المذابح ، دعم الولايات المتحدة فوراً . ورتبت واشنطن [ مجموعة الحكومات من أجل أندونيسيا IGGI ] ، المؤلفة من الولايات المتحدة واليابان والدول الأوربية الغربية الرئيسة ، من أجل دعم سوهارتو وضخ الأموال في ميزانيته . كان رضى واشنطن عنه عظيماً لدرجة أنه عندما قرر اجتياح {تيمور الشرقية} تجاهات حكومتا فورد وكارتر أن 90% من هذا الإجتياح قد تم بأسلحة أميركية، وقد دافعت واشنطن أيضاً عن جاكرتا في المحافل الدولية " (12). لقد نصَّبوا الفاسدين ، والآن يمنحون عولمتهم ، شرف تكوين المناضلين الذين أطاحوا بهؤلاء الحكام . إن الأمثلة لاتحصى حول العلاقة الملتبسة بين سياسة الولايات المتحدة زعيمة النظام الإقتصادي العولمي الجديد ، ومسألة الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان. وإن موقفها الإنتقائي والبراغماتي حول هذه المسألة ، هو في غنى عن التعريف . ومن منا لايعرف دعمها في السلفادور ل [فرق الموت] ، ولإنقلاب الجنرال الفاشي {بينوشيت} على حكم {اليندي} الديموقراطي الشرعي في تشيلي ، ولحكم الجنرالات في الأرجنتين ، ولكثير من الحكام الآخرين المستبدين بشعوبهم في العالم ؟. وعلينا أن لاننسى كعرب أن عيون الولايات المتحدة لم تستطع يوماً أن ترى ، خرق السياسة الإسرائيلية العنصرية الدائم لحقوق المواطنين العرب في أرضهم وحياتهم ومقاومة المحتلين . ويقول أيضاً تشومسكي حول موضوع حقوق الإنسان ، التي قال عنها الرئيس الأميركي {جيمي كارتر} في عام 1978 أنها ستكون في [ قلب سياسة أميركا الدولية] : إن تاريخ أعمالنا المخزية [ نحن الأميركيين ] تتوالى حتى هذه اللحظة ، في أي منطقة من العالم لا على التحديد . ففي اميركا اللاتينية- التي هي مجال نفوذ الولايات المتحدة التقليدي – والتي تعتبر مرصداً ممتازاً، لمن يبحث عن فهمٍ أفضل للقيم المسيطرة على العالم الغربي المعاصر ، منذ صعود كلينتون إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية كان أكثر من نصف المساعدة العسكرية الأميركية مخصصاً ل {كولومبيا } ، التي فيها حقوق الإنسان، أكثر بشاعةً وإثارة للإشمئزاز " (13) . أحداث سياتل ونظرية هنتنغتون: ولم تزحزح أحداث سياتل وواشنطن فقط الصخرة التي ألقى بها فوكوياما على التاريخ ، بل لقد شرعت في كشف الغطاء عن صاحب النظرية الأكثر رجعية ، الأستاذ في جامعة هارفارد{ صموئيل هنتنغتون }الذي نشر في عام 1993 مقالته الشهيرة حول "صراع الحضارات " ، القائلة بأن المستقبل بعد اليوم لن يتحدد من خلال اختلاف النظم الإجتماعية ، بل سيتحدد من خلال مايدور بين الحضارات من صراعات دينية وثقافية . فلقد نزل هنتنغتون بنظريته إلى سوق الايديولوجيا ، ليسوَّغُ كلَ الحروب الوحشية التي يشنها النظام الرأسمالي وهو بكامل جبروته على شعوب الدول المستضعفة ، أي على هؤلاء { البرابرة والمارقين } الذين يشكلون الخطر الراهن على الحضارة الرأسمالية بعد {انهيار الشيوعية} . لم يكن يهدف هنتنغتون إلا إلى إظهار قشرة التناقض العالمي الراهن، واستخدام كل الوسائل لإخفاء ما تحت هذه القشرة . لقد ابتسر هذا الإيديلوجي الأميركي كل تناقضات النظام الرأسمالي الراهنة بالصورة الأخيرة ، ليسترَ ويخبئَ كل الأشكال والعلاقات العميقة خلفها . والمفارقة هنا ، أن هذه الصورة الأخيرة التي تتجلى الآن بكل ماهب ودب ، من الصراعات الإثنية والدينية والمذهبية والقبائلية ، هي من نتائج الوجه الإجتماعي الإقتصادي القبيح والوحشي للعولمة ، وهذه الصراعات التي تجري الآن في آسيا وأفريقيا، التي يستخدمها حجةً على صحةِ نظريته، هي في الحقيقة برهان على خطلها. لأن البرابرة { أعداء مابعد الشيوعية } يقتتلون فيما بينهم ، فهم يتفتتون ويتشظون ، السلافيون والمسلمون واالعرب والأفارقة والسيلانيون والأندونيسيون ، كلهم يتفككون ، العرب ذوو التاريخ الواحد والجغرافية الواحدة واللغة العريقة الواحدة يتصارعون ويتحاربون ، ويختلفون على أمتار من الحدود ويحاصرون بعضهم بعضأً . إن العلاقات الأفقية فيما بين هؤلاء جميعاً هي من قنب ، والعلاقات الشاقولية لكلٍ من هؤلاء مع زعيمة العولمة هي من فولاذ. إن الصراعات والحروب لا تجري اليوم بين الدول بل داخل الدول ذاتها ، ضمن الحضارة الواحدة والثقافة الواحدة والدين الواحد والمذهب الواحد والهوية الواحدة، إن الحروب الأهلية هي الطاغية . فأين هذه الحروب {الحضارية}التي يتكلم عنها هنتنغتون ؟ المسلمون يتحاربون ، في أفغانستان والجزائر والسودان وأندونيسيا ، والبوذيون يتحاربون والمسيحيون يتحاربون . ولربما في المستقبل القريب ستشمل الحروب الداخلية الأورثذوكس والكاثوليك والبروتستانت واليهود ؟. ...كل هويةٍ وطنيةِ الآن تفرّخ "هوياتٍ قاتلة " كما قال الأديب اللبناني { أمين معلوف } . إن هذا التفتت والتشظي والتذرر هو من جراء الفقر والجوع ، وفي آن من جراء التهميش والإستبداد في هذه البلدان . فالشعوب فيها ، في النصف الثاني من القرن العشرين سرقت مرتين ، الأولى حينما استلمت السلطة فيها ، النخب التي رفعت شعارات التحرر والتنمية القومية ، والتي سرعان ما أدارت ظهرها لشعوبها وللشعارات التي رفعتها ، ومن ثم شرعت في حملة نهب منظمة للخيرات الوطنية وتهريبها من أجل استثمارها في خارج الوطن ؛ والمرة الثانية حينما أطلق {صندوق النقد الدولي} وصفته الشهيرة لأنظمة العالم الثالث بتطبيق اعادة الهيكلة والعقلنة {Rationalisation } و سحب الدعم المالي المخصص للسلع الشعبية والأدوية والتعليم . كل هذا أدى في هذه البلدان إلى انهيارالفئات البينية التي تشكل الأكثرية في المجتمع، وقد أصبح الأمر عاديا أن يرى أصحاب الشهادات والمعلمون والمدرسون وأساتذة الجامعات وغيرهم ، يقومون بأعمال هامشية ومهن طفيلية لتأمين رمقهم . في عالمنا الراهن لاعب كرة قدم أو ممثل سينمائي أوعارضة أزياء شهيرة أو مقدم منوعات تلفزيوني يكسب سنوياً مئات ولربما ألوف أضعاف مايكسبه مهندس مدني أو أستاذ في مدرسة ثانوية أو جامعة . ففي مصر كان عدد العاطلين عن العمل من الخريجين الجامعيين وحدهم ، أكثر من مليون وتسعمائة ألف خريج في عام 1995 . وفي بعض البلدان العربية نتيجة لنقص الأموال المخصصة للتربية والتعليم ، يلجأ الكثير من المدرسين وأساتذة الجامعات لتشجيع الدروس الخصوصية للطلاب ولبيعهم أسئلة الإمتحانات من أجل رفد رواتبهم البسيطة . الفساد في بلدان العالم الثالث يجتاح المجتمعات شاقولياً وأفقياً . بهذا الشكل يمكننا أن نفهم بأن التناقض الذي يشمل النظام الرأسمالي العالمي الآن، في الأطراف والمركز ليس حضارياً ولا ثقافياً ، بل لايزال إجتماعياً بامتياز . في الحقيقة ، هذا الإيديولوجي الأميركي المرموق جداً ، يريد أن يطمس الأسس الموضوعية لنضالات المهمشين والمضطهدين ، وأن يغطي عملية تحويل هذه النضالات إلى غير وجهتها الحقيقية . إنه تمويه إيديولوجي بارع {Camouflage } ، ولقد انطلى هذا التمويه على الكثيرين من المثقفين العرب ، خاصة لدى التيارات التمامية { Integraliste } العربية بكل تنوعاتها ، التي لاتقيم أي وزنٍ للتناقضات الإجتماعية في السيرورة التاريخية . . لذلك ليس من الصدفة أن نرى الأيادي الأميركية خلف كل ماجرى ومايجري في أفغانستان وباكستان والهند واندونيسيا ومصر والجزائر ويوغسلافيا وشمال القفقاس وآسيا الوسطى ورواندا وبوروندي والكونغو والصومال والحبشة وارتيريا. وهذا مما دعا بعضهم لأن يقول عن عولمةِ اليوم ، أنها " الأمْرَكَة " . إن ماتحت قشرة هنتنغتون الحضارية هو الإستقطاب الإقتصادي والإجتماعي الذي يشمل العالم الآن . وهذا مما يدفع السكان نتيجة خوفهم على مصيرهم وحياتهم ، إلى التقوقع والإنعزال والإنفصال والتهوي المتواصل . في هذه الحقبة التاريخية يعتقد الناس أن خلاصهم في عزلتهم . فلننظر إلى أندونيسيا الإسلامية كيف تتشظى ، فمقاطعة {آتشي في جزيرة صومطرة الغنية بثرواتها } لاتقبل إلا بالإنفصال التام بالرغم من إسلاميتها. وهذا التشظي الشائع جداً في آسيا وأفريقيا ينتقل إلى أوربا { بلجيكا ، انكلترا ، فرنسا ، اسبانيا ، ايطاليا ..}. وأين يكمن وجه الصراع الحضاري في دعوة حركة { lega Nord} إلى تأسيس جمهورية { شمال ايطاليا الغنية جداً } التي تريد أن تنفصل عن الوسط الأفقر ، وعن الجنوب الأكثر فقراً ؟.وفي الفترة الأخيرة راحت بعض المقاطعات الإيطالية الأخرى تحذو حذوَ حركة { رابطة الشمال } . ومن جانب آخر ، كان التناقض الإجتماعي ، خاصة في البنيات الإجتماعية السابقة للرأسمالية ، وأيضاً في البنيات الإجتماعية الرأسمالية الطرفيةالتي لاتزال متعددة الأنماط الإنتاجية ، كما هو الحال في معظم بلدان العالم الثالث ، يتمظهر بمظاهر ايديولوجية تخفي تحتها الأشكال الحقيقية لهذا التناقض . إن وضع الأنظمة في بلدان العالم الثالث القائمة على الفساد والرشوة والمحسوبيات ، وتجميع الثروة الوطنية في جيوب الأقلية الحاكمة ، وتعميق الهوة فيها بين السلطات السياسية والكتل الشعبية ، وتقويض المؤسسات الأهلية والمدنية وطرد أغلبية المواطنين من السياسة، قد أدى إلىانهيار الطبقات الوسطى التي تشكل في هذه البلدان النسبة الأكبر من التركيب السكاني ، وإلى انهيار الكثير من القيم الوطنية والقومية . هذا الإستقطاب الإجتماعي في البلدان النامية يتمظهر الآن على شكل صراعات إثنية ودينية ومذهبية وجهوية وعشائرية ، ومما يجعل هذه االصراعات أكثر اغتراباً عن أشكالها الإجتماعية الحقيقية ، هو افتقاد الديموقراطية ، وسيادة الإستبداد والطغيان . إن الصراعات الثقافية التي يتكلم عنها هنتنغتون ليست سوى لبوساتٍ لتناقضاتٍ اجتماعية ، وأي دراسة للتفاوت الإجتماعي في المجتمعات القطرية العربية على سبيل المثال ، فيما يتعلق بدخول الأفراد وسوياتهم الإجتماعية وتكافؤ الفرص في العمل والتعليم والصحة والتداوي والإنتساب إلى الجيش والجامعات ، تؤكد أن التزمت والتعصب والتقوقع داخل كياناتٍ تحت مستوى الوطن والدولة كان ينمو طرداً مع هذا التفاوت. وكذلك بريجينسكي الذي يبني كل استراتجيته في كتابه[رقعة الشطرنج الكبرى ] ، على الخلافات الدينية والمذهبية والإثنية واللغوية ، من أجل بقاء الولايات المتحدة الآتية من غرب الأطلسي متربعةًعلى عرش {اوراسيا ] ، والذي يعتقد أيضاً أن تأجيج هذه الصراعات واستثمارها يجنب الولايات المتحدة تكرار تجربة [ الأمبراطورية الرومانية مع البرابرة ] ، وفي آن ، يجنبها إمكانية تواجد روسيا قوية وصين قوية وهند قوية وأندونيسيا قوية ودولةعربية قوية ، أو إمكانية قبام تحالف من هذه الدول ، لم يخطر في باله، أن في عهد العولمة والنظام الدولي الجديد هنالك إمكانية لانبثاق [برابرة من الداخل ] . وهؤلاء أكثر تقدماً من البرابرة الذين يقصدهم ، إذ لم يتوشحوا بأي لبوس ديني أو مذهبي أوإثني ، وإنما الذي طرحوه في سياتل كان العمق الخالي من [قشرة هنتنغتون الثقافية والحضارية] . فما طرحوه كان اجتماعياً من الألف إلى الياء ، مشاكل العمل والبطالة ، وحقوق النساء والشيوخ والأطفال ، والدفاع عن البيئة وإدانة الإعتداء على الطبيعة والأرض والغابات والأنهار وطبقة الأوزون وغيرها . وهذا طبيعي لأن في البلدان الرأسماليةالمتقدمة جداً من نمط الولايات المتحدة لاتتمظهر التناقضات الإجتماعية بمظاهر أخرى ، بل تتسم بالشفلفية وتظهر على حقيقتها ، على عكس البلدان المتخلفة حيث تظهر التناقضات الإجتماعية مغطاةً بقشرة إيديولوجية سميكة . العولمة وأوربا كان كتاب" فخ العولمة " من تأليف الكاتبين الألمانيين {هانس-بيتر مارتين} و {هارالد شومان } العاملين في مجلة {دير شبيغل} الذي صدرت طبعته الأولى في برلين عام 1996 ، والذي طبع تسع مرات في عام واحد (14) ، من أكثر الكتب مثاراًللإهتمام فيما يتعلق بالعولمة . فلقد وضع المؤلفان فيه النقاط على الحروف حول الجوانب المظلمة والوحشية لهذا النظام الإقتصادي العالمي الجديد ، الذي يهبط بأقدامه على عتبة القرن الواحد والعشرين . إن مأسوية مايستشرفان ، هذان المؤلفان ، أوحى لهما بأن يفتتحا كتابهما بمقتبسٍ من مسرحيةٍ ل{فرنر شغاب} يقول فيه : إن العالم كله قد أخذ يتحول إلى ماكان عليه فيما مضى من الزمن " . يتناول الكتاب العولمة بشكلٍ موسوعيٍ شامل ، نشأتها وتناقضاتها و مستقبل علاقتها بالدولة والسياسة ، وويتكلم عن المبشرين بها والنظريات الإيديولوجية الداعية إليها . وحول الإستقطاب الإجتماعي الذي يجتاح العالم الآن . وحول دور البورصات التي تخفض كل يوم وليلة من أجور العاملين والمستخدمين يقول المؤلفان في كتابهما : ليس المرأ بحاجة إلى أن يكون مطلعاً عل نظرياتٍ اقتصاديةٍ معقدة لفهم ما يحدث فعلاً ، ف[ بعد113 سنة من وفاة كارل ماركس ] تتخذ الرأسمالية ذلك المنحى الذي وصفه هذا الإقتصادي الثوري ، بالنسبة إلى زمانه، وصفاً دقيقا فعلاً حينما راح يقول : إن الإنتاج الرأسمالي لا يميل ، في العموم ، إلى رفع متوسط الأجور ، إنما يميل إلى تخفيضه أو إلى الضغط على قيمة العمل إلى أدنى مستوى " . ويقولان حول حتمية العولمة، بماهي عليه الآن وكما خطط لها الليبرليون الجدد : إن رافعي راية العولمة يصورون الأمور وكأنها شبيهة بالأحداث الطبيعية التي لاقدرة لنا على ردها والوقوف في وجهها ، أي أنها نتيجة حتمية لتطور تكنولوجي واقتصادي ليس بوسعنا إلا الإذعان له . الواقع ان هذا ليس إلا ثرثرة . فا لتشابكات الإقتصادية العالمية خلقتها سياسة معينة بوعي وإرادة ، وإن البرلمانات والحكومات هي التي وقعت الإتفاقيات وسنت القوانين التي ألغت الحدود والحواجز ، التي كانت تحد من تنقل رؤوس الأموال والسلع من دولة إلى أخرى" . أن النموذج الإشتراكي الديموقراطي في أوربا، ونظامه الإقتصادي القائم على إعطاء المزيد من المكاسب الإجتماعية للناس ، قد أصبح الهدف الآن ، أمام الهجوم الكاسح للآلة الإعلامية لليبرالية الجديدة . وإن " الرأسمالية النفاثة " {Turbo-capitalisme} التي تبدو الآن كما لوكان انتصارها على المستوى العالمي قد صار أمراً حتمياً ، أنها في الطريق لهدم الأساس الذي يضمن وجودها: وهو الدولة المتماسكة والإستقرار الديموقراطي وإن بلدان الرفاهية أخذت تستهلك رأسمالها الإجتماعي بخطى سريعة جداً تفوق حتى الخطى التي تدمر بها البيئة (15) . وكذلك في الولايات المتحدة هناك تدهور في الرساميل المخصصة للقضايا الإجتماعية . ففي كاليفورنيا التي تحتل المرتبة السابعة في قائمة القوى الإقتصادية العالمية ، على سبيل المثال ، فاق الإنفاق فيها على السجون المجموع الكلي لميزانية التعليم (16) . والعولمة من خلال سياستها في تصدير الرساميل إلى خارج الحدود القومية ، تعمل على تأجيج التعصب القومي والروح الشوفينية والكراهية والعداء للغرباء والمهاجرين ، لدى عشرات الملايين من الطبقة المتوسطة الأوربية الخائفة على مصيرها ، ويتجلى نمو هذه الروح العنصرية بتزايد عدد الأصوات التي تحصل عليها الأحزاب القومية اليمينية المتطرفة { جان ماري لوبان في فرنسا ، يورغ هايدر في النمسا الذي استطاع أخيراً المشاركة في الحكومة النمساوية } . ربما سيكون لهذه السياسة اليد الطولى في نشوء فاشياتٍ ونازياتٍ جديدة . ومن الذين نقدوا العولمة وتكلموا عن تناقضاتها ، زعيم الحزب الإشتراكي الديموقراطي السابق { أوسكار لافونتين } في كتابه " القلب ينبض يساراً " الصادر في عام 1999 . استقال أوسكار لافونتين في صيف عام 1999 من رئاسته للحزب الإشتراكي الديموقراطي الحاكم في ألمانيا ، ومن وزارة المالية الألمانية ، احتجاجاً على التحاق المستشار شرويدر ب { المجدِدَيْن ، بلير وكلينتون } ، وكانت استقالته تعبر عن خروج اليسار الإشتراكي الديموقراطي من الحكومة الألمانية(17) . يتهم لافونتين العولمة وايديولوجيتها " الليبرالية الجديدة " ، التي يستبدلها أحياناً ب " الليبرالية الأنجلو-سكسونية " ، بأنهما تهدفان إلى تقويض أركان الدولة الإجتماعية الأوربية . ويعتبر لافونتين أن قرار فك ضوابط الأسواق العالمية منذ الثمانينات ، كان قراراً سياسياً ، وأن التطور الأبرز في السوق المالية العالمية الجديدة ، هو تبادل العملات بقصد المضاربة ، ويبلغ حجم التعامل اليومي لتبادل العملات حوالي بليون دولار ، تستحوذ التجارة ، أي بيع وشراء البضائع والخدمات 5% منه فقط ، في حين تستأثرالمضاربة بنسبة 95% . ويشبّه لافونتين البورصات المزدهرة ، المستفيدة من تقلبات سعر الصرف وتفاوت أسعار الفوائد على الودائع في الدول المختلفة ، بصالات " القمار " مع الفارق أن المقامرين يقامرون بأموالهم ، بينما المضاربون يقامرون باموال غيرهم(18) . بطبيعة الحال ، إن كل الأموال التي يجنيها المضاربون في البورصات لا تأتيهم من السماء ، بل من كل القيم الزائدة في العالم كله . والكوارث النقدية التي حدثت في المكسيك وأندونيسيا وكوريا الجنوبية وروسيا خير مثال على ذلك . وقد سمى لافونتين " شركات المضاربة المنظمة " بشركات " الإجرام المنظم " . ومن الذين نقدوا العولمة في الغرب { ميشيل شوسودوفسكي } ، أستاذ الإقتصاد السيلسي في أوتاوا بكندا صاحب كتاب "عولمة الفقر" ، وقد قال نعوم تشومسكي عن هذا الكتاب : يثبت لنا ميشيل شوسودوفسكي بكل حصافة ، كيف ان"الإصلاحات" التي يقوم بها الإقتصاد العالمي الجديد ،تعيد إنتاج الأنماط الكولونيالية ، وتحول دون أي تخطيط وطني ، وأي ديموقراطية حقيقية ، بل ينشئ هياكل عالمٍ من اللامساواة المتفاقمة . إن هذا التطور ليس حتمياً ، وأن البحث الذي قام به شوسودوفسكي يشكل خطوة هامة في النضال العنيد الضروري لعكس الإتجاه " (19) . يقول شوسودوفسكي في "عولمة الفقر" ، بأن 3 مليارات من سكان العالم تتصرف بنسبة 4.9% من الدخل الإجمالي العالمي أي أقل من الدخل الإجمالي لفرنسا ومستعمراتها في ماوراء البحار . وأما الأفريقيون جنوب الصحراء البالغ عددهم 500 مليون شخص ، يحصلون على أقل من 1% من الدخل العالمي ، أي مايعادل نصف دخل ولاية تكساس ، وأن الأميركيين ينفقون 30 مليار دولار سنوياً ثمن بيبسي وكوكا كولا أي مايعادل تقريبا ضعفي الدخل الوطني الإجمالي لبنغلادش " (20) . ويعتقد شوسودوفسكي أن الفقر سوف يتفاقم أكثر، فيما إذا استمرت سياسة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في فرض "برامج التصحيح الهيكلي " ، وهي التقشف في الموازنة العامة وضغط الرأسمال الإجتماعي والخصخصة وفتح الحدود . ويرى شوسودوفسكي بان وصفات صندوق النقد الدولي في إعادة الهيكلة تلعب الآن دوراً كبيراً في خدمة المصالح " الجيو- سياسية " للولايات المتحدة والغرب عموماً، في أوربا الشرقية والإتحاد السوفياتي والبلقان . وأما فيما يتعلق بدمقرطة الحياة السياسية التي تنشأ من جراء العولمة في بلدان العالم الثالث ، والتي أصبحت فرس الرهان لدى المبشرين ب" حرية السوق" ، والتي تباهى بها كثيراً فوكوياما في مقاله الذي نشره بعد أيام من أحداث سياتل ، يعتبر شوسودوفسكي أن "القمع الإقتصادي" ، الملزمة بتطبيقه الأنظمة التي رضيت بسياسات صندوق النقد الدولي ، يشكل العقبة الرئيسية أمام تطبيق ديموقراطية حقيقية في هذه البلدان . لأن هذه الإصلاحات ، من أجل تطبيقها ، تتطلب كثيراً من القمع السياسي والإجراءات الأمنية ، من قبل النخب الحاكمة في بلدان العالم الثالث . وهنالك أمثلة كثيرة تشهد كيف قمعت بضراوة الإنتفلضات الشعبية التي قامت ضد التصحيح الهيكلي ؛ ففي شباط من عام 1989 أعلن الرئيس الفنزويلي {كارلوس أندرس بيريز} حالة الطوارئ وأرسل الجيش إلى حي الأكواخ في المرتفعات المهيمنة على العاصمة ، لقمع المظاهرات ضد ارتفاع سعر الخبز بنسبة 200% ؛ وكانت حصيلة الأيام الثلاثة الأولى من انتفاضة الخبز الفنزويلية ، هي استقبال مقبرة كاراكاس لجثث 200 شخص ، كل ذنبهم أنهم لايريدون الموت جوعاً (21) . وقبل ذلك كانت هنالك انتفاضة الخبز في تونس في كانون الثاني من عام 1984 ، وكذلك المظاهرات التي اندلعت في المغرب في كانون الأول من عام 1990 في فاس ومكناس والقنيطرة وطنجة احتجاجاً على السياسات الإقتصادية الحكومية ، وتمرد الفلاحين الزاباتيين في جنوب المكسيك في عام 1994 . ويتكلم شوسودوفسكي في كتابه عولمة الفقر حول اغتراب المنتجين عن السلع التي ينتجونها {Alienation } ، دون أن يذكر ماركس مؤسس هذا المفهوم فيقول : إن البرنامج الحقيقي لسياسة التصحيح هو الضغط على الأجور في العالم الثالث وأوربا الشرقية ، وهذا يساعد في نقل الأنشطة من البلدان الغنية إلى البلدان الفقيرة. فالأجور الحقيقية في البلدان الطرفية هي بين 20 و50 مرة أقل من الأجور في الولايات المتحدة وأوربا واليابان ، وإن الناس الفقراء لايشكلون سوقاً للسلع التي ينتجونها ، إنما الطلب محصور في نحو15% من البشر " (22) . إن شعار "التصدير أو الموت" هو السائد الآن في بلدان العالم الثالث ، في عهد العولمة . أما الأفكار عن بدائل المستوردات والإنتاج للسوق الداخلية فقد أصبحت طرازاً قديماً . إن مفتاح النجاح الآن يكمن في تشجيع التصدير ، وتحت الرقابة الشديدة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي . وهكذا ففي بلدان العالم الثالث وبلدان أوربا الشرقية، حيث اليد العاملة الرخيصة ، هنالك عملية منافسة غير مشهودة من قبل ، ولا كابح لها ، فكل منها يريد أن يبيع إلى الأسواق ذاتها في أوربا وأميركا واليابان . أما أسعار المنتجات المصنوعة فتنحدر وفق منحنى شبيه بمنحنى المواد الخام الأولية . ولكن هنا المفارقة ، أن الإصلاحات المفروضة على بلدان العالم الثالث تضغط بدورها على اقتصادات الدول الغنية ، فالفقر في العالم الثالث يقلص الطلب الكلي على المستوردات ، وهذا مما يؤثر على النمو ومستوى العمالة في الشمال . وهكذا فالعولمة تؤثر على الكوكب كله وليس فقط على الجنوب . إن الصناعة في العالم الثالث أصبحت تغطي معظم المنتجات ، بما فيها بعض السلع المتطورة جداً كالسيارات والسفن والأسلحة والطائرات وغيرها . لهذا هنالك مصانع يتم إغلاقها في المراكز "القديمة" ، حيث الأجور مرتفعة . وإن الشركات المتعددة الجنسية لاتنقل مصانعها فقط إلى جنوب شرق آسيا ، بل إلى الصين وبعض مناطق أفريقيا وأميركا اللاتينية وأوربا الشرقية (23). إن نقل الصناعات إلى العالم الثالث يؤدي إلى تفكك إقتصادي في بلدان المركز ، ويفاقم فيها البطالة. لذلك فحالة الإستقطاب الإجتماعي وتركيز الثروة في أيدي القلة [ في الشمال كما في الجنوب ] يؤدي إلى نمو شديد في اقتصاد الترف : رحلات البذخ الترويحية إلى الجزر والأماكن السياحية الجميلة ، إقامة الأعراس وحفلات الخطوبة الأسطورية، وزيادة أهمية الأسماء والماركات البارزة في الساعات والسيارات والمطاعم والفنادق والألبسة والأحذية ، والأدوات الرياضية . فسيارة { بورش كوريرا } تباع في بودابست الآن ب9.720.000 فورنت أي مايعادل الأجر الوسطي للعامل في الصناعة الهنغارية لمدة سبعين عاماً (24) . في الحقيقة يتنبأ شوسودوفسكي بعبودية جديدة حينما يقول : إن اقتصاد الخدمات والتكنولوجيا الرفيعة وبراءات الإختراع وحقوق الملكية الفكرية وتصميم المنتجات واقتصاد المعرفة بشكل عام ، يجعل منذ الآن الإنتاج المادي تابعاً للإنتاج غير المادي (25) . فتستهلك الولايات المتحدة وأوربا واليابان الآن جزءاً متزايداً من المنتجات المصنوعة في العالم الثالث ، وريع اقتصاد المعرفة في الدول الغنية يستأثر بنحو 80% من الدخل الكلي العالمي . هنا يجب أن نفهم قضية مديونية بلدان الجنوب التي تكمن في التبادل غير المتكافئ ، وهنا يجب أن نعرف منشأ الشعار المرفوع الآن : لا لحرية التجارة ، نعم للتجارة العادلة ... في عهد العبودية قديماً ، كان يقدم للعبيد شيئاً من الطعام لكي يبقوا أحياءً قادرين على إنتاج حاجات مستعبديهم ، والآن يقتطع جزءاً من الأرباح المنتزعة من المنتجين المباشرين في الجنوب عبر التبادل غير المتكافئ لتوفير قروض جديدة [ بفوائد عالية ] لكي تتمكن البلدان الفقيرة من تسديد ديونها . إن بلدان الجنوب يبدو أنها دخلت ، كما يقال في العلوم الطبية ، في حلقةٍ معيبة : ضغط على الأجور ورفع للأسعار وانخفاض في مستوى المعيشة وهكذا دواليك (26). ومن الملاحظ أن أكثر النقد الذي يتناول العولمة ، يستحضر ماركس بشكل أو بآخر ، تلميحاً أو تصريحاً ، إلى حلبة المناقشة والتحليل . وقد كان هذا بارزاً إلى حد كبيرلدى بعض الأوساط الكاثوليكية في إسبانيا . ففي النصف الأول من عام1998 ، دعت مجلة{ اكسودوEXODO } ـ التي يصدرها في مدريد جماعة من رجال الدين الكاثوليك والأشخاص المدنيين ذوي الميول اليسارية المرتبطين بمركز {الانجيل والتحرير} الذي ينشط منذ أعوام في العاصمة الإسبانية ، والذي ينشط فيه أيضاً أنصار لاهوت التحرير وجمعيات لاهوتيي { يوحنا الثالث والعشرين } – فريقاً من المثقفين لمناقشةِ سؤالٍ، قد طرحه محرروها على أنفسهم وعلى القراء،هو التالي : ماذا بقي اليوم من الماركسية ؟..(27). فيقول في هذا الإطار الفيلسوف الإسباني {مانويل باليستروس} : " بفضل المستوى النظري لأبحاث كارل ماركس وتحليله الجدلي للظواهر الإقتصادية نستطيع صياغة استراتيجية واقعية للخروج من الأزمة الحالية " . ويقول الكاهن الإيطالي {جيوليو جيراردي} المولود في القاهرة في{1926} والذي يعمل أستاذاً في الجامعة الساليزيانية البابوية في روما ، والذي شغل لأعوام منصب سكرتير أمانة شؤون غير المؤمنين في الفاتيكان : " إن انهيار الشيوعية الأوربية وإقامة نظام عالمي جديد ، قد أدَّى إلى ترك مشكلة البؤس مفتوحة بشكلٍ درامي ، وإلى تهميش قسم كبير من البشرية التي تسكن كوكبنا، وإن هذه المشكلة تزيد حدَّةً في كل يوم وكل ليلة " . ثم يؤكد هذا اللاهوتي بأنه لابد من إحداث انعطاف في العلاقات بين المسيحيين والماركسية " . ثم يتابع جيراردي : " إن الجانب الأكثر فتكاً في الليبرالية الجديدة والنظام العالمي الجديد ، هو القدرة على اقتلاع جذور الإيمان المعقود حتى الآن على الفقراء ، والأكثر من ذلك تدمير ثقتهم بأنفسهم . ويعتقد جيراردي أن الليبراليون الجدد لا يعارضون التوجه نحو الفقراء بالصدقة والعمل الخيري ، ولكنهم يعترضون على إمكانية أن يلعب الفقراء والشعوب المضطهدة أحد الأدوار الرئيسة في التاريخ . ثم يقر جيراردي بصراحة واضحة كل الوضوح : " إن الديانات متورطة في الأزمة الحالية ولاتستطيع الإمتناع عن المشاركة فيها ، إما إلى جانب المستغَلين أو إلى جانب المستغِلين . كان التحالف مع الغاشمين في الكثير جداً من الأحيان صفة مميزة للديانات ، ولاسيما المسيحية عبر التاريخ " (28). ويقول الفيلسوف الإسباني {كارلوس باريس}عن رأسمالية اليوم: " مع سقوط جدار برلين كشفت الرأسمالية من جديد عن وجهها الوحشي لا لتهاجم الإشتراكية فحسب ، بل كذلك الدولة الرعوية{ Welfare State} ...وفي هذا النظام الإقتصادي العالمي الجديد تتوجه الرأسمالية { بنت الكازينو } نحو المضاربات أكثر بكثير من الإنتاج . إنها رأسمالية تستغل التكنولوجيا الحديثة للحد من دور الشغيلة السابق ، بدلاً من استغلالها لتحسين نوعية حياتهم . وهي في الوقت ذاته تحرض على التهميش الجماعي . ثم ينهي كارلوس باريس تأملاته حول المستقبل قائلاً : إن الخيار الإشكالي الآن هو التالي : الإشتراكية أو الهمجية " (29). ويقتبس هذا الفيلسوف في مداخلته ماقاله البروفسور الألماني { فرانز ج. هنكيلاميرت } ، حول هذا الموضوع : إن الواقع المذل للعالم المعاصر، خاصة لدى مقارنته بصورته التي رسمها كارل ماركس في كتابه " نقد برنامج غوتا " مثلاً ، يشكل إهانة لغد البشرية . وليست العدالة الشاملة مثالاً يستحيل تحقيقه بل العكس : يجب تحويل مثل العدالة الإجتماعية إلى نماذج ملائمة للمنجزات التقنية في العالم الذي نعيش فيه . وهذا يعني بحد ذاته انتصار العقل في تاريخ البشرية " (30) . ويقول أحد أبرز لاهوتيي التحرير من الأرجنتين ، {انريك دوسيل} : لاتكفي حتى أفضل نوايا الأم تيريزا من كلكوتا ، لكشف مصادر بؤس سكان الهند . يجب معالجة المرضى الفقراء ، ولكن أليس من الأفضل ، إزالة أسباب الوضع المأسوي الذي وجد هؤلاء الناس أنفسهم فيه؟.. وهذا يحتاج إلى أكثر من النوايا النبيلة . من الضروري هنا ببساطة ، التعاون مع العلوم الإجتماعية النقدية ، والإستفادة من هؤلاء ذوي الخبرة في هذا المجال ، الذين أخذوا جانب المظلومين. ومن هذا الجانب لا بديل عن ماركس . أما الحكم بأن ما أنجزه ماركس قد شاخ نتيجة انهيار الإشتراكية التي كانت قائمة في أوربا الشرقية فهذا لايعني سوى القبول بالرأسمالية ، وطمس الأسباب التي وراء بؤس قسم كبير من البشر لايسكنون أطراف العالم العاصر فقط ، بل يعيشون كذلك في أوربا الغربية والولايات المتحدة " (31) . ولكن يجب أن ننوه هنا بأن كل مدعوي اكسودو أشاروا إلى أن ماركس يخطئ ويصيب ككل الناس ، وأن نصوصه ليست مغلقة ، ولكن تبقى الماركسية ، تملك كل الإمكانيات لتجديد ذاتها بما يتلاءم مع واقع جديد . وهنا يقول كارلوس باريس حول موضوع تطور الماركسية : مامن شيء يتعارض مع جوهر الماركسية _ وهي النظام الفلسفي النقدي العميق المتجدد_ مثل جعلها مجموعة مغلقة من المفاهيم والحقائق المحددة مرة وإلى الأبد . وهذا يتطلب ملاءمةحصيلة ماركس مع الواقع ، والتحليل المستمر ليس لمنجزاته فحسب ، بل كذلك لأخطائه " . إن نقد العولمة في الغرب عموماً ، يجري يومياً ، على قدمٍ وساق ، وفي أوساط ثقافية مختلفة. ويتجلى أحياناً برفض أوربيٍ للسلطة الإحتكارية التي اكتسبتها الولايات المتحدة الأميركية ، كقوة عالمية بعد حرب الخليج وانهيار الإتحاد السوفياتي . يقول {سيرج حليمي Serge Halimi} أحد كتاب الموند ديبلوماتيك عن موقف المثقف في ظل العولمة من نتائج تمركز رأس المال ،ومن تمركز الإعلام ودفق المعلومات : ماذا يجب علينا أن نفعل نحن المثقفين والصحفيين إزاء هذا العالم الذي يملك فيه358 ميليارديراً من الثروات مقدار مايمتلكه نصف سكان المعمورة كلها ؟ وإزاء عالم توجد فيه دولة كالموزامبيق ، تدفع لسداد ديونها الخارجية ضعفي ماتدفع على صحة شعبها وتعليمه . ويضع حليمي النقاط على الحروف تماماً ، فيقول : وكيف لنا نحن الصحفيين والمفكرين الإعتراض على مثل هذا الوضع واقتراح الحلول ... في الوقت الذي يملك هؤلاء المليارديرات من أمثال بيل غيتس وروبرت مردوخ وتيد تيرنر وكونراد بلاك ، الصحف ودور الطباعة التي نكتب فيها ولها ، والإذاعات وقنوات التلفزيون التي نتحدث ونظهر فيها ؟ إن الكاتب يتساءل عن دور المثقفين : هل بإمكانهم أن يكونوا صوت من لاصوت لهم . ويحاول عالم الإجتماع الفرنسي المرموق أن يقوم بهذا الدور مع نفر من المثقفين الفرنسيين الآن . ولقد أخذت العولمة حيزاً كبيراً من اهتمامات المثقفين والإقتصاديين العرب ، ولقد عبروا في كتاباتهم عن اتجاهات ومواقف مختلفة إزاءها ، منها من يؤيد الإنخراط فيها وفي مؤسساتها ويعتبرها قدراً محتوماً ومفروضاً علينا { الليبراليون المتغربنون }، ومنها من يعتبرها شيطاناً رجيماً لايجوز التعامل معها أبدا { بعض التيارات الأصولية ، والماركسيون الحالمون بعودة الإتحاد السوفييتي } ، وهنالك تيار ثالث يدعو إلى التعامل مع نظام العولمة من منطلق ، أنها تمثل مرحلة متطورة من الرأسمالية تشمل العالم كله ، وبالتالي لاتستطيع أي دولة أن تعيش بمعزل عن هذا النظام الإقتصادي العالمي الجديد الذي يفرض عليها التعامل معه ، ولكن عليها خلال هذا التعامل أن تأخذ بعين الإعتبار مصالحها ومصالح شعبها ومسألة مستقبلها ووجودها ، وقدرتها على إدارة سياستها باستقلالية . ويبدو الإتجاه الثالث أنه الأكثر عقلانية وواقعية . إن العولمة هي مرحلة جديدة من الرأسمالية ، أعقبت المركانتيلية والرأسمالية الكلاسيكية والأمبريالية . والعولمة بمواصفاتها الراهنة ، والتي تسمى الآن بالقدر والشيء المحتوم ، ربما لم تتوطد ، كما هي عليه الآن ، لوكانت التجارب الإشتراكية قد أخذت استراتيجياتٍ ومضامينَ أخرى ونتائج أفضل . فالتطور التاريخي ليس قدراً محتوماً ، ولاهو شيء مقررسلفاً ، بل هويخضع بالإضافة إلى الظروف الموضوعية ، إلى نشاطات الناس ومقدرتهم على تحليل الواقع ، وبالتالي يرتبط بمستوى فكرهم قبل شروعهم بالممارسة. من هنا نرى أن فشل التجربة الإشتراكية السوفياتية كان عاملاً مهماً إلى حدٍ كبير في نشوء المرحلة الرأسمالية الجديدة بأشكالها الراهنة التي هي العولمة. وبطبيعة الحال ، فإن الثورة المعلوماتية ووسائل الإتصالات ذات التقنية العالية جداً قد لعبت دوراً رديفاً في انتصارها . فلقد اتسم النظام الرأسمالي منذ نشوئه بالسمة العالمية، وهذه السمة لاتخص مرحلة العولمة فقط ، وحتى النظام البديل الإشتراكي فسوف لن تكتب له الحياة إن لم يكن عالمياً ، ويبدو أنه لابد هنا من عودةٍ إلى ماركس ولابد أيضاً من إعادة النظر في المقولة اللينينية حول انتصار الإشتراكية في بلد واحد . وفي اعتقادي أن أهم ما يميز العولمة الراهن هو سيطرة رأس المال المالي خلالها على كل الرساميل الأخرى سيطرةً أكثرَ حسماً وهيمنة من سيطرته في المرحلة الأمبريالية ، وسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات على السياسة والدول ، واضطراد الإستقطاب الهائل في الأطراف والمركز على السواء بين الأكثرية الفقيرة والأقلية الغنية . فلقد اتخذت سيطرة الرأسمال المالي الآن أشكالأً أخرى أكثر اتساعاً ، والتنافس بين الرساميل الماليةعلى المستوى العالمي ، انتقل من مرحلة التنافس بين الدول القومية إلى مرحلة التنافس بين الشركات المتعددة الجنسيات . أما فيما يتعلق بانتقال النظام الرأسمالي في منتصف القرن العشرين ، من عالمية دائرة التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول ، إلىعالمية دائرة الإنتاج كما يفترض الأستاذ {صادق جلال العظم } ، فهو في اعتقادي لايعدو أكثر من أحد مظاهر هذه السيطرة الحاسمة لرأس المال المالي على الرأسمال الإنتاجي ، وتجلياً أكثر عنفاً لإقتطاع أكثر مايمكن من القيمة الزائدة على المستوى العالمي . فلننظر إلىتوزع هذا الإنتاج على الكرة الأرضية الذي يتكلم عنه الأستاذ العظم ، فنراه توزعاً انتقائياً يتعلق بمستوى الربحية والإعفاء من الضرائب وبمستوى الرشوة التي تقدمها دول المحيط ، على شكل أموالٍ أوبنى تحتية ، للشركات المتعددة الجنسيات لكي تبني مصانعها فيها . ولم يلحظ الأستاذ صادق جلال العظم في دراسته حول العولمة ، مسألة العودة والنكوص فيها إلى المآسي والتناقضات الإجتماعية الهائلة التي سادت النظام الرأسمالي في القرن التاسع عشر إبان الإنتفاضات والثورات الإجتماعية الكبرى . والفرق هنا ان التناقضات الإجتماعية في العولمة ، ربما ستكون أكثر عمقاً وأشد مأسوية من المراحل التي سبقتها . ففي الأفق ملامح فاشيات ونازيات من نمط جديد . وفي العولمة الآن لايوجد فقط تقدم ، بل يوجد أيضاً لا تقدم . ، وهنالك ملامح لتفوق هذا اللاتقدم . فإلى جانب القرية العالمية والحاسوب المنزلي والأنترنت والتجارة الألكترونية والفضائيلت والهواتف المحمولة والخارطة الجينية ، هنالك اتساع في ثقبة الأوزون وانقراض لعدد كبير جداً من الأنواع الحيوانية والنباتية وتلويث هائل للأنهار والبحيرات والبحار والمحيطات ، وانتشار كاسح للأمراض الناتجة عن تلويث البيئة واستخدام الهندسة الجينية ، بما يخدم مصالح الذين لايفكرون سوى بأرقام فلكية مالية جديدة ، مثل السرطانات والايدز وجنون البقر وغيرها ، وتأجيجٍ للحروب عن بعد مثل تلك التي رأيناها في العراق ويوغسلافيا . وإلى جانب تزايد الإتصالات بين البشر ، نرى في الأفق ملامح التفكك والتقوقع في العالم ، ونرى إعادةً لمعادلة القوس والنشاب مقابل البندقية التي سادت بين المستعمرين و{ الهنود الحمر } ابتداءً من نهاية القرن الخامس عشر . لابل في الوقت الراهن المعادلة تأخذ أشكالا أكثر مقارقةً أحياناً ، إذ نرى الصواريخ الطويلة المدى من طراز {كروز وتوما هوك} مقابل البنادق والصدور العارية . في عولمة اليوم إلى جانب الكتب الإلكترونية ووسائل الرفاهية والتسلية الحديثة جداً ، هنالك لعِب وتجارة بمحتوى غذاء الناس وبأذواقهم الطعامية ، فثقافات الشعوب المتنوعة فيما يتعلق بطعامهم وشرابهم ، تدمج الآن في وجبات سيئة مع البيبسي والكوكا كولا ، تقدمها مطاعم {الماكدولاند} ، وكم كانت معبرة انتفاضة {الروكفور والكاممبير} في احتجاجاتها على هذه المطاعم في جنوب فرنسا . في اعتقادي أن الموقف من العولمة الراهنة لايختلف عن الموقف من النظام الرأسمالي في مراحله السابقة . إن النظام الرأسمالي والليبرالية قد قدما للبشرية والإنسانية تقدماً هائلا بالنسبة للأنظمة الإقتصادية التي سبقته ، ولكن كانت وماتزال تكمن في هذا النظام تناقضات اجتماعية هائلة تسبب الكثير من الألام والمآسى للإنسانية جمعاء ، تتجلى الآن في العولمة بشكلٍ وحشي . إن الموقف من العولمة لايكمن في المطالبة بإلغائها ، وبالإكثار من الكلام الإيديولوجي ، بل بالمزيد من نقدها فكريا وسياسياً وعملياً . إن تغيير الواقع يبدأ بنقده ، وإن مقولة نقد النظام الرأسمالي التي شرع بها كارل ماركس لاتزال حيةً وراهنة في مرحلة العولمة من هذا النظام ، وإن الحلم بنظامٍ أكثر عدلاً من الرأسمالية لايزال مشروعاً . وكذلك أي نظام مستقبلي نحلم به لايحيل أيضاً إلى مفهوم {الجنة على الأرض } ، بل هو يتطلب نقداً وتحسيناً من أجل إنشاء تقدم . إن كل التقدم الذي نراه في العولمة الآن لايعصم الإنسانية من نكوصٍ نحو البربرية ، إذا لم يترافق بمزيد من النقد ، ومزيد من النضال لتوجيه هذا التقدم إلى الأمام وليس إلى الوراء ..إن التراكم الكمي يؤدي إلى كيفٍ جديد ، ولكن جهة هذا الكيف ، إلى الخلف / إلى الأمام ، يحددها فكرالناس ونضالاتهم . فالثورة والتغيير يمكن أن يشكلا تقدماً ، أو يمكن أن يشكلا نكوصاً وتراجعاً . فالذي جرى في سياتل وواشنطن وجنيف وجنوب فرنسا وسيدني وملبورن وغيرها من البلدان ، لم يكن كرنفالاً ولا فولكلوراً كما قال فوكويوما ، بل كان شروعاً في النقد العملي لتوجيه العولمة في مصلحة بقاء الإنسانية وليس تدميرها . ماكان قد توجه به ماركس وانجلز في عام 1948 في البيان الشيوعي إلى { عمال العالم } لأن يتحدوا ، في اعتقادي لم يعد واقعيا ، فهذا الشعار راح يأخذ في الواقع العالمي الراهن أشكالاً ومضامين جديدة . لأن المهمشين في العالم الآن ، باعتراف دهاقنة العولمة يشكلون حوالي 80% من سكانه ، والمهمشون لايقتصرون الآن على العمال ، بل يشمل التهميش أيضاً الفلاحين والمزارعين والمهندسين والأطباء والتقنيين والكتاب والفنانين والعلماء وغيرهم . ففي فندق فيرمونت في سان فرانسيسكو بالقرب من وادي السيليكون انبثقت أمميتان معاصرتان ، أممية العشرين بالمائة ، وأممية الثمانين بالمائة التي أوكِلَتْ مسألة حياتها ومصيرها للجمعيات الخيرية ........!!! نقولا الزهر دمشق –10-10-2000 الهوامش 1-الموند ديبلوماتيك – ترجمة دار النهار – 22 أذار 2000 . 2- = = = = = = = = = = = 2000 . 3- من مقال لفرانسيس فوكوياما – جريدة الكفاح العربي – ترجمة ابتسام نور الدين –ك2 – 2000 . 4- فخ العولمة- تأليف هانس بيتر مارتين- هارالد شومان – ترجمة عباس علي – سلسلة عالم المعرفة – الكويت . 5- = = = = = ص 25 . 6- = = = = = ص26 . 7- = = = = = ص 27 . 8- = = = = = ص 27 . 9- = = = = = ص 28 . 10- من مقال لفرانسيس فوكوياما عن أحداث سياتل _ترجمة ابتسام نور الدين – الكفاح العربي ك2 2000 . 11- مسؤولية المثقفين –تأليف نعوم تشومسكي – الترجمة الفرنسية- تقديم –مشيل ألبير-ترجمة فريدريك كوتون –نشر آغون-ص 20 . 12- = = = = = = = ص21 . 13- = = = = = = = ص 22 . 14- فخ العولمة ص- 21 . 15- = = = = = ص 35 . 16- = = = = = ص 35 . 17- مقال لمصطفى لباد – مجلة وجهات نظر المصرية- عدد 15 – ص 50 . 18- = = = = = = = = = = ص 51 . 19- عولمة الفقر – سوسودوفسكي – أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة أوتاوا بكندا – ترجمة رزق الله هيلان – مجلة النهج – العدد22 ربيع 2000 – ص114 . 20- = = = = = = = = = = = ص 118 . 21- = = = = = = = = = = = ص 120 . 22- = = = = = = = = = = = ص 122 . 23- = = = = = = = = = = = ص 119 24- = = = = = = = = = = = ص 120 . 25- = = = = = = = = = = = ص 123 . 26- = = = = = = = = = = = ص 123 . 27- مفكرون كاثوليك يناقشون ماذا بقي من الماركسية – عن مجلة {الاكسودو} الكاثوليكية في مدريد- إعداد وترجمة مشيل منيّر – نشرة الفكر السياسي – ص 248 . 28- = = = = = = = = = = = ص249 . 29- = = = = = = = = = = = ص 257 . 30- = = = = = = = = = = = ص 251 . 31- = = = = = = = = = = = ص 253 .
#نقولا_الزهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا في الخمسينات
-
قصيدة قصيرة من أخدود دمشقي
-
من وادي الآلهة إلى وادي القديسين
-
الحوار المتمدن طريق رحب من الرؤوس والقلوب إلى الورق
-
العلمانية تحرر الدولة والدين من طغيان التحالف السلطوي -الفقه
...
-
مداخلة حول مفهوم الشعب
-
من الطقوس والإشارات في الحياة السياسية السورية
-
المجتمع المدني من جون لوك إلى الأمير سعود الفيصل
-
شذرات من - المقامةِ البربرية
-
إلى أيلول
-
يوم مشهود من أيام أبي نرجس
-
حمدي الروماني
-
التقيتهما مرة واحدة
-
حول التداخل بيت المقاومة والإرهاب
-
جودت الهاشمي
-
الشعوب العربية من نير الإقطاع السلطاني إلى نير الإقطاع الشمو
...
-
خيوط القمة العربية أوهى من الكلام على الإصلاح
-
قصيدة :دموع ليست من ماء
-
مقاربة حول الديموقراطية في العالم العربي
-
الأعمدة الزانية
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|