|
الزنى والحرية الجنسية
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3537 - 2011 / 11 / 5 - 11:25
المحور:
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
الزنى والعهر والقحبنة إنها ألفاظ شائعة .. تستخدم للشتيمة والتحقيير وتلويث السمعة والتأثيم .. الخ ولهذه الألفاظ في معجم " المنجد " نفس الجذر والدلالة ، وهو فعل الفحشاء والمنكر والرذيلة من الناحية الجنسية بالتحديد ، وبمعنى أدق ، هي نعت لعلاقة جنسية غير مشروعة : في العرف الاجتماعي والشرع والقانون ، وقد اعتاد الناس هذا الفهم ، وصار جزءا من بنيتهم الأخلاقية والسلوكية ، التي تكاد تكون نوعا من المسلمات غير القابلة للنقاش . ولكن هل الأمر كذلك ، أم أنها حالة ثقافية تاريخية محنطة ؟ ويجب أن توضع في المتحف ؟ بدليل سقوطها الشامل على صعيد الممارسة . إذ أن المجتمع أسقطها عمليا ، مادام يمارسها في الخفاء ، يسرقها بأساليب من الاحتيال والنصب والتجارة ، والخداع والمراوغة والتضليل العاطفي والعقلي والمادي والمعنوي . وجعل الناس من الجنس سوقا سوداء ، وحوله إلى قاعدة عامة غير مشرعنة ولا معترف بها حتى الآن على الرغم من قوة نفوذها وحضورها وسلطتها الفعلية على صعيد الممارسة والسلوك اليومي للناس كبيرهم وصغيرهم . والحالة هذه فإن المفهوم الرسمي للجنس ساقط تماما ، وهو مجرد شكل هش ، يسهل التحايل عليه وخرقة .. لأنه بات كالغربال من كثرة الثقوب والثغرات التي يمكن لأي كان أن ينفذ منها ، ليعيش حالة الجنس التي يريد ويرغب ، وبالصورة التي يحبها . ولابد والحالة كذلك من إعادة النظر في نظام العلاقات الجنسية والقوانين الناظمة لها ، لتغدو أكثر ملاءمة ومناسبة للواقع المعطى ، وأكثر تعبيرا عن الواقع الفعلي القائم والمتحرك عكس النظم الجنسية القديمة وغير الصالحة للبقاء أو الحياة أكثر من ذلك . الجنس بين الحق الشخصي والحق الاجتماعي ( العام ) كان الجنس قبل الشرائع والأديان حرا ، لايقيده قيد سوى شرعة طرفيه : المرآة والرجل . ثم أصبح في جانب منه شأنا عاما اجتماعيا ، يبرر تدخل السلطة الاجتماعية به إلى حد ما . الجنس حق شخصي فردي ، نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، وتفترضه الطبيعة الإنسانية ، ولاسلطة خارجية عليه مادام شريعة المتعاقدين من جهة ، ومادام لايترك أثرا على الصالح العام والمجتمع من جهة ثانية ، وهو المعمول به في معظم البلدان المتطورة ، حيث الزواج لايشترط التسجيل والإشهار ، ولا يستدعي تدخل الدولة/السلطة في ذلك الشأن الثنائي بين الرجل والمرآة . وبالتالي لايتقيد بأية بروتوكولات : كالشهود والكتابة والتسجيل وغير ذلك من عادات وتقاليد وشكليات عرفية وقانونية . أما الشأن العام ، فهو كل فعل يقوم به الزوجان ، ويترتب عليه تدخل المجتمع والقانون ، ومنه إنجاب الأولاد ومايترتب عليه من حقوق ونتائج . هنا يصبح الزواج ليس مجرد شرعة الزوجين ، بل يتعدى تلك الحدود ، ليصبح في جانب منه مصلحة اجتماعية ، وهنا لابد من تدخل المجتمع والقانون والقضاء لفض الخلافات إن وجدت . وضمن هذا الإطار لا معنى لألفاظ كا لزنى والعهر ، لأنها تفقد دلالاتها التي تعودنا عليها . فالزنى كتوصيف لممارسة حرية الجنس ، والحق بممارسة الجنس ، يصبح مشروعا قانونا ، وليس فعلا مجرما . وبالتالي ليس تهمة أو إدانة ، كما لا يمكن تحقيره وذمه كسلوك إنساني حر ومسؤول ومحترم وشرعي كما هو الحال في معظم البلدان المتطورة ، والتي طلقت الماضي والخلفيات الدينية للجنس ، وعقدت على الجنس المدني الحر طريقا دنيوية موضوعية ومنطقية بكل المقاييس ، وهي مادامت لاتتعارض مع حريات الآخرين ولا مع حرية ا لمجتمع ، فهي إذن فعل مشروع ، ولايسعنا أن نعيبه بحال من الأحوال ، وهو إذن فعل طبيعي وأخلاقي الحرية الجنسية : حق وليس تجارة هنا أقول : أن الحرية الجنسية من حيث هي حق ثنائي متلازم وملتزم ، هي أمر محمود ، لأنه تعبير عن الاستقلال والإرادة المشتركة لطرفيه ، وهو فعل عفوي يقوم على الاختيار الحر المبني ربما على كل من العاطفة والعقل ، وإن لم يكن فعلى أحدهما .. وهو غير محبذ ولامفيد في كثير من الأحيان . أما الإتجار بالجنس ، فهو مسألة أخرى ، لا علاقة لها بالحرية الجنسية من حيث هي فعل إنساني سامي له مقوماته الخاصة التي ليس الهدف منها الإتجار ، بقدر ما هو التعايش الحيوي والنفسي ، والمشاركة المتبادلة الحميمة بين الطرفين . والإتجار وإن كان شيئا آخر ، فهو أيضا لايشذ عن مفهوم الحق أو الحرية الجنسية من حيث هو حق شخصي محض ، ولايحق لأحد مصادرته أو الحد منه تحت أية ذريعة .. والمتجر جنسيا يتحمل مسؤولية عمله أدبيا وماديا وأخلاقيا لاأكثر ولا أقل . الحرية الجنسية أقوى من القانون : في المجتمعات المتعصبة جنسيا ، نلاحظ فيها انتهاكات مفزعة للقوانين المتعلقة بالجنس ، ومايعرف منها سوى النذر اليسير ، وأن حظر الحرية الجنسية فيها ، ووجود المعوقات المادية والمعنوية والموضوعية ، يؤدي إلى انتشار الكبت الذي يؤدي بدوره إلى كوارث فظيعة من الارتكابات الشاذة والانحرافية ، البعيدة عن عدسة ا لمجهر الاجتماعي والإعلامي ، وبالتالي يعيق أية سبل للحل وعلاج الجرائم التي تحصل في الظل ، وبعيدا عن أعين أي رقابة . كسفاح ذوي القربى واغتصاب القاصرات أو الزواج منهن بتغطية فقهية دينية ومباركة شرعية وحكومية ، وهو مايعني حجما هائلا من الحياة الجنسية الفاسدة والظالمة ، وفي مقدمتها الاتجار بالجنس تحت غطاء الزواج الزواج الرسمي في كثير من الحالات لايختلف عن المتاجرة بالجنس ، لأنه نوع من البيع الرخيص المؤبد ، مايحول المرأة إلى مجرد أمة وخادمة للرجل ، وليس لها حول ولاقوة في تقريرمصيرها أو حتى المشاركة به ، وتلك جريمة مستمرة لايحاسب عليها الرجل ، بل يشرعنها القانون له بكل بساطة . وحتى يكون الأمر مختلفا ، لابد من يتأسس الزواج على التكافؤ والمشاركة ، والحرية والمسؤولية ، والبعد عن مفاهيم المهر المقدم والمؤخر ، وهذا ما يؤدي إلى نظام أسروي أكثر تماسكا وقوة وقدرة على الحياة والاستمرار والإبداع وتربية النشء السوي الصالح والصحيح نفسيا وعقلينا .
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرجيمة : قصة قصيرة
-
الأسد : السكرة والفكرة
-
رحلة ماجلان : شعر
-
عن الأديب حسن حميد
-
العائم: قصة تشكيلية
-
مها عون : مغامرة الإبدع والتشكيل l
-
سوريا : السلطة اللاسياسية
-
فرح نادر: بين غيبوبة العاطفة وصحوة العقل
-
من قصائد الثورة : (6)
-
مساهمة نقدية
-
الشبح : شعر
-
عن المؤسسة الزوجية
-
من قصائد الثورة (5)
-
من قصئد الثورة (4)
-
ذلك اليوم الجميل: شعر
-
من قصائد الثورة : شعر
-
من قصائد الثورة (2) : شعر
-
من قصائد الثورة (1)
-
رحلة جليفر الجديدة : قصة قصيرة
-
أنور سالم سلوم
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي
/ حسقيل قوجمان
-
ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية
/ صالح الطائي
المزيد.....
|