|
من يشعل الفتنة الطائفية فى مصر ؟
عبدالوهاب خضر
الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:37
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
تشهد مصر خلال هذه الأيام حالة من القلق بين المسلمين والاقباط بسب وقائع متناثرة وخلافات حدثت بين مواطنين من الديانتين فى اسيوط والبحيرة والمنيا خاصة وان قداسة البابا شنودة الثالث بطريرك المرقسية مستمر فى إعتكافه بدير وادى النطرون وذلك منذ الاربعاء الماضى ويرفض إنهاء ذلك إلا بعد ظهور علامات معينة ترضى ضميره , الامر الذى يفتح ملف الفتنة الطائفية من جديد فى ظل ظروف صعبة تمر بها مصر على كافة الاصعدة .. فماذا يجرى الان ؟ الحقيقة التي أكدها الجميع أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر جيدة جدا وأن الخلافات التي تنشب بينهم أحيانا لها أبعاد اجتماعية واقتصادية تحدث باستمرار بين أصحاب الديانة الواحدة، وأن محاولات إشعال الفتنة الطائفية داخل مصر من وقت لآخر يستفيد منها العدو الأمريكي والإسرائيلي والذي من مصلحته الضغط علي مصر بكل الأوراق للتأثير في القرار السياسي من أجل مصالح استعمارية!. وعندما ثار المسيحيون منذ أيام من جراء أزمة اختفاء زوجة كاهن كنيسة مارجرجس بحوش عيسي بالبحيرة وسريان شائعة حول تحولها للإسلام واعتصموا بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية كانت الأيادي الخفية العدوانية تلعب من جديد سواء في الداخل أو الخارج من أجل إشعال الفتنة في ظل ظروف سيئة يمر بها الوطن العربي من استعمار أمريكي وإسرائيلي بالعراق وفلسطيني وكذلك صفقات داخلية غير واضحة الملامح حتي الآن!!. طيش شباب الدكتورة نجية إسحق أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس قالت : أنا كمسيحية لا أشعر بالفرق في التعامل داخل مصر فالإجازات واحدة والمساواة في العمل عادلة، ويجب علي المسيحيين أن يعترفوا بأن العلاقة مع المسلمين داخل هذا البلد المسلم ليس لها مثيل في العالم، وتتهم الدكتورة نجية إسرائيل بأنها المسئول الأول عن إشعال الفتنة من خلال رجال لها هنا في مصر وذكرت أن ما حدث هو «طيش شباب» وله أبعاد اجتماعية بحتة. مجموعة للمتابعة أما الكاتب والمفكر الكبير د. ميلاد حنا يري أن الوحدة الوطنية هي الحل وأنها موجودة بالفعل ولكنها تحتاج تدعيما مستمرا وقال إن الحل في يد الرئيس مبارك. ويري د. ميلاد حنا أن العلاقة بين الأقباط والمسلمين في مصر ذات ركائز قوية ومن حق مصرع أن تفخر بذلك، ولكنها تحتاج إلي متابعة وتأمين وتخطيط مستمر من جانب من يحملون هذا الملف الساخن بأكمله وهي الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية ولكن هذه الأجهزة - للأسف - تفكر بصورة أمنية فقط وهنا يكمن الخطر. وقال حنا إنه اقترح منذ سنوات أن يكون هذا الملف في مكتب الرئيس مبارك شخصيا وأن يختار الرئيس شخصا موثوقا به ليكون همزة وصل بين مجموعة من حكماء مصر الوطنيين أقباطا ومسلمين، يمثلها رجال دين وأمن وسياسية وشخصيات عامة لدعم الوحدة الوطنية فالأمر لا يجب أن يترك للشرطة وحدها. وذكر حنا أنه طالب بهذه الفكرة منذ سنوات، ولكن الحكومة تسمع بإذن من طين والأخري من عجين، وحذر حنا من أن العيار قد ينفلت أكثر من ذلك في حالة عدم استجاب الحكومة لفتح قنوات الحوار عن طريق هذه المجموعة. وعلق المفكر الكبير محمود أمين العالم علي ما حدث مؤخرا من مهاجمة البعض لمقر جمعية مارجرجس بالمنيا بقرية بنقطين أثناء وجود عدد من المسيحيين لأداء الصلاة وقاموا بحرق صيدلية وسيارة ملاكي وبعض الآلات الزراعية، بأنه حادث عادي يحدث في كل العالم وأن الصراع بين المسلمين والمسيحيين ليس له علاقة بالدين، وإنما الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتدنية وغياب المشروع القومي هي السبب، ويؤدي إلي ارتكاب الجريمة داخل كل الأديان. وقال العالم إن ما يحدث الآن بين المسلمين والمسيحيين هو عبارة عن آلام داخل جسد مريض يعاني من الفقر والتبعية السياسية والاقتصادية وأن لعبة إشعال الفتنة الطائفية قديمة كان يمارسها الاحتلال الإنجليزي والفرنسي في مصر أيام الاستعمار لتحقيق مصالح خاصة. وطالب العالم بتشكيل قوي شعبية تعترف بهما الدولة داخل الأماكن المكتظة بالمسملين والمسيحيين، يكون هدفها الأول هو تقوية الوحدة الوطنية وخلف أشكال متعددة للتعاون بين المسلمين والمسيحيين. محاولات إشعال الدكتور شوقي السيد عضو مجلس الشوري ونائب رئيس جمعية الوحدة الوطنية قال إن مصر لا تعرف إلا الوحدة الوطنية، وأنه ليس الدستور وحده الذي يقول ذلك ولكن التاريخ أيضا فكيف وقف المسيحيون والمسلمون مع بعضهم محققين انتصارات هذا البلد في ثورة 1919 وحرب أكتوبر عام 1973 وخلافه. وألمح د. شوقي السيد أن ما يحدث بين المسلمين والمسيحيين من محاولات إشعال الفتنة الطائفية يرتبط بظروف سياسية واقتصادية تمر بها البلاد وأن أعداء الخارج يحاولون من خلال هذه الورقة الضغط علي القيادة السياسية. وطالب شوقي السيد وسائل الإعلام ورجال الدين المسيحي والإسلامي بتثقيف الشعب المصري بالتاريخ المشرف للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وكيف كانت الوحدة الوطنية علي أشدها وقت الأزمات مثل التي تمر بها الآن علي المستوي الداخل والخارجي. علامات التخلف ويري د0يونان لبيب رزق الكاتب والمؤرخ الكبير أن العالم كله مشغول بالتقدم والتكنولوجيا ونحن هنا مشغولون بفلان أسلم وفلان أصبح مسيحيا ويري د. يونان أن ذلك علامات التخلف والرجعية لأن مسألة العقيدة هي ملك للناس ولا إكراه في الدين. وأعرب الدكتور يونان عن حزنه الشديد لما حدث منذ أيام من محاولات إشعال الفتنة الطائفية في مصر وقال إن ما حدث له أسباب اقتصادية واجتماعية بحتة ليستفيد منها العدو!!. قال الأنبا كريستيان اليسوعي المستشرق والمتخصص في الإسلاميات إن ما حدث يتطلب الاستيقاظ والسعي نحو دعم الوحدة الوطنية وقبل كل ذلك التأكد من حقيقة الأحداث حتي لا نبني تصرفاتنا علي خيال ووهم مثلما يحدث غالبا. وقال إن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين جيدة جدا والتاريخ يؤكد ذلك وأنه علي الأعداء ألا يلعبوا بهذه الورقة المحروقة، وطالب الأنباء كريستيان اليسوعي بالرد علي هذه المحاولات بالتآخي والمحبة ودعم جسور الثقة حفاظا علي الوطن والمجتمع. ما ذكرته المصادر التي التقينا تؤكد أن الوحدة الوطنية في خطر بفعل فاعل!. والفاعل هنا معلوم وهو العدو والمواجهة التي طرحها البعض خطوة نحو تخطي الأزمة بل وعدم تكرارها مرة أخري داخل هذا البلد الآن الذي يعيش فيه أقباط احتفظوا بعقيدتهم المسيحية وتمسكوا بها منذ القرن الأول الميلادي حيث كانت مصر من أوائل البلاد التي بشرت بالمسيحية ووجدت قبولا من المصريين فقد كان التثليث الفرعوني «أوزريس وإيزيس وحورس» تمهيدا لقبولهم التثليث لمسيحي ثم مزج المصريون العقيدة الجديدة مع التراث القديم فتبلورت تعاليم المسيحية في إطار فلسفي دقيق حتي صارت جامعة الإسكندرية مصدر الفكر المسيحي ومكان الحوار العقائدي حتي كان مجمع نيقية عام 325 ميلادية، فأصرت مصر علي رأيها من أن للمسيح طبيعة وإرادة واحدة وإزاء هذا التمسك سمت نفسها بالأرثوذكسية أي المستقيمة الرأي دون تغيير حتي الآن، وهذا ما جاء في كتاب: نعم أقباط00 لكن مصريون للدكتور ميلاد حنا الذي يري منذ عام 1980 أننا نعيش في منطقة ملتهبة من العالم يملؤها الصراع والخلاف وتباين وجهات النظر وقال: فلتختلف النظريات السياسية كيفما شاءت، وليكن الصراع العربي - الإسرائيلي موضوع حلول متضادة وليتغير المجتمع وفق هواه يمينا أو يسارا ولكن في كل الأحوال يجب إخراج لعبة الصراع الطائفي من الحلبة فهي لعبة خطرة سيكتوي بنارها من يلعب فيها أو بها. أما الكاتب الكبير نبيل ذكر رئيس تحرير جريدة الاهالى المصرية المعارضة والناطقة بلسان حزب التجمع اليسارى فقد ذهب بنفسة الى أسيوط وتعليقا على الاحداث هناك فى أسيوط قال فى مقال تاريخى ومتميز له فى جريدة الاهالى قال : «أسيوط».. أو «سيوط» كما كانت تعرف في مصر القديمة.. يرجع تاريخها إلي عصر ما قبل التاريخ. أشعر بارتياح كلما زرت هذه المدينة العريقة التي يعني اسمها الفرعوني «الحارس» أو «حارس الطريق». هنا.. خرج المصريون لمواجهة القوات الفرنسية يوم 18 أبريل عام 1799. حملوا السلاح للتصدي للغزاة وشهدت قرية «بني عديات» ملاحم بطولية. وعجز الفرنسيون عن الاستيلاء علي القرية.. فأشعلوا النار في البيوت. هنا مسقط رأس «عمر مكرم» وجمال عبد الناصر وحافظ إبراهيم ومصطفي لطفي المنفلوطي وويصا واصف وقداسة البابا شنودة وأحمد بهاء الدين وسعيد سنبل وصلاح عبد الصبور ومحمود حسن إسماعيل وسينوت حنا وجلال الدين السيوطي وابن دقيق العيد.. والفيلسوف أفلوطين وإستر فهمي ويصا وحامد جودة وممتاز نصار.. وعواطف عبد الرحمن ومحمد مستجاب وفوزي العنتيل وكمال الملاخ والدكتور محمود محفوظ.. وآخرين كثيرين. هنا.. يبدو النيل شامخًا.. متدفقًا في كبرياء ،ومازال قصر ثقافة أسيوط مضيئًا يموج بالنشاط منذ أيام صلاح شريت وحتي الآن في أيام حمدي عبد اللطيف (بعد فترة توقف وجمود) شهدت معرض القاهرة الدولي لكتب الأطفال في مصر ثقافة أسيوط ومعرض الكتب. ويضيف رئيس تحرير " الاهالى : ولاحظت الإقبال الشديد علي المعرض. وثمة معرض للفن التشكيلي يقدم أعمال الفنان أحمد هاشم الصعيدي. ومازال الأسيوطيون يتحدثون عن المؤتمر الخامس لمركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط والقضايا التي طرحها حول المجتمع المدني والإصلاح في الوطن العربي. اللقاء مع محافظ أسيوط اللواء أحمد همام ومع أعضاء المجلس المحلي للمدينة برئاسة محمد عبد المحسن صالح ومع جمهور كبير في ندوة قصر الثقافة.. يتناول الموضوع الرئيسي وهو كيفية ترسيخ الوحدة الوطنية وصيانة النسيج الواحد للأمة. كذلك اللقاء مع الأنبا ساويرس أسقف ورئيس دير المحرق بحضور الصديق جمال أسعد عبد الملاك الكاتب وعضو مجلس الشعب السابق. أجواء طيبة في الشارع الأسيوطي.. لا مكان للقلق أو التشاؤم، بل شعور بالثقة بالنفس. سمعت من اللواء أحمد همام ومن القيادات الشعبية والتنفيذية دفاعًا عن حق المسيحيين في الحصول علي ما يعزز حريتهم في ممارسة شعائرهم. ويقول نبيل ذكى : سمعت من الأنبا ساويرس تقديرًا لمواقف سبق اتخاذها لتوفير أماكن العبادة. روح مصرية أصيلة ومناخ من التسامح والاعتدال يسيطر علي المدينة التاريخية. ولا غرابة.. فهذه هي مصر التي نعرفها. وكل ما عدا ذلك دخيل.. وباطل الأباطيل. قال غبطة البطريرك شنودة يومًا: «مصر تحمي وحدتها، لأنها وحدة حصينة مهما كانت مصائب الجهل والفقر والتخلف، وأيا كانت مخططات القوي الأجنبية...». وقال بطريرك الكرازة المرقسية: «الوطنية روح الأرض التي نفتديها..». وقال: «مصر لا خوف عليها أبدًا. إنها «المحروسة» حقًا. توحد شمالها وجنوبها منذ آلاف السنين وتناوب عليها الغزاة. ولم تتعرض وحدتها العريقة للخطر.. أي خطر». ومن كلماته الرائعة: «وحدة مصر والمصريين من أسرار هذا البلد الخالد.. هل هي الجغرافيا؟ هل هو الإنسان؟ كم من البلايا أصبنا بها علي مدي التاريخ، ولكن وحدتنا بقيت تقاوم الزمن، فلا خوف علي مصر، ولا تشابه بينها وبين غيرها.. والثقافة العربية والحضارة الإسلامية عنصر رئيسي فاعل في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا». الوطنية لدي جمال الدين الأفغاني متحررة من الحدود الدينية. فالأصول القومية لديه هي الجوهرية، والخلافات في مذاهب الديانة هي الفرعية. ومصدر قوة الأمة هو في تمسكها بالأصول الجوهرية، أما مصدر ضعفها فهو تغليب الخلافات الفرعية، ولذلك فهو يركز علي الوحدة الوطنية في المصالح العامة. وفي مصر تراجعت أفكار الأفغاني عن «الجامعة الإسلامية» لتحل محلها بقوة فكرة «الأمة العربية» وأهميتها القصوي ويركز الأفغاني في الحديث عن المصريين باعتبارهم «أمة»، فيقول في كتابه «الخاطرات»: «إذا اتحد المصريون ونهضوا كأمة لا تري بدًا من استقلالها.. فبشر المصريين بأحسن المآل ونيل الاستقلال». ويذكر الأفغاني أنه من بين مناقب المصريين أنه «كان لهم زمن أحس فيه كل واحد بنسبته من الآخر بأنه وطني مصري، وارتفعت بذلك أصواتهم بعد ما جالت به أفكارهم». وصاغ الأفغاني عبارة «مصر للمصريين» التي صارت شعارًا للثورة العرابية وللحركة الوطنية التالية لها، ودعا إلي العقلانية في فهم الدين وإلي ضرورة تبدل التشريعات مع تطور الزمان. وحذر من الجود والوقوف عند أقوال أناس هم أنفسهم لم يقفوا عند أقوال من تقدمهم، وانتقد القائلين بأن باب الاجتهاد قد أغلق بعد الأئمة الأربعة. كان جمال الدين الأفغاني يرشد تلاميذه وحزبه السياسي إلي وجوب اتحاد أهل كل قطر شرقي في التعاون علي الأعمال الوطنية السياسية والعمرانية. وكان حزبه مؤلفًا من أذكياء الملل المختلفة. ويؤكد رشيد رضا أن الشيخ محمد عبده كان يري الوطنية عبارة عن تعاون أهل الوطن الواحد - المختلفي الأديان - في كل ما فيه عمرانه وإصلاح حكومته، كما كان يري أن الأقباط علي أتم الاتحاد والتآلف والتعاون بينهم، ولم يصدر عنهم قول ولا فعل في مقاومتهم أو دعوة المسلمين إلي ذلك، إنما كان يجب أن يجتهد كل فريق بنفسه في ترقية مصالحهم المالية، ويتعاون الجميع علي المصالح المشتركة الوطنية. وفي كتابات الإمام محمد عبده عن مصر والمصريين: إن الدين الإسلامي الحقيقي ليس عدو الألفة ولا يحارب المحبة، ولا يحرم المسلمين من الانتفاع بعمل من يشاركهم في المصلحة وإن اختلف عنهم في الدين. ويقول: إن العارف بحقيقة الإسلام أبعد عن التعصب الجاهلي، وأقرب إلي الألفة مع أبناء الملل المختلفة، وإن القرآن منبع الدين يقارب بين المسلمين وأهل الكتاب «حتي يظن المتأمل فيه أنه منهم لا يختلفون عنهم إلا في بعض أحكام قليلة». تقول الدكتورة نعمات أحمد فؤاد: «إن الدين علاقة خاصة بين الله والإنسان، ولكن الوطن علاقة عامة أخطر أثرًا، لأن الله غني عن صلواتنا تحت جميع الأسماء، ولكن الوطن حياته بحياتنا، وحياتنا بحياته مقترنة ومطردة علوا وانخفاضًا».. «والأديان جاءت بعد الإنسان. ونحن مصريون قبل الأديان وإلي آخر الزمان». وتضيف الدكتورة نعمات فؤاد قائلة: «المسيحية جاءت من فلسطين، والإسلام جاء من الجزيرة العربية. وليس الأقباط بالمسيحية فلسطينيين.. بل هم مصريون اعتنقوا المسيحية. وليس المسلمون بالإسلام عربًا، بل هم مصريون اعتنقوا الإسلام، وكما نشرت مصر المسيحية وأضافت إليها كما لم يفعل أحد، نشرت مصر الإسلام ومكنت له كما لم يفعل أحد.. «وبما تمثل المسيحية من وقفة مصر وموقفها، ومن رأيها وشخصيتها، نعتز بالمسيحية مسلمين وأقباطًا لأننا مصريون. وبما يمثل الإسلام من سماحة مصر وتفتحها، من إحساسها بذاتها حتي لا تخشي الجديد، لأنها بالتاريخ الطويل تعرف أن لها في كل مسرح مكانها ومكانتها.. بهذا، ولهذا نعتز بالإسلام أقباطًا ومسلمين لأننا مصريون». يقول الدكتور سليمان حزين في دراسة عن «سكان مصر وتاريخهم الجنسي»: إن الطابع الجنسي العام للمصريين قد وجد واتخذ صورته المميزة قبل أن يكون هناك أقباط ومسلمون. وكان عبد الله النديم يكتب في مجلته «الأستاذ» ليقول: حتي في الحروب الصليبية، التي تحرك لها عالم أوربا برمته، وامتدت قرنين، وكان لمصر فيها الشأن الأكبر واليد القوية، لم يسمع أن مسلمًا تعدي علي قبطي مع اشتعال نيران الحروب. وقد امتد ذلك حتي في زمن الحركة الأخيرة (يقصد الثورة العرابية) التي كانت مظنة لحدوث فتنة بين المسلمين والأقباط، فأنه لم يسمع بتعدي أحد الفريقين علي الآخر، وعلي الخصوص في بلاد الصعيد التي يسكنها معظم الأقباط. وهذا كله دليل علي أن التسوية بين المحكومين تكون الجامعة الوطنية. هذا ما يقوله خطيب الثورة العرابية، الذي يؤكد في موضع آخر: «ومع كون الأقباط عاشوا دهرًا طويلاً وهم أصحاب مشيئة واحدة، يأتمرون بأمر رئيسهم الديني وينتهون بنهيه فأنهم لم يجتمعوا يومًا لتفريق عصا الجامعة الوطنية، ولا لشق ثوب الائتلاف، ولا تنافروا مع المسلمين بسبب من الأسباب دينيا أو دنيويا». وعلي نفس طريق الأفغاني، كان عبد الله النديم ينظر إلي «الوطنية» علي أساس «الجنسية» - أي الانتماء إلي إقليم واحد - وليس علي أساس الانتماء لدين معين، وظل يربي الجيل الثاني من الثورة الوطنية علي هذا المفهوم، فكتب في «الأستاذ» بتاريخ 14 مارس عام 1893 يقول: إن الأقباط متأثرون بالجنسية أكثر من تأثرهم بالدين، يميلون إلي المسلم المصري لأنه أقرب إلي جنسيتهم من الإنجليزي، الذي هو من دينهم ولكنه بعيد عن هذه الجنسية. ودعا النديم إلي فصل الدين عن الوطنية. وكان مصطفي كامل يري أن الأمة المصرية تضم جميع القاطنين في مصر وأنه «لا يجوز للغة أو الدين أن يؤثرا في تحديد من يمكن أن تشملهم الوطنية المصرية». يعترف كرومر - المعتمد البريطاني الشهير في مصر أيام الاحتلال - في كتابه «مصر الحديثة» بالحقيقة الساطعة، وهي «أن القبطي والمسلم إنسان واحد هو في النهاية الإنسان المصري. والقبطي من قمة رأسه إلي أخمص قدميه، في السلوك واللغة والروح، مسلم وأن لم يدر كيف، فالقبطيات تتشبه بالمسلمات. والأطفال يشبون علي وجه واحد، وعادات الزواج والمآتم تشبه ما عند المسلمين». ويؤكد نبيل ذكى : التاريخ القبطي يعي جيدًا أنه عاني من اضطهاد مسيحيي الغرب ما لم يصادفه من غيرهم، ومحاولات كنائس الغرب تصفية التميز الفكري للكنيسة المصرية لم تتوقف خلال القرنين الأخيرين بواسطة بعثات التبشير وغيرها. ومقاومة الكنيسة القبطية لهذه المحاولات ودفاعها عن استقلالها كان مصدرًا لاعتزاز يستشعره المصريون عامة. وجاء نمو الجامعة الوطنية في مصر الحديثة مع انسلاخها من الخلافة العثمانية ومع تجنيد «أولاد العرب» (المصريين) وتصعيدهم في المستويات الدنيا لأجهزة الحكم في عهد محمد علي. ويقول طارق البشري: إن النظرة العامة لنمو حركة التمصير للقاعدة العريضة لهذه الأجهزة حتي عهد الخديو إسماعيل، في الربع الثالث من القرن التاسع عشر، يظهر أن التناسب كان طرديا بين ظهور «أولاد العرب» في جهاز الدولة وتصاعدهم فيه، وبين ظهور الأقباط ونموهم فيه رغم أن هذا النمو الطردي كان يتم بصورة أكثر بطئًا وبنسبة أقل في حالة الأقباط. وقد عارض الأنبا كيرلس الخامس بطريرك الكنيسة القبطية مساعي اللورد كرومر لوضع الكنيسة المصرية تحت الحماية البريطانية، ورفض ماعرضه عليه اللورد من معونات مالية لمساعدة مدارسه. وكان الأنبا كيرلس الخامس موضع ثقة العرابيين أيام الثورة العرابية، وكان في مقدمة من وقعوا قرار خلع الخديو توفيق وأعلن مساندته لقادة ثورة 1919 ومباركته لتآلف المسلمين والأقباط فيها. وكان يرد علي محاولات المستعمرين الإنجليز للوقيعة والدس بين المصريين بقوله: إن المصريين شعب واحد. والمعروف أن الأقباط رفضوا فكرة التمثيل النسبي عند وضع دستور 1923، لأن مثل هذا التمثيل يحيل الأقلية الدينية إلي أقلية سياسية مغلقة، لا أمل لديها أن تتحول - علي عكس الأقليات السياسية - إلي أغلبية، كما يقول طارق البشري يقول الأب متي المسكين في دراسة عن «الطائفية والتعصب»: إن الطائفية تعني أن يستيقظ في الإنسان وعي استقلالي بجنسه أو دينه أو عقيدته.. وتحت هذه الدوافع.. إما أن ينطوي علي نفسه أو أن يهاجم ويصادم، فالطائفية والتعصب منذ ظهورهما في الطفل هما ملاذ للأمن النفسي، والتفاوت بين إنسان وآخر في الطائفية والتعصب، يتناسب في عنفه وشدته، مع الإحساس أو الوهم أو الخوف من تهديد سلام النفس وأمنها سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة، لذلك فإن أقوي سلاح لإثارة النعرة الطائفية أو التعصب بين الأفراد والجماعات هو التأثير عليهم لإدخالهم في مجال الإحساس بضياع الأمان والسلام النفسي. ولا علاج للتعصب - في رأي الأب متي المسكين - إلا أن نزيد له المعرفة الصحيحة. ويقول أبو سيف يوسف في كتابه «الأقباط والقومية العربية»: إن العلاقة التاريخية بين المسلمين والأقباط لم يكن واردًا في أحد مقوماتها مفهوم النزعة الانفصالية علي الأقل لأنه لم تنشأ في مصر أوضاع تاريخية خاصة تدفع إلي فصل الجماعة المسيحية أو انفصالها عن مجتمعها الأكبر أو تؤدي إلي اختصاص الأقباط بالسكن في جهة معينة من جهات القطر، بالإضافة إلي ذلك فإنه لم تدخل النزعة الانفصالية ضمن محركات التوتر الذي يثور بين الجماعتين، بالغة ما بلغت شدة هذا التوتر. ويضيف الكاتب إننا في مصر بإزاء جماعة اثنية واحدة تتكلم اللغة نفسها ولها ثقافة عامة مشتركة وتعيش في دولة واحدة، وتشكل في النهاية كيانًا اجتماعيا واحدًا، أي أننا بإزاء شعب واحد. وحول مفهوم الأقلية، يقول أبو سيف يوسف: إن تعريف الأقلية يتضمن الإشارة إلي جماعة اجتماعية يتم فرزها عن غيرها في المجتمع الذي تعيش فيه لصفات تختص بها: جسمية وثقافية، تحمل علي معاملتها معاملة غير متساوية فتعتبر نفسها محل تمييز جمعي ،كما يتمضن وضع الأقلية استبعادها من المشاركة الكاملة في حياة المجتمع. ومن المعروف - في رأي أبو سيف - أن الأقباط لا يرغمون علي الإقامة في مناطق معينة من البلاد، وليست هناك قوانين أو لوائح تمييزية ضدهم، وليس لهم مكان خاص في التقسيم الاجتماعي للعمل، ولا يختصون بالمهن الوضيعة ولا تنخفض مستويات دخولهم عن المستويات العامة. ويخلص أبو سيف يوسف مما تقدم أن الأقباط لا يدخلون في التعريفات المتداولة في الدراسات السوسيولوجية الغربية عن الأقلية. ويري أبو سيف يوسف أن المحصلة النهائية لمجموع الخبرة التاريخية المشتركة للمصريين تتمثل في ظاهرتين رئيسيتين: الأولي: ظاهرة التجانس بين سكان البلاد من مسلمين ومسيحيين. والثانية: الإحساس والوعي بالمصير المشترك وبأن هذا الوطن لا يمكن تقسيمه، وهو ما يفسر أنه في مواجهة الأخطار الخارجية كان يتم تجاوز أية مشكلة تسبب التوتر أو تثير الصراعات وتنحيتها، وهذا هو الميراث الحي للماضي. وفي تقدير الكاتب أن المجتمع في مصر يتعرض لأخطار تؤثر بعمق ليس فقط علي مستقبل التكامل بين مسلمي مصر ومسيحييها، بل علي مستقبل البلاد ذاته. فالرأسمالية العالمية بقيادة أمريكا وقوتها الصهيونية الضاربة وأولئك العرب الذين يخدمون - عن علم أو عن جهل - سياستها.. تعمل في إصرار علي تعميق التجزئة، بل تحولها إلي عملية تفتيت لا ينجو منها قطر واحد. ويشير الكاتب إلي تصدير نمط الاستهلاك الترفي إلي البلاد التي تنشط فيها الشركات العملاقة المتعددة الجنسية لتحويل هذه البلاد إلي دول تعيش علي استيراد التقنية وتعجز عن إنتاجها مما يؤدي إلي اقتلاع معني قيمة العمل المنتج من المجتمع وما يرتبط بهذه القيمة من قيم الانتماء القومي والحرص علي المقومات النوعية للثقافة القومية والقدرة علي الإبداع الحضاري. وفي مجتمع الاستهلاك هذا تختل المعايير فتنطلق حركة عفوية أو منظمة، ويغلب أن تكون ذات نزعة طائفية أو اتجاه سلفي. وفي وضع اجتماعي اقتصادي شديد التأزم، ينزع الأفراد والجماعات إلي تأكيد هويتهم والحفاظ عليها بالانتماء إلي العائلة ومسقط الرأس والطائفة الدينية، وذلك علي حساب الانتماء الأوسع إلي الوطن وإلي الأمة. ويساعد علي هذا، من وجهة نظر أبو سيف يوسف، القيود المفروضة علي التعددية وضعف الحياة الحزبية مما يتسبب في ضعف مستوي المشاركة المكفول للطبقات الشعبية والوطنية والقوي السياسية المعبرة عنها، فيتم تحجيم دور الأحزاب السياسية في جذب أوسع القوي الاجتماعية والسياسية في صفوفها وتنظيمها. وفي هذا السياق يمكن أن يزداد الثقل السياسي لمختلف المؤسسات الدينية، الرسمية وغير الرسمية، وقد تنشأ مؤسسات اقتصادية واجتماعية وثقافية إسلامية ومسيحية.. ومع استمرار الأزمة المجتمعية تضعف قدرة المجتمع علي صد فعل الاختراق الخارجي، كما أن استمرار هذه الأزمة يحمل في طياته تطورات معاكسة لتعزيز التكامل بين المسلمين والمسيحيين, هكذا شارك رئيس تحرير الاهالى فى سرد الحقيقة التى تؤكد أنه لا وجود لفتنة طائفية فى مصر .
#عبدالوهاب_خضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دردشة مع العامل طه سعد عثمان قبل الرحيل الكبير
-
مؤتمر شرم الشيخ الدولى يخدم المصالح الامريكية .
-
عمال مصر يواصلون الانتصار على الأمن والادارة والحكومة
-
المناخ العام لاحتجاجات عمال مصر : الجو الاجتماعى ملوث والقوا
...
-
حوار مع أفقر رجل فى مصر .
-
نص حوار محافظ القاهرة مع جريدة - الاهالى - المصرية .
-
المعارضة المصرية تقرر اللجوء إلي الشعب
-
الحزب العاكم
-
مرحبا حتى بجمال مبارك رئيسا لمصر .
-
نص حوار الشاعر العراقى سعدى يوسف مع جريدة - الاهالى - فى مصر
-
الحزب الحاكم
-
مظاهرة تطالب بإنقاذ الأسري الفلسطينيين في سجون الاحتلال
-
حكايات مثيرة عن المعونة الامريكة لمصر .
-
كيف تتخلص مصر من الفساد ؟
-
النص الكامل لوثيقة المعارضة المصرية الممنوعة من النشر
-
هل مصر مقبلة على ثورة ؟
-
باب وزير الاسكان المصرى مخلع
-
مظاهرة عمالية تطلب انقاذ المال العام فى مصر
-
اللعب على المكشوف
-
لاءات جمال مبارك الثلاثة
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|