خطة الانفصال تزعزع عقيدة المستوطنين

ستفان لانغفور

الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:32
المحور: القضية الفلسطينية
    

يهدد المستوطنون من اليهود الارثوذكس "غوش ايمونيم" باشعال حرب اهلية اذا ما اصر رئيس الحكومة، اريئل شارون، على موقفه الانفصال الاحادي الجانب من قطاع غزة واجزاء من الضفة الغربية. ويسعى "غوش ايمونيم" للانقلاب على شارون، ويتهمونه بالتسبب بتصدعات في صفوف الشعب اليهودي. شارون يتهمهم بتهم مماثلة.
خطة الانفصال لن تخدم عملية السلام. فصل قطاع غزة التام عن الضفة الغربية واخضاعها لادارة حكم مختلفة، ستُبقي القطاع سجنا كبيرا: دبابات على الحدود، دون اقتصاد، ودون بوابة للاتصال بالعالم. مع هذا، فان مجرّد تفوه شارون بخطة الانفصال، جعل واشنطن تركن خريطة الطريق الى الرف، وتوافق لاول مرة على السماح لاسرائيل بضم معظم المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية. كما نجحت خطة الانفصال بحرف الانظار عن اتفاق جنيف، وسحبت البساط من تحت اقدام حركة رفض الجندية في اسرائيل.
مع هذا تؤدي الخطة الى تصدعات داخل اسرائيل نفسها بين حلفاء الامس شارون والمستوطنين، وداخل حزب الليكود. كما تعمّق الصدع القديم بين المستوطنين وبين الجمهور الاسرائيلي.
السبب المباشر لهذه التصدعات انه للمرة الاولى في التاريخ، تعتزم حكومة اسرائيلية تفكيك مستوطنات، في سياق الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

الخنوع للمستوطنين

للحكومات الاسرائيلية المتعاقبة سجل حافل من الخنوع للمستوطنين. فقد استسلم حزب العمل عندما استولى موشيه لفينغر عام 1968 على فندق "بارك" في الخليل. وسمحت له الحكومة حينها بتأسيس مستوطنة "كريات اربع" المشرفة على الخليل. في مستهل السبعينات باشر حزب العمل ببناء المستوطنات في القدس المحتلة، في قطاع غزة وعلى امتداد نهر الاردن. وكان ذلك تنفيذا لخطة الون، التي تفادت المناطق المكتظة بالسكان في قلب الضفة الغربية.
"غوش امونيم" تحدوا هذه الحدود عام 1974. في المواجهة بينهم وبين الجيش عند مدينة نابلس، دعمهم الجنرال المتقاعد اريئل شارون بتأسيسه مستوطنة ايلون موريه. بعد استيلاء الليكود على الحكم عام 1977، قام شارون (بصفته رئيس مجلس المستوطنات) خلال اربعة اعوام ببناء 62 مستوطنة جديدة، معظمها في قلب المناطق الفلسطينية. تحالف شارون مع "غوش ايمونيم" خلق واقعا جديدا في المناطق المحتلة، يرى الكثيرون انه غير قابل للتغيير.
كان هذا تحالفا انتهازيا، تآلفت فيه وجهات النظر في حين اختلفت الدوافع والاهداف. الدوافع التي تحرك "غوش امونيم" هي دينية بحتة، مما جعل بعض الساسة، ومنهم شارون نفسه، يصفونهم بانهم مصابون ب"عقدة التبشيرية". اما نوايا شارون فلا علاقة لها بالدوافع الدينية، بل يعتمد سلوكه السياسي والعسكري على مبدأين: الاول، ان الامن مرهون بالجغرافيا؛ والثاني، ان العرب لا يفهمون الا لغة القوة.
متى تصدع هذا الائتلاف؟ عندما اصبح شارون رئيس حكومة. من موقعه الجديد بات يرى الامور على نحو مختلف: المستوطنات في غزة اصبحت عبئا من ناحية قيمتها الامنية، تكاليفها، والضغط العالمي الذي تجره على اسرائيل؛ الاقتصاد الاسرائيل بات متعلقا باقتصاد بقية دول العالم، لدرجة لم يكن شارون الليكودي يتوقعها. في وضع كهذا يمكن ان تكون العقوبات الدولية حكما بالاعدام على الاقتصاد الاسرائيلي.
علاوة على ذلك، يرى شارون الفوضى التي تعم المناطق المحتلة وتجبر اسرائيل على العودة للعب دور المحتل المباشر. ويطرح هذا الوضع بكل الحدة السؤال، الى متى ستواصل اسرائيل احتلالها المستمر منذ 37 عاما، دون ان تعطي الاربعة ملايين فلسطيني حق المواطنة او حق تقرير المصير؟ بالنسبة لشارون المنطق يقول انه من الافضل تهجير 7500 مستوطن من غزة، لانقاذ 400 الف مستوطن في الضفة الغربية وابقائهم هناك.

عقيدة في خطر

لغوش امونيم وجهة نظر مختلفة تماما للوضع. فهم يعتبرون كل مستوطنة جزءا من عملية الهية اكتسبت زخما بعد الكارثة - "الهولوكوست".
عقيدة غوش امونيم متأصلة في كتاب التوراة، وفي التوراة يكافئ الله الاخيار ويعاقب الاشرار. وعندما تحدث امور سيئة للاخيار، يجب ان يكون هناك تفسير. ولكن القرن العشرين مليء بالنماذج على معاناة الابرياء، ويرى اليهود (وغيرهم كثيرون) في "الكارثة" التجسيد الاعظم لهذه المعاناة. السؤال الصعب هو: اذا كان باستطاعة الله التدخل لمنع الكارثة ولم يتدخل، فكيف يمكن مسامحته؟ اما اذا لم "يستطع" التدخل، فما الفرق اذًا بين وجوده وعدمه؟
اسئلة كهذه من شأنها ان تزعزع العقيدة، ولكن "غوش ايمونيم" وجدت الجواب بالنسبة للكارثة: "الكارثة هي الطريقة التي اختارها الله ل"اجبار" شعبه المختار على العودة لارض الميعاد، واقناعه بضرورة اعادة توحيد شعب اسرائيل بكامله على ارض اسرائيل بكاملها".
بعد الكارثة وقعت معجزتان: قيام دولة اسرائيل عام 1948 ثم حرب عام 1967 التي وضعت كل الارض مرة اخرى تحت السيطرة اليهودية. وتشدد تعاليم "غوش امونيم" على الرابط الابدي بين الله، الارض والشعب اليهودي. "الارض المختارة والشعب المختار يشكلان وحدة الهية واحدة، جمع الله بينهما عندما خلق الكون والتاريخ. انهما يشكلان وحدة واحدة حيوية ومتكاملة" .
هناك خلاف داخل "غوش امونيم" بالنسبة لحدود ارض الميعاد (رغم ان كل رابي في غوش امونيم يضم لاسرائيل الكبرى اجزاء من الاردن ولبنان)، لكن هناك اجماع على الحدود الخاضعة اليوم للسيطرة اليهودية. "هذه المستوطنات هي اساس وجودنا وقطعة من لحمنا. لن نقبل ببتر اجزاء من لحمنا الحي".
يعترف "غوش امونيم" انه من الممكن ان يكون هناك تأخير في تنفيذ خطة الله منح اليهود ارض الميعاد في حدود اسرائيل الكاملة، ولكن خطة شارون هي خطوة الى الوراء. انهم لم يتوقعوا من الله ان يخطو خطوة الى الوراء في طريق الخلاص. تنفيذ خطة شارون سيزعزع بشكل كبير رؤية "غوش امونيم" في تحليلها للاحداث، بما في ذلك تحليلها لل"كارثة". كما سيخلق مشكلة كبيرة في كيفية مواجهة الاسئلة الصعبة الكثيرة الاخرى. هذا ما يفسر تمسكهم بالمستوطنات.

مثال مستوطنة ياميت

مستوطنة ياميت تشكل مؤشرا لما يمكن ان يحدث. هذه المستوطنة التي اقيمت شمال غربي شبه جزيرة سيناء، هي المستوطنة الوحيدة التي تم تفكيكها (قام بذلك وزير الدفاع حينها شارون عام 1982، ضمن اتفاقية السلام مع مصر). عدم تدخل الله لمنع الاخلاء، سبّب صدمة ل"غوش امونيم"، مما افرز تيارين في صفوفهم:
تيار واحد معتدل، يتقرب من سائر الاسرائيليين بحثا عن الاجماع. وتيار ذهب لتشكيل جماعة يهودية سرية هدفها العمل مع الله لتنفيذ مشيئته. القي القبض على هذه المجموعة عام 1984، بعد ان نفذت محاولات لاغتيال رؤساء بلديات فلسطينيين، واستعدت لتدمير الحرم الشريف، وخططت لتفجير باصات عربية. وتمتع اعضاء هذه الجماعة بمكانة واحترام داخل "غوش امونيم".
بعد عشر سنوات ولّدت "غوش امونيم" الدكتور باروخ غولدشتاين، الذي تمكن من اخراج اتفاق اوسلو عن مساره عندما قتل 29 مسلما اثناء تأديتهم الصلاة في الحرم الابراهيمي بالخليل. في تشرين ثان عام 1995 انتجت "غوش امونيم" يغئال عمير، الذي اغتال رئيس الحكومة، يتسحاق رابين.
اذا مضى شارون في خطة الانفصال الاحادي الجانب، ستكون هذه صدمة اخطر من ياميت بالنسبة لغوش ايمونيم، ومن المحتمل جدا ان يولّد هذا صدمات جديدة للمنطقة ككل.

الصبّار، كانون اول 2004

(باقتضاب عن مجلة "تشالنج" الزميلة، عدد 88)

#ستفان_لانغفور (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات