مفهوم الثقافة والمثقف

صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1049 - 2004 / 12 / 16 - 11:59
المحور: الادب والفن
    

ليس هناك تعريفاً للثقافة يمكن الاستناد إليه للدلالة على مفهوم الثقافة بشكل نهائي، ويعتبر مفهوم الثقافة مفهوماً فضفاضاً وواسع يشمل مدلولات عديدة ويمكن إسقاطه على أنماط متعددة من السلوكيات والقيم والوعي لدى المجتمع، أي أنه منظومة خاصة تعبر عن تاريخ وتطور المجتمعات.
ويعرف ((فيلسر)) " الثقافة بأنها كل النشاطات المجتمعية بمعناها الواسع، كاللغة والزواج والملكية والسلوك".
ويمكن للثقافة أن تعبر عن منظومة القيم الاجتماعية المتشكلة تاريخياً وما ينطوي عليها من اكتساب لقيم جديدة تؤطر ضمن شبكة من العلاقات الاجتماعية لتكون جزءً من منظومته المكتسبة وبالتالي فأنها تعبر بشكل أو أخر عن جملة العلاقات العامة بين أفراد المجتمع.
ويرى ((سنتشوري ماغازين))" الثقافة هي الكل المعقد الذي يشمل العادات المكتسبة من قبل المرء بوصفه عضواً في المجتمع".
وهناك ارتباط عضوي بين الثقافة والمجتمع، ولايمكن وضع حدوداً ما بين الثقافة والمجتمع باعتبار الثقافة انعكاس عن شبكة العلاقات الاجتماعية. لذا فأنها المعبرة عن مدى التخلف أو التطور الذي يكتنف العلاقات الاجتماعية عبر فترة زمنية محددة.
ويعبر عنها ((محمد الجابري)) بأنها المركب المتجانس من الذكريات والتطورات والقيم والرموز والتغيرات والإبداعات التي تحتفظ بها الجماعة البشرية بهويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها وفعاليتها للتواصل والأخذ والعطاء".
ويمكن أن تعبر الثقافة عن نمط العلاقات المتشابكة بين أفراد مجموعة بشرية ما خلال حقبة زمنية وضمن بيئة محددة، إضافة إلى علاقات تلك المجموعة البشرية مع المجموعات البشرية المتجاورة لها من خلال قنوات الاتصال المتعددة التي تسهم في تبادل المنفعة (الاقتصادية منها على وجه الخصوص) وإيجاد نوع من علاقات للتواصل.
يُعرفها ((ش. داوسون))" بأنها نمط من الحياة التي يتشارك فيه المرء مع أناس آخرين، أي تكيف المرء تكيفاً مناسباً مع محيطه ومع حاجاته الاقتصادية".
وقد تعبر الثقافة عن أنماط أخرى من العلاقات غير الغريزية بين البشر كشكل من أشكال العلاقة لنشاط الفرد ضمن محيطه الاجتماعي، وتختلف شكل العلاقة باختلاف المستوى الثقافي للفرد ضمن المجتمع. ويتحدد ذلك بجملة نشاطاته التعليمية المعبرة عن الفعاليات الاجتماعية، وكذلك عن النشاطات الأخرى المكتسبة بفعل التفاعل اليومي مع أفراد المجتمع ذاته أو مع المجتمعات الأخرى المتجاورة.
ويرى ((أ. ل. كروبر))" الثقافة هي كل نشاط أو تظاهرة غير جسدية من التظاهرات الشخصية ونشاطها، شرط أن لايكون ذلك غريزياً. ولا من فعل الارتكاز الذي يتم بصورة آلية...وهي تتفق مع النشاطات التعليمية أو المشروطة".
ومع التطور والتحديث الذي طرأ على المجتمعات البشرية، تطور مفهوم الثقافة وأخذ يعبر عن أشكال وأنماط أخرى لم تألفها المجتمعات البشرية السابقة. وأصبحت الثقافة لاتمثل الأشكال والسلوكيات والعلاقات المبسطة والسائدة بين أفراد المجتمع، وأنما أخذت تنحو باتجاه تمثيل القيم الفوقية وأشكال الإدارة الفعالة للقوى الاجتماعية.
وبالتالي فأنها أخذت تتأطر بما يطلق عليه بالنخبة الاجتماعية المعبرة عن جملة النشاطات والفعاليات الأكثر رقياً في المجتمع، لذا فأن مفهوم الثقافة ذاته طرأ عليه نوع من التحديث والعصرنة ليتوافق وقيم التحديث الجديدة.
ويعبر عنها ((صلاح قنصوة)) بأنها المعقد المتشابك من الأنظمة التي تتضمن أساليب الحياة الإنسانية والمادية والروحية".
وبهذا فأن الثقافة أصبحت تمثل الأشكال المتقدمة والمتطورة من الوعي الإنساني تجاه شبكة العلاقات والمنظومات والمبادئ والقيم الجديدة التي فرضتها أنماط التطور والتحديث عبر الزمن، مما أدى إلى خلق شروط جديدة وأكثر تعقيد للتعبير عن النخبة الثقافية في المجتمع.
ومن إحدى تلك الشروط كان التحصيل التعليمي كوجه من أوجه الانتماء للنخبة الثقافية، ومع ارتفاع مستوى التعليم وانعدام الأمية في المجتمعات الأكثر تقدماً، اسقط الشرط التعليمي للانتماء للنخبة المثقفة. وأصبح مفهوم الثقافة المعبرة عن النخبة ينحصر بالنخبة المنتجة للثقافة ذاتها بأنماطها المتعددة التي تشمل منتجي الثقافة في كافة المرافق الاجتماعية.
ويرى ((برهان غليون))" أن الثقافة هي الأنماط المتميزة من الوعي والسلوك ومنظومات قيم وقواعد اجتماعية وعقلية مرتبطة بالحقيقة والبيئة والظروف العامة بتشكلها".
إما مفهوم المثقف فأصبح يعني بشكله المبسط منتج الثقافة بأنماطها المتعددة، وبهذا التعريف المبسط تم إسقاط شرط التحصيل التعليمي للمثقف. ويرفض بعض المثقفين بصرامة أن تطلق صفة المثقف على حامل الشهادة التعليمية كونه ليس منتجاً للثقافة.
في حين أن البعض الآخر من المثقفين يجد أن المثقف ليس بالضرورة أن يكون منتجاً للثقافة، لكنه الذي يمتلك رؤية وثقافة متنوعة عن الأنماط المتعددة لها وبغض النظر عن تحصيله التعليمي.
ويعتقد ((محمد حسنين هيكل))" أن المثقف هو الإنسان الذي يستطيع أن يكون لنفسه رؤية وموقف من الإنسان بالدرجة الأولى، ومن المجتمع بالدرجة الثانية، ومن الطبيعة والكون بالدرجة الثالثة. وإنه يستطيع أن يعبر عن هذه الرؤية، وهذا الموقف برموز الكلمات والألوان والأصوات. وعليه فأن المثقف إنسان يستطيع أن يعطي هذه الرموز التي تتضمن رؤيته وموقفه المعبرة عن هذه الرؤية".
ونجد أن تعريف المثقف، هو الذي يمتلك قدراً من الوعي والرؤية والثقافة والإطلاع على الأنماط المتعددة للثقافة. وهذا الأمر يتطلب جهداً متواصلاً من المتابعة للمثقف، لحركة التطور والتحديث لأنماط الثقافة المتعددة الجارية على صعيد العالم. ومن يتخلف عن هذه المتابعة، لايمكنه التواصل مع حركة التطور الثقافي وبالتالي فأنه سيتخلى من ذاته عن صفة المثقف.
ويعتقد ((عبد الكريم غلاب))" أن الثقافة ليست مادة تشرب وتؤكل أو تحقن في وريد عن طريق حقنة أو توضع في دماغ عن طريق الإيحاء السحري أو تُبلغ عن طريق الحفظ والاستظهار كما تحفظ نصوص في مدرسة ابتدائية، ولكنها نتيجة جهد ومجاهدة واستنباط وأعمال فكر وقلب وضمير".
وعليه فأن مفهوم الثقافة والمثقف، يمكن اعتباره مفهوماً متحرراً من القيود والصياغات الجامدة والمتحجرة. ويرتبط ارتباطاً عضوياً بمفهوم التحديث والعصرنة في العالم، وتتغير دلالته تبعاً لمجريات التطور والتحديث عبر الزمن.

#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات