أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فايز صلاح أبو شمالة - المتجردة رحاب ضاهر توقد النار وتمسك باللهب















المزيد.....

المتجردة رحاب ضاهر توقد النار وتمسك باللهب


فايز صلاح أبو شمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1049 - 2004 / 12 / 16 - 11:43
المحور: الادب والفن
    


المتجردة، عنوان قصيدة المبدعة رحاب ضاهر، التي تتسلق على حبل الزمن الماضي في عملية تأكيد لأنوثتها، والإشراف على الواقع الراهن، بل والتجرد منه، وما عودة المبدعة بالعنوان إلى الزمن الماضي بحد ذاته إلا أداة شد للقارئ، وتناص تاريخي مع الشاعر النابغة الذبياني الذي قال في زوجة النعمان بن المنذر قصيدته المشهورة (المتجردة) في ذاك الوقت الذي كان الرجل يحمل السيف ويقاتل في ساحات الموت، ولا يرتضي المذلة وطعام الخنوع، فكان يفتخر بذكورته مرتين، الأولى؛ في ساح المعركة وهو يقاتل دون خوف أو وجل، والثانية تحت الخيمة مع المرأة التي تعشقها، والتي ما كان عليها إلا أن تظهر الحياء والخجل، والتمنع، لتتمم وشم اللوحة الزمنية التي توجت الحب الرجولي الذي يرفض الضيم، ولكن النابغة الذبياني غرق في بحر قياس وتفصيل وخياطة أدق معالم جسد المتجردة، قبل أن يطفو مع سفن الوصف حتى شواطئ خيرها الوفير، وحتى التظلل بجمال أغصانها، وتذوق تمرها، ومع ذلك فقد ظل مطلع قصيدة النابغة الذبياني يصف حياء المتجردة، ويصوره بالحركة التي تظهر خشية المرأة وحياءها من أن يرى فتنتها الرجل، فتثير لدية الرغبة في التهور، يقول:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته، واتقتنا باليدي
وذهبت مثلاً، وظل الحياء مقياس الجمال في زمن فتوة الرجال وفحولتهم، ولكن اليوم في زمن هزيمة الرجل، فإن المرأة تجرأت عليه، وقد خذلته قوته، وفارقته رجولته، وصار أقل مكانة في بلادة التي تنتظر منه أن يشهر سيفاً فإذا به يرفع راية بيضاء دليل عذريته وطهارته من المواجهة، لتنبري المرأة تعدل في مقياس الجمال بعد أن غير الواقع مقياس فحولة الرجال، فتركت الحياء جانباً ما دامت المشابهة مع الرجل قد تحققت، ليرتفع صوت الأنوثة في المرأة بعدما خفت صوت الرجولة، وباتت القدرة على الصمت وتحمل العذاب مقياس رزانة الرجل واتزانه وحكمته، لقد أشهرت أنوثتها وهي تقول وكأن لا رجل أمامها سيستثار، ويثأر لكرامة الرجال المهانة:
هذه أنا
الممتدة جزراً مسكونةً
باللؤلؤ والمرجان,
وحبات النار.
هذه أنا التي طبعتْ شفاهكَ,
وكلماتكَ على جسدها,
ونسيتَ في غمرة انشغالكَ
أن تكتشفَ شامة على ظهري.
رغم ما يلف القصيدة هنا من مظاهر الشكوى والتظلم والتوجع والخوف من نكران الرجل، ومن إهماله، ومن نسيانه، إلا أنها مصرة في ذات الوقت على أن تتجرأ عليه، وتقوم بتذكيره بما طاب له من مذاق العسل الشهي الذي ما تنكرت له الشفاه، وكون الشاعرة تكرر جملة (هذا أنا المتجردة) إنه أسلوب تحدي للرجل، واستخفاف بصلاحيته التي نفذ مفعولها، فهي لا تستثير ذاكرته وذكورته، وإنما تؤكد صلاحيتها هي، وجاهزيتها على تطوير قدرتها على التجرد من خجل الماضي، (هذا أنا المتجردة) فيها دعوة مفتوحة للحبيب أنى يشاء كي يغتسل من حزن المرحلة، وفيها تحدي أن يستطيع نسيان تلك المرأة التي وثقت من كفاءتها الجنسية إلى حد أنها تؤكد أنها هي التي تركت شفاهه وكلماته مطبوعة على جسدها، هي التي تحولت بفعل الحب إلى طرف موجب، ولم تقف صامتة، أو سلبية، لم تنتظر، تجرأت وتجردت، وتجبرت في إغرائها، وفي ذلك تحذير من زمن النسيان، أو أنها ترفض النسيان، وتركت ما طبعة باقياً في الوقت الذي أنسى الموقف الانفعالي صاحب الحظ الهارب أن يتنبه إلى تفاصيل الجسد، وأن يتنبه إلى الشامة التي تلفت نظر عابر الطريق، فكيف بمن يطبع قبل، وفي رأيي فإن ذلك مؤشر إلى كم السطوة التي تمتلكه المرأة على الرجل إذا أحبته، فهي الأم والأخت والبنت، والحبيبة التي سكر في حجرها وشرب من ماء شوق صدرها حتى الظمأ.
إن المرأة إذا عشقت ذابت، وإذا صدق عشقها أذابت كأنثى النحل ذكرها بعد الوصل، أو أكلت كأنثى العقرب ذكرها بعد الوصل، رغم أنها تصرخ وتستغيث، وتنادي الرجل الذي يقدر لها هذا البركان الثائر، هي الأنثى التي تسقط الآن مطر الحب، وتنتظر الأرض التي تتقد معها بالنار، تحولت هذه الأنثى بالحب من متلقي وفق الفطرة إلى مرسل، لم تعد امرأة تنتظر من الرجل الاشتعال، هي التي تشعل النار، وبعد أن تصطلي بها، وتتلوى من دخانها، تنادي على الرجل كي يتدفأ، هي التي تدلق نارها عليه كي يذيب ثلج الطريق عن كتفيه، هذا اللون من الاحتراق جديد في الشعر العربي، والسبب وفق تقديري هو حالة العولمة التي افترشت حياة الجميع وتغطت به، وأذنت للمشاعر الإنسانية أن تتشاجر مع بعضها قبل العناق، لا بد من قوة واحدة تسيطر، قوة جبارة لا يقف في طريقها أحد، ولا تحدها الحواجز، قوة السلاح الفتاك الذي يحدد معالم المرحلة، لتوقد نار الأنثى، وتبعث فيها القوة بعد أن انطفأت نار ذكرها، ألم يفر من ساح المواجهة، وينطفئ؟ إذن على المرأة أن تشعله، وأن تستفز ذكورته، أو أن تنظر إليه بأحسن حال على أنه مثلها، في مرحلة سبقت من مراحل المجتمع الذكري، نحن الآن في حالة جديدة، فقد الذكر فيها مهمته بالسيطرة وحماية الظعن، وأخلى الميدان الخارجي للغزاة، فعندما انكفأ إلى البيت مهزوماً مهرولاً نافضاً يده من المرحلة، تجردت المرأة، وأشعلت نار أنوثتها، وإلا فسوف يظل بعلها منطفئاً، هنا تستغيث المرأة برجل له صفة الرجال، فقد عز الرجال، وهذا ما يدفعها إلى أن تصرخ بأعلى صوتها، مكررة:
هذه أنا المتجردة
المزروعة أمامك مسلة مصرية
فاكتب على ظهري قصيدة عمودية,
وعلى نهديّ قصيدة دائرية,
وعلى كفي نقوشاً سومرية.
فهي مزروعة مسلة مصرية، ولم تقتلع من تربتها، بل تضرب في عمق التاريخ، وظهرها جاهز لمن يكتب عليه قصيدة باللغة العربية، وفي هذا تذكر بما كان للمرأة الشرقية من دور في بناء المجتمع، ومقاومة الغزاة، وتذكر بالامتشاق، والرجولة الغائبة، فما زالت النقوش السومرية عالقة بكفها، ومع كل ذلك لم تخن أنوثتها، ولم تخن حبيبها الذي تنادي عليه؛ تعال نتمازج، كلانا واحد، منذ الآن لا فرق بيني وبينك، ولكي يتم انطفائي لا بد من ترتيب عودة اشتعالك، لا بد لأحد الاثنين أن يشتعل إذا انطفأ الآخر، وأن يصرخ إذا صمت الآخر، وان يحضر إذا غاب الآخر، لتقول له:
هذه أنا
فتعال نتداخل كما الليل والنهار,
ونتمازج حتى لا نميز الخيط الأبيض من الأسود.
أنا المتجردة
أحبني حتى يتم انطفائي,
أحبني حتى يعاد اشتعالي,
حتى يكتمل انفجاري,
أحبني حتى أتساقط حمماً بركانية.
أحبني حتى تطلع الشمس من مغربها,
وينشق القمر وتقترب الساعة.

في هذه الفقرة ثلاث عتبات تفضي إلى صالون الوجد المفتوح على مصراعيه:
العتبة الأولى تقول فيها: تعال، فإن جئت ذقت ما خبرت وما لم تخبره، تعال، فعل أمر يحمل مخزون الخوف الذي أفصحت عنه فيما بعد.
العتبة الثانية، ما ميز الفقرة من مفارقات تصويرية، في (مطلع ومغرب، وانطفائي واشتعالي، والشمس والقمر، وتطلع وتتساقط) وما في ذلك من دلالة على حالة الصراع التي تعيشها، وتعكس بالتالي التخوف من غروب شمس الحب التي تعطيها الضياء.
العتبة الثالثة، تكرار فعل الأمر (أحبني) وكأنها لن تسمح له بغير ذلك، هذا حب مسيطر على المعشوق وعلى العاشق، ولا يؤذن بطريق آخر ( حب متسلط، جارف، يكتسح من أمامه كل المعيقات، يدمر يسحق) ومن الحب ما قتل، ومن الحب ما يضيق عنه صدر المحب فيضطر إلى الصراخ، وهنا تصرخ الفتاة، وتطلب حباً غير عادياً، حباً يتجاوز المألوف من العلاقة بين الرجل والمرأة، حباً ليس محكوماً بزمن، إنه الإطلاق على مساحة الشهوة الفائرة على نار الجوى.



#فايز_صلاح_أبو_شمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشكلة إسرائيل ليست الأنفاق، وإنما الانغلاق
- إن الله يعز بالسلطان ما لا يعز بالقرآن
- تتوضأ الشاعرة العراقية فاتن نور بالشعر كي تتسلق تضاريس الجسد
- البيعة والنكوص لدى مروان البرغوثي
- اين الخطيئة في قيادة وطنية موحدة
- نريد رئيساً من صراط مستقيم ولا نريد دولة من عصف رجيم
- ينام الشوق على وسادة الشعر لدى الشاعرة مرح البقاعي


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فايز صلاح أبو شمالة - المتجردة رحاب ضاهر توقد النار وتمسك باللهب