|
قتلناهم وقتلونا
يعقوب ابراهامي
الحوار المتمدن-العدد: 3534 - 2011 / 11 / 2 - 17:03
المحور:
القضية الفلسطينية
فقرة واحدة في المقال الذي نشرته في الأسبوع الماضي تحت عنوان "إنتصار الأمهات" أثارت سخط واعتراض عدد من القراء وانتقاداتهم الشديدة. "كم تمنيت الا تكون هذه الجملة في مقالتك" - كتب لي خالد أبو شرخ. الفقرة التي أثارت الأنتقاد هي الفقرة التالية: "في الصراع اليهودي-الفلسطيني عدد الفلسطينيين الأبرياء الذين قتلهم اليهود هو أكبر من عدد اليهود الأبرياء الذين قتلوا على أيدي الفلسطينيين. هذه حقيقة لا يمكن انكارها. ولكن الحقيقة الأخرى هي أن أغلب الفلسطينيين العزل الذين قتلوا على أيدي اليهود قتلوا خطأً وبلا تعمد، في حين أن أغلب اليهود العزل الذين قتلوا على أيدي الفلسطينيين قتلوا عن عمدٍ وسبق إصرار. هذا طبعاً لا يخفف من حزن الباكين على الموتى."
قبل أن أرد على ملاحظات المنتقدين أريد أن أوضح موقفي مما جاء في هذه الفقرة. أنا بصورةٍ مبدئية ضد تشويش الحوار حول الصراع الأسرائيلي-الفلسطيني بنقاشٍ لا طائل من ورائه حول مَن مِنَ الطرفين قتل عدداً أكبر من أفراد الطرف الثاني ومَن مِنَ الجانبين ارتكب جرائم أبشع مما أرتكبه الجانب الثاني. الصراع الأسرائيلي-الفلسطيني هو في جوهره صراع بين حركتين قوميتين لشعبين يقول كل منهما إن فلسطين التاريخية هي وطنه. هذا ليس صراعاً بين "شياطين" و"ملائكة"، أو بين "الشر" و"الخير". في هذا الصراع ارتكب كلا الجانبين كل الأخطاء والحماقات والأفعال المنكرة الممكنة. مقابل كل "باروخ غولدشتاين" أطلق النار على مصلين فلسطينيين في الحرم الأبراهيمي، هناك "عز الدين مصري" فجر نفسه في مقاهٍ ومحافل إسرائيلية وقتل العشرات. "بيننا وبينكم دماء أطفال غزة" - أطاحت بوجهي مرةً إحدى القارئات. "بيننا وبينكم دماء أطفال معالوت" - أجبتها على مضض (أشد ما يغضبني هو المتاجرة بدماء الأطفال). في هذا الصراع الدامي بين الشعبين لكل طرفٍ قصته ولكل جانبٍ تفسيره لما جرى. وكل نقاشٍ حول أيّ طرفٍ من الطرفين هو "الأقل إجراماً" أو "الأكثر ذنباً"، ومن قتل "عمداً" ومن لم يقتل "عن سبق إصرار"، هو، في الوقت الحاضر، نقاش لا معنى له (أشبه بنقاش الطرشان)، لا يوصل الى نتيجة ولا يقدم قضية السلام.
لماذا نشرت الفقرة موضوعة النقاش إذن إذا كنت لا أوافق على ما احتوته؟ أولاً لأن المقال مترجم وليس من الأمانة أن "أصحح" أفكار الكاتب دون أذنٍ منه. ليس من حقي أن أحذف قطعة تؤلف محوراً مركزياً في تفكير الكاتب لمجرد أنني غير مرتاحٍ منها. غنيٌ عن البيان طبعاً أن القطعة لو كانت خالية من الصحة تماماً، أو لو كانت مضرة بقضية السلام، لما قمت بنشرها ولما ترجمت المقال على الأطلاق. ثانياً لأن الفكرة التي يعبر عنها الكاتب ليست عارية عن الصحة تماماً ويمكنني الدفاع عنها رغم أنني أفضل عدم الدخول في نقاشٍ حول الموضوع ورغم اقتناعي أن للطرف الفلسطيني قصة مغايرة. ثالثاً لأن الكاتب لم ينكر مسؤولية الجانب الأسرائيلي في المأساة واعترف "إن عدد المدنيين الفلسطينيين الذين قتلهم اليهود هو أكبر من عدد المدنيين اليهود الذين قتلوا على أيدي الفلسطينيين". وأخيراً كان مهماً لي أن أبين للقارئ العربي أن هناك أوساطاً في اسرائيل تعمل من أجل مصالحةٍ تاريخية مع الفلسطينيين رغم أنها تعتقد ان الفلسطينيين هم الجانب "المذنب".
ومع ذلك لم أكن مرتاحاً من القطعة. ماذا فعلت لكي أعبر عن عدم ارتياحي من الفكرة التي يعرضها الكاتب، ولكي أعبر عن وجهة النظر القائلة ان الجانبين "مذنبان" بنفس الدرجة، وكل ذلك دون أن اشوه أفكار الكاتب الحقيقية؟ لجأت الى سلاح "الترجمة بتصرف" وأضفت الى القطعة المترجمة جملةً واحدة (لم تكن في النص الأصلي). الجملة التي أضفتها ووضعتها في مقدمة القطعة هي: "قتلناهم وقتلوني". هذا، على ما يبدو، لم يكن كافياً وتعليقات القراء تؤكد أنه لم يجد نفعاً.
* * * أريد الآن أن أرد على القراء. خالد أبو شرخ: " هل من سقط من الفلسطينين بدءا من التطهير العرقي عام 48 وحتى اليوم حين سقط 5 فلسطينيين بقصف اسرائيلي على قطاع غزة سقطوا بدون عمد؟" دعك الآن من "التطهير العرقي عام 48". أنت تعرف أن هذا هو ليس بالضبط ما حدث عام 48. لماذا تلجأ الى "الدعاية" بدل البحث الجدي؟ أما عن "5 فلسطينيين سقطوا بقصف اسرائيلي على قطاع غزة" فأنا لم أكن أعرف ان خمسة أفراد "الجهاد الأسلامي" كانوا في نزهةٍ في حضن الطبيعة يستنشقون الهواء الطلق عندما فاجأتهم الطائرات الأسرائيلية. أنا أيضاً لا أعرف ماذا كنت أنت تفضل لو كنت في مكاني. أنا على كل حال أفضل قاذفاتٍ اسرائيلية تقصف خليةً للجهاد الأسلامي على صاروخٍ يسقط على بيتي ويقتلني. (نعم. أنا أعرف: هناك احتلال وهناك حكومة اسرائيلية يمينية وهناك أوساط يهودية فاشية. ومع ذلك انا أفضل العيش على الموت بصاروخٍ اسلامي).
"جميع مجازر دولتك كانت عن عمد ولاهداف ودعنا نؤرخها مجزرة مجزرة كي ترى ان جميع جرائم دولتك كانت عن سايق اصرار وترصد وتعمد". نصيحتي اليك: لا تصدق كل الأكاذيب الغوبلوزية عن المجازر ("مجزرة مجزرة" على وزن "زنكة زنكة"). نحن هنا، عزيزي خالد أبو شرخ، إزاء صراع بين شعبين على قطعة أرضٍ واحدة، لا مجازر ينفذها طرفٌ واحد ضد الطرف الآخر. أكاذيب عن مجازر وجرائم قد تفيد في الهاب الجماهير وتغريرها لكنها لا تقدمنا خطوةً واحدة نحو حل الصراع.
Sadeq: "هل ستبقى تقول (كلا الجانبين)الا تشعر بعتاب من ضميرك حين تساوي تضع الاحتلال ، والشعب الذي يرزح تحت هذا الاحتلال في كفة واحدة ؟" أنا لا أساوي بين الأحتلال وبين الشعب الذي يرزح تحت الإحتلال. ولكن ماذا تريدني أن أفعل عندما يدعو اسماعيل هنية (رئيس حكومة حماس) الى تحرير فلسطين (كل فلسطين) من البحر الى النهر؟ أليس من واجب "الجانب الفلسطيني" أن يلجمه؟ وأليس من واجب "الجانب اليهودي" أن يقاوم "سياسة يمينكم وجرافاته وآلاف الوحدات الاستيطانية"؟ كلا الجانبين، يا عزيزي، كلا الجانبين! لا مفر لك (ولنا) من ذلك.
فيصل البيطار: "عندما تكون في ساعة صفا أخبرني لنعد معا ضحايا المدنيين من الجانبين". لم أفهم بالضبط ماذا تقصد. الكاتب يقول ان اليهود قتلوا من المدنيين العرب أكثر مما قتل العرب من المدنيين اليهود. ماذا تريد منه ومني؟
"الذي يقتل يا سيد يعقوب ليس القنبلة .. القرار السياسي هو الذي يقتل ولا مجال هنا للخطأ وعدم التعمد". كلاّ، سيدي فيصل البيطار. ربما أنت لا تعرف. أنا أعرف: القنبلة، لا القرار السياسي، هي التي تقتل. وإنسان شريف لا يلقي قنبلةً ("عمداً" و"عن سبق إصرار") على مدنيين عزل مهما تكن "القرارات السياسية" التي يتلقاها. أنت ربما لم يتسن لك خوض هذه التجربة. نحن في اسرائيل نعرف ذلك جيداً وهي تسمى عندنا "أوامر يرتفع فوقها علم أسود" وإطاعتها ممنوعةٌ بصورةٍ مطلقة. أنت ترغمني على الدخول في موضوعٍ لا أريد الدخول فيه. أنا أعرف: طفلً مقتول هو طفلً مقتول. والأم التي تفقد طفلها تفقد العالم كله ولا يهمها أبداً كيف قتل طفلها. ومع ذلك أنا أميز. أنت ربما لا تميز، ولكنني أميز بين قنبلة "اسرائيلية" تقتل "خطأً" و"بلا تعمد" أطفالاً (ومدنيين) في غزة (في الحرب على حماس) وبين فلسطينيين يتسللون ليلاً الى بيت عائلة نائمة ويذبحون كل أفراد العائلة: الأب، الأم، طفلين عمر أحدهما 11 سنة وعمر الثاني 4 سنوات ورضيعة لم تتجاوز بعد الأربعة أشهر. هذا ما قصده الكاتب، أخي العزيز فيصل البيطار، عندما ميز بين قتلٍ متعمد وقتلٍ غير متعمد. هل هذا واضحٌ الآن أم تريدني أن أجيء لك بمثلٍ آخر؟
فرج الله عبد الحق: "هناك سؤال يحيرني وهو هل عملية التبادل كانت نتيجة حراك الامهات أم الخطوة الاولى للمصالحة بين حماس واسرائيل استمراراً للمصالحة بين امريكا والاخوان المسلمين؟ مجرد سؤال" حراك الأمهات بكل تأكيد. على الأقل فيما يخص اسرائيل. أما إذا كانت هناك صفقاتٍ خفية من وراء الظهر، بين اسرائيل وحماس أو بين أمريكا والأخوان المسلمين، فلا علم لي بذلك لأنني لا أنتمي الى أوساط واضعي القرار. أستطيع أن أقول فقط أنني بصورةٍ عامة لا أؤمن بنظرية المؤامرة.
الحكيم البابلي: "كعادة إبراهامي ..بشطارة ودقة ومرونة". شكراً لك، أيهاالحكيم. لكن هذا المديح لن يفيدك في المستقبل.
"ما معنى إحتساب ( دمدوم ) عدد قتلى الطرفين !! ، ومَن مِنَ الطرفين فقد أرواحاً اكثر ، ومَن مات سهواً وبلا تعمد .. ومَن مات عمداً ومع سبق الإصرار !!؟ . كل ما كان ينقصنا هو حساب وزن القتلى من الطرفين بالكيلوات أو بألطن". ماذا أقول؟ بجملةٍ واحدة أو جملتين (بشطارة ودقة ومرونة) لخص الحكيم البابلي كل المقدمة المطولة التي قضيت يوماً كاملاً في كتابتها. أنت محق أخي العزيز. لا معنى لهذا الحساب الفضيع. (سوى أنني لم أفهم ماذا يفعل الدمدوم هنا. هل هذه كلمة كلدانية؟)
"يا سيدي العزيز الموتُ واحدٌ ، والخزي والعار واللعنة على كل قاتل ، وكل من شارك في التخطيط لقتل إنسان أو نفس واحدة". أنا أوقع على كل كلمة.
#يعقوب_ابراهامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنتصار الأمهات
-
لماذا ابتسمت أحلام التميمي؟
-
שנה טובה! (سنة طيب
...
-
ديالكتيكهم وديالكتيكنا - ستالينيتهم وماركسيتنا-2
-
غوغاء لا حثالات ولا ثوار يقتحمون الباستيل
-
إخفضوا رؤوسكم أنتم مصريون!
-
ديالكتيكهم وديالكتيكنا - ستالينيتهم وماركسيتنا-1
-
خطوة الى الوراء
-
أي بيت فلسطيني تحتل يا يعقوب؟
-
الخدعة الكبرى : نظرية التناقض الرئيسي والتناقض الثانوي
-
أنا إرهابي فخور
-
كلنا رائد صلاح؟!
-
خواطر وأفكار من وحي سالونيكي
-
إنهيار نظرية المؤامرة الصهيونية
-
حسقيل قوجمان يرسخ ولا يشك
-
عودة الى خرافة الأشتراكية العلمية
-
وطن لشعبين - يعقوب ابراهامي يرد على عماد عامل
-
الرجل الذي يحارب بمدافع القرن ال-19
-
أنا، أميل حبيبي وجورج حزبون
-
خرافة الأشتراكية العلمية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|