عمر بن صمادح
الحوار المتمدن-العدد: 3532 - 2011 / 10 / 31 - 12:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظاهرة مايسمى بالملحدين الجدد بدأت بالإنتشار في بدايات القرن الحالي آخذةٍ على عاتقها نقد الأديان بلا تعاطف مع حالة المتدينين العقلية و الظواهر الإجتماعية و الإرث التاريخي الذي يحمل المتدينين على التشدد. متعللين بأن الإكتشافات العلمية الحديثة لا تتوافق مع الأديان و ذلك يتطلب موقفا متشددا إتجاه المتدينين بصفة عامة. مصطلح الملحدين الجدد يطلق خصيصا على مفكرين مثل كريستوفر هيتشنز, سام هاريس و علماء بيولوجيين مثل ريتشارد واكنز. لست بصدد تفنيد التطور و ليس هذا محور الحديث. فأنا مؤمن إيمان تام أن العلم الحديث و النصوص الدينية لا يلتقيان تماما. و من ضياع الوقت النقاش مع متدين في هكذا أمور. مايهمني هو النظرة الإزدواجية لهولاء إتجاه الإسلام و المسلمين. فهم يتبنون موقفا "ناعما" إتجاه المسيحية و اليهودية و يعتبرونها مجرد خرافات و قصص للأطفال عكس الإسلام الذي يعتبر شرا خالصا أو تاما (Unmitigated Evil) على حد تعبير داوكنز بل هو أكثر الأديان ميلا للعنف عكس الأديان الأخرى. و لك أن تتصور عواقب هكذا تصريحات إتجاه المسلمين بل و كل من يشتبه في إسلامه من تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا (أضف إلى ذلك إنهيار إقتصادي في أوروبا و أميركا) و فوز أحزاب يمينية بمقاعد في البرلمانات لم تتصور أنها ستحظى بمقعد واحد لولا عدائها للإسلام أمثال حزب الهولندي غيرت ويلدرز. يتبنى الملحدون الجدد ثلاث مواقف إتجاه الإسلام, أنه غير متوافق مع الديمقراطية (عكس الأديان الأخرى), مضطهد للمرأة عكس الأديان الأخرى التي كرمت المرأة أيم تكريم, و أن العنف الصادر من المسلمين أكثر من غيره من أتباع الديانات الأخرى. للأسف أطروحات كهذه تنال ترحيب جزء لا يستهان به من الأقلية اللا دينية الناطقة بالعربية.
الإسلام لا يتوافق مع الديمقراطية أحد أكثر الإتهامات التي تكال ضد دين عمره قارب الألف و خمس مائة عام. على إفتراض أن الهلاخا (الشريعة اليهودية) التي لم يستنكرها السيد المسيح, متوافقة تماما مع الديمقراطية الليبرالية و ماتتضمنه من حقوق و حريات تشمل مثلي الجنس حتى. أسفار تتعلق بقتل المرتد و مقدم القرابين لآلهة أخرى تملأ جوانب العهد القديم و وعود بنار أبدية و سيف إلهي يمحق أعداء المسيح حال عودته الميمونة تملأ العهد الجديد (الأكثر تسامحا كما هو مفترض). فعن أي توافق مع الديمقراطية يتحدثون وكأن الديمقراطية خصلة دينية تفردت بها القيم اليهودية ــ المسيحية كما يحب أن يطلق التيار المحافظ في أميركا و البالغ عدده إثنان و ثمانين شخصا على الدستور الأميركي الذي خطه لا دينيين مثل جيمس ماديسون و توماس جيفرسون و جون آدامز.
فالعهد القديم حسب سفر الخروج سفر رقم (22:19) ينص صراحة على قتل من يقدم القرابين لإله آخر. و سفر لاويين رقم (24:10) يحث على "تطبيق حد الردة الإسلامي" على من يسئ إلى الدين. فهل هذه قيم ديمقراطية؟ الديمقراطية ليست نتاج دين و لا تدعو لتفضيل دين آخر و لكن مايفسر موقف الملحدين هذا هو أنهم قادمين من خلفية مسيحية أكثر تفهما لعقلية الشعوب الأوروبية أو تلك التي تنحدر من أوروبا مثل الولايات المتحدة. فعلام يتبنى إخوتنا المتنورون الناطقين بالعربية موقفا كهذا؟ هذا الطرح يشبه الذي يقول أن سباب غياب الديمقراطية و تفشي الفساد في أميركا اللاتينية هو الكاثوليكية. مع العلم أن أغلب الأنظمة العربية علمانية و ليست ثيوقراطية كإيران حتى يتم إتهام الإسلام. كذلك حدة التيارات الإسلامية تتلاشى في ظل أنظمة ديمقراطية كما حدث في تركيا على رأي الدكتور الأميركي ــ الإيراني رضا أصلان.
الموقف الأخر هو علاقة الإسلام بالمرأة. كل الأديان بلا إستثناء تتسم بطابع تحقيري للمرأة وكل مايتعلق بها. فلا ينبغي ل"متنور" رصين أن يقيم أديانا نشأت في عصور غابرة و مقارنتها بقيم حداثية لم تظهر إلا بدايات القرن المنصرم. فالعبيد في أميركا إمتلكوا حق التصويت قبل المرأة التي لم تحظى بهذا "الإمتياز" إلا عشرينات القرن الماضي. هذا عدا التصور أن الدول ذات الأغلبية المسلمة ثيوقراطية بطبعها و هو أبعد ما يكون عن الواقع. فتركيا و ماليزيا و البوسنة و ألبانيا و إندونيسيا دول ديمقراطية و إن كانت الأقليات مثل الأحمدية تعاني إضطهادا (غير رسمي ) في بلد مثل إندونيسيا. في حين دول "علمانية" بنيت على أساطير و قصص وهمية مثل إسرائيل تمول محكمات دينية تستند للهلاخا و تحرم على النساء الصلاة و قراءة التوراة أمام حائط المبكى. وضع المرأة في بلداننا لن يتحسن طالما إستمرت أقلية يعتقد الكثيرين بعدم ولائها لتراب أوطانهم أصلا بتحقير و تسفيه دين الأغلبية بهذه السطحية. ليس إعتراضا مني على حريتهم بالنقد ولكن أي فائدة و تنوير يرجوها هؤلاء من شعوب على مدى خمسين عاما مضت لم تسمع و تقرأ شيئا لم يجيزه كهان الدين الأفاضل؟
المحور الثالث و الأخير هو العنف المرتبط الإسلام. نشرت جامعة دوك بالتعاون مع جامعة نورث كارولينا تقريرا مفاده أن الإرهاب الصادر عن جماعات مرتبطة بالإسلام لا يتجاوز ستة في المئة من مجمل العمليات الإرهابية حول العالم. حيث العنف المرتبط بجماعات يهودية بلغ سبعة في المائة, و أربعين في المائة مرتبط بجماعات في أميركا اللاتينية. (عام 2006). و لايمكن تجاوز النظر عن عمليات نمور التاميل الإنتحارية ولا عن عمليات حركة القومية العربية التي كانت اللبنة الأولى لحركة فتح و مؤسسها الفلسطيني المسيحي جورج حبش. فالإرهاب تكتيك تستعمله قوى مختلفة لإيصال رسالة لقوى أخرى تعتبرها معادية. إذا سألت أغلب المسلمين عن سبب كراهيتهم للغرب فنادرا مايستشهدون بآيات القرآن. عوضا عن ذلك, تجدهم يستشهدون بما يعتبرونه مآسي و ألآم المسلمين حول الأرض من فلسطين إلى البوسنة. إضافة إلى العنف المطعم بالدين من قبل القوات الأميركية في أفغانستان و تعطش اليمين المسيحي لقتل المسلمين أو إدخالهم في المسيحية كما صرحت الكاتبة الأميركية آن كولتر. و لا يخفى على أحد كم العنصرية و الكراهية إتجاه كل ماهو مسلم كل ماعليك فعله هو زيارة مدونة روبرت سبسنر و باميلا غيلر أو إدارة التلفاز على فوكس نيوز لجرعة أخف من الكراهية و تذكير مستمر لمواطني بلد ديمقراطي بني على دماء و دموع الهنود الحمر أن المسيحية في خطر!
#عمر_بن_صمادح (هاشتاغ)