عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 3532 - 2011 / 10 / 31 - 12:08
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
كوكب الأرض نفسه ليس استثناءً في نظام الكون، كما يشير علماء الفضاء، إذْ أنه تعرض خلال عمره المديد لعددٍ من الضربات الفضائية التي كانت في كل مرة تحدث تغييرا جذريا في أشكال الحياة عليه، وأحيانا كانت تقضي على معظمها وتبيدها، وحتى اليوم ما زال كوكب الأرض على مرمى حجر فضائي طائش، يهدد وجوده برمته، وبالتالي لن يكون سكان هذا الكوكب من بشر وكائنات أخرى استثناءً في نظامه الطبيعي الصارم، الذي لا يجامل ولا يرحم.
وفي هذا المقام يذكر لنا التاريخ أنه وبعد أن استقر البشر فوق هذا الكوكب، وأنشئوا نظامهم الاجتماعي، وفي سياق تطورهم التاريخي انقرضت قبائل، وهلكت شعوب، ومُحيت دول عن الخارطة، وأبيدت حضارات عتيدة كانت تظن أنها مخلّدة، ولم يبقَ منها الآن سوى صفحات في أرشيف التاريخ.
واليوم، وبعد أن امتلك الإنسان تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم وأسلحة الدمار الشامل، فإن الجنس البشري برمته سيتحدد مصيره بكبسة زر، يتحكم به مجموعة من الحمقى والمهووسين، قد يؤدي جنون أحدهم إلى طي صفحة البشرية، وإلى الأبد.
ولا أدري لماذا يصر البعض على اعتبار أن "العرب" أمة فوق قوانين الطبيعة، وخارج مجرى التاريخ، ولا تنطبق عليها جدليات التطور الاجتماعي والسوسيولوجي، ونواميس الكون الحاسمة، وهم على قناعة بأنهم أمة خالدة. فإذا كانت الأمة العربية قد اجتازت ظروفا بالغة الصعوبة والتعقيد في العصور الغابرة، وكانت في كل مرة تنبعث من جديد، فلأنها تمتلك بعض عناصر الحيوية وآليات التجدد، ولكن هذا لا يعني أن عليها أن تركن إلى طائر العنقاء الذي سيخرجها من عنق الزجاجة، وأن تنام على أمجادها، فتلك قصص تجاوزها التاريخ.
العرب ومنذ ما يزيد عن خمسة قرون، لم يقدموا إسهاما ذو شأن في الحضارة الإنسانية الحديثة، ولم يتزحزح مكانهم عن آخر الطابور الذي يتلقى وينتظر ما ينتجه العالم المتحضر. ببساطة لأنها أمة برعت في تأليف النصوص وتقديسها، وإنتاج الشعارات وتحنيطها، وصنع الزعامات وتأليهها، والطواف في فلك الأصنام التي تصنعها بأيديها. وطالما بقيت كذلك .. تتغني بالماضي، دون أن تفعل شيئاً، ولا تتقن من السياسة إلا فن الرفض، منذ صدور الكتاب الأبيض وحتى يومنا هذا، وهو رفضٌ في أغلبه عبثي وعدمي، لم تجني منه إلا المزيد من التراجع والتنازل، وإنزال سقف مطالبها مرة بعد مرة.
ولذلك، دون أن نمتلك الشجاعة الكافية للتأمل والتبصر، والجرأة للنقد والمراجعة، ومساحة للحوار تخلو من مصطلحات التخوين والتكفير، وبدون أن ننـزع هالة القداسة عن كل المسلّمات، ونكسر القشرة الصلبة التي أحاطت بالنصوص قديمها وحديثها، ومنعتنا من استخدام عقولنا لقرون طويلة، وبدون وقفة صادقة مع الذات، فإن مستقبل الأمة سيكون مجازفة كبرى، بل أن مصيرها لن يكون أفضل من مصير الشعوب التي طواها التاريخ، ولا حتى أحسن من مصير الديناصورات التي سحقها نيزك فضائي، انتصر على صخور الأرض الرواسي.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟