|
للصبر حدود
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3532 - 2011 / 10 / 31 - 00:22
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
خلال أربع وعشرين ساعة فقط، أزهقت أرواح ثلاثة من شباب هذا البلد، لتتجه أصابع الاتهام إلى ضباط الشرطة.. وكنا نظن أن خالد سعيد وسيد بلال سيكونا آخر ضحايا غطرسة أجهزة الأمن، بعد سقوط وزير الداخلية في عصر المخلوع، الذي أطلق عليه المصريون ـ بحق ـ لقب وزير التعذيب . ولكن يبدو أن رحيل العادلي وعدد من الوجوه السادية الأخرى في جهازه، لم يستأصل التقاليد التي تتحكم في عقلية العديد من أفراد جهاز يرفع شعار خدمة الشعب!
ففي الخميس الماضي، توفي عصام عطا (23 سنة) المسجون في سجن طرة، فيما أرجعته وزارة الداخلية إلى ابتلاعه لفافة أقراص مخدرة انفجرت في بطنه (ألا تذكركم هذه اللفافة بلفافة خالد سعيد؟). بينما يقول أهله، وزملاء له في السجن، وشهادة أطباء عاينوا الجثة، إنه تعرض لتعذيب وحشي. وقالت لي الناشطة منى سيف عضو جماعة "لا للمحاكمات العسكرية" إن القتيل كان محكوما عليه بالسجن عامين بتهمة اقتحام شقة، وكان أهله بصدد اتخاذ إجراءات للطعن في الحكم.. وأكد لي شقيقه محمد إن عصامًا كان يشاهد مشاجرة بصحبة صديق له، فتم القبض على صديقه ضمن متجمهرين، وعندما تدخل للدفاع عنه أخذوه معه! ويقول محمد الذي حادثته تليفونيا: إن عصاما طلب منهم شريحة تليفون محمول حتى يستطيع الاتصال بهم من السجن.. وإنهم تأخروا عليه في الزيارة لضيق ذات اليد. وعندما ذهبت والدته لزيارته، سلمته الشريحة دون أن يلحظ ذلك إلا مسجونا، كان دائنا لعصام بخمسة جنيهات، رفض تسديدها له، ووشى السجون للضابط بأن أم عصام ناولته شيئا في الخفاء. فطرد الضابط الأم، وأخذ ابنها معه، لتسمع والدته بأذنيها صوت تعذيبه قبل رحيلها، ويكون آخر ما وصلها من كلامه صراخه طالبا النجدة "الحقيقني يامه"! وطبقا لشهادة الدكتورة عايدة سيف الدولة أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس وعضو مركز النديم لمعالجة ضحايا التعذيب، التي عاينت الجثة بنفسها في المشرحة، عرضت عليها طبيبة المشرحة "لفافة طولها حوالي 5 أو 6 سم، بيضاء ملفوفة بخيوط سوداء عليها بضعة قطرات قليلة من الدم، وقالت أخرجنا هذه اللفافة من معدته." وأضافت الدكتورة عايدة: " أن مصلحة الطب الشرعي لم تكن متعاونة، ولم تكن مجهزة، وأنها تعاملت مع أهل عصام بأسلوب أقرب إلى أمن الدولة منه إلى الأطباء". وأكد مالك عدلى بمركز النديم على تويتر أنه شاهد بنفسه الجثة ولم يجد بها إصابات واضحة، إلا أن ملابس عصام كانت ممزقة وتندفع المياة من فتحات جسده. وأوضح أن زملاء عصام فى عنبر السجن أخبروه أن الضباط وضعوا خرطوم مياه فى فمه وفى فتحات حساسة من جسده، وأنه عاد للعنبر وعليه علامات الإعياء وأصيب بحالة من القىء الدموى قبل أن يسقط فاقدا الوعى. والمفارقة أن عصاما كان نزيل الجزء المشدد من سجن طرة، الذي سمعنا أن أولاد المخلوع ورجاله ينعمون فيه بامتيازات جمة، لا تقارن مع إدخال شريحة تليفون بصورة غير مشروعة. والخلاف الوحيد بينه وبينهم، إنه حتى لو كان تهمة اقتحام شقة سكنية ومحاولة سرقتها حقيقية في حق عصام، فأولاد المخلوع ورجاله نهبوا وطنا بأكمله.. واستولوا وحاشيتهم وخدمهم على أراض وفيلات ومنتجعات، وثروات لا تخطر على ذهن عصام ولا أهله في الأحلام! وبعد ساعات، وعند فجر الخميس، يختلف الشاب معتز سليمان (24 عاما) مع ملازم في سيارة النجدة خلافا مروريا، في منطقة الشيخ زايد، فيطلق الضابط أربع رصاصات على سيارة معتز لتصيب الفتى في صدره. وأكد العاملون في مستشفى الشيخ زايد الذي نقل إليه الجثمان أن الضابط كان يريد من طبيب الإستقبال تركيب أي "كانيولا"، وكتابة تقرير بأن الحالة توفيت في المستشفى إلا أن الطبيب رفض.. فلم يجد الملازم مفرا من أن يهرب إلى قسم زايد طالبا حماية القسم. وتروي ألسنة أهالي المنطقة قصة أخرى؛ مفادها إن معتزا قتل داخل القسم بعد أن اصطحبه الضابط حيا إلى هناك! وأن الأهالي تجمهروا غاضبين وأصروا على حرق سيارة النجدة التي نقلت الجثة إلى المستشفى، لكن الطبيب طالبهم بمراعاة مرضى المستشفى، فجروها إلى الخارج وأحرقوها. ويروي شهود عيان أن الموقف أدى الى تمرد أفراد الداخلية المكلفين بحماية المنشآت العامة في زايد وإمتناعهم عن الذهاب للعمل خوفا من عمليات إنتقامية! وإذا كانت طلقات الرصاص في صدر معتز لن تسهل اتهامه بابتلاع "لفافة"، إلا أننا لن نستغرب كثيرا لو قيل بعد ذلك أن معتزا حاول دهس الضابط مثلا وهو تحت تأثير مخدر فاضطر الضابط لإطلاق الرصاص.. أو أي شيء من هذا القبيل.. المهم أن تقنعنا الشرطة أن الضحية ، كان يستحق القتل. ولا تمر ساعات أخرى، حتى يطلق أمين شرطة النار على مواطن في شارع القصر العيني فيصيبه في بطنه، ويتجمهر غاضبون فيحرقون سيارة أمين الشرطة ويقطعون الشارع! وسواء كان عصام بلطجيا، أو معتز شابا متهورا، أو المواطن الذي أطلق عليه أمين الشرطة رصاصه في القصر العيني سيء الأدب، إلا أن هذه الحوادث وأحداثا أخرى مماثلة، تدق جرس الإنذار قبل وقوع كارثة لا يعلم مداها إلا الله؛ وتدعونا للانتباه إلى أمور لم يعد تجاهلها يفيد: أولا؛ إنعدام مصداقية الداخلية لدى المصريين، فبعد محاكمة قاتلي خالد سعيد، التي أثبتت أن موته كان بسبب ضرب المخبرين وليس اللفافة "إياها" .. لم تعد حجة "اللفافة" تقنع أحدا.. كما لم يعد أحد يقبل انتهاك الحقوق الإنسانية لمواطن حتى لو كان مجرمًا. وثانيا: نفاد جميع مافي جعبة الجماهيرمن صبر، فلن تقبل ثانية أي ممارسات قمعية أو مهينة. ولعل جنازة عطا في التحرير، وسلوك الجماهير الغاضبة وإحراق سيارة النجدة في الشيخ زايد وقطت الطريق هناك، وتكرار نفس السيناريو بحرق سيارة أمين الشرطة وقطع شارع القصر العيني، تنذر بضرورة احترام مشاعر جماهير مكلومة، لم تثأر بعد لمقتل أبناء لها في أيام الثورة وأمام ماسبيرو..وثالثا: مازال ضباط الشرطة يتعاملون مع المواطنين وفق الشعار الذي رفعه أحدهم ذات يوم "نحن سادة هذا البلد" .. ويبدو أن هؤلاء السادة قرروا عقاب الشعب الذي تجرأ على سادته وقام بثورة، رافضا غيهم وجبروتهم! ومازالوا غير قادرين على استيعاب أن الشعب هو "السيد" في الحقيقة.. ولا يقبلون أن يكونوا "في خدمة الشعب"! الموقف جد خطير، وصار تطهير جهاز الشرطة في أسرع وقت، وإعادة هيكلته، ضرورة ملحة.. وعلى الشرطة أن تبذل جهدا شاقا لاستعادة ثقة هذا الشعب. ولن يتم ذلك إلا بمحاسبة المسئولين عن قتل أبنائه محاسبة جادة. وإبداء الندم الحقيقي والتعهد بعدم العودة إلى هذه الممارسات مرة أخرى.. قلناها مرارا، ونكررها: احذروا غضبة المصريين!
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احذروا غضب الشعوب
-
متى ترتوون من دمائنا؟
-
غضب آخر سوف يجيء!
-
علموا أبناءنا في إيطاليا!
-
الدبة.. وصاحبها!
-
بوادر جولة ثانية
-
عصام وحسن ..ورأب الصدع
-
حتى الرمق الأخير
-
شعب واحد
-
خطاب مفتوح إلى السيد المشير
-
ثورة عالمية في الأفق
-
وانهمرت دموعي
-
رمضان .. وهدى
-
عجلة الإنتاج .. وسنينها!
-
المشككون.. بين الثوار والجماهير
-
كرامة المصريين خط أحمر
-
عفوا.. يرجى إعادة شحن الرصيد
-
قبل الحساب
-
الداخلية.. وثورة صارت ضرورية
-
تحركوا قبل فوات الأوان
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|