|
مواجهة الظلم والفساد التزام وطني وإنساني من أجل كل المصريين!
نبيل عبد الملك
الحوار المتمدن-العدد: 3531 - 2011 / 10 / 30 - 09:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لا أعرف تماما معنى وسياق ما جاء على لسان البابا شنودة مؤخرا، أي رفضه لإصرار الأقباط، داخل مصر وخارجها، على إجراء تحقيق قانوني محايد ودولي فى كل الجرائم التي تعرض لها أقباط مصر، وتحديدا منذ مذبحة الزاوية الحمراء، فى يونيو 1981، وحتى مذبحة ماسبيرو، العام الحالي، وبينهما مذابح أخرى لن تُنسى، وممارسة التمييز الصارخ والضغط المتواصل عليهم بحملات من الحض على كراهيتهم وترويعهم بوسائل دنيئة رسمية وغير رسمية وصارخة. الموضوع من أساسه قانوني، ويتعلق بحقوق الأقباط المصريين فى الحياة الآمنة والتمتع بحقوقهم الإنسانية كمواطنين؛ وهي حقوق لا يمكن التنازل عنها، وليس لأحد أن يمنع الأقباط، أفرادا أو جماعة، من المطالبة بها بكل الوسائل المشروعة محليا ودوليا. ومعروف في عالم اليوم، وهو أمر مشروع أيضا، أن في حالة فشل الدول والحكومات فى الوفاء بواجباتها والتزاماتها تجاه احترام حقوق مواطنيها، وخاصة فيما يتعلق بتحقيق العدالة على المستوى القومي، أن يلجأ المتضررين إلى المجتمع الدولي لحماية هذه الحقوق. وأقباط اليوم، مثل جميع بني البشر، ليسوا استثناء فيما يتعلق باستخدام آليات العدالة المشروعة هذه، فهم يعانون من اغتصاب مُمنهج لحقوقهم الأساسية حتى الحق في الحياة، ولم يُقدم أي من مرتكبي هذه الجرائم للعدالة، الأمر الذي أدى إلى شيوعها وتصاعدها، عبر أكثر من ثلاثة عقود، وبات الأمر ينذر بتطورها إلى عمليات إبادة جماعية فى هده الظروف التي تمر بها مصر الآن حيث لا أمن ولا قانون، وسط مناخ مشحون بالتعصب والتحريض ضدهم، ومتربص بهم للعدوان عليهم تحت ذرائع مختلقة واهية. أن جسامة الجرائم الإنسانية التي يتعرض لها الأقباط، والتي عبر عنها تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية فى اليوم الأول من عام 2011 قبيل سقوط رأس النظام البائد، وما تلاها من جرائم جماعية حدثت بعد سقوط رأس ذلك النظام تؤكد فشل الجهات الإدارية والسلطات المحلية فى الوفاء بواجباتها تجاه المواطنين الأقباط تحديدا ، وتواطؤ بعض أجهزتها الإدارية ومشاركة عناصر منها فى تنفيذ كل هده الجرائم والإنتهاكات الحقوقية. الواقع الذي أدركه مؤخرا مسلمون شرفاء إن ما يتعرض له الأقباط، هو جزء من كل ما تتعرض له مصر كلها، فلا تزال سياسة النظام البائد مستمرة: وأحد أساليبها إشعال "الفتن الطائفية" أو عدم إطفائها، إلا بعد تحقيق الهدف منها، هذا على الرغم من الآمال التي كانت معقودة على ما عُرف "بثورة 25 يناير" لدى كل المصريين، وخاصة الأقباط. فى ضوء كل ذلك، أصبح واضح جدا أن مصر في مفترق طرق، ولذلك لا يصحُ لأي إنسان أو مؤسسة أن تتحمل مسئولية السكوت أو تمرير هذه الجرائم والتي توالت عبر أربعة عقود، وباتت الآن تهدد الجميع، بل وتقلق المجتمع الدولي ممثلا بهيئة الأمم المتحدة وكل الدول المتحضرة وشعوبها الحرة. لذلك يصعب معالجة المسألة القبطية من منطلق طائفي في معزل عن المسألة الوطنية وضرورة تناولها من خلال الآليات السياسية والقانونية المحلية والدولية، إذا لزم الأمر، فعمل كل هذه الآليات في نهاية الأمر يصب فى تحقيق العدالة العامة والتحول الديمقراطي واقتلاع بقايا فلول الحكم البائد، بطريقة سلمية، أو بما يُعرف بالضغط الناعم . من هنا أشك فى أن إرضاء أو الرضوخ لقيادات فى الحكم - ثبت فشلها أو تقاعسها، أو تواطؤها فى هذه الجرائم، سيأتي بمردود إيجابي يخدم الأقباط ومصر بوجه عام من جهة تأسيس مصر المستقبل بنظامها الديموقراطي الحق ودولة القانون التي تمنع مثل هده الجرائم و تحترم حقوق المواطنين المصريين بوجه عام. من جهة أخرى، أن هذا "المستقبل" لا يُعقل انتظاره إستجابة لوعود سبق التنكر لها والإلتفاف حولها. فالمستقبل الآمن والمبتغى يجب أن تكون له بوادر آنية وأسس قوية توضع اليوم ونلمسها، ويواصل الجميع العمل الجاد والملتزم من أجل تحقيق بقية هذه الأسس لإتمام عملية بناء الدولة المصرية الحديثة المستقرة. ولكي أكون أكثر تحديدا أقول: كان من المفروض على من هم فى كرسي السلطة أن يحققوا العدالة الإنتقالية فى كل ما تعرض له الأقباط من مذابح واعتداءات جماعية وفردية حدثت على أساس من هويتهم الدينية، كما كان على من يتولون إدارة شئون البلاد فى هذه المرحلة الحرجة أن يوفوا بحقوق أهالي الشهداء والمصابين ضحايا النظام البائد وفلوله، وفى النهاية معاقبة كل من شارك فى نهب ثروات الشعب وانهيار مؤسسات الدولة وإفساد الحياة المصرية بكل مناحيها السياسية والإقتصادية والاجتماعية والثقافية. هذا جزء هام مما يمكن اعتباره تصحيحا لمسار، ولكن هناك شكوك فى إمكانية تحقيقه. هذا إحساس تكون لدى جموع من المصريين الشرفاء تعيش المأساة والألم والحلم، تؤكد أن التركيبة السياسية الحالية لا تبشر بتصحيح المسار بذاتها. ويبدو لي إنهم توصلوا إلى قناعتهم هذه بعد تحليل الأوضاع المصرية منذ 25 يناير و إلى الآن، وكما أراها أنا أيضا. فقد ثار الجدل حول ما إذا كانت مصر قد شهدت ثورة أو "فورة" أو حركة عصيان عام. ويبدو لى، وخاصة بعد مقابلة بعض قيادات شباب ما أُعتبر أنه "ثورة" والحديث معهم مؤخرا على مدى ثلاثة أيام ، وبناء على ما شاهدناه من تخبط فى عملية إدارة البلاد ومحاولة تهيئتها لعصر جديد، إننا كنا بالفعل أمام حركة عصيان شعبي عام فى مواجهة نظام دولة تآكلت أسسها بعد أن ضربها الفساد، فلم يستطع حاكمها الأوحد السيطرة على دفة الإدارة ومواصلة الحكم. نعم إن ما حدث كان حركة عصيان شعبي عام قاده شباب الإنترنت، حسبما اعترفوا أكثر من مرة، وحسبما سمعنا منهم، إذ لم تكن لديهم خلال فترة الإحتجاجات أية أهداف إلا إحداث تغيير سياسي وإصلاح دستوري فى إطار المبادئ التي نادى بها مثقفون مصريون ونشطاء منظمات المجتمع المدني عبر عقد من الزمن ومعهم رموز من القضاء المصري. وللأسف، لم تكن هناك رؤية شاملة لثورة، كما لم تكن لها قيادة. بل والأهم، لم تتكون حتى هذه اللحظة رؤية واضحة جامعة لطبيعة الدولة المصرية المبتغاة، إذ إن هناك صراع للرؤى - بين الحداثة والرجعية، أي بين الدولة المدنية الدموقرطية والدولة الدينية، الأمر الذي يُعَرض عملية التحول الديموقراطي ووحدة الأمة المصرية، لعراقيل جمة وربما لمخاطر كبيرة. من هنا، إذا كنا حقا نسعى إلى إنقاذ البلاد ونقصر من هذه المرحلة الضبابية، لابد من وجود تجمع وطنى قوي يشمل كل الفصائل الساعية لإقامة الحكم المدني الديموقراطي، معبرا عنِ العقل الجمعي القادر على التحرك بسرعة لإعلان الرؤية القومية وإستراتجية تنفيذها على أرض الوطن. عندما يحدث هدا يمكن أن نقول أن الثورة بمعناها الكامل قد بدأت، وحينها يمكن أن نتحدث ونضع تفاصيل مرحلة التحول الديموقراطي وأسس الدولة الحديثة، وفى قلبها دستور مصر، الأساس الأول للدولة العصرية: دولة الرفاهية والمواطنة، دونما تردد، أو تخوف من عناصر رجعية، أو بقايا فلول النظام الفاسد البائد. و فى المقابل، إذا لم يتحرك المصريون فى هذا الاتجاه، فسيُطل علينا الاستبداد، وبقوة، لتستمر آلام الأقباط ومعاناة المسلمين معا.
#نبيل_عبد_الملك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر بعد ثورة 25 يناير
-
الدستور المصري وحقوق المرأة والأقباط فى ضوء معايير حقوق الإن
...
-
الدستور المصري وحقوق المرأة والأقباط فى ضوء معايير حقوق الإن
...
-
عريضة حقوق متساوية لكل المصريين
المزيد.....
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|