أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد الخميسي - من تثقيف العسكر .. إلي عسكرة المثقف














المزيد.....


من تثقيف العسكر .. إلي عسكرة المثقف


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1048 - 2004 / 12 / 15 - 10:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مع بزوغ ثورة يوليو سادت نظرية تفضيل " أهل الثقة " على أهل العلم والكفاءة . وعلى هذا الأساس انتشر في كل ركن وموقع ثقافي وفي كل مؤسسة السادة الضباط ، بدءا من لجان النشر الصغيرة إلي وزارة الثقافة التي ترأسها لفترة طويلة ثروت عكاشة ، وفي الصحف كان أنور السادات رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية ، وخالد محيي الدين رئيسا لتحرير المساء ، وتحكم الضباط في إدارة الإذاعة والتلفزيون والاتحادات الأدبية ، وكان يوسف السباعي نموذجا لامعا في هذا المجال . وكان أولئك الضباط – القابعون في كل مستوى – يسعون لأن يصبحوا مثقفين ، وأن يقرءوا ، ويتابعوا ، ويتعلموا ، ويتصلوا بكبار الكتاب ، إلا أن طبيعة " الضابط " الكامنة فيهم كانت تظهر في أول خلاف ، كما فعل أحدهم حين حاصر دار الهلال بالدبابات . وذات يوم أراد أحد الضباط المشرفين على الإذاعة أن يمنع كل أغاني أم كلثوم لأنها من العهد البائد إلي أن قال له عبد الناصر متهكما : الأهرامات الثلاثة هي الأخرى من العهد البائد فما رأيك في هدمها ؟. ومع ذلك كان ضباط الثكنات العسكرية يحاولون وإن بصعوبة أن يصبحوا مثقفين . لكن الزمن بين فشل نظرية " أهل الثقة " من العسكر وعرى طريقها المسدود . وبحلول عصر السادات نقلت الدولة ثقلها إلي " أهل الكفاءة " أي المثقفين ذاتهم ، وبدلا من " تثقيف العسكر " أخذت تعمل على " عسكرة المثقف " الأدرى بلغة المثقفين والأقدر على مخاطبتهم واحتوائهم وإغرائهم بذات الكلمات عن الشعر والثورة والالتزام والحرية وما شابه . وللمرة الأولى منحت الدولة الموسيقار محمد عبد الوهاب لقب لواء ، الأمر الذي أثار سخرية مريرة من السعي لعسكرة النغم ، وتقليص المبدع إلي حدود الرتبة العسكرية . وشيئا فشيئا اتضح أن اللواء عبد الوهاب كان تجربة صغيرة ، لعسكرة الثقافة وخلق نمط جديد من المثقفين الذين يسعون لأن يكونوا عسكرا . وعمت التجربة البلدان العربية الأخرى ، فساد ذلك النمط الجديد من المثقف الضابط ، وأشهر نماذجه هو على عقلة عرسان ، الذي قضى على اتحاد الكتاب العرب ، وعلى أي دور له ، عبر ثلاثين عاما متصلة ظل فيها رئيسا للاتحاد بمعجزة غير قابلة للفهم إلا على ضوء إلحاق المثقف بالسلطة .
وشيئا فشيئا لم يعد المسئولون عن مختلف شئون الثقافة في الدولة ضباطا يتثقفون ، ولكن مثقفين ينضبطون ، ودورهم الأول والأخير احتواء الآخرين والتلويح بعقود النشر ، والتأليف ، وعضوية اللجان ، والسفر ، والمؤتمرات ، والمهرجانات الصاخبة ، فإذا لم ينفع كل ذلك ، أسدلت ستائر التجاهل الكثيفة . وهكذا شاع نمط المثقف المنضبط ، الذي إن أحسنت فهمه وجدته ناقدا ، وشاعرا ، وإن لم تفهمه كشر لك مبديا صورة أخرى . أنظر حولي في كل المواقع الثقافية الرسمية فأجد في كل مكان تقريبا هذا النمط الجديد من المثقف ، إنه صناعة محلية جديدة تجمع بين حسنات أهل الكفاءة وأهل الثقة . الضباط الذين سعوا إلي الثقافة كانوا واثقين من أن السلطة بيدهم فكانوا يحاولون تقديم وجههم الثقافي ، أما المثقفون الذين تعسكروا ، فإنهم يحاولون تقديم وجههم السلطوي بنبرات صوتهم . وتكفي نظرة سريعة – متفحصة – على المواقع التي تتحكم في الشئون الثقافية في مصر ، لتجد هذا النوع الجديد ، المزيج من الرتبة والمعرفة ، والذي يخفي وراء ظهره سيف المعز وذهبه ، وعصا الدولة وجزرتها . والمثقفون الذين تعسكروا قادمون من كل الجهات : من الأكاديميات ، ومن رحم تاريخ سابق ، ومن جوف معرفة لم يكن لها ثمن فصارت مدفوعة الأجر ، بألقاب علمية أو من غيرها . استحكمت الشمولية فيما مضى وراء عسكر يحاولون أن يتثقفوا ، بينما تتواري الديمقراطية الآن خلف مثقفين تعسكروا . وقد حدث منذ فترة أن حضرت مؤتمرا ثقافيا بأحد الأقاليم ، وجلسنا قبل افتتاحه مع المسئول ، فأخرج بأدب جم كتابا له وأهدانا نسخا منه ، ومع افتتاح المؤتمر فوجئ المسئول – الشاعر المثقف – بأحد الكتاب المشاركين في المؤتمر يناقش علنا من عند المنصة مشكلات الديمقراطية ، وإذا بالمسئول يكشف عن وجه آخر تماما غير ذلك الذي طالعنا بأدب جم منذ ساعات قلائل متنهدا بهم وحزن الشعراء ! فقد انقض المسئول على الكاتب مهاجما بلا رحمة ، وتبدد في حديثه الشعر تماما ولاح العسكر ، وسمعت في صوته وهو يصيح نبرة قديمة لها ذكرى عندي ، فقلت لنفسي : انتقلنا من التنكيل البدني إلي التنكيل المعنوي بعد أن نجحت الدولة في خلق نوع جديد من المثقفين !



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كعك أمريكي لسكان الفالوجة
- ياسر عرفات .. تغريبة أخيرة
- ليلة القبض على العريش
- عبد الحليم قنديل .. اختطاف الحقيقة
- محطة الضبعة ومستقبل مصر
- العالم يحتفل بمئوية تشيخوف
- صفحة الحوادث والأدب الروائي
- القمة والقمامة في مصر
- ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
- نموذج بولاق .. لسيادة العراق
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
- وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
- الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
- القاهرة تهتف للعراق


المزيد.....




- إخلاء ركاب طائرة على جناحها بعد اشتعال النيران بمحركها في مط ...
- أحمد الشرع يستقبل -اتحاد علماء المسلمين- المدرج على قوائم ال ...
- النيابة السعودية تصدر قرارا حول مخدر -الشبو-.. إليكم ما يحصل ...
- سوريا.. جدل على مواد الإعلان الدستوري الجديد بعد توقيعه
- الزواج وتأثيره على الوزن.. دراسة تكشف مفاجآت جديدة
- بأدلة علمية وتاريخية.. عالم من ناسا يدحض نظرية -الأرض المسطح ...
- روسيا.. وضع برنامج حاسوبي لتحليل تخطيط القلب الكهربائي
- قضى 43 سنة في سجن صيدنايا.. أردوغان يكرم الطيار السوري رغيد ...
- الولايات المتحدة.. اندلاع حريق بطائرة ركاب بعد هبوطها (فيديو ...
- كيف يستغل ترامب الأوقات العصيبة؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد الخميسي - من تثقيف العسكر .. إلي عسكرة المثقف