|
ثقافة الدبسة في مؤخرة الشعوب
فرج الله عبد الحق
الحوار المتمدن-العدد: 3528 - 2011 / 10 / 27 - 15:47
المحور:
كتابات ساخرة
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو تلك المشاهد الشاذة والمقززة بعيد اعتقال القذافي من قبل من يسمون أنفسهم ثوار ليبيا، اعرف أن مقالي هذا سيسبب غضب عدد كبير من القراء، لكن الدفاع عن حقوق الإنسان لا يمكن أن يكون باتجاه واحد، لا تخطئوا فهمي فأنا لا أدافع عن المجرمين بحق شعوبهم، بل أدافع عن الحقوق التي تقوم من أجلها الثورات. ما حصل لمعمر هو مسيء للشعوب من كافة الجوانب، دينية ،كانت أم سياسية و سأشرح ما أقول. الإساءة للدين في كل الشرائع الدينية كان للأسير حقوقه، ففي التاريخ الإسلامي كان النبي يحترم المأسورين لديه حسب ما يقوله أئمة الإسلام، وهناك في الديانات الأخرى سماوية كانت أم لا، شرائع تدين ممارسات مماثلة لهذه الممارسات الأخلاقية، فمن سمح لهؤلاء "الثوار" أن يتصرفوا بهذه الهمجية؟ من أعطاهم الغطاء الشرعي والأخلاقي لمثل هذه الممارسات؟ والأهم هل هؤلاء هم ورثة ألثائر الكبير عمر المختار الذي استشهد دفاعاً عن ليبيا وحق شعبها في الحياة الكريمة؟ سأبدأ بالإجابة على السؤال الأول قائلاً للثورة أخلاقيات ,"ثوارنا" في ليبيا لم يمروا في أبسط مراحل التثقيف الثوري ألا وهو احترام الخصم حتى تتمكن من النصر عليه، كل ما عرفوه من ثقافة كفتاوى القرضاوي على الجزيرة محللاً دماء القادة هكذا، و ضحكات كلنتون السخيفة عندما سمعت عن سادية هؤلاء " الثوار"، هم أصبحوا عنواناً للهمجية وعقلية الثأر السائدة في الصحراء، وتاريخنا مليء بالحروب التي ترتكز على الثأر، من أجل حصان ،أو من أجل عيون فلانة أو...أو...أو. والأسوأ أنهم يلبسون عمامات رجال الدين والدين بريء منهم، يخرجون علينا عبر هذه الشاشة الصغير بادئين بذكر اسم الله والله بريء من أعمالهم وأقوالهم،ومن ثم يقدمون لنا ما تيسر من بطولاتهم المخزية، والمصيبة أن أصغرهم أصبح إمام في الإفتاء. ولو كانت فتواهم تتعلق في موضوع واحد لكان ألأمر مستساغ، لكنهم مثل الشخصية الفاكهية أم كامل في مسلسلات غوار تفتي في الطب والهندسة وعلم الاجتماع وحتى في علم الذرة إذا شئت، فتواهم في مصر قبل سنين أمرت بطلاق سيدة من زوجها لأنه شيوعي، هذه هي أخلاق من وضع الدبسة في مؤخرة القذافي ويريد أن يسمى بثائر. أما من أعطاهم الشرعية فالجواب لا أحد، ولا يقول لي أحد أنها شرعية ثوريه، لأنه لا توجد ثورة تحلل اغتصاب الأسير ولا حتى ثورة العبيد في روما. هم أخذوها بنفسهم معتمدين على فتاوى ممن ذكرتهم سابقاً و مستندين على دعم من الدول الاستعمارية و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحلل حمل السلاح و إطلاق النار على الملونين هكذا لمجرد الشك به، تحلل عقوبة الإعدام حتى لو كان المتهم بريء، هم طبقوا شريعة الغاب المطبقة عند أسيادهم من شيوخ الهم و الغم النفطية و أصحاب العمائم السوداء عملاء أمريكا، هم اختطفوا الحق بل اغتصبوه من أصحابه الشرعيين، من الشعب الليبي العظيم. يا أوباش حتى إسرائيل تحترم أسرانا أكثر من احترامكم لأسيركم، أصبحتم أضحوكة على كل لسان، وكل هذا بفتوى دينية من مخرف يجلس خلف ميكروفون و يدخل السم في النفوس الضعيفة أمثالكم يا "ثوار" ليبيا. أما عمر المختار فلو قدر له أن يرى ما حصل لقال أنا لا أمت لهؤلاء بصلة. أنا ثرت من أجل حياة كريمة لشعبي، من أجل الحرية بمعناها الحقيقي لا بهذه الحرية الممزوجة بالذل والعار، الجالسة على طائرات الأعداء من الطليان والأمريكان. لو كان عمر المختار حياً لأجل ثورته لأن من ورثوه لا يمتوا للثوار بصلة. عندما استشهد عمر المختار كان ينظر إلى السماء ويبتسم لأنه تحرر داخلياً من الأعداء، كان مخلصاً لقضية لم ولن يفهمها هؤلاء الأوباش. الناحية السياسية لنعد إلى ليبيا قبل بدء الأحداث، لم يكن هناك أي حزب سياسي فيها و أن الأحداث بدأت دون مقدمات، فتونس مثلاً كان هناك انتفاضة الحوض المنجمي، ومصر كان هناك وقفات وإضرابات حلوان و المحلة الكبرى ، أما في ليبيا لم نسمع عن أي حراك سياسي، ومن ظهر على الشاشة في بداية الأحداث كان من مرتزقة شيوخ قطر الذين تبنوا ودعموا الحراك مادياً ولوجستياً، سخروا وسائلهم الإعلامية وموارد ليبيا المالية بعد الحجز عليها بدعم من سيدهم و مولاهم أوباما، الذي أراد أن يخلق توازن في المنطقة بعد الهزات التي حصلت في مصر و تونس، خرج علينا وزير القذافي عبد الجليل ليبشرنا بأنه معارض لولي نعمته وأنه اتفق مع أعداء ليبيا و بتنسيق مع عصابة الإخوان المسلمين، من أجل تسليم ثروات ليبيا وشعبها إلى الوحوش. قاموا بقصف البنية التحتية لهذا البلد تماماً مثلما فعلوا في العراق الجريح كأن هذه البنية هي ملك القذافي و صدام، ثم أتوا من الباب الواسع لإعادة أعمارها حسب ما يريدون، هم فتحوا الأبواب و بنوا أقواس النصر ليدخل منها الاستعمار الذي يدَعون أنهم ثاروا للتخلص منه. الإمبريالية اتبعت أسلوب جديد قديم في نفس الوقت في حربها ضد الشعوب، أسلوب إثارة الشعوب على قادتها، الجديد فيها أنها لم تعد تعتمد على عملائها بالكامل لإتمام المهمة كما حصل في تشيلي، ولا على التدخل المباشر كما حصل في العراق و أفغانستان، بل باشروا بالتدخل المباشر بالتنسيق و مشاركة عملائهم، كانوا يرسلون جيوشهم للقيام بالمهمة و اليوم يسلحون عملائهم ويرسلون طائراتهم لدعمهم. هكذا يحصلون على ما يريدون دون خسائر بشربة، أما الخسائر المادية فهي منهوبة أصلاً من هذه الشعوب، أي بمالنا ورجالنا يفرضون علينا العبودية لهم. أول تصريح لعبد الجليل بعد اغتصاب القذافي وإعدامه كان تقديم فروض الطاعة والولاء للإخوان المسلمين، ومن بعدهم لأولياء أمره الجدد، الأطلسي، هنا أثبت لنا أنه و مرؤوسيه استخدم الشعب الليبي من أجل بيع مقدراتها بأبخس الأثمان. المشكلة أن ليبيا ليست حالة منفردة في المنطقة. لقد شرحت في أكثر من مقال عن المصالحة بين الإخوان والإمبريالية التي طبقت في تركيا و يجري تطبيقها بعد مهزلة ما يسمى بالثورة في ليبيا، هذه المصالحة تأخذ أشكال وألوان مختلفة في دول أخرى في المنطقة، ففي مصر تظهر بوضوح من خلال الأحزاب الدينية و برامجها السياسية، كذلك هو الحال في تونس، كما تظهر بوضوح من خلال فتاوى الأزهر وعلمائه فيما يتعلق بالوضع في مصر، لا يمكن أن ننسى هنا القرضاوي الذي يصيح صباحاً ومساءاً لا تصوتوا إلا لمن يتقي الله، طبعاً لا حديث عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان، وفي الخلفية تجد الإمبريالية تصفق لمثل هذا الاتجاه، العدو بالنسبة لهم هم التقدميين والوطنيين في هذه البلدان. أما في بلاد الشام فنرى هذا النهر من الأموال و السلاح المرسل لهم من تركيا، لبنان ولا ننسى السعودية ـ التي حاكمت امرأة لمجرد قيادتها لسيارة ـ، كل ذلك ليس من أجل الديمقراطية والحرية ، بل من أجل خلق أنظمة عميلة، هم لا يسألون عن عدد الضحايا في سورية، ولا عن الدمار الناتج عن ما يحصل، ولا عن تدمير الاقتصاد السوري، على العكس هم يقومون بعكس ذلك،يقتلعون خطوط السكة الحديدية، يفجرون أنابيب النفط، يخطفون العلماء والمثقفين، ومن ثم يدعون أنهم مقاتلين من أجل الحرية تماماً كما فعلت أل كونترا في نيكاراجوا، حللوا حتى الاتجار في المخدرات من أجل تنفيذ المخطط الامبريالي هناك. هم يذبحون الناس ومعهم عدسة تصوير لا ليفضحوا هذا النظام أو ذاك، بل ليخيفوا الشعوب حتى لا يقف بوجههم أحد قائلين لهذه الشعوب إما نحن أو ما جرى لمعمر سيكون مصيركم،وإذا لم يكن هناك حدث يختلقون الحدث كما فعلو في نقل أحداث جامعة مؤتة على أنها في جامعة دمشق، ثقافة الإرهاب المنظم ثقافتهم، هم أعداء شعوبهم رغم ادعائهم بعكس ذلك. يعدون الضحايا كأنها لشعب آخر لا لشعبهم، لا يهمهم كم عددهم فهم قرابين على مذابح خيانتهم، المهم لهم أن يجيروا مقدرات شعوبهم للامبريالية مهما كان الثمن. المؤسف في كل هذا أن مجموعة من المثقفين التقدميين قد انطلت عليهم الحيلة، يكتبون بكل حماسة مدافعين عن ما حصل ويحصل في المنطقة. هنا أريد أن أذكر حادثة قالها لي عضو في البرلمان الأوروبي لدى زيارة قام بها لفلسطين، الحادثة وقعت في القاهرة بعد الإطاحة بمبارك. أثناء هبوطه في مصعد الفندق كان معه جون مكين المرشح الجمهوري في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كان يعطي تعليماته لمن حوله عن آلية عملهم لهذا اليوم، طبعاً لم يكن عمله يتعلق بالتجارة أو الاستثمار، بل كان يتعلق بمخطط إجهاض الثورة. أذكر هذه الحادثة لأقول لهؤلاء المثقفين لا تغركم الشعارات الرنانة التي تصدح بها خناجر المرتزقة، الحذر واجب. طبعاً سأل صديقي موظف الاستقبال ماذا يفعل هنا هذا الرجل فأجاب انه مقيم في الفندق إقامة شبه دائمة. أنا متأكد أن بعضكم لا يصدق و سينبري لمعارضتي واتهامي بكافة أشكال وألوان التهم، أنا معتاد على مثل هؤلاء. في قراءاتي على صفحات هذا الموقع قرأت ما كتبه الرفيق محمد نفاع حول المؤامرة و المتآمرين، و أردد ما يقوله دائماً - إذا خيرت بين النظام وبين القوى الامبريالية وإسرائيل وعملائهم من الرجعية العربية، أقف مع الشعوب في نضالها من أجل التخلص من الاستعمار و ذيوله . أيتها الشعوب العربية. أخاف أن نستيقظ يوماً لنرى هذه العصي في مؤخراتنا تماماُ كما رأيناها في مؤخرة القذافي، والطامة الكبرى أن لا نجد من يصورنا حتى يعلم العالم بمصيبتنا، لهذا يجب علينا أن نقف بقوة وحزم أمام هذه الثقافة، يجب علينا فضح هؤلاء المرتزقة، و أن لا نسمج لهم بالتغرير بنا.
بقلم الرفيق فرج(عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)
#فرج_الله_عبد_الحق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السادس من أكتوبر النصر التاريخي لشعوب أمتنا العربية
-
خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة، ماذا بعد؟
-
الموقف في الوضع السوري من بعض اليسار تأملات في موقف الرفيق ه
...
-
استحقاق أيلول
-
لما كل هذا يا رفاق حزب الشعب، يا لها من زوبعة في فنجان
-
تأملات في مواقف حزب الشعب الأخيرة حول المقامة الشعبية
-
عملية إيلات ماذا من ورائها؟
-
فاتورة ألسلطة ألفلسطينية
-
التكالب الإمبريالي على سوريا و الدور التركي في ذلك
-
أوسلو و ألتهديد ألإسرائيلي بإلغائه
-
أزمة ألرواتب في فلسطين
-
ألفضيحة
-
الأزمة الثقافية في المجتمع الفلسطيني (2)
-
آلان كاردوخ ليست ألجريمة أن لا تعرف، ألحريمة أن تدعي ألمعرف
...
-
سوريا أليوم
-
دخول ألأردن و دول أخرى في مجلس ألتعاون ألخليجي
-
لماذا الحفاظ على سوريا واجب كل التقدميين
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|