أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - محاولة لفهم وحشية الليبيين!














المزيد.....

محاولة لفهم وحشية الليبيين!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 3528 - 2011 / 10 / 27 - 07:38
المحور: حقوق الانسان
    



مئات المقالات خاضت في وصف وحشية الليبيين الثوار في التعامل مع طاغيتهم، فمنهم من رآه قصاصا عادلا، ومنهم من خجل من وحشية المنتصرين الذين قتلوا اسيرَ حرب أصبح بين أيديهم.

التبسيط والتسهيل والأحكام القاطعة الفورية أمور تتصادم تماماً مع العقل الذي من المفترض أن يكون قد اختزن من التجارب والعلوم والثقافة ما يسمح له أن يسلك طريقاً مختلفاً لوصف المشهد ( الوحشي) الذي آذى الكثيرين، وفرح به الكثيرون .. أيضا!

لكل فعل ردّ فعل يعادله في المقدار وقوة الدفع ، وهنا يصبح اللجوءُ إلى العقل أقل عقلانية من عواطف الجماهير التي تزيحه جانباً لتتصرف بعفوية وتلقائية تتناغم مع الموقف، فقوة ُفرحها تعادل قوةَ غضبها، وهي، أي الجماهير ، على استعداد في لحظات معينة من غليان عواطفها أن تسحل عدوها ( نوري السعيد في بغداد، وموسوليني في ميلانو)، أو تنخرط في حرب بين بلديهما بسبب مباراة كرة قدم مثلما حدث بين الهندوراس والسلفادور.

والقتل والسحل والتمثيل بالجثث ليست أكثر من فرصة تتاح للتعبير عن مشاعر الكراهية، لكن هناك مئات من نفس هذه الحالات لم تعرف طريقها إلا في أحلام اليقظة، ولو أن بشار الأسد خرج برفقة شقيقه ماهر لتحية المسالمين في درعا أو حمص ، فإن الجماهير السورية غير المسلحة ستفعل بهما مثلما فعل الثوار بعقيدهم الذي جثم على صدورهم لأكثر من أربعة عقود.

ولو تمكنت الجماهير اليمنية من الامساك بعلي عبد الله صالح فإن أكثرهم رقة ووداعة وطيبة سيمزقونه إرباً، ولن يبقى في جسده سنتيمتر واحد لم يغرز فيه يمني سيفه أو خنجره

ما حدث مع ديكتاتور ليبيا لا يتصادم مع الطبيعة في أي وجه من الوجوه، فالخيال قادر على استدعاء آلاف الصور لوحشية الطاغية في دقائق معدودة، والقتال المرير استغرق تسعة اشهر، وسقط عشرات الآلاف من الشهداء، وتم تدمير مدن بأكملها، وقيظ الصحراء مع عطش وغضب وارهاق يحدث اختلالات في أجهزة الجسد المنوط بها التحكم في العواطف والعقل والتفكير.

السلاح بين أيدي الثوار، وأكثرهم شباب، وليس من بينهم من لم يسقط له أخ أو أخت أو حبيب في العهد الأغبر للقائد الملهم المتعطش للدماء.

ثم فجأة تمسكه أيديهم المرتعشة ولا يصدقون أنفسهم، والخوف من أن يفلت منهم إلى سجن وقفص ومحاكمة وطعام ساخن ومحامين من كل الجنسيات حضروا للدفاع عنه جعل الأصابع في وضع الاستعداد للضغط على الزناد، فبينهم وبين قاتلهم ضغطة واحدة فإذا هم يتنفسون، أو يزفرون زفرة المحتفل بالنصر.

جماهير الأفراح كجماهير الأحزان، والعرس كالمأتم، ونفس عضلات الوجه هي التي تدفع إلى الغضب أو البهجة، والعقل لا يؤدي دوره في الزحام، وأنت لا تستطيع أن تشاهد مباراة حامية الوطيس لكرة القدم ثم تنظر إلى جارك البارزة عروقه من الصياح وتناقشه في مسرحية لشكسبير أو تسأله عن فيلم هل تحبين برامز؟

الثوار الليبيون كانوا رغم ذلك متحضرين فلم يمثـّلوا بجثته بعد تمزيقها قطعاً صغيرة، ولم يفصلوا رأسه عن جسده رغم أن مشاعر الغضب كانت قد تخطت مرحلة جمرات الحمم.

أما مشاهدة جسده في المشرحة أو في ثلاجة الطيور فهو حدث غير معتاد، واستنكره أكثر الناس كراهية لديكتاتور ليبيا، ولكن من كان قادرا على اقناع الليبيين أن عفريتهم مات، وأن المجلس الانتقالي لن يعلن أن شبيها بالقذافي هو الذي تم القبض عليه، فالطاغية تمكن من الهرب؟

خمسة أيام تحملنا فيها مشهداً غير إنساني في الظروف الطبيعية، لكنه مفهوم تماماً في هذا الظرف الاستثنائي جداً، وأنا هنا لا أكتب عن معارضتي أو موافقتي، إنما أحاول التسلل إلى صدور الثوار وجماهير شعبنا لقراءة ما خفى علينا.

كل الذين وقفوا في صف طويل لمشاهدة جثة تكاد تتعفن لم يكونوا متوحشين أو متخلفين، لكنهم أناس مثلنا جميعاً أرادوا فقط التأكد من أن العفريت لن يطاردهم في أحلامهم ويقظتهم مرة أخرى.

دعونا ننظر إلى الجانب الايجابي من تلك الوحشية الظاهرة، وندلف إلى كوابيس طاردت مساء يوم قتل الطاغية المهرج دراكيولات أخرى في اليمن وسوريا والسودان ورابعهم الباسط ذراعيه على صدره وهو راقد في محكمة لا يدري إلا الله إن كانت حقيقية أم مسرحية.

دعونا لا نصُبّ غضبنا على الذين عانوا ويلات حُكم المستبد البهلوان، فتصرفات وأفعال وتجاوزات الجماهير والثوار يمكن للذين يزعمون القدرة على وصف العدالة أن يتخيلوا أنفسهم مكان الثوار لتلك الدقائق المعدودة، وأحسب أن صوت العقل ربما سيكون منعدما تماما مقارنة بالصورة الوحشية المتحضرة لثوار ليبيا الأبطال.

ميزان العدالة السماوية والأرضية تم وضعه أمام المجروحين حتى النخاع للحظات، وهم لم يطففوا فيه، إنما الصدمة في الامساك بطاغيتهم هي التي أصدرت الحكم العادل أو الجائر، لكنه الطبيعي!



محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو في 27 أكتوبر 2011



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة من الرئيس غير المخلوع
- مقتل الأسد .. أقصد عبد الله صالح .. أعني القذافي!
- الإصلاح يبدأ من نزع القداسة
- لماذا لا نتخلص من الأقباط و .. نستريح؟
- أفكار في استرجاع ثورة مسروقة
- الحمد لله .. كان كابوساً!
- لماذا لا نرقص فوق جثث السوريين؟
- رسالة مفتوحة إلى المستشار أحمد رفعت
- أيها العراقيون: انتفضوا، يرحمكم الله!
- المطالب العادلة لتجديد الثورة في 9 سبتمبر 2011
- أيها السوريون: دعوني أقَبِّل رؤوسَكُم
- حوار بين علماني و .. سلفي!
- أيها الجزائريون .. انتفضوا يرحمكم الله!
- نهاية الطاغية البلياتشو
- 26 أغسطس .. جمعة تحرير سورية من أنياب الأسد
- مصر كبيرة .. مصر صغيرة
- اليوم .. كلنا نرويجيون
- رسالة حب إلى ميدان التحرير
- الخطاب الأول لرئيس سلفي
- رسالة من بلطجي إلى المصريين


المزيد.....




- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - محاولة لفهم وحشية الليبيين!