جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3525 - 2011 / 10 / 24 - 19:04
المحور:
كتابات ساخرة
بدء نهارنا مشمساً وعاديا,طقس صيفي عادي جدا وجميل وبإمكاني أن أقول بأنه أكثر من جميل ومن رائع,ونسمات الهواء العليل تتخلل إلى أنفي وتداعب (البرادي-الستائر)من خلال الشرفات المفتوحة على أشجار الزيتون,وأنا بدوري أخذت الكرسي الأخضر اللون وجلست عليه في حوش الدار في تمام الساعة السابعة والنصف صباحاً بعد أن اغتسلت الاغتسال الصباحي المعتاد عليه ,وأمي المسكينة ما زالت تغطُ بنومٍ عميقٍ لأنها تعبت طوال الليل وهي تتألمُ بكثيرٍ من الصمت من شدةِ ألم المفاصل ولم تذق عيناها طعم النوم وحلاوته إلا في الساعة الرابعة والنصف صباحاً بتوقيت عمان الدولي, وزوجتي قامت بتجهيز الأولاد كلاً إلى مدرسته ما عدى (لميس) بقيت بإنتظار باص الروضة أمام الرصيف حتى حضر في الساعة الثامنة لتذهبت إلى الروضة, ومن بعد ذلك جاءتني زوجتي بصينية عليها فنجانين من القهوة بدون سكر مع زجاجة ماءٍ عادية لأنني لا أشرب القهوة بدون ماء باردْ, فشربنا القهوة وأكلنا معها حبتين شوكولاته من أرخص الأنواع ولكلِ واحدٍ منّا حبة واحدة, وأصوات الجيران ترتفع تدريجيا كلما ارتفعت الشمس في كبد السماء والأصوات من هنا وهناك وهم يحيون أنفسهم بتحية الصباح العادية, وبالمناسبة تحية الصباح في حارتنا ليست كلمة صباح الخير ومساء الخير وإنما هكذا(هاتوا جهاز فحص السُكري)(الله يلعن أبو الضغط يا أبو عصام) وأبو عصام كعادته يوميا يشتم الضغط والسُكري والخدر والتنميل في الأطراف السفلى من القدمين, هذا طبعا عدى الحبة التي تأخذها أمي تحت اللسان أسوة بنصف مجموع السكان المقيمون في حارتنا والحارات المجاورة, لدرجة أن كل بيت في قريتنا تجدون به جهازا لقياس السكر وجهازا لقياس الضغط, ومنذ الصباح الباكر يقيس كل أهل الحارة من أقربائي الضغط والسكر ويعلمون بعضهم البعض ويتنافسون للوصول إلى أرقام قياسية في السكر, فأبو عسجد وأم عسجد يتحديان أم عصام وأبو عصام بارتفاع السكر والضغط وأبو عصام يرد على التحدي بمثله ويقول السكر اليوم عندي 400وأخذت حبة القلب تحت اللسان منذ صلاة الفجر حيث تعبت جدا,ومن خلال النوافذ المطلة على بعضها يعرض كل بطل حالته الصحية متحديا الجميع بأن معاناته أكثر من معاناة الجميع ,ويرد الطرف الآخر حاضر:هذا جهاز الفحص والآن سأريكم بطولاتي....إلخ.
وأنا أعلم بتفاصيل حياة كل جيراني ليس لأنهم يخبرونني بها ولكن لأن كل البيوت تكادُ أنت تكون ملتصقة ببعضها البعض ولمّا, فنكاد أن نسمع أصوات الجيران حتى ونحن نقح أو ونحنُ نهمسُ همساً, ودائما في الصباح ما يكون السكر مرتفعاً ارتفاعا طبيعيا في الدم وهو على الأغلب 150 أو 120 أو 130,ولي جار عمره لا يتجاوز الثلاثين سنة والسكر يصل عنده إلى 600طبعا هذا الرقم القياسي لم يصل إليه لا جدي ولا جدتي ولا حتى والده الذي مات جراء أعراض السكري,والكلسترول يتخطى أرقاما قياسية وكل أهل حارتنا يسجلون أرقاما قياسية في الكولسترول والدهنيات والسكري وضغط الدم والضغط العصبي والأرقام تتفاوت بالإضافةِ إلى الخدر في الأطراف السفلى, وبعد أن يتأكد الجميع بأن السكر طبيعي أو مرتفعا ارتفاعا معتاداً عليه يفطنون بعد ذلك لكلمة(صباح الخير)والرد عليها بجملة(صباح النور).
والشمس لم تكن في ذلك اليوم لا حارة ولا محرقة كانت تداعبنا بلطف وحنان حتى أنني أرسلت وجهي إليها واستقبلتها برحابة صدر مشرعاً لها صدري ووجهي بكل تقاطيعه,وما زال يومنا حتى الساعة الثامنة والنصف صباحا عاديا وهادئاً لأن كل الأولاد في المدرسة ولن يعودوا قبل الساعة الواحدة مساءً أو الثانية عشر صباحاً,ورفعت رأسي للسماء وفي فمي سيجارة من أرخص أنواع السجائر وتفاجأتُ بلون السماء إذ كان اللونُ أزرقَ صافياً وكدتُ أن أغيب عن الوعي لكثرة ما أدهشتني السماءُ بلونها الأزرق الذي أحبه مثل(إلبيرتو كامو),ومن ثم قمتُ من مكاني تاركا زوجتي لوحدها وجلست أمام شاشة الكمبيوتر وقرأت الرسائل والتعليقات على مقالتي الأخيرة, ومن ثم دخلتُ المطبخ لأشرب الماءَ فوجدت (كولار الماء) فارغاً فأخرجته وأخذته معي إلى خزان الماء الذي يقع بين أشجار الزيتون وهذا الخزان نضع به مياه الأمطار في فصل الشتاء لنستهلكها للشرب ولعمل القهوة والشاي طوال أشهر الصيف فملأتُ القارورة وأعدتها إلى مكانها وخرجتُ ثانية للجلوس في حوش الدار مع زوجتي وحين اشتدت حرارة الشمس هربت من الساحة وجلست خلفَ الدار بين خمس شجرات من أشجار الزيتون وخزان الماء, وقلت لزوجتي:لا أدري كيف بالناس يسكنون الشقق السكنية!!! ولا أدري كيف يقتلون الفراغ بدون أن يكون خلف بيتهم أشجار وساحات للجلوس فيها؟!!,ولا أدري كيف يعيش غالبية الناس بدون مشاكل!!تشغل بالهم!! وزوجتي وافقتني الرأي فقط على المناظر الطبيعية وحوش الدار أما فيما يتعلق بالمشاكل فإنها تعتبره فلسفة زائدة وهيستيريا, وفجأة جاءت أمي لتجلس معنا بعد أن استيقظت من غفوتها في تمام الساعة العاشرة صباحا, واقترحت زوجتي وأمي أن نتناول الافطار هنا تحت أشجار الزيتون واقترحت أمي بأن يكون افطارنا (زعتر-مناقيش) ووافقت على الرأي وأخذت من البيت زيتاً وزعترا وذهبتُ بهما إلى الفرن الذي يقع في الحارة الأخرى وعدتُ إلى البيت بثلاثة أرغفة..., فأكلنا حتى شبعنا ومن ثم قمتُ من مكاني على صوت الموبايل وكان المتصل شقيقتي تسأل زوجتي إن كان باستطاعتها أن تساعدها في عمل المحاشي واتفق الجميع دون أخذ رأيي بالموافقة.
وبعد أن خرجت أمي وزوجتي من الدار مع أخي بسيارته الخاصة بقيتُ أنا وحدي منفردا دون أن تحدث الضوضاء أي إثارة وقلت في نفسي:صحيح الأولاد بعملوا دوشة ولكن بدون دوشة لا نستطيع أن نعيش, وشرعت أكتبُ بمقالي الأخير عن(بطلان النظام التكنوقراطي) وكانت الساعة تقريبا 11 والنصف صباحا وإذ بصوتٍ يأتي من بعيد مستنجدا بي يناديني بإسمي وهو يبكي, كان الصوت صوت امرأة عمي تبكي على ولدها مدعية بأنه تعرض لحادث في مجمع النقليات بسيارته الخاص, فنهضت من مكاني مفزوعا ولم أدري من أي باب أخرج وأقسم لكم بأنني اعتقدت الشباك بابا وحاولت القفز منه لولى أن شبك الحماية ذكرني بأنه نافذة وليس بابا ....وناديت على أخي الذي يسكن الطابق العلوي من منزلنا وردت زوجته بأنه عند شقيقتي وأمي وزوجتي معه, فقلت:ما أغباني صحيح ,هذا صحيح, واتصلت بزوجتي وقلت لها الخبر فجاءت هي وأمي وهن يلهثن من الأرق, وبدى وجه أمي شاحبا فأحضرنا جهاز فحص السكر وكان السكر عندها تقريبا قد وصل إلى 500, واقترحنا عليها أن تأخذ ابرة أنسولين ولكن حالتها الصحية كانت خطيرة جدا, وامرأة عمي نفس الشيء أغمى عليها من شدة الخوف على ولدها, وأنا خائف عليه أكثر منها ولكن طمأنتها من خلال بعض الاتصالات التي أجريتها وخصوصا مع المصاب نفسه فطمأنني بأنه بحالة جيدة ولا داعي للخوف, وعلى باب الدار تجمع الأقرباء وتهددوا وتوعدوا المجرم الذي ضربه بأن يناله العقاب من عصيّهم وأكثر من عشر سيارات لحقن به إلى المستشفى وكأننا في زفة عرس, ولكن ما أدهشني أكثر هو عودة المصاب إلى البيت في الوقت الذي دخل به من أهل الدار قسم الباطنية رجالا ونساء جراء ارتفاع الدهون والسكري في الدم وكل ذلك بسبب خوفهم على (عصام) ابن عمهم, وكل أهل الحارة طلوا برؤوسهم:
-شو في يا أبو علي؟ شو في يا أم عصام؟ شو في يا أم نادر.
-أنا: ما فيش إشي مشكلة بسيطة في الشارع العام.
-أم نادر: منشان ألله تحكولنا يا جماعة شو في,مين الضارب مين؟؟.
(وكل الحارة اجتمعت علينا)
خالت عصام :اتصلوا بالإسعاف السكري والضغط عندي ارتفعن.
- أنا: ما فيش اشي مشكله بسيطه.
-أم عصام: ول..يا ألله ليش يضربوا أسامه؟.
(تلفوني يرن)
_ألو.
-آه يا أبو علي هدي الجماعه ترى ما فيش اشي مشكله بسيطه.
-مين معي؟هاني؟..بعدين شو ما فيش اشي كل قرايبك ارتفع عندهم السُكري.
-آه هاني.
-أنا: خبرني شو صار.
(الكل يطلب مني أن أعطيه التلفون)
-يا جماعه ما أنا فاهم من الزلمه كلمة وحده,من شان ألله تسكتن إشوي.
-أم عصام: مين اللي بتصل فيك هاني أم عصام.
-عصام مضروب؟ مين أخو الهامله اللي ضربه؟ هينا جايين والله غير نكسر راسه.
-أم أسامه:والله يا ألله إبني عمره ما بلش في حدى.
-أنا: بقولوا إنهم روحوا على الدار والآن طلعوا من المستشفى.
_أقسم بالله إنكن دوشتني.
-وأناس آخرون:مين المضروب عصام أم أسامه؟.
(وصل أخي الدار بسرعة جنونية).
-بدي ألعن أبوه مين ما كان يكون.
-أنا: يا زلمه أسكتوا إنتوا بدكوا مشاكل؟..خلص روحوا وما فيش اشي وأكثر من عشرين واحد صاروا عنده بالمستشفى.
-يا زلمه خليك عاقل احنا أصلن مش عارفين مين الضارب مين.
-واحد من أهل الحارة:كل الشباب راحوا قبلكوا وبدوروا على اللي ضربه بالسوق.
-أنا:ألوه أيوه..شو بتقول؟
-هاني:أنا هاني والله ما في أي إشي,واحد اتصادمت معاه بالطريق وضربني وضربته بس أخذوني بالإسعاف على شان فقدت الوعي.
-طيب أخذ أمك طمنها هيها ابجنبي.
(الأم: تبكي قبل أن تنطق بحرف واحد.)
-يمه يا حبيبي والله غير أخوك خالد يوكله بسنانه أكل.
-أنا:يا جماعه لا بدنا نوكل حدى ولا كمان في حدى بقدر يوكلنا.
(سيارة الإسعاف تحضر وي وي وي وي.
-وين المصابين؟
-أنا: المصاب الحقيقي روح على الدار وما معهوش اشي, بس هذول كلهم صار بدهم مستشفى كلهم عاملين قسطره للقلب.
جاري:ما فيش اشي سليمه والآن حكيت مع أسامه صار عنده بالمستشفى....والمشكله بسيطه.
-أنا: هذا مشكله بسيطه وصارت هيك نتاءجها هذا كيف لو كانت معقدة!!.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟