|
الأثــر الملــزم للميثاق بشأن التعديلات الدستورية
عيسى إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1047 - 2004 / 12 / 14 - 08:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
لا يجادل أحد في البحرين من المعارضة أو الجانب الرسمي علناً في أهمية الدستور وأنه .. (.. يعتبر المرجعية والقانون الأول في الدولة المناط به تنظيم شؤون الحكم .. ) فيها وأن الفقه القانوني قد أولى ( اهتماماً خاصاً بآليات التعديل الدستوري حتى تكون عملية التحول سلسة ولا تحدث إرباكاً في المجتمع ) ، كما لا يجادل أحد في أن العهود والمواثيق التي يتوافق عليها الشعب مع السلطة الحاكمة على حقوق عامة وكذلك المواثيق والعهود الدولية كلها تشكل مصادر للحقوق والحريات العامة ، إلا أنها أي العهود والمواثيق تختلف في قوة الإلزام وأساس هذا الإلزام ، الذي يتأثر بمنشأ العهد أو الوثيقة وعلاقتها بالنظام الدستوري في البلد المعني .
وفي وضعنا الخاص في البحرين فإن ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه شعب البحرين يعد اتفاقاً بين الحاكم والشعب وهو وثيقة سياسية وقانونية ملزمة " للمشرع الدستوري " أي السلطة التي يحددها الدستور الذي تم التصويت على الميثاق في ظله ، لذا يعد الميثاق ملزماً للسلطة التأسيسية المنشأة المختصة بتعديل الدستور وهي المجلس الوطني المقرر بنصوص دستور 1973 ويلزم تلك السلطة بوضع الأحكام التي جاءت في الميثاق وأوجب إدخالها في الدستور النافذ عند التصويت عليه لتكون لتلك الأحكام أو المبادئ قوة الأحكام الدستورية ، أما قبل إجراء التعديل من خلال الآلية الدستورية فإن الميثاق لا يعد وثيقة دستورية تدخل في هيكل البناء الدستوري للدولة تلقائياً أو بتصرف من جانب رأس الدولة ، بل لابد ، لإدخال المقترحات بالتعديلات التي تضمنها الميثاق في الدستور ، من سلوك الطريق الشرعي المعبر عن الإرادة الشعبية من خلال انتخاب وتشكيل هيئة السلطة التشريعية أو السلطة التأسيسية المنشأة المختصة بتعديل الدستور النافذ ، وغير ذلك إذا تم فإنه يشكل مخالفة للطريق الدستوري وخروجاً عن الشرعية الدستورية حتى لو جاء التعديل تقدمياً وذلك لفقدان التعديل عنصر أساسي هو الإقرار من قبل الشعب سواء كان ذلك الإقرار مباشرة من الشعب أو نيابة عنه عن طريق نوابه المنتخبين .
لذلك فإن الالتزام بمبادئ الميثاق وحفاظاً على القوة القانونية له واحتراماً للرغبة الشعبية في تعديل بعض أحكام الدستور وطبعاً لما يجمع عليه الفقه والقضاء ، فإنه لابد من إدخال بعض قواعد الميثاق أو مقترحاته بالتعديل في الدستور النافذ الذي تم التصويت على الميثاق في ظله لإعطاء مبادئ وأحكام الميثاق أو مقترحات التعديل التي تضمنها ، القوة الدستورية اللازمة ، وذلك بسلوك الطريق الدستوري واتباع الآلية المقررة في الدستور ذاته وإلا فقد التعديل الذي يتم على الدستور بغير تلك الآلية شرعيته وغدا مغموراً بالبطلان وفقاً لمفهوم حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر في الدعوى رقم 13 لسنة 4 قضائية دستورية عليا ، حيث جاء فيه بشأن الميثاق الذي طرحـه المرحوم جمال عبدالناصر على الشعب في استفتاء شعبي بأن ( الميثاق فيما أرساه من مبادئ فلسفية وما تضمنه من أهداف كمثل إعلانات الحقوق التي عرفتها الأمم المتقدمة والتي تقترن عادة بالثورات الناجحة فتصدر معلنة مبادئ الحق والحرية والعدالة والمساواة فضلاً عن أهداف المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ويكون صدورها تمهيداً لإعداد دستور مكتوب يستمد أصوله وأحكامه من تلك المبادئ والأهداف ، ويكون لهذه الأصول والأحكام التي يتبناها الشارع ويصوغها في نصوص دستورية ، قوة ملزمة ، أما ما عداها من مبادئ وأهداف لم ينقلها إلى نصوص الدستور ، فتظل مثلاً عليا ونظريات فلسفية حتى يقتضي الصالح العام للدولة تطبيقها وتنفيذها ، فينقلها الشارع من مجال المبادئ العامة إلى مجال التنفيذ ، وذلك بإفراغها في صورة نصوص محددة في صلب الدستور فتكون لها القوة الملزمة ، على أن تظل تلك المبادئ جميعها مصدراً تفسيرياً لنصوص الدستور ولغيره من التشريعات يلجأ إليها لتحديد مدلولها والحكمة التي تغياها الشارع بتقنينها .
وصيغة الميثاق وتقريره واضحة الدلالة على أن الميثاق يستهدف توجيه أجهزة الدولة القائمة على شئونها ، كما يستهدف توجيه الشارع إلى المبادئ والمثل والقيم التي تصلح أساساً لبناء المجتمع).
وحتى لو طرح قانون على الشعب في استفتاء عام وأقره ، فإن القانون الموافق عليه في الاستفتاء لا يرقى كذلك إلى مرتبة نصوص الدستور ذاتها ولا يعدلها ، بل لابد من اتباع الإجراءات المنصوص عليها في الدستور ذاته ، فإذا تمت مخالفتها كان جزاء المخالفة البطلان ، بل وبطلان التشكيل الجديد للسلطة التشريعية وكل نص آخر تم تضمينه التعديل أو الدستور خلافاً للميثاق . (دراسة للدكتور عوض المر رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقاً في مصر بشأن دستور 2002 )
ولما كانت الدساتير على الأعم الأغلب تأتي نتيجة لنضال الشعب في كل دولة ، بما يضمن للشعـب المزيد من الحقوق والمشاركة في إدارة شؤون الحكم وتحمل أعباء الإدارة وتنظم الحقوق والحريات ، وترسم حدود العمل السياسي في البلاد مما يكسبها أهمية خاصة ونوع من القدسية، فإنها رغم ذلك تتعرض بسبب ظروف سياسية داخلية وخارجية في بلد أو آخر إلى تعديل لا مشروع تحت ذرائع مختلفة بما ينال من حقوق الشعب ويعزز سيطرة القوى الحاكمة بل ينتج عنها أحياناً سد الطريق على الإرادة الشعبية فتغدو فاعليتها محدودة ، بحيث تضعف أو تنتهي قدرتها على إعادة الأمور إلى نصابها إذا شاركت (الإرادة الشعبية) في السلطة التأسيسية المنشأة التي خلقها الدستور الذي تم تعديله بغير الطريق المرسوم في الدستور النافذ ، فضلاً عن أن مثل هذه المشاركة تفسح المجال للقوى المهيمنة في اعتبار المشاركة في " السلطة التشريعية " الناتجة عن التعديل أو الدستور الجديد من قبل القوى السياسية إقرار لاحق للدستور الجديد أو التعديل الدستوري الذي تم بإرادة القوى المسيطرة فقط كما يردد البعض ويكرر آخرون بأن نسبة المشاركة في الانتخابات على علاتها تعطي هذا المعنى لإضفاء نوع من المشروعية السياسية على الدستور الجديد ، الأمر الذي يزيد العمل السياسي تعقيداً ويجعل من مسألة تعديل الدستور الجديد أو التعديل ليس فقط غير ممكنة بل شبه مستحيلة ، حيث تلقي الاستحالة بظلالها على مستقبل العمل السياسي والديمقراطي فيتعزز التراجع ويترسخ ، وتتعرض البلاد إلى صراع سياسي وربما إلى قلاقل لا تحمد عقباها وخسائر لا لازم لها ، من الممكن والمؤمل تفاديها بالحوار واتباع طريق الحق والعقلانية الملتزمة بالحد الأدنى من أصول المشاركة الشعبية وإقامة الديمقراطية في البلاد.
وإذا كانت المعارضة في البحرين ليست على خلاف وليس لديها رغبة في الخلاف بشأن القوة الملزمة لميثاق العمل الوطني ولم تشكك يوماً في قاعدة أن الدستور لا يعدل إلا بالطريقة أو الآلية المنصوص عليها فيه ، مثل ما تكرر ذلك بعض القوى المشاركة أو الكتل النيابية ويفهم من الموقف الرسمي حالياً ، فإن من الجدير بيان أن المعارضة هي التي كانت تتمسك بتلك القاعدة وتؤكد على أهميتها قبل 14 فبراير 2002 ، وكانت السلطة تنكر عليها ذلك، ولكن بعد فرض وثيقة 14 فبراير 2002 التي صادرت حقوق الشعب ، أصبحت السلطة ومن يدور في فلكها أو يجاملها هم من يتمسك بتلك القاعدة بعد أن تمت مخالفتها وفرض التعديل المنفرد أو الدستور الجديد على الناس ، ولكننا متباينون في الرأي حول ما تم في 14 فبراير 2002 ومبررات السلطة لتعديل الدستور النافذ دون اتباع الطريقة المقررة فيه مما أدى عملياً وبحكم الدستور والمراسيم بقوانين إلى إنقاص نسبة مشاركة الشعب في السلطة التشريعية ، فجاءت " التعديلات " أو الدستور الجديد تراجعاً من غير إشتراك الإرادة الشعبية في إقرارها سواء كان ذلك الإقرار بالأصالة أو بالنيابة ، مما أفقدها المشروعية لانتقاء هذا الركن الركين في الدستور أو أي تعديل يجرى عليه ، يضاف إلى ذلك أنه ورغم وضوح علم الجميع بأن الميثاق يقترح إدخال تعديلين في الدستور فقط فإن التعديل أو الدستور الجديد قد غير الكثير من النصوص التي لم يشر إليها في الميثاق فغدت هي الأخرى غارقة في البطلان ويلفها عيب عدم المشروعية ، فضلاً عن التباين في الرؤى بشأن من صاحب الصفة في إجراء التعديل وهل يتطلب أي تعديل للدستور إقرار الشعب أو نوابه أم لا ؟؟ وهل ينطبق ذلك على الطريقة التي أتى بها دستور 2002 أم أنه استثناء من القواعد السياسية والقانونية ؟؟ وما هو أثر نظام المجلسين بحالته الراهنة على مبدأ فصل السلطات وبالتالي عدم قدرة النظام الدستوري الجديد على تحقيق الإصلاح المعلن وإمكانية التطوير من خلال الآلية التي أحكمها الدستور الجديد على الشعب إلى الأبد .
إن الوضع الذي نحن فيه من الناحية الدستورية والسياسية يوجب على كل الباحثين والمهتمين بالشأن الدستوري والسياسي في البحرين البحث عن مخارج تحفظ للشعب حقوقه وللدستور سموه وللحكم هيبته المعنوية المبنية على الحقوق والتوجه الديمقراطي بزيادة نسبة المشاركة الشعبية وليست تلك المبنية على الخشية من القمع أو فقدان الأمل في التغيير ، وذلك بالقدر الذي يعيد كل من الطرفين إلى مواقعهما الدستورية السابقة للرابع عشر من فبراير 2002 وذلك باستحضار الأجواء التصالحية التي كانت سائدة قبل التاريخ المذكور ومن ثم الانطلاق لمعالجة الواقع الراهن بعقلية متفتحة لا تهدف للكسب أو الظهور بمظهر المنتصر وإظهار الطرف الآخر خاسراً وإخضاعه للأمر الواقع والاستهزاء أو الاستخفاف به كما يبدو من مقابلات بعض المسؤولين ، وإنما بالعزم والعمل على جعل الوطن شعباً وحكومة رابحاً للانطلاق نحو مستقبل مملكة البحرين الدستورية والتي يحكمها دستور متعاقد عليه مقبول شعبياً وتشريعات مقرة من السلطة التشريعية المختصة والمشكلة أصولاً من خلال المشروعية الدستورية ، ويمكن هنا رغم المنغصات والمناورات المحتملة والأداء غير المتقن لسعادة وزير العمل اعتبار الحوار بين السلطة والجمعيات المعارضة وسيلة لأن يربح الوطن ويعلو شأنه بالوصول إلى حلول توافقية للتعديلات الدستورية وصياغة " تعديلات دستورية " تقرها الإرادة الشعبية بالأصالة أو بالنيابة بما يضمن تلافي التراجعات وتجنب العودة للوراء مستقبلاً والعمل على تحقيق فضاء أوسع للعمل السياسي الديمقراطي في مملكتنا الفتية .
#عيسى_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طفل بعمر 3 سنوات يطلق النار على أخته بمسدس شبح.. والشرطة تعت
...
-
مخلوق غامض.. ما قصة -بيغ فوت- ولِمَ يرتبط اسمه ببلدة أسترالي
...
-
-نيويورك تايمز-: إسرائيل اعتمدت أساليب معيبة لتحديد الأهداف
...
-
خمسة صحفيين من بين القتلى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة
-
كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى
...
-
تسونامي 2004.. عشرون عاماً على الذكرى
-
إسرائيل تعلن انتهاء عملية اقتحام مدينة طولكرم بعد مقتل ثماني
...
-
الولايات المتحدة.. سحب قطرات عين بعد شكاوى من تلوث فطري في ا
...
-
روسيا.. تطوير -مساعد ذكي- للطبيب يكشف أمراض القلب المحتملة
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|