|
مستر ( بوص موننيس )
شوخان عزيز
الحوار المتمدن-العدد: 3525 - 2011 / 10 / 24 - 07:18
المحور:
الادب والفن
مستر ( بوص موننيس )
المَدينة ضاجة عاجة ، بَشر يأتون مِن كل حدبٍ وصوب . رُشت الطُرقات رَغم شَحة المياة . نُصبت الخيم على قارعات الطُرق ، وعُلِقت الصور على المَنافذ وواجهات المحلات ، وعلى صدور الناس وَجِباههم .
حشودٌ من الرجال والنسوة يُدبكون وَسط هلاهل والتصفيق . توزع الحلوى على الأطفال ، يَتقافزون هنا وهناك ككُرات مُلونة . بَعض العوائل يُفضلون البقاء في منازلَهم ، وقد أرهقُهم التعب ، فمِنذ صباح الباكر أخذوا يَطوفون الشوارع والساحات العامة . أغلقوا أبواب مَنازلهم وجَحظت عيونهم المُستقرة على شاشة التلفاز .
يَزعق المذيع منذُ الصباح الباكر، صوت جهوري ، يَبلع ريقَهُ بَينَ فينة وأخرى .
ذُبابة تَطِنُ حَولَ أذنيه يلتفتُ يُمنة ويُسرى ، يُبحلق غاضِباً في الكاميرا ، مُكشَر الوجه
- (سيداتي سادتي ستنضم كل الفضائيات والاذاعات و ( تَتشَبلق ) في زززز طيطط.
مَبنى عظيم ، حَشدٌ خَلف الأسوار ، تَختلط النساء بالرجال ، وهذا ما يحدثُ قليلاً ، ، الباعة بالنشالين ، الراسُ بالقدم ، بُكاء الأطفال المَحمولين على الأكتاف ، سماعات صوتية تُنصب على المباني وفوق الأشجار العالية و تك ، تك .. هلو ، هلو الو الو جيد .. تُكرر مرات ومرات ، وفجأت صوت جَهوري يَتَهدج من جميع الميكرفونات .
- (هذا حقي أيها الحقير، أتظن أني كُنت أقشر البَصل خِلال هذهِ الاعوام أتركه ياأبن ...) أعطني الحقيبة ياأبن ...) وإلا شكوتُك عند ...... نَحنُ شُركاء يا ابن ... ! يَصمتُ الناس قليلاً وعلامات الإندهاش والإستغراب يرتسِمُ على وجوههم مُستغربين َمما سَمَعوه . - خللٌ طارىء ، عذرا أيُها الشَعب العظيم ، ويبدأ زعيق الأغاني الوطنية . ويَنسى الناس ما سَمَعوه .
يبدأ الاجتماع التاريخي العَظيم . قاعة واسعة شاسِعه ، أضواء ثريات مُعلقة ، مقاعد فاخرة فارهة ، مَناضِد سوداء الكل يَأخذ مَكانهُ . وجوه تُغطيها نظارات سوداء ما زالت الأسعار لاصقةٌ على عدساتِها . ( السعر تسعه وتسعين سنتاً ) صناعه صينيه ..! كاميرات ولاقطات أصوات تَصطدم الواحدة بالأخرى ، ضجيج أمام مَقعد الرئيس صحفيون يَتدافعون يَتمتمون بِكلمات بذيئة ، أربطة الاعناق تَتهدل ، عمائم تَتمايل ، جببٌ تُسحق تلابيبها بالأحذية ، قمال تتراقص في اللحايا ، حقائب تَرطدم بالأرض أحدهم يُكرز حبات عباد الشمس ، والآخر يَمسح أنفه ُ بِرباطه . ورجلٌ مُتكرش يَبصق على الأرض .
- يَدخل (رئيس الجلسة) يَصمتُ الجميع ، وجه مُنمش عابس لحية خَفيفة ، كانه ُ أستيقظ من النوم تواً ، يُحمحم قليلا ويُعدل من جلستَهُ
- الكلام لِمستر ( بوص موننيس )
- أههم أههم .. "الصلامُ أليكم " ( السلام عليكم ) القاعة تَضج وتَتعالى الاصوات تَختلط الأنفاس
- وعليكم السلام .. هلو .. علو.. والله اكبر عاصفةٌ من التَصفيق والهلاهل .
- شوككرا ، شوكررا تَيب ( شكراُ ) ( طيب ) . جَمييل . - تأرفون أنا مندوب هكومي ، وقوات هليفة ( أنا مُتحدث بأسم حكومتي والقوات الحَليفه ) . - اكول لكم انتهى عهد دكتايته ، نعم نعم خلاص . ( أقول لكم لقد أنتهى عهد الدكتاتور) - اهنا وأنتم فرهانين، بس تزهيه موهيم ( يَجب أن نُضحي معا ً ) . - ديموكراتيه بيجي بس موهيم تزهييه . ( يَجب أن نُضحي من أجل بناء بَلد ديمقراطي ) .
ولكن موهيم الشيء واحيد أن تدعوننا نأخذ كل شيي . ( أن نأخذ كل شيء ) - نأهد متاحف (موسلة همورابي) موهيم لنا زقورات ألواح كلو توراب توراب تين . ( دعونا أن نأخذ المتاحف ومسلة حمورابي والألواح والزقورات لا شأن لكم بِكل ما يَثبت حضارتكم العَريقة كلها مُغطاة بالطين والركام والتُراب ) .
تَصفيق... يُمجده أحد الحاضرين - الله أكبر يا مستر... تَصفيق وهلاهل ثانية ، يخرج مَنديلاً من جيب بِنطاله ويَمسحُ وجههُ الناصح ، فقد تَصاعد الغُبار في الجو القاعة ، يَهزُ رأسه مُتأففا - شوكرا شوكرا .
- البترول نهن أكتششفنا قبل سنوات كونتم تتغوطون عليه ما تعرفون باطين الارز فيه جوهاره نفيسه .
( نَحنُ مُكتشفي البترول كُنتم مِنذ عهود سابقه تَتغوطونَ على الأرض دون أن تَعلموا بأن في أجوافه جوهرة ثَمينه ) . يَهتفُ أحد الوجهاء ويَقول ... -ايه والله مستر.. صحيح بارك الله فيكم وبعلومِكم وخدمتكم للبَشرية جَمعاء .
- اهنا نعطي ديمكراتيه ، وبناهد بترول قطره لكم ، برميل لنا ، كلو ثمن .. ( سَنُحقق الديقراطية لكم والمساواة ونَستولي على النفط نُعطيكم قطره وناخذ برميل كل شيء بثمنه ُ) . يَرفع قطارة صَغيره ويُقطر قَطرة على الأرض ويَمسحهُ بأصبعهُ مُشمما أياه قائلا - جميل .. جميل كويس ديمكراتيه .
الجميع بصوتٍ واحد - تَحيا الديمقراطيه ، الله أكبر ، تَختلطُ القبعات بالعمائم والتصفيق بالصلوات .. يقاطعهم غاضبا ً مؤشرا بكلتا يديه ... - الموشكيله كهرباء كبيره ماء موشكيله ( المشاكل الأساسيه الماء والكهرباء ) - نهل اكتصاد . ( سنُحسن أقتصاد البلد ) . يَضعُ كلتا يَديه على المنضدة وبهدوء تام ويَقول أولاً اكتصاد ، يُقاطعوه ... تَشتعلُ الحناجر تَتورم الأيادي . يَرفع صوته قليلأ وبابتسامة أصطناعيه يَقول
- لاء لا ء تسافيق مو زين مو كويس ( أرجو أن لا تَصفقوا دونَما سبب دَعوني أن أكمل خطابي ) يقول غاضبا . - انا مو( ام كلسوم ) (أو عبدول حافيز ) لا تسفقوا رجاء ..!
( أنا لست أم كلثوم ولا عبدالحليم حافظ ) .
تَنهضُ النساء مُحجبات مَحصورات في أحد الزوايا مُلفحات بالسواد يُهلهلن ويُهوسن ويُزغردن . - نو بليس لا كلو كلو كلو وهوووو وه ي ..! ( لا أحب الزغاريد ، الهدوء ) . - نحن مو زفاف (سهديه مع مهاويش) .
( لَسنا في حفلة زواج سعديه مع مهاوش )
- هقوق نسوان يجي اراميل موتلقكات يجي كلو. (سنحقق مطاليب المطلقات والارامل والنساء الثكالى ) .
- اهيرا ً تهدثت مع هكومه هو رئيس صديق مال آني وتهدست مع الاخ مهاوش كلو تمام بيجي ، موقلق من شي ء . ( لَقد تحدثتُ مع ( سيادة الرئيس ) والأخ ( مهاوش ) وهُما من اعز أصدقائنا وأبلغتهما بأن الأوضاع تتحَسن لا أريدكم أن تَقلقون )
- شعب على دولار ، سيارة حلوه موديل عالي عالي، تلفون هلوي ويق ويق ( مس كول ) . وكولو بورج مثل ( دبي ) . شوارع ترقات كلو بنايات جميل .. ( شيوخ هليج ) زين معانا ، وهومه بيمكانهم قاعدين مبسوتين . مو موزاهرات أستقرار .
( سَننسِقُ مع الجهات المَعنيه بِتداول الدولارألامريكي ، ونُصدر لكم سيارات وآليات حديثه ، وتلفونات الخلوي و بالطبع (أبو الساعه ) وسيصدر صوتا مُنبها حينما لا تَرد على المُكالمة نُشيد الأبراج كما في ( الامارات المتحده - دبي) ونُشيد الطرقات . (نَحنُ راضين عن شيوخ البلدان الخليجيه لِذا هم باقون ، تَعرفون هذه الدول لا تَتظاهر شعبها ولا تُشتعل فيها الثورات وشعوبِها لا تعرف أن تقول ( لا ) هناك أستقرار وتَطور ) .
- في شي ، اسمو كومبيوتر، و (ماكره سوفت ) بنجيبو موفيد ليكم وشغل سرعه سرعه . كلام بيوصل أقارب أصدقاء ، ألعاب وكلو كلو فيه ، كويس ، زين ، وهدو بالكم من فايرسات مو كويس .
هدا كولو يه هني كومبيوتر، مو أكل لا شورة (عدس) ولا( بيز اللكلك) ولا أكلة ( دليميه ) هزا جيهاز موهيم . ( لَقد تطور الكون ، هناك جهاز مذهل يسمى ( الكمبيوتر) يعملُ بِشكل لا يَتصوره ُعقولكم ، في غاية الدقه ، سَتكون الكون على رؤوس أصابعكم ، تَتصلون بأبعد نُقطة في العالم ، وأياكم والفايروسات ) .
( أنا لا أتحدثُ عن ماكولات شَعبية ، كشوربة عَدس ، ولا بيض القلق ، ولا عن أكلة الدليميه ، أتَحدثُ عن جهاز مُذهل يُغير مجرى أموركم الحياتية والأدارية ) .
أنتهى الخطاب التاريخي .
وبعد أيام ، وفي أحدى الصباحات .
كتلة ضخمة من الدخان الأسود غَطت وجه السماء ، ألتوت أعناق المنائر تَساقطت القُبب ، والمدينة خالية الا من الاشباح والجُثث المَرمية هُنا وهُناك ، ورجالٌ مُدججين بالأسلحة مُقنعين يَتبعثرون في كُل حدب وصَوب ، البيوت غَدت أنقاضاً ، الكلابُ تَنهش الأموات .
ودوي ٌ يهز أرجاء المدينة .
شوخان عزيز
#شوخان_عزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لولو بطاطا
-
لا تَقلب جواز سفري سَينقلب الجنين
-
شَبَندق
-
الزبلوق
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|