حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 3525 - 2011 / 10 / 24 - 01:13
المحور:
الادب والفن
الظهيرة الحمراء في بسنادا
مع صوت أم كلثوم "القلب يعشق كل جميل".....وأسرح مع أحلام اليقظة
كنت يوما طفلا. كنت يوما في الرحم. كنت يوما في العدم. ثم حدث ما حدث
والآن لي اسم وهوية وأعضاء, أحباب وأصحاب....ولا ينقصني سوى الأعداء
وأضحك
أتذكر العبارة" القلب يعشق كل جميل" ألوّنها وأخططها ,بالتنوع والاتساع الذي أقدر عليه, على دفاتري المدرسية وكتبي, وربما دخلت في ملامحي
لنضحك أكثر وأقوى
لا يعمّر الوجود أعمق من الضحك
*
وليل أقاسيه بطيء الكواكب....أكرر في ذهنيعبارات الشعور بثقل الزمن, ألا يا ايها الليل الطويل, وأتخيل الصحراء قبل مئات السنين, الحياة, المجتمعات, نظم الحكم, الثورة,الشعر. ثم تغرب شمس اليوم وأتهيأ للخروج_ وداع ما مضى بلا أسف أم استقبال ما يأتي بلا لهفة_ بين هذا وذاك كان عالم بكامله يتغير ويزول إلى الأبد
*
ويحل ليل16آذار البطيء
مرات اشعر بالأسف لأنني لا أعيش حياة عادية, أسرة وأولاد وزوجة وزيارات. ربما اسم الشعور أقرب إلى الحزن, لا اعرف. المشاعر أكثر من الكلمات التي أعرفها.
تورّطت فيما يحدث في المنطقة لأنني وحيد. ورطة عاطفية, لكنني متأكد هذه المرة أن العالم القديم في بلادي يتقهقر. ينحسر. ثم يتلاشى
أشتهي كأسا وسيجارة ولن أفعلها
*
17 آذار
البارحة قابلت أصدقاء على الفيسبوك. وبعد قليل أبدأ صباحي ككائن افتراضي على الشبكة.
لو كنت أمتلك هذه النظرة للحياة من طفولتي.
عادت أحلامي في السفر ورؤية العالم. ربما تكون مجرد أوهام. ربما تتحقق يوما.
لو تفكر بشكل منطقي, لو تحاول بجدية أكثر
أحلام. أفكار وتداعيات.....
بقية صيغ العيش أسهل من مواجهة الواقعي المكشوف مباشرة
*
اليوم(.....)
_ما تخافه
_ما تحبه
_ما ترجو وتأمل
الخلاصة في اليوم التالي
المعنى. الفهم. الهدر والفقد. الأثر
إذا كانت حياتي بهذا الفقر/كيف هي حياتهم...من تقتصر حياتهم على المراقبة والرقابة...يا للهول.
تداعيات/ترابطات أثارتها عبارة" كان يوجد معنى, سوف يوجد معنى...رولان بارت .
.
.
19 آذار
أستيقظ وأنا أبكي في المنام.
أشعر بالتشويش, عدم الرؤية أبعد من قدمي, صوت مطر....إنها تمطر
مطر آذار جميل في اللاذقية
أسارع في التقليب بين المحطات, نفس الخبر تظاهرات في مدن سوريا...قتلى. قتلى لا خطأ في السماع والرقم بين أربعة وستة!
أسوأ المخاوف سوف تتحقق. على الصعيد الفردي هو شبه قانون تعرفه متأخرا
مع وصول الفجر, صوت ديك, صوت مطر, صوت عصافير تقترب
مشاعري بعيدة, مسافة لا اتبين خلالها الخوف من الأماني, في الحلم كان الأمر بغاية الوضوح, فزع إلى درجة اليقظةمن صوت البكاء
.
.
كل شيء يبدأ فكرة: الجرائم, الانجازات, الحب. هناك نقطة تضيئ بفعل ذاتي, بعدها لا يمكن العودة أبدا.
*
هو الشعور الأقدم. رافقني خمسين سنة وزيادة. الخوف يتغير مع مراحل العمر وتغير الأفكار والمعتقدات, ربما يتزايد. كيف ينتهي في هذه البلاد الصماء!
.
.
بدوره الرقيب صار في المسامات ولون البشرة, لم يعد في الخارج, بهذه الطريقة تقفل عقدة الذنب على الخوف في متسلسلة عدوان تحرق الأعصاب. ليبيا . سوريا.
هكذا هو نهار 19 آذار قطعة من جهنم
*
كيف تجمعت في رأسي كل هذه الأفكار السامة؟
أنظر إلى شريان يدي ,أتحسسه, أتخيل جدول الماء الأحمر يتدفق, بقوة ثم يخفت تدريجيا..
أهذا هو التوقيت المثالي؟
من أنا؟ كيف انتهيت إلى هنا؟ ما الذي يحدد هويتي.... مخاوفي, أحلامي, تجاربي وخبراتي, خصومي وعداواتي
توقف من الأعماق يأتيني صوتي.
الحب أعمق من الخوف تذكّر
أعيد الحب أعمق من الخوف وأردد
من أين تجمعت تلك الأفكار السامة؟ الخوف؟ غياب الحرية؟ الفشل في القراءة والاصغاء؟
*
من يعرف خيارا أفضل يستخدمه.
_ممارسة القوة بشكلها البدائي أو بصورة غير مباشرة, تعني نقص الخيال والغياب الخطر للمعرفة المرنة/ التي تلائم الظروف الشائكة والمتغيرة.
من يمتلك البصيرة والذكاء وسعة الأفق, كيف ينغلق في التعاسة!
هل نسيت_ السعادة في الوعي والشقاء أيضا
*
من الخارج كل الأيام متشابهة.
اليوم كذلك 19 آذار بديهي. اعتيادي ومكرر من الخارج
اليوم بدأت عملية أوديسا الفجر ضد كتائب القذافي
ماذا يحمل في جعبته أيضا.....
*
20 آذار أصحو مع الفجر
عادت الأحلام الثقيلة, تنتزعني بفظاظة من عالم النسيان,
أحاول اليوغا, الاسترخاء, التنفس البطيء, لكنه عقلي المتعب جامد على صور الخارج وأحداثه المؤلمة. أفشل
يبدو أن المنطق والتفكير مبرمجان على اليوم كوحدة أساسية للزمن, أقله تفكيري ومنطقي الشخصيين, أحاول تتبع الأجزاء الصغرى للثواني....محبتها والتعوّد عليها
لم يعد يشغلني التدخين, أشتاق لأيام السكر أكثر
عقلي صفحة في كراج عمومي
*
وهم الزمن
تفكيك اللحظة إلى مكونات أصغر بالتدريج حتى التلاشي
صيغة استمرار للحاضر
_هل تحاول أن تهرب من ثقل الضغط العاطفي القادم من التلفزيونات؟
نعم
*
سال الدم في سوريا. البارحة واليوم قتلى وجرحى في درعا.
بعد لحظة بدء الصراع, سيأخذ ميزان القوى مداه, يتعذر إيقاف حركة في منتصفها, صعب , عسير, لا ينقذ الوضع من الانفجار سوى موقف بطولي(غير متوقع) من الرئيس شخصيا. التنازل عن السلطة والاكتفاء بتسيير مرحلة انتقالية يشرف على مختلف مراحلها. القبول بدور الرئيس السابق أو اختبار دموي ومدمر للقوى الجديدة مع النظام.
مرة جديدة أتمنى أن أكون مخطئا في مخاوفي وتقديري.
إنقاذ سوريا من الفوضى يحتاج إلى غورباتشوف في السلطة أو غاندي في المجتمع
*
21 آذار
النيروز. عيد الأم. الانقلاب الربيعي.....الثورة السورية في الأفق
أستيقظ قبل الصباح, تغيرت كما تغير الجميع مع السنة الجديدة, عادت الحيوية إلى النفس والروح, مع بعض القلق صحيح.
أحاول الدخول إلى الفيس بوك,اتعب, أشتم العقلية التي دمرت البلاد والعباد في سري طبعا. آخذ النفس العميق وأتخيل بلادي حرة, أتخيل الأربعينات.....وأحلم.
أعتقد أن عناصر أساسية تغيرت في المشهد السوري وفي الشخصية السورية بتأثير مباشر من أحداث البلدان العربية المباشرة, أكثرها أهمية "المجال الحيوي", وهو ما سيغيّر بدوره السلطة وبقية العلاقات المشتركة.
نمطان للشخصية السورية سائدان:
_واقعية مفرطة, التصاق بالبعد الملموس للعيش وإهمال ما عداه, لدرجة الانكار
_ التمدد خارج القوام الشخصي, الذهاب بعيدا وراء الخيال,... حالة ذهانيه فعلية
هل يبقى للتفكير والمحاكمات العقلية (دور) في تحديد الخيارات البعيدة والمصيرية؟
أعتقد لا
هذا ما يخيفني, ويشوش فرحتي بالثورة_ ثورة بلا عنف! نعم
*
سوريا لم تنتصر على نفسها من قبل.
أن تنتصر على خوفك أولا. الشراهية والطمع والغرور معا تشكل عقبة كبرى بدورها.
_تعود وتتكلم وتكتب كإيديولوجي؟ ماذا تعرف عن سوريا!
سوريا أمي. الأم الكبرى....مريضة وخائفة ومناعتها متدنية إلى درجات خطيرة
ما أخبار طل الملوحي؟ ناهد بدوية وسهير الأتاسي....كثيرات وكثر
الشخصية المشتركة حقيقة اجتماعية؟ ام فكرة وإيديولوجيات سلطوية....وطن
هل لتلك الكلمة معنى! ويتجاوز العنصرية فعليا؟
المخاض في مصر...حسين
هل انتصرت على الموت؟ هل صادقته وتصادقت معه؟ هل أنت اليوم في ثقافة الحياة أم غدت جنديا في ثقافة الموت؟
ساحة حرب....غضب وخوف وتشويش. كذب وخداع, مناورات سخيفة.
أعرف كثر لا يحتملون الصمت, بنفس الوقت لا يحتملون كلام سواهم.
.
.
.
صباح الخير يا سوريا
*
22 آذار(....)
23آذار
صباح مشمس أخبار عاصفة.
اقتحام....كلمة رهيبة وشديدة الوقع. اعتقال....أسوأ الكلمات والكلام
*
تواصل الاعتصام في درعا, كما اسمع ليلة أمس في الأخبار ويتردد اسم لؤي حسين معتقل على خلفية دعوته للتضامن مع درعا.قتلى وجرحى خلفته عميلة اقتحام....وأشرد
ماذا علي أن أفعل الآن للتو!
أكثر ما أخافه يحدث بالتزامن مع ما أنتظره من بداية شبابي
في سوريا شكل القوة البدائية بمفرده يحكم العلاقة بين السلطة والمجتمع, والجميع ربما....
*
الارادة الحرة....الارادة الحرّة وأشدّد على الراء أكثر
نعم, هي فترة عبور وقصيرة للغاية, لكن يخالف الحس السليم والمشترك ان تقوم على القهر والقمع جوانب العلاقة الاجتماعية. لكنك استكنت يا حسين ورضخت تحت مسميات..... تكيّف!
نعم, لكن توجد اعتبارات وحسابات أخرى, هامة ومؤثرة في القرار والموقف الشخصيين.
مثلا التفكير في المستقبل/ سوريا الجديدة, ربما تحدث خسائر من الممكن تجنبها. ربما شكل ثاني من الاستبداد وتحت مسميات مختلفة, ربما.....
هل نضجت الظروف الداخلية والعالمية والمحيطة بسوريا لبناء الدولة الحديثة؟
محصلة ما اسمعه تساوي الصفر
أكثر ما آمل في حدوثه بنفس اللحظة أشد مخاوفي فظاعة
هنا....أمس كنت ورقة وقلم واليوم أزرار وشاشة, وبالدرجة الأولى الارادة الحرة والخيال
أحاول الاصغاء. القراءة. الرؤية من أكثر من منظور
.
.
أتخيل نفسي بعد خمس سنين. ثم بعد عشر سنين
ما هو الموقف الذي سأكون راضيا ,لو سلكته اليوم, ويحقق التقدير الذاتي مع احترام الآخر؟ موقف يحقق الشجاعة في إبداء الرأي مع تحمل المسؤولية ومن جهة مقابلة يحترم تماما موقف الآخرين ومصالحهم المشروعة....2016
نظرة من 2020....كيف تفضل أن تكون سيرتك الذاتية
*
هذا المساء نجحت في الدخول إلى صفحتي على الفيسبوك, سررت, ثم ارتبكت.
لا أتذكر ماذا كتبت, كنت مترددا بين عدة اتجاهات. مشاعري مشوشة. خائف
التغيير مؤكد هذه المرة أعرف, لكن كيف؟ واي السبل؟ وماذا عن الخسارات؟
ما هو الدور الأكثر ملائمة لي....التعبير عن الأفكار والعواطف الآنية والمتغيرة أم الانتظار والبقاء على مسافة تتيح الرؤية المحايدة؟وماذا عن وعدي لحبيبتي؟
.
.
أمس الأقرب مر يوم 22 آذار, وكأنها_ حادثة عبوره, جرت منذ الأزل
ماذا فعلت به, ما الذي حمله لي ولغيري....
هو يوم رمادي, من نوع الأيام الاعتيادية, بقية العمر في الاتجاهين تشكلها أياممشابهة ام مماثلة أم مخالفة/ بقية العمر
في الأمس كانت "بقية العمر" تبدو وكأنها أبعد من حدود الكون
عبر يوم 22 آذار وسوريا على أخطر مفرق في تاريخها كله
_كيف تجرؤ على الكتابة عن تاريخ سوريا؟
من موقفي بأن سوريا تعرف نسبة للسوريين, وليس العكس أبدا
الحرية.....لم يخطر ببالي يوما أن,..... أكون بهذا الموقف وهذه الحيرة
*
24 آذار
روايتان متعاكستان عن درعا
تظاهرة سلمية ومواجهة الأجهزة لها بالنيران مباشرة, يقول الشهود والأهالي
عصابة جاءت من مكان آخر, تكرر أجهزة الاعلام الرسمية.... والحصيلة عشرات القتلى
وباقي سوريا شيوع مناخ الخوف والترقب. أجهزة الاعلام الرسمية فاقدة للمصداقية.
صباح الخيرات
هكذا ابتدأ يومي, كأنها حالة حرب...
*
التغيير يحدث في النفوس والعقول أولا.
التغيير حصل مع انتصار الثورة في تونس وتعزز في ثورة مصر
سوريا شأن آخر يقول أتباع النظام. سوريا تستحق الحرية يقول الثوار والمعارضون.
وتبقى المشكلة الأساس تكلفة التغيير!
رسالة السلطة المباشرة لا حقوق سياسية ولا رحمة في قمع أي تظاهرة
الجديد في القضية , الرسالة وصلت إلى الداخل والخارج بنفس اللغة و التوقيت.
.
.
الهويات "القاتلة" مشكلة سوريا حتى اليوم....كيف تتحول إلى ميزة
كيف يمكن الحفاظ على عقل بارد ومشاعر حارة بنفس الوقت...
*
اللذين يعاقبوننا قبل الجريمة, وبسبب حرصهم الزائد على براءتنا....
*
26 آذار
فياللاذقية ثورة ام حرب أهلية ؟
مدينتي....عند دوار الزراعة كل مظاهر وعناصر الحرب. مشيا إلى الجامعة والضاحية حولي مجاميع من الشبان والعائلات في سياراتهم وبحالة هستيرية وصراخ بالروح بالدم,
مشيا إلى بسنادا....سؤال واحد يدور في رأسي ماذا تفعل يا حسين؟
موقف يتضمن الجرأة والنزاهة وبدون حساب للخسارة الآنية, ومن جانب الحفاظ على النفس وتحاشي البؤر المتفجرة, كما يتضمن رؤية المشهد مستقبلا_ بعد خمس سنين.....
ما يرى في الشارع انقسام طائفي ,بقيادة الأجهزة في الحارات العلوية.
مظاهرات التأييد بالسيارات, والمطالبة بالتغيير على الأقدام
رغبت في الوصول إلى بقية أحياء المدينة, لكن الأمر مستحيل...أقدامي تؤلمني من البارحة.
*
يتحدث الأصدقاء من خارج البلد.
ويمر نهار ضاغط ومثقل بالمشاعر الخارجية
.
.
.
في اللحظة المناسبة, ليس هناك أي إنسان لا يمكنه أن يصير سيئا "الحقيقة الرائعة"
*
27 آذار
وصلتني الرسالة الهاتفية: كلنا ضد الطائفية في سوريا أرجو من الكل التعميم.
أفكر في نفسي, لا أحد ممن أحمل عناوينهم طائفيا أو عنصريا_ أو يدعي ذلك على الأقل. إذن لماذا حاولت بسرعة الاستجابة والمشاركة في التعميم....أظنه الخوف والتوتر العام.
هكذا هي الثورة دائما!
أحاول التجول في شوارع اللاذقية يوميا, يضغط على أعصابي مناخ الهيجان... انفلات الغرائز أيضا_ أتذكر عهدي بالمسافة الواحدة من الجميع وأضحك
لكنها ضحكة مجروحة بالتخوف هذه المرة
كيف ستكون النهاية يا حسين: فوز أحد الطرفين أم التوافق, وهل توجد صيغ أخرى؟
ما اسمعه من المتحدثين باسم نظام الحكم, انكار....ولا شيء سواه. يظنون أنها حدث عابر وسرعان ما يزول, وتعود نفس الحياة السياسية بالضبط كما حدث في الثمانينات.
المتظاهرون/الثوار....فكرت في كلمة ثوار_ الا تعني الخروج عن الحياد...ها
ما تزال احتجاجات عفوية, وأعتقد أنها لن تتوقف حتى التغيير الحقيقي, الملموس والمطمئن لهم. إلا....إن حصلت مجازر, وهذه المرة أيضا تختلف عن الثمانينات.
إذن....كيف ستنتهي الأمور!
كان الخوف....اسم سوريا وهويتها
حتى الساعة لم يخرج الرئيس عن صمته؟ أليس لديه ما يقوله؟ هل لديه حل؟ هل يوجد انقسامات داخل السلطة ومراكز القرار؟ أيأملون فعلا بالنصر على الشعب!
*
الكتابة.....لطالما أنقذتني الكتابة
*
أذكّر نفسي بالتفكير الايجابي.....باريس تحت الاحتلال النازي
ويستمر البشر بالتزاوج والطلاق والحب والولادة تحت الاحتلال وخارجه.
إذن ستكون قضيتي الحالية كيفية تحويل المشاعر الثقيلة والانتظار القلق إلى متعة؟
لأفترض نفسي مؤرخا يعيش فترة الثورة الفرنسية أو الايرانية أو الحرب الأهلية في اسبانيا.... وبدل الرغبة في التعجيل وقلق الانتظار الفظيع/ تنقلب الصورة إلى عكسها... الرغبة أن تطول هذه الفترة لأتمكن ,وبشكل شخصي, من تتبع تفصيلات أكثر وأدق من الحياة النفسية للبشر خلال الثورات والحروب, وجمعها إلى جانب المشاعر المشتركة والمواقف المتغيرة.
هنا أيضا استبعد الخسارة تماما.
أليست هوية الأدب ورهانه الأقدم!
28 آذار
أستيقظ على غير عادتي الجديدة. ثقل في الجفون وجفاف في الحلق وعدم ثقة.
بدت الخارطة العتيقة لسوريا وتكشفت الملامح القبيحة. خوف وجهل و.....
غريب في بسنادا في اللاذقية غريب أكثر في بيت ياشوط
فقدت المقدرة على التمييز بوضوح, فقدت هدوء النفس وصفاء الذهن
الصباح بهذه الكآبة كيف سيأتي الليل وينتهي اليوم, أي صورة, أي رعب
منتصف الليل استيقظت على صراخ شباب مذعورين وموتورين, يفتشون عن (مندسين) على سطح بنايتي....أنسب التوقف عن التدوين الان
*
.......هل يوجد شيء, شعور أو خبرة أو سمة نفسية, اسمه الخوف المشترك؟
الخوف الموحد لجماعة من الناس تشترك في صفة دينية أو عرقية أو ثقافية؟
هل يوجد خوف علوي؟ سني؟ مرشدي؟ مسيحي؟ كردي؟ أرمني؟ تركماني؟....
وكيف لسوريا أن تتسع لكل هذا الخوف, وتتطور وتتحدث!
هذه الأيام أعيش وسط الخوف العلوي, المقنّع بالأساطير والحكايات القديمة ومحبة السلطة.
من الصباح وحتى بعد الظهر الحياة عادية وطبيعية تماما, وفي مختلف حارات اللاذقية. فجأة وكما يحدث في مسرحية متقنة يدبّ الهرج والاشاعات, ثم ينتشر الذعر مثل النار في الهشيم/ أضحك على هذا التشبيه وأتركه....قارئي الحقيقي يعشق الضحك ويجيده
*
تماما كما حدث في الثورات السابقة/خطاب مزدوج: داخلي طائفي مغلق ومرعب ويعود إلى القرون الوسطى, وخارجي عقلاني ومنطقي ويحمل سمات العصر...
نجحت الثورة المضادة في البحرين, فضل الملك حكم مواطنيه المباشر ولو أصبح مجرد تابع للسعودية...ليبيا واليمن في الفصل الأخير. سوريا متأخرة بدرجة وعهد
لكن الثورة هذه المرة شاملة في بلاد العرب, تتأخر, تنحرف, يتم التلاعب(الخارجي) قليلا أو كثيرا....كله صحيح, لكنها ثورة العرب انتصرت فعليا, وكل ما بمقدورهم استخدامه.... العطالة واللعب في الوقت الضائع من حياتنا وحياتهم لو يعلمون...
أخذتني الحماسة, وتخيلت نفسي أخطب في جمهور عقائدي: أيها الشعب العظيم يا أحفاد
بعيدا عن الفكاهة والمزاح, ما يحدث في حياتي الآن كنز تاريخي ولقيا. اعرف أهميته وأدرك حجم الخسائر....قبل أن يصل سوريا والسعودية ويضيئها
مع الضحك المجلجل الجبار
ذاك الذي يضيئ ويحرق
.
.
ونعيش في المستقبل حياة كاملة
*
صراصير. أصوات الصراصير تصلني من كل صوب وتطوق المكان. تحيطني
أستغرب الكراهية الشائعة للصراصير في ثقافتنا
المسافة الأقرب هي بين الصرصور والشاعر
الصوت الأعلى والهشاشة الأخفّ. أصوات صراصير وحزن
تحضر في ذهني ,وفي لحظة واحدة, خمسين سنة متشعبة ثقيلة متعبة لذيذة قاسية محزنة
أنعم ما فيها صوت الصراصير
*
29 آذار
كمبيوتري معطل. منطقي وعقلي معطل. انتبه. احذر الطعم الحلو أم السام
تخريب متعمد ومقصود هذا ما اعتقده
امتنعت عن الدخول إلى الشبكة, وما تزال الأعطال تتكرر
اتسابق مع الوقت للنجاح بتدوين هذه اليوميات القلقة" يوميات الفزع في اللاذقية"
مسرحية رديئة يعجنها الدم بالقذارة/ كارهو الحياة يحتلون المشهد والشاشة
.
.
مساء هادئ....
*
بدل النوم باكرا على عادتي الجديدة, أسهر مع كلماتي وأحلامي
صديق أصلح لي الكمبيوتر, وتأكدت أن عقدة الضحية صارت علامتي الفارقة المكتسبة.
أفكر ب....الحياة, أنماط العيش, الفقر الوجودي
أفكر كيف أعيش بقيةحياتي حرا وكما أريد. ربما تجاوزت نقطة اللاعودة.
لا أعرف فارغة هذا اليوم
أنا. فارغة. اليوم. أعرف. لا. فراغ. أنا. سوف. ربما
*
الثالثة صباح توقظني أصوات كثيرة ومختلطة, عدة سيارات وحوالي ثلاثين شابا على الشارع, صعود ونزول على الدرج بسرعة. رحلوا منذ ساعة وعاد شخص أو أكثر في سيارة سوزوكي وهم الآن أمام الباب.
البناية فارغة منذ بداية الأسبوع, في الصباح أخبرني الجار وكأنه يبلغني رسالة: لماذا تبقى لوحدك, اذهب إلى الضيعة....فكرت في نفسي: معقول!
الآن في لعبة أعصاب. الساعة بطيئة.... وانتظر الصباح بلهفة
_هل هكذا تكون الحرب الأهلية؟
أفكر بمختلف الاحتمالات.
عودة للتفكير الايجابي. في أسوأ الظروف ينبغي التفكير الايجابي...
مطلع يوم 30 آذار عجيب وغريب. هذه حياتي. أحببها يا حسين. حياتك
.
.
.
ثم وصل الفجر
الخامسة و 3, 4...دقائق
صوت ديك وعصافير والضوء يمكن لمسه وهو يتقدم
ثم أفكّر بقضيّة الخوف: الخوف
نحن علماء النفس نشعر بالخوف أيضا مثل البقية. لكنه خوف مختلف لوضوح أسبابه وجدواه قبلا. للحظة كدت أستسلم مجددا للخوف
تذكرت انني عالم نفس وخجلت من نفسي
صباح الخير
صباح النور
من المتوقع اليوم أن يعلن الرئيس انهاء قانون الطوارئ...
هل ينتهي الخوف؟
كيف ينتهي الخوف من العقول والنفوس. الخوف العالق بالجدران وفي الهواء
الخوف الذي استوطن جوهر الهوية السورية!
هل ينتهي الخوف السوري/ خوف السوري ة من السوري ة
جاء الصباح أخيرا
ربما صار بمقدوري متابعة نومي لهذا اليوم 30 آذار...
*
أصحو. أنهي المشاغل اليومية. أجلس أمام الكمبيوتر. أفكر
حلم واحد عاد ليسيطر على مشاعري وكياني كله: أن أرى ولو لمرة واحدة بلادي
من خارجها....من خارج الحدود تماما
هل كنت لأرغب ثانية بالعودة_ حتى للمقبرة....لا أعتقد
تعبت وأحتاج للراحة. القليل من الراحة
*
اليوم الأخير في آذار
سوريا هي سوريا
والعالم هو العالم
ذهابا وإيابا بين بيت ياشوط وبسنادا....والكثير من الضغط
غدا كذبة أول نيسان وتتحدد هوية سوريا الجديدة
ولا ينقذنا سوى الله.....
*
حادثة اليوم الأخير من آذار تعيد التذكير بفيكتور فرانكل حادثة!
هل وصلت إلى هذا ,الدرك من, الأذى النفسي والأخلاقي يا حسين....
في الضيعة, يمر عجوز مريض بالزهايمر تائه, في الطريق. أغلقت الباب في وجهه عمدا قصدا, كي لا اتحمل مسؤولية الاعتناء به ولو ربع ساعة. ثم انتبهت ولم أفعل شيء. وألتقي بزوجته في الطريق وتسألني عنه. اجبتها نعم رأيته_ وارتفع تقديري الذاتي لصدقي! أية مشاعر انسانية حقيقية أحملها؟
في الواقع تصلب وجداني شامل, غير معني سوى بمصلحتي الشخصية المحدودة, ولو تكررت الحادثة لكررت نفس السلوك الأناني الضيق.
ثم أتساءل عن السعادة, وسبب التوتر والقلق الدائمين....نعم
أتذكر فيكتور فرانكل, أتذكر حجم الأذى والخسارة عندما يخسر أحدنا الضمير.
.
.
هل أنا اكثر أذى, أخلاقي ونفسي, من المتوسط السوري!
لا ينقذنا سوى الله
لا ينقذنا سوى الله
31 آذار............غدا حلقة في المسلسل السوري الكئيب
خاسرون في كل الحروب
خاسرون في كل الولائم
أوغاد وقتلة وضحايا, فبي كل منا هتلر وغاندي بنفس النسبة والمقدار
الدم السوري الرخيص يسيل
وحتى الله تخلى عنا
*
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟