|
ملك عظيم
مرثا فرنسيس
الحوار المتمدن-العدد: 3524 - 2011 / 10 / 23 - 17:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ملك عظيم كان هدفه وشغله الشاغل أن يحكم مملكته بالحق والعدل، فيعطي كل ذي حق حقه، وكان يسمع لكل شكوى تأتي إليه من أحد أفراد الشعب. وضع الملك قوانين لحفظ النظام والأمن في المملكة وكان هو أول الملتزمين بتنفيذ القانون وتطبيق أحكامه على الجميع بحيادية ، في كل مايختص بنواحي الحياة المختلفة. فكان ينصف المظلوم ويرد له ماسلب منه، ويعاقب الظالم والسارق والمحتال كما هو في القانون الذي يعرفه جميع أفراد الشعب. مرت سنوات وسنوات والملك يتنفس نسيم الراحة والرضا ويشعر بالارتياح وهو يعلم أن مايفعله هو لصالح شعب مملكته العظيم ولتحقيق الأمن والأمان لهم. وذات يوم إكتشف مساعدوه أن بعض المعلومات السرية الهامة عن المملكة تم تسريبها إلى أعداء المملكة، ولم يصدق ماسمعه! كيف؟ كيف يحدث هذا وهو يبذل كل جهده لتحقيق الأمان والرخاء لكل أفراد الشعب على السواء، كيف؟ هل هو أحد الجنود؟ ولماذا؟ ما الخطأ الذي إقترفه الملك ليكون جزاؤه من أحد جنوده هذه الخيانة؟ ابلغه نائبه أنه سيتم الإعلان عن إسم هذا الخائن في المساء وسوف يتم تحديد موعد تنفيذ الحكم عليه حسب القانون وهو الجلد. كان الملك يتألم فهو يحب جنوده ويعاملهم بإحترام وعدل ولم يسئ لأحدهم في يوم من الأيام وليس من السهل عليه أن يشاهد أحد جنوده وهو يعاقب بالجلد، ولكنه القانون ولا يمكن كسره. لم يستطع الملك تناول طعامه وظل في غرفته وحيداً ً منتظراً ً اللحظة التي يسمع فيها إسم الخائن، وكان يحاول أن يضبط أعصابه فليس هذا وقت المشاعر ولكنه وقت تطبيق القانون. جاءت اللحظة واُ ُخبر الملك أن النواب والمساعدين بالخارج، فخرج لإستقبالهم محاولا أن يكون ثابتا ً محايدا ً، ومستعدا ً لإخفاء دهشته وهو يسمع إسم الخائن وأيضا ًوهو يُعلن الحكم عليه أمام الجميع. ولاحظ الملك تردد رئيس الوزراء له ولاحظ أن عينا الرجل تجولان بين الآخرين في دهشة وعدم تركيز، وهكذا أيضا بقية النواب والوزراء. إستجمع رئيس الوزراء كل شجاعته ونطق بإسم الخائن، وكاد الملك أن يسقط على الأرض عند سماعه للإسم، هل هذا حقيقي؟ هل هذا معقول؟ كيف يصدق؟ لابد أنهم مخطئين، ونظر لرئيس الوزراء نظرة ثاقبة عميقة مستجدية وكأنه يريده أن يراجع نفسه فبكل تاكيد هو مخطئ! شعر بالدوار وطلب أن يذهب للراحة بعض الوقت حيث يقرر موعد تنفيذ الحكم. كانت صدمة الملك تشبه الخيال وهو يسمع إسم ابنته الوحيدة المتهمة بالخيانة واإفشاء أسرار المملكة التي يحكمها أبيها وبدون أي تفسيرات منطقية أو أسباب مقنعة، كاد قلبه أن يتوقف ودموعه كسيل إنجرف من شلال ويأبى ان يتوقف، اسئلة ودهشة وتعجب وعدم تصديق وصدمة تعقد اللسان وتوقف العقل، لماذا وكيف ومتى وماهو الدافع الذي جعلها تفشي اسرار خاصة بالمملكة التي يحكمها أبيها الملك، إبنته الوحيدة التي أحبها ولم يرفض لها طلبا ًفي سنوات عمرها الإثنين والعشرون، إبنته الجميلة التي يفتخر بها وبأنها تشبهه هو أبيها ليس فقط في الشكل والملامح ولكن في الشخصية وقوة الإرادة ورقة المشاعر، وواجه الملك الأب نفسه بسؤال عجز لسانه عن نطقه فهمس به في داخله: لماذا فَعلت بي هكذا؟ هل قصرت في تربيتي لها وماهو الحل؟ مالعمل؟ كيف يتصرف الملك مع ابنته التي يحبها بكل كيانه وهي تواجه جريمة يعاقب عليها قانون المملكة بالجلد؟ كيف يواجه هذا الموقف الرهيب وهو الملك المعروف بالعدل والحق رغم رقة قلبه ومشاعره، كيف يشاهد إبنته الرقيقة وهي تتلقى على ظهرها لسعات السوط وهو يحقق العدالة والحق أمام جريمتها الشنعاء؟ كيف وكيف وعشرات الاسئلة التي لم يستطع الإجابة عليها على الإطلاق، وكان على الملك أن يحدد اليوم والساعة التي سيتم فيها تنفيذ الحكم. ولكي يكون منصفا لها وللعدالة أراد أن يسمع إبنته ويعرف سبب هذا التصرف المعيب الذي سيعرضها لعقوبة لن تحتمل شدتها، وأرسل في طلبها وجاءت أمامه باكية تشعر بالخزي وكانت نظراته أبلغ من أي سؤال أو كلام، لماذا؟ روت إبنته قصة علاقة الحب التي ربطتها بإبن ملك الدولة المعادية وكانت تعتقد أن علاقتهما بذرة للتصالح بين المملكتين ولكنها لم تتصور أن يكون حبيبها بهذا الخداع! ولم تتصور أنه اتخذها جسرا ً ليصل إلى المعلومات التي يريدها. وأصدر الملك القرار وتم تسليمه مكتوبا ً لرئيس الوزراء تمهيدا ً لتنفيذه. كانت لدى الحاشية اسئلة عديدة أهمها كيف ستمر لحظات تنفيذ الحكم على ملكهم. وأقبل اليوم الذي لم يواجه الملك يوما ً في قسوته وصعوبته في حياته كلها؛ وتعجب الجميع أثناء خروج الملك اليهم وملامحه ًهادئهً ً ونظراته حانية وسلام يفيض من قلبه إلى وجهه، وقف الجميع في إنتظار تنفيذ الحكم وبدت الإبنة غارقة في دموعها نادمة على ماقترفت وهي تعلم جيدا ً أنها قد تموت أثناء الجلد، وحدث مالم يتوقعه إنسان في المملكة الحزينة، خلع الملك تاجه وأعطاه لغلامه وخلع ثوبه أيضا ً وذهب إلى مكان تنفيذ الحكم وأبعد إبنته المحبوبة بكل رقة وحنان ووقف أمام الجلاد وطالبه بتنفيذ الحكم عليه هو بدلا من إبنته، فكيف يتخلى عن إبنته حبيبته فلذة كبده ويتركها لعقاب قد يكلفها حياتها، وكيف يغير كلامه ويتنازل عن مبادئه السامية في تحقيق العدل والحق في الولاية، هل يحابي لابنته؟ ام يترك رحمته تتغلب على عدله، وفيما هو يسأل ويجيب في قلبه كان السوط يجلد ظهره وهو ينظر لإبنته الغارقة في دموعها وعيناه تخاطبها: هذا من أجلك ياابنتي، أخطاتِ أمام مقياس القانون والعدل وسأحمل عنك العقاب وأدفع الثمن بدلا عنك، وأكون قد حققت العدل والرحمة كما أحب وكما يجب أن احققهما. لم تصدق الإبنة ماشاهدته عيناها، ودارت أيضا ً في نفسها أسئلة عديدة: هل يليق بالملك أن يُجلد كمجرم؟ وهل يمكنه أن يعود للمملكة ثانية في نفس هيبته وإحترامه؟ هل تتأثر قيمته كملك أمام شعبه وهو يتحمل عقاب الجلد بدلا من إبنته المحبوبة؟ هل سيفهم شعبه قيمة مافعل؟ هل سيكون هناك تأثيرا ًعلى دقة وسير مجريات الأمور في المملكة أثناء تحمل الملك للعقاب؟ حيرة وإندهاش وإعجاب وحب وإمتنان وشكر وتقدير وإعتراف بالجميل: مشاعر مختلطة لا يمكن فصلها عن بعضها وهي تشاهد حب من نوع لم تعرفه أو تصادفه من قبل، حب يعطي رغم الاساءة، حب لم يقبل كسر القانون ولكنه أيضا ًلم يحتمل ألم وضياع الأحباء. إستطاع الملك أن يجد حلا لإنقاذ إبنته وفي نفس الوقت يحفظ ويحمي ماوضعه من قوانين تحقق العدل والرحمة، يستطيع الملك أن يصير مجرما للحظات أو ساعات حبا ًلإبنته ولكنها هي لن تستطيع أن تكون ملكا ًيغير القوانين أو يتعامل بمكيالين محابيا ً لإبنته وقاسيا ًمع أفراد شعبه. كانت الإبنة تراقب تعبيرات وجه الأب الذي من أجل سروره بانقاذ إبنته إستطاع أن يتحمل ألم السياط والجلد واعتبره ثمنا ً يقدمه بحب لأجل حبيبة قلبه الغالية-كانت تراقب وتعد الجلدات حتى إنتهى العقاب وتوقف الجلاد وصمد الأب الملك حتى النهاية، وجرت إليه ابنته ملقية نفسها عند قدميه تقبلهما ولا تسعفها الكلمات لتعبر عن أسفها وندمها وشكرها لهذا الأب العظيم. تحامل الملك على نفسه وقام وارتدى ثوبه الملوكي ووُضع له التاج مرة ثانية، وعاد ليباشر أعمال المملكة ويبحث شئون أفراد شعبه المحبوب، وهو يشعر بارتياح اذ ليس من السهل الحفاظ على صفة العدل والرحمة في ذات الوقت. هل اخطأ الملك؟ محبتي للجميع
#مرثا_فرنسيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمصر العزاء؟
-
أخي المسلم
-
من الأكثر أنانية؟
-
نقد المسيحيِّة
-
معنى الصوم
-
سؤال صريح جداً
-
الله الذي أعرفه
-
الإرهاب ليس من المسيحية
-
مشكلات الشيوخ والقسوس
-
لقطات(مسئولية المجتمع)
-
الله والحياة بلا أطراف
-
الشيخ القوصي وجه مُشَرِّف
-
داود الملك وخطايا البشر
-
ضرب المرأة وكرامة الانسان
-
المرأة ومتعة الرجل
-
هل حقاً هناك خالق؟
-
اُكفُل يتيم في بيتك
-
هل المسيحية ديانة؟
-
سيادة المشير طنطاوي: لحظة من فضلك
-
المرأة والحب والمعجزات
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|