أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الوادي - السور الذي يعبر المدينة














المزيد.....

السور الذي يعبر المدينة


مريم الوادي

الحوار المتمدن-العدد: 3524 - 2011 / 10 / 23 - 02:21
المحور: الادب والفن
    


السور الذي يعبر المدينة

في صباح يوم عاشوراء، أيقظتني مبكرا، ونقعتني بثيابي في سطل ماء، رددت تراتيلا، لم أفقهها، ثم نشفتني بخرقة بالية، وألبستني الفوقية اللعينة، تلك التي تذكرتني بذلك اليوم المشؤوم، يوم قطعوا حشفتي بمقص حاف، ورموها لقطة جائعة ،أسفل المائدة.
لقد قصرت فوقيتي، ومع ذلك أسرت في أن ألبسها.
وضعت في كفي كعكا صغيرا مدور،وتمرات قليلة ،و في الكف الأخرى ،وضعت حمصا مالحا ، وبعض التين المجفف .
ثم قالت: - هيا اركض، وانتظرني عند البوابة الكبيرة، للسور الذي يقسم المدينة، سنزور أباك.
ركضت أتقاسم ما ضمته حفنتي مع الصبية، والصبيات،وأقطف بعضا مما حوت أكفهم، وحدها صفية ابنة العرافة ، لم تشأ تقشير بيضتها الساخنة ..
ها هي قادمة ، تتلحف إيزارتها البيضاء الممزقة، كلقلاقة شاردة، تحث الخطى نحوي، لتمسك بيدي، وتجرني كخيط خلفها، بينما أجر أنا ،مذاق البيضة الساخنة ، في خيالي الجائع..
ها قد بلغنا السور العتيق، هذا الأبيض الوقور، الذي لا يتحرك من مكانه، سقطت أجزاء كثيرة منه، وباتت أبوابا مختصرة للراغبين..
- أمي: لماذا هذا السور؟؟
- لهم عالمهم ،ولنا عالمنا...
- ولماذا السور يا أمي؟ إنهم موتى، والموتى لا يؤذون الأحياء؟؟
- ولكن الأحياء يفعلون؟ لا تنظر على يمينك، هناك رجل يدير وجهه إلى السور، اخفض عينيك.
- لماذا يا أمي؟ ماذا يفعل؟
- إنه يتبول، لا تفكر يوما بفعل ذلك.
دخلنا المدينة، عالم الأموات، يعج بالأحياء، وأي أحياء.
-أمي انظري، ماذا يفعل أولئك جنب السدرة؟؟
- إنهم يشربون، لا تنظر باتجاههم ،اخفض نظرك ،لا أريد أن يمزق إيزارتي المتشردون؟
- ولكنها ممزقة بالأصل يا أمي..
- اخرس، هيا..
بلغنا قبر أبي؟
معظم القبور عليها رخامة، بها تدوينات لأسماء، وتواريخ ،ماعدا قبره،هي تعرفه بحجرة صماء كبيرة، وبعشبة الحريكة الحارقة، التي اشتعلت فوقه.. وكيف لقبر أبي الذي مات جائعا، أن تنبت فوقه الرياحين؟؟
-اجلس يا محمد هناك ،عند رأس أبيك، واقرأ على روحه ،ما حفظت في المسيد من قرآن.
كانت هذه فرصتي، لأكسب ود أمي، ورضاها، لعلها تطعمني بيضة ساخنة، لما نعود..
جلست أقرأ، وأقرأ، أخلط السور مع بعضها، وأقفز عن الآيات، وهي تشجعني، بابتسامة مطلية بالسواك ..
عيناها المدورتان جفتا من الدموع، وجحظتا تأثرا بقراءتي،ربما تقول في نفسها :ها إبراهيم حفظ القرآن، وبات يوفر علي أجرة الفقيه التمتام. و ربما تقول أيضا: - سيصير إبراهيم في يوم من الأيام، فقيها، في جامع بإحدى القرى المجاورة، فأرحل معه وأترك هذا العناء..
-لقد أنهيت يا أمي، قولي: صدق الله العظيم.
نفضت عن فوقيتي غبار القبور، بينما رائحة الموتى التصقت بكل جسدي، ثم رحت أرش نبات الحريكة الحارقة ببعض الماء، حتى تظل مشتعلة، فلا يتوه قبر أبي..
-لم تجيبيني أمي: كيف يؤذي الأحياء الأموات؟
- أنت سليط اللسان، صدعت رأسي هذا الصباح.
و توقفت أمي تبوس في سعيدة العرافة، وابنتها صفية، أم بيضة ساخنة، تجاذبتا أطراف الحديث، وثرثرتا قليلا، ثم ودعتها أمي بابتسامة صفراء، سرعان ما ألحقتها بالشتائم والبصاق..
- ما بك أمي ؟؟
- تلك الساقطة اللعينة، التي لا تعرف الله ،هل تحسبها تأتي للترحم على زوجها؟ إنها تأتي لسرقة تراب القبور..وقطع أصابع الموتى ..
- وماذا تفعل بها؟ هل تأكلها؟؟
- اصمت، وإلا فعستك برجلي.
خرجنا من مدينة الموتى، تركنا السور الأبيض خلفنا، رائحة نتنة تحلق فوقنا، لقد دخلنا مدينة الاحياء ..
في مدخل زقاقنا الكريه، أفرجت أمي عن يدي، فرحت أركض منها، راجعا إلى حيث كنا..
- سأحرس قبر أبي، كي لا يسرقوا أصابعه.
مريم الوادي
شتنبر 2011

نبذة عن الكاتبة:
مريم الوادي أديبة وشاعرة الكترونية مغربية
أستاذة وباحثة تربوية
السن 33 سنة



#مريم_الوادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل ...
- ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية ...
- حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
- عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار ...
- قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح ...
- الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه ...
- تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
- مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة ...
- دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
- وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الوادي - السور الذي يعبر المدينة