|
دمقرطة و عصرنة الإسلام
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 3522 - 2011 / 10 / 21 - 23:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ربما لن يرضى عني الكثير من القراء وكتاب الإسلاميات وشيوخها على عنوان مقالي هذا، ولكني وجدته الأقرب لما أود التحدث عنه، فهناك محاولات حثيثة وكبيرة وقوية من قبل كتّاب كثر لجعل الإسلام بتطبيقاته وممارساته قريب من روئ وقيم العصر الحالي الذي نعيش فيه، عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذه المحاولات ليست بالجديدة، حيث كانت لها مثيلات عدة، منذ العصر العباسي الثاني، على يد المعتزلة و أخوان الصفا، بمحولتهم ربط الفلسفة اليونانية بالإسلام، أو إيجاد ما يرادفها من نصوص دينية قرآنية أو أحاديث نبوية، وبما يسمى علم الكلام. وفي عصرنا الحديث، ومنذ بدايات القرن الماضي، كانت هناك محاولات من كتاب ومفكرين كثر، باتجاه تجديد الدين، بقراءة جديدة للنصوص تحاول التوفيق بين ما وصل إليه الفكر الإنساني وبين النص الديني، وهي محاولات ما زالت مستمرة، ولم تتوقف، ويبدوا أنها لن تتوقف، ولكن تغير مساراتها واتجاهاتها بين الحين والآخر. فمن قائل أن الغرب يطبق الإسلام حرفيا ولكن لم يجد مسلمين، ووجد ببلاد المسلمين مسلمين ولكن لم يجد الإسلام وتطبيقه، وهو طبعا يعني ما فهمه هو شخصيا من الإسلام، واعتباره باقي المسلمين منحرفين، بينما هم يطبقون الاسلام حسب فهمهم هم للنص أو إتباعهم لشيوخهم. ومن آخر يحاول العودة إلى السلف الصالح، على اعتبار أن المسلمين الأوائل أو مَن صاحب الرسول حتى لو لسويعات، كانوا قد طبقوا الدين الصحيح لقربهم من الرسول زمانيا ومكانيا، و لمصاحبتهم له. وأكيد وفق المنطق أن يكون هناك تطابق ولو جزئي بسيط بين أعمالهم وفكرهم مع فكر حامل الرسالة الدينية، متناسين أو متغافلين ما حصل، من خلافات دموية، وحروب دينية بالعهد الأول. معتبرين أصحاب الصحبة الأولى للنبي كلهم على حق، وما حدث بينهم من خلاف وصراع، ليس صراعا بين حق وباطل، أو بين باطلين، بل صراع بين حقين! متجاهلين أن الحق لا ينقسم على نفسه، ولا يتلون بألوان كثيرة، عكس الباطل، الذي ممكن له أن يظهر بصور متعددة، بل و حتى يحارب نفسه. فالحق دائما واحد، لا يتغير، والباطل يتشكل، ويتغير، وينقسم. ولكي لا أتوسع كثيرا بمقالي هذا، ولا أعود لقراءة الماضي الدموي الأول لصدر الاسلام، حتى لا أدخل بمتاهات التأريخ وحوادثه، وعن من أنقل الاحداث والصراعات، وهل هناك أغراض لكاتب التأريخ منها، أراد توصيلها، واظهار ورع البعض، وفساد الآخر، لذا أراني مضطرا بالعودة لعصرنا الحالي. فبنظرة عامة وسريعة للأحداث في قرننا الفائت، نجد أنه عندما كان هناك مد شيوعي اشتراكي يساري حول العالم، وبدأ تأثير هذا المد على بلدان العالم الثالث، داعما حركات التحرر فيه، وطبعا كلنا يعلم أن جميع البلاد الإسلامية، كانت وما زالت تشكل اللبنة الأساسية والكبرى في العالم الثالث، عالم التخلف الحضاري والاقتصادي والثقافي، عالم مخالف لحقوق الانسان، عالم به كل التشوهات والموبقات. بدأ حينها كتاب الإسلاميات ومفكريها، بالبحث والتأصيل، أن أصل الفكر الاشتراكي نابع من النص الديني الإسلامي وتطبيقاته، في الزكاة والصدقة، وكان التنظير على أشده حينها، وطبعا بالركون إلى نصوص دينية تحث على الصدقة والعطاء ومشاركة الآخرين آلامهم ومعاناتهم. وبعد سقوط جدار برلين، وأفول المد الشيوعي الاشتراكي، وجد كتاب الإسلاميات أنفسهم بمواجهة الغرب الليبرالي وحقيبة الحقوق الإنسانية والمدنية، وهنا كانت الطامة الكبرى. فمن مفكري ومنظري الإسلاميات من أخذ خط المواجهة مع هذا الفكر، على أنه فكر إلحادي يدعو للفساد في الأرض، وهو يمثل أرض الكفر ودار الحرب، كالوهابية والسلفية الجهادية. ومن مفكرين حاولوا التوافق مع هذا الفكر، بالدعوة لإعادة بعث روح نصوص لم تقرأ القراءة الصحيحة سابقا حسب دعواهم، وذلك للتوأمة بين متطلبات العصر والنص الديني، على اعتبار أن النص الديني ولأنه صادر عن خالق عالم بالعباد جميعا من يوم خلقهم ليوم مماتهم، فإذن هو نص صالح لكل زمان ومكان، أي أنه نص خارج منظومة لحظة نزوله وأحداثها الآنية حينها ومكان حدوثها بشخصياتها. فهو نص لا يرتبط بالمكان، وليس خاصاً بأرض الحجاز، وهو نص عابر للزمان وغير مرتبط به وبشخصيات خاصة في حينه. وهنا ظهرت إشكالية جديدة حول أسباب النزول للنص الديني، فنصوص بذاتها مرتبطة بشخصيات معينة لأحداث خاصة بعينها. فما كان منهم إلا رفض كل ذلك، ورفض ما يسمى بأسباب النزول. فظهرت مشكلة جديدة وهي وجود كم هائل جدا من أحاديث نبوية تتعارض مع عصرنة الدين، فما كان من البعض إلا التشكيك ببعض تلك الأحاديث، ورفض بعض الاحاديث، واعتبارها ضعيفة، وقبول غيرها. بينما كان رد فعل آخر من آخرين، حيث رفضت جملة وتفصيلا، بل وأعتبرت دين آخر، وإن تعبد به المسلمون ولفترات طويلة، وهذا الدين، لا يمت للدين الأصلي بشيء، من قريب أو بعيد، إلا الاسم. فظهر لنا مصطلح جديد، يسمى ما يخالفه بالأديان الأرضية، مقابل ما يؤمن به، من أنه وجب التعبد بالنص الديني وحده، بالدين السماوي، متناسيا أو غافلا أنه لا وجود لكلمة دين سماوي أيضا، كتسمية موجودة داخل النص الديني. هنا لا أبغي مطلقا التقليل من عمل هؤلاء الكتاب والمفكرين، ولكني أشفق عليهم وعلى جهدهم الضائع بعصرنة و دمقرطة الدين. وكي لا أكون ظالما لهم، ولا طاعنا بفكرهم دون دليل، دعوني أعطي مثل بسيط، وبعدها أترك الحكم للعقول النابهة أن تمحص وتتدبر. لنأخذ فكرة أن الديمقراطية هي نتاج إسلامي بالرجوع إلى نص الآية التالي : ( والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وامرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) سورة الشورى آية 38 . وهو النص الوحيد الذي أتى بكلمة شورى، فتم التبحر والتوسع بمعنى هذه الكلمة، وإخراجها من سياقها داخل النص، حيث لو رجعنا إلى ما يسبق تلك الآية، وما يلحقها، لوجدناه يصف حال الذين آمنوا بربهم، وهي ليست دعوة لنظام حكم بعينه، كما يدعي البعض، بما يسمى الديمقراطية المباشرة، حسب ما طبقت في أثينا، في عصور سبقت الإسلام كثيرا ، وعلمهم بصعوبة، بل واستحالة التطبيق ذاك في عصرنا الحالي. أما الآية التالية: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين ) سورة أل عمران آية 159. وبقراءة النص الذي يسبق و الذي يتبع الآية، نجد أنها تصف الحال أثناء الحرب، والمشاورة حينها، ولا تقصد نظام حكم أيضاً. عموما ما وجدناه من قراءتنا لكامل النص الديني الاسلامي، هو عدم دعوة النص لأي شكل من أشكال الدولة، كما عرفت أثناء عصر النزول أو قبله أو حتى بعده، فالملكية كانت معروفة في بلدان كثيرة قريبة من أرض النزول، كالعراق، مصر، الحبشة و فارس، والديمقراطية كانت معروفة ومطبقة في اليونان وروما بأزمنة طويلة قبل النزول، والجمهورية معروفة كذلك في اليونان وروما، وكانت مطبقة في روما القيصرية. وهنا أجد أنه من الضرورة على الباحث في الإسلاميات، أن يجد سبب سكوت النص الديني على نوعية نظام الحكم الذي وجب على الأمة الاسلامية إتباعه، أو يرشحه النص كأفضل صيغة حكم للمؤمنين به. بل ويبحث أكثر في أن سكوت النص عن ذاك الأمر، وعدم وضوحه الجلي، هو ما جعل أحداث يوم السقيفة، من استيلاء على السلطة، بمسرحية خطابية، دون مراعاة لباقي المسلمين خارج المدينة حينها، وكأن الحل والربط هو بيد المسلم المقرب مكانيا من الرسول، وليس كل المسلمين مهما بعدوا مكانيا عن الموقع، وهو ما يتعارض مع الديمقراطية المباشرة التي يتشدقون بها. كما أن تلك المسرحية الخطابية كانت تحمل من قيم الجاهلية الكثير، وأبرزها التفاخر و التنابز بين الصحابة المقربين، بل وصل الحد عند بعضهم بالتهديد بالقتل، بل ورفعت السيوف، ومحاولة قتل بعضهم بعضا، كل هذا حدث وما زال جسد رفيقهم ونبيهم حارا لم يبرد. ألا يكون هذا دليلا ناصعا أن لا النص ولا النبي تحدثا عن نوعية الحكم بعده، وكيفية اجراءاته. وبعدها تنوعت طرق اختيار الخليفة، فمن توصية الخليفة الأول للثاني، وعمل الثاني لجنة سداسية تختار واحدا منها تحت تهديد السيف لاختيار الثالث، وانتخاب الرابع تحت الفوضى الهوجاء، ثم اخذت بعدها بالسيف، وورثت، أفيكن بعد كل ذلك من يقول بوجود نص يشير لنوعية الحكم، وعميت عيون الأوائل عن رؤيته، والعمل به، دون خلاف واقتتال، ورآه هو وحده! هذا مثل لما يحاول به الباحث الإسلامي عصرنة ودمقرطة الإسلام، والتي أجدها باءت بالفشل الذريع، لأنها لم تقنع إلا قلة قليلة من المسلمين، والذين يجدون أنفسهم بضيق وحرج، فمن ناحية كونهم مسلمي العقيدة والانتماء، ويحاولون أن يكون فكرهم عصري بنفس الوقت، فلا يجدون مقاربة بين الاثنتين، إلا بمحاولات كهذه.
محمد الحداد 21 . 10 . 2011
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحوار المتمدن يسأل... ونحن نجيب
-
أوقفوا الزيادة قبل فوات الأوان
-
قراءة في طبائع الاستبداد ج 13
-
2083 ج 7
-
لورنس العرب الجديد برنار هنري ليفي
-
محكمة فاطمة الزهراء
-
انكحوا ستة عشر امرأة
-
زحل يعتذر
-
2083 ج 6
-
2083 ج 5
-
2083 ج 4
-
2083 ج 3
-
2083 ج 2
-
2083 ج 1
-
قراءة في طبائع الاستبداد ج 12
-
قراءة في طبائع الاستبداد ج 11
-
ثقافة الجواري والعبيد
-
خطاب رئيس عربي
-
قراءة في طبائع الاستبداد ج 10
-
قراءة في طبائع الاستبداد ج 9
المزيد.....
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
-
سرايا القدس تبث فيديو للأسيرة أربيل يهود قبيل إطلاق سراحها
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|