|
الرأسمالية المأزومة والنهوض الشعبي المتوقع
محمد بودواهي
الحوار المتمدن-العدد: 3521 - 2011 / 10 / 20 - 18:20
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يعيش العالم ظروفا استثنائية حيث أن الواقع ومستجداته المطردة تعمل على تغيير وعي ملايين الناس بسرعة فائقة . فنتيجة للاضطرابات الاقتصادية و الاجتماعية بدأ الكثير من الناس يساءلون طبيعة النظام الاقتصادي الدي لا ينتج إلا المآسي . نظام لا يوفر أموالا لأطفال المدارس ولا للمرضى والعجزة ولا لإنعاش الشغل ولا للحد من البطالة ولا لدعم الأسر المعوزة التي تقدر بمئات الملايين .... بينما يقوم بمد العون - وبشيك على بياض - لكبريات الأبناك وشركات التأمين والشركات الكبرى والطبقات البرجوازية والفلاحين الإقطاعيين الكبار وووو....هدا التناقض الفاضح والصارخ يصدم وعي الملايين من الأمريكيين والأوربيين العاديين وشعوب دول العالم النامي الدين يدفعون الثمن الباهض على حساب تدهور مستوى العيش والاقتطاعات في النفقات الاجتماعية وهو ما سيؤدي حتما إلى تغيير عميق في الوعي . فبينما يتلقى العمال العلاوات مقابل النتائج التي يحققونها في الإنتاج فإن المسؤولين يمنحون لأنفسهم مكافئات فاحشة سواء حققوا نتائج أم لا ، وعندما تحقق شركة ما أرباحا مهمة يحصل العمال على زيادة قليلة في أجورهم - في أحسن الأحوال - بينما يحصل الرؤساء على المبالغ الضخمة ، وحينما تسجل الشركة تراجعا في الربح لا يتلقى العمال أي مقابل في الوقت الدي يواصل فيه المسؤولون تناول المنح العليا ، أما عندما يحصل الإفلاس للشركة يتم طرد العمال مقابل تعويضات هزيلة أو بدون تعويضات أو حتى بدون تقاعد بينما يغادر الكبار ومعهم منح ضخمة ورواتب تقاعد عالية . إن المرحلة التي نعيشها هي مرحلة الرأسمالية الاحتكارية . ومن مميزات هده المرحلة السيطرة المطلقة للرأسمال المالي الدي تضخم بشكل كبير جدا نسبة إلى الاقتصاد مثلما تتضخم دودة طفيلية على حساب الجسم كله منهكا قواه ومهددا إياه بالدمار الكامل ، وبالتالي السقوط في أزمة هيكلية عميقة . وخلال الأزمة ، عادة ما يجد الرأسماليون أنفسهم مجبرين على اللجوء إلى اتخاد إجراءات استثنائية من أجل استعادة جزء من سوق يتقلص ويتأزم شيئا فشيئا إلى أن تتفاقم وضعيته من خلال تلك الدورات الانكماشية اللولبية النازلة . ففي ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي أصبح فيها الاقتصاد الأمريكي والعالمي يعمل بشكل غير عادي ، أعلنت الحكومة الأمريكية والعديد من الحكومات الأوربية والعالمية عن خطط للإنقاد منحت من خلالها مئات الملايير من الدولارات للقطاع المالي الدي أصابه الشلل التام والإفلاس المطلق نتيجة لمرحلة طويلة من المضاربات الجامحة .إلا أنه لن يكون لتلك المبالغ الضخمة التي قدمت للأبناك أي تأثير في الحيلولة دون السقوط إلى الهاوية ، أو في أحسن الأحوال لن يكون لها سوى تأثير لحظي قبل الوقوع في سقطة أقوى وأسرع . إنه منطق السوق الدي لا يمكن أن يزيغ عن قوانينه الخاصة . فالاقتصاد الرأسمالي اقتصاد فوضوي بطبعه فهو لا يمكن أن يكون خاضعا للتنظيم والتخطيط وبالتالي فإن أية محاولة لإدخال الاستقرار إلى القطاع المالي عبر ضخ مبالغ مالية ضخمة تبين أنه لم يكن له أي تأثير إيجابي على السوق بل أدى على عكس دلك إلى المزيد من التدهور والتأزم . لقد سبق لماركس أن أشار مند منتصف القرن التاسع عشر إلى أن حلم البرجوازية الأمثل هو تحقيق المال من المال دون الحاجة إلى الدخول عبر مسلسل الإنتاج الشاق والمتعب . وقد ظهر خلال الفترة الأخيرة أنهم في الولايات المتحدة وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وإيرلندا وغيرها من البلدان الأخرى تمكنوا من تحقيق دلك . كانت هده هي القاعدة الأساسية التي ازدهرت عليها الرهون العقارية الحالية مما أنتج عنه تعميم مبالغ ضخمة جدا من الرساميل الوهمية . فأغلبية المضاربات تتم بدون مال حقيقي ، وإنما نتيجة لعملية احتيال غير مسبوقة في القطاع المالي ، وبالتالي فإن كل النظام البنكي ، الدي يعتمد عليه دوران الرأسمال ، صار يتجه نحو الشلل التام . ولدلك على الرأسماليين الآن العمل على امتصاص كل هده الرساميل الوهمية من النظام المالي وإلا سيتعرض للفناء . إلا أن هده العملية تبقى مؤلمة إلى حد كبير وتخلق مخاطر حديدة للنظام . فعندما ينكمش النظام المالي وتتقلص القروض ويسحب الرأسماليون قروضهم ويعجز المدينون عن الأداء وتتصاعد البطالة ويتقلص الطلب متسببا في حالات إفلاس جديدة غير قابلة للاسترجاع مما يجعل الاقتصاد الدي تطور في مرحلة سابقة يتعرض للنكوص والشلل والركود . فمع العولمة ، والمضاربات المالية وإلغاء التقييدات على القروض ، صار حجم التوسع كبيرا مع إمكانية انهيار اقتصادي عالمي . إلا أن الأزمة - كما سبق لماركس أن شرح في الجزء الثالث من كتابه الرأسمال ص 472 - لا تنتج عن الرساميل الوهمية ولا عن احتيال الأسواق المالية ولا عن الاستعمال المفرط للقروض ، فهو يقول : ( سنغض النظر أيضا عن هده المضاربات والمعاملات التجارية المختلفة التي يفضلها نظام الاقتراض . لن يمكن تفسير الأزمة إلا كنتيجة لتفاوت الإنتاج بين استهلاك الرأسماليين ومراكمتهم . إن تعويض الرأسمال المستثمر في الإنتاج معتمد بشكل كبير على القدرة الاستهلاكية لدى الطبقات الغير منتجة ، بينما قوة العمال الاستهلاكية محدودة بسبب قانون الأجرة من جهة ، ومن جهة أخرى بواقع أنهم لا يستخدمون إلا إدا كان استخدامهم مربحا للطبقة الرأسمالية . السبب الرئيسي لجميع الأزمات الحقيقية يتمثل دائما في الفقر والاستهلاك المنخفض لدى الجماهير أمام ميل الإنتاج الرأسمالي إلى تطوير القوى المنتجة كما لو أن هناك قوة استهلاكية مطلقة لدى المجتنع لا نهاية لها ) . هناك إدن مزاج من الغضب المتصاعد والعداء ضد ( السوق ) أي ضد الرأسمالية لأن النظام الرأسمالي مبني على أساس الخداع والمضاربات ، وهو مبني أيضا على الجشع . إن إنكار الجشع يعني إنكار آليات اشتغال اقتصاد السوق المبني على أساس السعي نحو الربح ، أي على الجشع .ولدلك فالضرورة تقتضي القضاء على هدا النظام المتوحش الدي يقرر في مصير ملايين البشر وتعويض فوضى الرأسمالية بمجتمع عقلاني مؤسس على الاقتصاد المخطط . إن ما يلزم هو نزع زمام الاقتصاد من بين أيدي الخواص عبر تأمين الأبناك وكبريات الشركات والتأمين حيث سيصبح من الممكن إقامة مخطط اشتراكي عقلاني للإنتاج ، حيث ستتخد القرارات لصالح المجتمع وليس لصالح حفنة من المضاربين والرأسماليين الطفيليين الأثرياء . إنه الهدف الرئيسي للاشتراكية وهي الفكرة التي أصبحت مفهومة ومرحب بها من طرف ملايين البشر الدين كانوا في السابق يدافعون عن السوق الحرة بسبب سياسة الاغتراب والاحتواء الممنهجة ضدهم والدين أصبحوا اليوم يخرجون للشوارع في مظاهرات ضخمة كما يقرؤون لكتابات ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من عظماء التنظير للثورة الاشتراكية .
#محمد_بودواهي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأحزاب الشيوعية ومهام الحاضر
-
المفهوم الضيق والمتناقض للهويات والإثنيات والقوميات عند السي
...
-
مقال السيد سعيد الكحل وعصا الابتزاز
-
حركة 20 فبراير: الإنجازات والتحديات ....
-
الملكية التنفيدية ودولة المخزن ( الحرايمية )
-
من دولة المخزن إلى دولة القانون
-
مطالب الإصلاح والأفق المفتوح للسيرورة النضالية في المغرب
-
محطة 20 مارس والتحديات المطروحة على الدولة المغربية
-
الثورة الليبية والمؤامرة الغربية المدبرة
-
تطورات الوضع في المغرب في ظل الدينامية النضالية الإقليمية
-
المغرب والجزائر : بين الاتفاقيات الرسمية المشبوهة وضرورة الت
...
-
الأسباب الكامنة وراء تأخر المغرب في مواكبة الانتفاضات الشمال
...
-
القدافي - الثائر - والقدافي المتسلط
-
ملخص للأجواء التي تمت فيها تظاهرة 20 فبراير في مدينة خنيفرة
-
القيادة العسكرية وتخوفات الشعب المشروعة من إجهاض أهداف الثور
...
-
الثورة المصرية وبوادر الجمهورية الثانية
-
المغرب الكبير : الدولة الفيدرالية الديموقراطية الموحدة ( مشر
...
-
سيرورة الثورة وضرورة الحزب الثوري
-
مصر على درب الثورة
-
ثورة الياسمين التونسية : إنجازات وآفاق
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|