ميسون البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 3519 - 2011 / 10 / 17 - 09:30
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تواجه الدراسات التاريخية الحديثه صعوبات جمه في البحث التاريخي خصوصاً عند الحديث عن فترة بداية الدولة الإسلاميه وذلك لشحة وندرة المراجع القديمه التي تلفت أو أتلفت لغايات كثيره , ولهذا فنحن اليوم نجهل تاريخنا الحقيقي في الوقت الذي نظن فيه أننا نعرفه .
نزوع الولايات المتحدة الأمريكيه الى السيطرة على العالم جعلها ومنذ بداية القرن التاسع عشر تقوم بدعم الحركات القوميه في كل دول العالم من أجل إستعمال الشعور القومي لدى جميع الأمم لكي تطرد مستعمريها الإسبان والبرتغاليين والألمان والفرنسيين والبلجيكيين والبريطانيين , كي تحل محلهم في إحتلال الشعوب والدول فيما بعد , فكان من نتيجة ذلك وصول ما يسمى بالصحوة القوميه الى منطقة الشرق الأوسط التي يقطنها العرب والفرس والترك .
أسوأ ما أنتجته لنا فترة الصحوه القوميه العربيه هو تزوير التاريخ العربي , فقد أنجزت في تلك الفتره كتابة تاريخ مجيد بألوان القوس قزح عن خير أمة أخرجت للناس لا يأتيها الباطل لا من فوقها ولا من تحتها , ولا تدري وأنت تقرأ عن الطهر والنورانيه التي كان عليها قادتنا العظام .. من أين أتى إلينا الحال الذي نحن عليه اليوم !!!
أضف على ذلك أن الكثير ممن كتب التاريخ ليس لهم تخصص علمي فيه ويظنون أن كتابة التاريخ عملية سرد سهله يقدر عليها كل من يعرف القراءة والكتابه , عندك مثلا طه حسين وهو رجل ضرير متخصص في الأدب كتب التاريخ لا بآليات البحث التاريخي المعقده ولكن بإعتباره قصيدة في الفخر والحماسة والغزل ولهذا تجد في كتابه ( الفتنة الكبرى ) بجزأيه ( عثمان ) و ( علي وبنوه ) ما لا يقل عن خمسين خطأ أوكد جازمة أن بعض منها كانت متعمده لغرض تفعيلة أو قافية القصيده . ثم يطلع علينا علي الوردي الذي يعده بعضهم علاّمة عصره وفهّامة زمانه وهو رجل متخصص في علم الإجتماع بكتابات تاريخية تعتمد كتب طه حسين فتقتبس عنها وتعتبرها سنداً ومرجعاً .. وهكذا يضيع التاريخ الحقيقي .
سبب آخر من أسباب صعوبة كتابة التاريخ في عصر الدولة الإسلاميه هو اختلاط الكتابه العلميه الجاده بالروزخونيات , يأتيك رجل دين معمم فيروي لك حادثة على طريقه ( حدثني أبي عن أبيه عن جده ) ويستعمل التكفير وسيلة لفرضها على الناس فرضاً فكان ذلك واحد من أسباب ضياع حقيقة التاريخ .
يتحدث الشيعة دوماً عن المظلوميه وأن الحكم غصب منهم غصباً وانهم لم يتسلموا السلطة منذ 14 قرن مع أنهم أحق بها من غيرهم وأن الدولة الوحيده التي قامت لهم عبر التاريخ كانت الدولة الفاطميه في مصر , وهذا الكلام إن كان صحيحاً لبعض الوقت فهو غير صحيح دائماً لأن الشيعة أسسوا عدة دول لم تمتلك قوة الدوام فسقطت , والدولة العباسيه وعاصمتها بغداد كانت واحدة من هذه الدول .
الكتابات التاريخية الخاطله تمجد الفتوحات الإسلامية التي هي في حقيقتها ليست أكثر من جرائم أرتكبها المسلمون بحق الشعوب الأخرى إستعدت علينا الغير وكرّهتهم بنا .. وما يقع على العراق من عدوان فارسي مستمر منذ 14 قرن ليس أكثر من رد فعل على العدوان الإسلامي على إمبراطورية كسرى . أنظر الى الثورة العارمة التي إندلع بها أبو ذر الغفاري ضد معاويه والي الشام وضد عثمان بن عفان خليفة المسلمين بعد اشتراكه في حرب فتح صقليه , لأنه رأى بعينيه الجرائم التي يقترفها المسلمون بحق البلدان المفتوحه وأهلها الآمنين ..فعاد ثائراً ثورة كبرى على عمليات القتل والسلب والإغتصاب والحرق التي تقع بحجة نشر الإسلام .
جارة الشر ايران ومنذ القدم ينظر سكانها الفرس الى أنفسهم بغرور ويتعالون على جيرانهم العرب ويزدرونهم ولا يرون فيهم أكثر من قبائل بدويه لا تعرف معنى التحضر الفارسي . حين جاء الإسلام ووحد العرب وشكل منهم قوة ضاربه أسقطت ايوان كسرى وأطفأت نار المجوس وأخذتهم سبايا الى ديار العرب _ فإن الفرس لم يحقدوا على العرب لكنهم حقدوا على الإسلام الذي جمع العرب , ولهذا إختاروا ان يبالغوا في التشيع من أجل تدمير الإسلام , وسأتحدث عن ذلك في موضوع منفصل عن الشيعه الإماميه الإثني عشريه وتأسيس الدوله الصفويه .
إضافة الى ذلك قامت ايران بإحتضان كل الحركات الخارجه على دولة الإسلام العربيه , فقد لجأ إليها العلويون أثناء خلافهم مع الدولة العربيه , مثلما لجأ إليها الشيعة الكيسانيون الذين أسسوا أول دولة عربية شيعية في التاريخ وسنتحدث الآن عن تأسيس هذه الدوله .
لو تصفحت أي كتاب تاريخ فسيخبرك أن العباسيين تحالفوا مع العلويين أثناء تواجدهم في بلاد فارس , لكنهم أي العباسيين نكثوا وعدهم للعلويين عند قيام الدولة العباسيه وهذا كلام خطأ 100% لأن الحقيقة هي أن العلويين في حالة صراع دائم مع العباسيين منذ البدايه .. صحيح أنهم جميعاً شيعه ولكن نزوع كل فئة منهما الى الحكم والسلطه ما كان يجعلها تقبل شريكاً .
حين توفي علي بن ابي طالب كان قد تزوج في حياته تسع مرات وتسرى بعدد غير معلوم مما ملكت اليمين وأنجب من كل ذلك ذرية كبيره ولم يكن يفرق في حياته بين أحد من أبنائه لكن المتشيعين له هم الذين سيفعلون ذلك فيما بعد . أخطر المذاهب الشيعية على الإسلام هو المذهب الإمامي الإثني عشري فهؤلاء لا يفرقون بين علي وبقية الصحابه فقط , لكنهم يفرقون بين أولاد علي ولذلك يفرقون بين أبنائه من فاطمه عن أبنائه من سواها وليت الأمر توقف عند هذا .. فهم يفرقون بين أبناء فاطمه أيضاً فهم يلطمون على الحسين لأن الثارات له تساهم في إضعاف وإسقاط الدولة العربيه , ولا يحبون الحسن لأنه تنازل عن الحكم الى معاويه في عام الجماعه 40 هجريه فأنهى بذلك الخلاف الذي يريده الفرس لإسقاط الدولة العربيه .
الأنكى من هذا أنهم يفرقون حتى بين ذرية الحسين فيختارون منهم من يتناسب مع نزعتهم لتدمير الدولة العربيه ويطردون ويخلعون كل من حاول أن يحل ذلك الخلاف , وقد كان هذا جلياً عند خلع الإمام الخامس زيد بن زين العابدين بن الحسين عن الإمامة والعصمه وتكفير أتباعه الزيديه لأنه قبل ببيعة أبو بكر وعمر , وتعيين أخيه محمد الباقر إماماً خامساً بدلاً عنه .
ولم تنته الحكاية عند هذا الحد , فبعد وفاة محمد الباقر كان هناك رأي كبير أن تؤول الإمامة الى حفيد الحسن ( محمد النفس الزكيه ) لما لديه من علم وخروج على الدولة العربية في الشام , ولكن تم رفضه لأن جده هو الحسن الذي تنازل عن الحكم لمعاويه , وتعيين جعفر الصادق بدلاً عنه إماماً سادساً .
حين تأسست الدوله العباسيه فرّ محمد النفس الزكيه طيلة فترة حكم أبو العباس السفاح .. وحين آلت الخلافه الى أبي جعفر المنصور .. ظفر بمحمد النفس الزكيه فقتله في المدينة المنوره .. وكان عمره 45 سنه وهو مدفون في البقيع .
ولم تنته الحكاية عند هذا فبعد وفاة جعفر الصادق وصلت الإمامه الى إبنه إسماعيل .. لكن إسماعيل إنشغل عما يريده الفرس وهو مناكفة الدولة العربيه , بأمور الإفتاء في شؤون ممالك وسط آسيا التي وصلتها الفتوحات الإسلامية حديثاً فقاموا بخلعه عن الإمامه والعصمه وتكفير أتباعه وعينوا اخاه موسى بن جعفر ( الكاظم ) إماماً سابعاً لهم .
من هم الكيسانيون وكيف تسنى لهم تأسيس الدولة العباسيه ؟ من المعلوم أن الشيعه يقسمون الى 27 فرقه ما بين قائمه ومندرسه , تبدأ من السبأيه التي إندرست وتنتهي بالبهائيه التي حولها البريطانيون وبعدهم الأمريكان منذ العام 1923 الى ديانة عالميه ليست لها علاقه لا بالإسلام ولا بالتشيع .
الكيسانيه وتدعى أيضاً بالمختاريه مثلما يطلق عليها تسمية الحنفيه نسبة الى محمد إبن الحنفيه , هي واحده من الفرق المندرسه إنتظم أتباعها حول شخص يدعى المختار كان خادماً لعلي بن أبي طالب الذي كناه بلقب ( كيسان ) .
بعد وفاة علي إعتقد المختار أن مصاحبته الطويله لعلي أكسبته علماً ينفع الناس فأخذ يفتي بينهم , فتشكلت حوله حلقه من الأتباع والمريدين .
لأن علي بن أبي طالب كان رجلاً كريماً عادلاً ولا يفرق بين أحد من اولاده .. فقد تعلم منه كيسان محبة إبنه ( محمد بن الحنفيه ) أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيه سبي من سبايا حرب اليمامه تزوجها علي فأنجبت له ( محمد الأكبر ) ويكنى بأمه فيقال ( محمد بن الحنفيه ) . بعد إستشهاد الحسين بعشرين عاماً مات أخوه الحسن .. عندها إعتقد كيسان أن الإمامة إنتقلت منهما الى أحيهما محمد بن الحنفيه .
على الفور بدأ الشيعة الإماميه بتقديس فاطمه لأجل أن يمنعوا انتقال الإمامه الى أولاد سواها والأمر ليس أكثر من حجه لأن الإمامة منعت عن كل اولاد وأحفاد الحسن .. لا بل حتى عن بعض أحفاد الحسين الذين ورثوها فعلاً لكنها أسقطت عنهم لأن نزوعهم الى حل إشكالهم مع الدولة العربيه لا يتناسب مع نزوع الفرس الى تدمير هذه الدوله .
يؤمن الكيسانيه أن الإمامة محصورة في أربعه ولم تنتقل الى سواهم وهم علي ابن أبي طالب وأولاده الحسن والحسين ومحمد بن الحنفيه وأنهم ورثوا الإمامة عن محمد بوعد موعود , ويدينون خلافة أبو بكر وعمر وعثمان ويقرون بعدم شرعيتها وبأن المجتمع قد ضل عن الطريق بقبوله حكمهم , كما يؤمنون بأن محمد بن الحنفيه هو المهدي وأنه غائب لأنه معاقب من رب العالمين ( عقوبة مؤقته ) لأنه أثناء سفره من مكه الى دمشق قام بزيارة للخليفة ( المزيف ) عبد الملك بن مروان , وأن غيبته فوق جبل ( رضوى ) القريب من المدينه المنوره تحميه الأسود والنمور التي تعتاش على ماعز الجبل وأن الله سبحانه وتعالى سيعيده من ( دار التقيه ) الى ( دار العلانيه ) في يوم موعود قبل يوم القيامه .
مارس الكيسانيون سياسة مناهضة لبني أميه هدفوا منها الى نقل الخلافة الى آل علي , وبعد وفاة محمد إبن الحنفيه عد الكيسانيون إبنه البكر عبد الله قائداً لهم ويكنى عبد الله بكنية ( أبو هاشم ) وتبعوه الى خراسان وأصبحوا يعرفون ب ( الشيعه الهاشميه ) . وهؤلاء يعترفون بوفاة محمد ابن الحنفيه ويعترفون بأنه هو الذي عيّن أبو هاشم خليفة له ولهذا فقد أصبح أبو هاشم إماماً تبعته غالبية شيعة ذلك الزمان على الرغم من كونه أصغر بكثير من إبن عمه ( زين العابدين ابن الحسين إبن علي ) المعروف بالسجّاد , ومن خلال دعم هذه الطائفة الكبيرة له تأسست الدوله العباسيه .
إنقسم الشيعة الكيسانيون الى عدد كبير من الأقسام فبعد وفاة كل واحد من قادتهم كانت الطائفة تنقسم على نفسها تحت قيادات جديده . مثلاً بعد وفاة محمد ابن الحنفيه إنقسمت الطائفه الى ثلاثة أقسام هي :
# الشيعه الغرابيه الذين تبعوا ( أبو غريب الضرير ) وهم من ( الغلاة ) طائفة كبيرة منهم موجودة اليوم في العراق خصوصاً في البصره آمنوا بأن علي ومحمد يتشابهان ( شبه الغراب للغراب ) وهي تشبيهات مستمدة من بيئة الصحراء بالطبع .. وبسبب هذا الشبه فإن الله حين أرسل النبوة الى علي فقد أخطأ جبريل فأعطاها لمحمد , ولهذا السبب فهم في صلاتهم يقومون قبل التسليم بضرب أفخاذهم ثلاث مرات يرددون مع كل ضربة منها عبارة ( خان الأمين فصدّها عن حيدره ) , كما يعتقدون بغيبة محمد ابن الحنفيه وأنه هو المهدي الذي عند رجعته سيملأ الأرض عدلاً ومساواة بعدما ملئت ظلماً وجوراً .
# الشيعه الحيّانيه الذين تبعوا ( حيّان السرّاج ) وهم يعترفون بموت محمد ابن الحنفيه لكنهم يظنون أنه سيرجع من بعد موته ومن معه من مقاتلين ليملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
# الشيعه البربريه الذين تبعوا ( حمزه إبن عماره البربري ) وهم غلاة أيضاً آمنوا بألوهية محمد بن الحنفيه وأعتبروا حمزه بن عمارة البربري نبياً مبعوثاً من قبله وكان لهم أتباع في الكوفة والمدينة المنوره .
واصلت الشيعه الكيسانية الإنقسام ولهذا سنرى أنه بعد وفاة أبو هاشم فإن الهاشمية أتباعه سينقسمون الى الأقسام التاليه :
_ الشيعه الحربيه ويعرفون أيضاً بإسم ( الشيعه الجناحيه ) وهم يتبعون ( عبد الله ابن معاويه ابن عبد الله ابن جعفر ) وهو حفيد جعفر ابن أبي طالب ( الطيًار ) وإبن عم ( أبو هاشم ) . قام زعيم هذه الطائفه بالثوره بعد مقتل إبن عمه الإمام ( زيد ابن زين العابدين إبن الحسين ) وإبنه ( يحيى بن زيد ) فعمت ثورته في العراق وأصفهان أربع سنوات وإنضم إليه الزيديون والعباسيون والخوارج في ثورته فقام الرجل بتأسيس دولة في بلاد فارس وحكم فيها عدة سنوات وكانت دولته تضم الأحواز وأصفهان وكرمان , لكنه أضطر للهرب الى خراسان بعدما وصلته جيوش بني أميه .. ولأن القضيه برمتها هي سعي وراء حكم وسلطه فقد قتله العباسيون على يد أبو مسلم الخراساني بينما كان مسجوناً .
الشيعه الحربيه أو الجناحيه إقتبست العديد من المفاهيم الغنوصيه عن الفلسفة اليونانيه إثر نشاط حركة الترجمه في بغداد .. مثل تمثل الأرواح ما قبل الخلق على شكل أطياف ( أظله) , وتناسخ الأرواح ( أدوار) , والدهور ( أكوار ) وقد زعمت الطائفه بعد مقتل عبد الله ابن معاويه أنه حي لا يموت وأنه مختبيء في جبال أصفهان .
_ قام الشيعة الهاشميه بالإعتراف ب ( محمد إبن علي إبن عبد الله إبن عباس إبن عبد المطلب ) خليفاً شرعياً ل ( أبو هاشم ) فقام هذا بإستقطاب جل شيعة ايران والعراق وأسس بهم الدولة العباسيه .. له ثلاثة أولاد : ابراهيم ( قتله الأمويون ) _ أبو العباس السفّاح ( الذي أصبح الخليفة العباسي الأول ) _ أبو جعفر المنصور ( الذي أصبح الخليفة العباسي الثاني ) .
حين تسلم بنو العباس الحكم وصارت لهم دوله , أدركوا أن العقيدة في القلب لكن الدولة لجميع الناس , ولهذا فلا يمكن لدولة دينية أو مذهبية أن تدوم فتجاوزوا عن تشيعهم ليحكموا الناس كافه .
الخليفه العباسي المهدي .. تمت تسميته بالمهدي لأن الدولة العباسيه كانت دولة شيعيه تؤمن بالمهديه , ومن شدة تسامحها فلا أحد يعرف ذلك .
الخليفه العباسي المأمون وهو خليفة عالم آمن بمذهب المعتزله , سأل مستشاريه ذات يوم عن مذهب المرجئه فقيل له : يا أمير المؤمنين يؤمن المرجئة بأن من قال آمنت بالله ورسوله ونطق الشهادتين فهو مسلم لا يجوز تكفيره , كائنة ما تكون أخطاؤه فهذه يحاسبه عليها الله الذي بيده غفران كل شيء .. فقال المأمون العظيم : هذا إذن هو دين الملوك .
#ميسون_البياتي (هاشتاغ)