|
متى ترتوون من دمائنا؟
إكرام يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3519 - 2011 / 10 / 17 - 04:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
في أوائل العام الماضي كتبت مقالا بعنوان "جنازة عسكرية لشهداء العيد" ؛ طالبت فيه الدولة المصرية بإعلان براءتها من دم أبنائنا المغدورين صبيحة العيد في نجع حمادي، بتنظيم جنازة عسكرية لهم يسير فيها الرسميون تعبيرًا عن رفض الدولة لقتل أبنائها في وضح النهار تحت أعين وأبصار أجهزتها الأمنية والسياسية. لكن أحدًا لم يستجب للدعوة بالطبع، ليس لأنني مجرد مواطنة في دولة لاتحترم رأي المواطن ولا تعيره انتباها، ولكن ـ وكما بدأ يتضح للجميع ـ لأن نظام الفساد والاستبداد هو المستفيد الأول من تأجيج الفتنة من حين لآخر للتغطية على جرائم ارتكبها تثير سخط الناس، ويحتاج لتوجيه هذا السخط في الاتجاه الخطأ؛ أو كلما عن لهذا النظام اتخاذ إجراءات مجحفة بحق الجماهير، ويحتاج لشغلهم بما يستنفد طاقتهم على الثورة. وهي سياسة لم تعد خافية على عين المتابع منذ أحداث الخانكة في نوفمبر72 عندما حرق متطرفون مقر جمعية الكتاب المقدس بحى الخانكة بالقاهرة، وكانت تقام فيه الصلوات ككنيسة. وقتها كان سخط المصريين متأججا ضد الدولة لمماطلتها في استرداد الأرض المحتلة، بعدما وعد السادات المصريين أن يكون عام 71 هو عام الحسم. ومنذ بداية عام 72 اندلعت المظاهرات الطلابية والعمالية للمطالبة بتحرير سيناء. وجاءت أحداث الخانكة لتصرف أنظار المصريين وتوجه غضبهم ضد بعضهم البعض. وفي وسط مشاعر غضب شعبي، ومظاهرات طلابية وعمالية عمت البلاد بعد افتتاح السفارة الصهيونية في مصر عام 1979، وتفاقم مشاعر الغضب ضد سياسات السادات الاجتماعية والاقتصادية التي بلغ التعبير عنها ذروته في انتفاضة يناير الشعبية عام 77، جاءت أحداث الزاوية الحمراء لتبدأ بمعركة فردية حول قطعة أرض وتنتهي بمذبحة للمسيحيين المصريين في المنطقة ونهب ممتلكاتهم وراح ضحيتها 81 مصريا مسيحيا (وفق حديث لوزير الداخلية الأسبق حسن أبو باشا حمل فيه مسئولية الأحداث لسلفه النبوي اسماعيل، وكان السادات قال في خطابه الشهير خلال الأحداث أن الضحايا تسعة أشخاص فحسب!). ثم تكررت الأحداث، من الاعتداء على المصلين في كنائس الحضرة وسيدي بشر وجاناكليس في الاسكندرية ونسبة الأحداث إلى مختل عقلي، إلى جرائم الكشح، ونجح حمادي وأبو قرقاص وعين شمس ثم حادثة كنيسة القديسين مع مطلع العام الحالي (ويتردد أن وزارة داخلية المخلوع متورطة في تدبيرها) وأطفيح وامبابه وإدفو، وصولا إلى كنيسة الماريناب في أسوان. وصار معتادا أن يقرر نفر من العامة حرق كنيسة على من فيها بدعوى عدم الحصول على ترخيص، بينما لا يستطيع أحد أن يفتح فمه إذا قرر أحدهم أن يحيل مضيفة في بيته إلى مسجد أو حلقة ذكر. وصار على المصريين المسيحيين، بدعوى التهدئة، وحتى لا يقال عنهم أنهم يريدون حرق البلاد، أن يبتلعوا مراراتهم ويغلقوا أفواههم بعد كل مرة يدفنون فيها جثامين أبنائهم في مجازر جماعية متكررة، لم تكلف الدولة نفسها بمعاقبة المسئولين عنها سواء المنفذين أو المحرضين!
ولا يعني هذا الكلام بالطبع تبرئة أصحاب الفكر الديني المتطرف المستورد من الشرق، الذي قلب مفاهيم كثير من المصريين المسلمين عن دينهم، ونقل إليهم أفكارًا ومشاعرًا، وعادات لم يألفها المصريون، وليست أصيلة في مزاجهم الشخصي، ونشر عبر أربعة عقود مشاعر التعصب المقيت وكراهية الأخوة في الوطن والدم، حتى لو كانوا من نفس الدين؛ مالم يسايروهم في تبني مشاعر الكراهية والغل. وبعد أن كان المسلم التقي هو الإنسان المسالم الورع ،الذي يحفظ حقوق الجار، ويصون أملاكه وعرضه، وكان البسطاء من المسلمين يرددون "تبسمك في وجه أخيك صدقة" و"الدين المعاملة" و "ربنا رب قلوب".. صار المسلم الحقيقي بمنظور الغزو الفكري الجديد هو من يكره جاره إذا اختار طريقا مختلفا لعبادة الله الواحد رب الجميع، وصارت التقوى تعني الغلظة في القول والجهامة في الوجه، والصراخ بالتهديد والوعيد لكل مخالف في الرأي. واتفقت مصلحة نظام الفساد والاستبداد في إلهاء المصريين عن قضاياهم الحقيقية وتوجيه غضبهم نحو الاتجاه الخاطئ، مع مصلحة أصحاب الفكر المتطرف، المستورد من الصحراء، في طمس الثقافة المصرية وتضييع هويتها المتميزة الراقية، وإحلال ثقافة متخلفة متعصبة محلها. ومع إدراك نظام الفساد والاستبداد لنوايا أصحاب هذا الفكر الطامعين في الحكم، عمل على تقليم أظافرهم، وإحباط محاولاتهم للوثوب إلى السلطة، مع عقد تحالفات معهم في نفس الوقت تضمن تحقيق أغراضه؛ فأتيحت لأصحاب هذا الفكر فرص التسلل إلى ميادين الإعلام والتعليم والصحافة. وترك لهم سقف الحرية مفتوحا طالما يتحدثون فيما يؤجج الكراهية بين المصريين وبعضهم، ولا تغلق أمامهم أي من هذه النوافذ إلا عندما يتجاوزن المسموح ويبدأون في تنفيذ أجندتهم الخاصة للوصول إلى الحكم عبر انتقاد الحكام! وبعد ثورة 25 يناير، شاهد العالم أجمع كيف كانت كنائس مصر، وممتلكات المسيحيين وبيوتهم، بل والمعابد اليهودية، في أمان تام، و لم يمسسها أذى خلال فترة الغياب الأمني في أنحاء الدولة،. فلماذا حدث ماحدث يوم الأحد الدامي أمام ماسبيرو؟ وما الذي أثار أحاديث الفتنة مرة أخرى من امبابة الى اطفيح إلى أسوان بعد الثورة؟ وهل يعيد الحكام الجدد ـ الذين هم في النهاية من رحم نظام المخلوع ـ إنتاج سياسة ثبت فشلها وكانت وبالا على أصحابها؟ وهل يريد القوم التغطية على أمور، أو ينتوون أمورا يعلمون أنها ستثير غضب المصريين ويريدون توجيه غضبهم في اتجاه آخر؟ لقد كشفت تغطية الإعلام المصري للمجزرة اللثام عن أن أحمدًا يبدو أنه لا يختلف كثيرا عن السيد أحمد، بل أن مصيبة أحمد أنه لم يتعظ من غباء السيد أحمد، ولا من مصيره. ولم تعد حجة البلطجية وتسللهم إلى المظاهرات تقنع طفلا. فمن اين جاء البلطجية؟ وهل ولد فجأة بعد 11 فبراير جيلا من البلطجية يعرف طريقه تماما فلا يتجه إلا إلى المظاهرات المعارضة للحكام؟ لماذا لم نشهد بلطجية يندسون في صفوف أبناء المخلوع ومظاهراتهم؟ لقد بدأ البعض يتحدث عن ضرورة أن يتولى الجيش مقاليد الحكم لإعادة النظام، فهل هذا هو المطلوب؟ دفعنا للمطالبة بحكم العسكر لنكون أمثولة في عالم القرن الحادي والعشرين، بعدما انتهى منه تماما حكم العسكريين، الذين يقدسون زيهم العسكري ولم يعودوا يقبلون خلعه لارتداء زي الحكم المدني في أي مكان في العالم، وأدركوا أن رسالتهم المقدسة التي تضمن لهم احترام الجماهير هي حمايتهم لحدود البلاد وليس حكمها؟ هل المطلوب هو أن يتخلى العسكريون عن مهمتهم الأساسية ويتفرغون لحكم البلاد، ويصبح المدنيون هم المسئولون عن حماية البلاد؟ ولم لا، فقد صرخ الإعلام المصري مطالبا السكان المدنيين بالنزول إلى الشوارع لمقاتلة مواطنيهم المدنيين دفاعًا عن الجيش.. يا سادة لم تعد حجة البلطجية والانفلات الأمني قادرة على تبرير الدعوة لاستمرار الجيش في الحكم.. فالعسكر يسيطرون بالفعل على حكم البلاد منذ تسعة أشهر، ولم نر منهم قدرة على كبح جماح حفنة من البلطجية، فما الذي يمكن أن يفعلونه ولم يفعلوه خلال تسعة شهور؟ ياقوم.. لقد جاد المصريون بدمائهم على الحدود فكان فخرا لمصر شعبا وجيشا.. وها هي دماء المصريين تروي شوارع الوطن طلبا للحرية والعدل.. فمتى يرتوي الظالمون من دمائنا؟
#إكرام_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غضب آخر سوف يجيء!
-
علموا أبناءنا في إيطاليا!
-
الدبة.. وصاحبها!
-
بوادر جولة ثانية
-
عصام وحسن ..ورأب الصدع
-
حتى الرمق الأخير
-
شعب واحد
-
خطاب مفتوح إلى السيد المشير
-
ثورة عالمية في الأفق
-
وانهمرت دموعي
-
رمضان .. وهدى
-
عجلة الإنتاج .. وسنينها!
-
المشككون.. بين الثوار والجماهير
-
كرامة المصريين خط أحمر
-
عفوا.. يرجى إعادة شحن الرصيد
-
قبل الحساب
-
الداخلية.. وثورة صارت ضرورية
-
تحركوا قبل فوات الأوان
-
ولسة جوا القلب أمل
-
الإخوان وتحديات العمل العلني
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|