أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - شخصية ومصير - الهجويري















المزيد.....

شخصية ومصير - الهجويري


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 13:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


"ضاع" الهجويري في رحلاته العديدة لينزوي آخر حياته في أطراف الهند النائية بعيدا عن مسقط رأسه في إيران. ولم يبق مما أنتجه غير أصداء عميقة في الذاكرة التاريخية عنه في الأوساط الشعبية الهندية، كما أن ذكراه ظلت خافتة نسبيا بسبب ضياع اغلب كتبه. ولم يبق إلا كتاب (كشف المحجوب لارباب القلوب) الذي لم يستطع منافسة أمثاله بسبب عدم كتابته إياه بلغة العلم والثقافة العالمية آنذاك (العربية). وهو السبب الذي جعل كتاب الهجويري ينتظر قرونا عديدة من اجل أن يلتحم في سلسلة الكتابات الصوفية بهذا الصدد.
فقد كانت كتاب (كشف المحجوب) حلقة في سلسلة الابداع الصوفي "المدرسي". لكنه يحتوي على اثر خاص وقيمة مستقلة كبيرة. ففي عنوانه إشارة مبطنة إلى وحدة العوالم الخفية للحقيقة وتربية الإرادة. بعبارة أخرى انه يضعنا أمام اختبار الكشف عما هو محجوب، لكنه اختبار يفترض بدوره معاناة القلب من اجل بلوغه. ولا يعني ذلك في لغة التصوف سوى السعي من اجل كشف حقيقة الحجاب وتنقية القلب بوصفها العملية الدائبة للتصوف من اجل بلوغ الحق.
فمن المعلوم أن المرء يتلذذ بالنظر إلى المحتجب. وذلك لما فيه من "إشاعة" أو "توجس" أو "غرابة" مثيرة للعقل والضمير. فالمحجوب يحتوي دوما على قدر من خفايا الأسرار. مما يجعله في الوقت نفسه مثيرا لحب الاطلاع والاستطلاع. غير أن ما يميز التصوف بهذا الصدد هو انه يثير حب الاستطلاع بوصفه فكرة، بمعنى انه يستثير النفس من اجل توجيهها نحو ذاتها. ولا يعني ذلك في الواقع سوى السعي من اجل الاطلاع على حقيقة النفس وكشف أسرارها وخباياها. فالإثارة هنا لا علاقة لها بالجسد، بقدر ما هي إثارة الروح، أي روحية. وحتى عندما يكون الجسد محط اهتمامها، فليس ذلك إلا بوصفه قناة الدخول إلى النفس ومنها إلى عالم الأرواح. وذلك لان مهمة الكشف الصوفي تقوم في كشف المحجوب عن النفس والعقل عبر استثارة الروح من اجل طلب الحق بوصفها حقيقة الإرادة. وقد شكلت هذه الفكرة جوهر التصوف العملي. فحقيقة الإرادة الصوفية هي استثارة القلب من اجل طلب الحق. والحق هو المطلق والله والقانون والعدالة، باختصار انه الكلّ القائم في الوجود والتجانس المتحكم بكل ما فيه بوصفه مصدر الجمال والجلال. والطالب لهذا كله هو المريد. فالمريد من الإرادة. وحقيقة الإرادة المتسامية ما صورها البسطامي مرة في حديث روحي بينه وبين الله، عندما كان الأخير يستفسر منه ماذا يريد، بينما كان البسطامي ساكتا صامتا، إلى أن استفسره الله أخيرا
- أبو يزيد؟ ماذا تريد؟
- أريد أن لا أريد!!
فقد شكلت هذه الفكرة صلب تربية الإرادة الصوفية بوصفها إرادة متسامية عن الخضوع لمتطلبات الجسد العابرة. وهي الفكرة التي تتخلل كتاب الهجويري، كما هو الحال بالنسبة لأمثاله من المؤلفات. إذ نعثر فيه على "تعميم" تقاليد الكتب الصوفية بهذا الصدد. وهو تعميم برمي في العراف الصوفي إلى استعادة القيمة المعنوية والفكرية للسلسلة الروحية في التصوف. وهو أمر جلي في التعريف العام الذي يقدمه الهجويري لمفاهيم المعرفة والفقر والتصوف وغيرها، إضافة إلى ترتيب وتاريخ الشخصيات الصوفية الكبرى بدأ من الصحابة والتابعين وانتهاء بالمتصوف وبعض مدارسهم الكبرى. مع إضافة ما هو "معاصر" له منهم. بعبارة أخرى، انه يحتوي بقدر واحد على تمثل تقاليد التصوف الكبرى والدراسة المنظمة والحية لما كان يعايشه الهجويري من أفكار ومدارس. وهو المضمون الذي عبر عنه في عنوان كتابه (كشف المحجوب لأرباب القلوب). ذلك يعني أن مهمة الكتاب نقوم في كشف المحجوب لأرباب القلوب. بعبارة أخرى انه يحتوي بقدر واحد على كشف أسرار التصوف للمريدين الجدد. وفي هذا تكمن قيمة الكتاب بالنسبة لدراسة التصوف أو خوض غماره الأول.
إن ما يشغل الهجويري ليس فكرة الحجاب بالصيغة التي وضعها النفري، وتوسع فيها لاحقا الغزالي، ورفعها ابن عربي إلى مصاف المنظومة المتكاملة، بل فكرة ما أطلقت عليه المتصوفة كلمة "السر". فقد كان همّ النفري هو كشف معنى وشكل ومضمون الحجاب بوصفه شكل ومضمون العائق الفعلي أمام تكامل المرء في العلم والعمل، أي أمام ارتقاءه صوب بلوغ حقيقة الكمال. ولهذا وجد الحجاب في كل شيء، في العلم والجهل والتقليد والله والدين، بحيث توصل إلى فكرته القائلة، بان "الحجاب واحد والأسباب التي يقع بها مختلفة وهي الحجب المتنوعة". ومنها توصل إلى أن "من عرف الحجاب اشرف على الكشف". أما الهجويري، فانه كان يقف بين ما كان يقول به النفري ولاحقا الغزالي وابن عربي وبين تقاليد التصوف الساعية إلى كشف مضمون ومعنى الكلمة والمصطلح والعبارة الصوفية العصية على الفهم والإفهام. لقد حاول الهجويري في كتابه (كشف المحجوب) أن يجمع بين شرح معاني المصطلحات وكشف أسرار الفكرة القائمة في بعض المفاهيم الضرورية للمريدين وغيرهم. من هنا منظومة "كشف" احد عشر "محجوبا" أدرج فيها كل من معرفة الله، والتوحيد، والإيمان، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وقواعد ومبادئ المعاشرة مع الناس، أي آداب العيش، ثم إزالة الحجاب عن معاني مختلف المفاهيم الصوفية مثل الحال والوقت والمقام والقبض والبسط وغيرها من المفاهيم، وأخيرا كشف معنى فكرة وممارسة السماع.
ذلك يعني أننا نقف أمام نموذج جديد في كشف ماهية ونوعية وكمية الحجاب. وهي مكونات مهمتها تنوير الطريق لأرباب القلوب، أي للمريدين وغيرهم ممن بحاجة إلى معرفة حقيقة التصوف، وليس إلى تنظيم ممارستهم العملية، كما نعثر عليه، على سبيل المثال لا الحصر عند المكي في (قوت القلوب) أو عند أبو النجيب السهروردي في (عوارف المعارف). إلا أن الغاية واحدة وهي تقديم صيغة معقولة لأولئك الذين بشكل تنقية القلب مضمون وأسلوب حياتهم الفعلية في إدراك حقائق الوجود والمطلق.
إن كتاب الهجويري (كشف المحجوب لأرباب القلوب) يهدف في آن واحد إلى الدفاع عن التصوف وكشف حقائقه وإرشاده العملي للمريدين الجدد. فهو كتاب مهمته كشف حقيقة التصوف عن الزائف لأنه لا يحتوي على نموذج طرائقي بقدر ما يحتوي على كشف ما يمكنه أن يكون ضروريا لأرباب القلوب من أي فئة كانوا. كما انه يحتوي على وحدة العلم والعمل عبر نماذج فردية ومفاهيم مفصلية وتصنيف للمدارس. وبهذا يقدم صورة عن نموذج للصوفية يجعلهم اقرب ما يكونوا إلى حقيقة الأرض، بسيطة في مظهرها معقدة في تضاريسها وأسرارها. انه أراد القول، بان حقيقة التصوف هي كالأرض تسكب عليها كل شيء ولا تنتج إلا الطيب والجميل. والمتصوف هو ارض الحقيقة. وهي حقيقة لها أسرارها الخاصة بها. ومن ثم لا معنى لصنع أساطير لتعظيمها. فالأسطورة لا تصنع عظمة، بل العظمة هي التي تصنع أسطورة!
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوتاليتارية وإشكالية الحرية والنظام في العراق
- التوتاليتارية والراديكالية (البعثية- الصدامية) - أيديولوجية ...
- التوتاليتارية – أيديولوجية الطريق المسدود
- نبوة المختار – قدر التاريخ وقدرة الروح!
- السياسة والروح في شخصية المختار الثقفي
- العقيدة السياسية لفكرة الثأر الشامل في العراق (الماضي والحاض ...
- فردانية المعرفة الصوفية ووحدانية العارف
- كلمة الروح وروح الكلمة في الابداع الصوفي
- النادرة الصوفية
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (5-5)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (4)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية(3)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (2)
- فلسفة الجهاد والاجتهاد الإسلامية (1)
- مذكرات الحصري والذاكرة التاريخية السياسية
- بلاغة طه حسين وبلاغة الثقافة العربية
- شخصية طه حسين وإشكالية الاستلاب الثقافي!
- الولادة الثالثة لمصر ونهاية عصر المماليك والصعاليك!
- مصر والمنازلة التاريخية الكبرى
- الإرادة والإلهام في انتفاضة مصر


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - شخصية ومصير - الهجويري