عبدالله صقر
الحوار المتمدن-العدد: 3517 - 2011 / 10 / 15 - 10:05
المحور:
الادب والفن
كيف ننعم بالهدوء وهناك ضجيج من حولنا ؟
أنا شخصيا كنت أسكن بجوار سوق للخضار والفاكهة , حيث يكثر الباعة وأصواتهم العالية وهم ينادون على بضائعهم , لم أتحمل هذا الكم الرهيب من الضوضاء والضجيج , بصراحة لم أستطع أن أخلد للنوم لمدة ساعة واحدة على مدار اليوم كله , فمنذ سكنت فى هذا السكن المئؤوم وأنا أعانى من عدم الراحة والهدوء , كنت أحلم خلال نومى بأى أشترى من البائع شوية هدوء , الهدوء نعمة لآمثالى لآنى كنت أعانى طيلة ثلاثون عاما أو أكثر من دوشة وضوضاء طلبة المدارس التى عملت بها , هذا السكن كان وبال على وعلى أسرتى , فأنا لم أنعم براحة وأولادى فى حالة عدم تركيز فى المذاكرة , وللأسف السوق يظل ساهرا الى فترات متأخرة من الليل يعنى هاندوشك هاندوشك , تغير مزاجى العام وتحولت الى إنسان أخر وضاقت أخلاقى , وشعرت بأنى لست أنا ولا أولادى هم كما عاهدت , على الفور بحثت عن سكن أخر , وغيرته الى مكان أخر , وعاد لى ولآسرتى الهدوء من جديد , إن الشعور بالهدوء نعمة لا يشعر بها إلا الذين يفقدوها .
الضجيج الذى أحاطنا من كل جانب يؤرق أعصابنا ويغير من المنظومة الجسمية كلية , لآننا خلقنا للهدوء , وللأسف الشديد أن الضوضاء لا يمكن لآحد صدها أو ردعها لآنها تأتيك غير مستأذنة من سعادتنا , إنها ضيف ثقيل يؤرق مضاجعنا , ويغير أحوالنا للأسوأ , حنى أعصابنا تتغير ويصيبها التلف أنه يخلق حالة عدم أتزان فى العقل ومراكز التفكير .
لى صديق عزيز على وهو صديق قديم نجلس ونتحاور عن أحوالنا وما يجرى حولنا هذا الصديق مصاب بفقد السمع فى أذنيه , لآنه كان يعمل سائقا للقطارات والذى أصابه فى أذنيه نتيجة الضوضاء التى كان يحدثها ضجيج ماتور القطار , خرج من الخدمة وهو فاقد لسمعه , ما أسوأ أن يجلس الآنسان فى جو مشحون بالضجيج والضوضاء , أننا نعيش فى عصر ملئ بأصوات المحركات وأصوات ألات التنبيه والآحتراق الداخلى وأزيز الطائرات . نحن الآن فى عصر الضوضاء بفعل التكنولوجيا الحديثة , فأنت حين تخرج من بيتك فى النهارأو فى الليل عليك أن تصغى الى الآنين المنغم , الى الحضارة وهى تندفع فى مسارها اليك , إنه الضجيج المنظم وكأنك فى ساحة معركة يختلط فيه تأوهات الضجيج بصفير ودوى اللآلات الثقيلة ومضخات وقرقعة ألات البناء , وهدير ماكينات السيارات وألات التنبيه , إنها الجلبة والضوضاء التى تلاحقنا من كل جانب دون رحمة أو شفقة ودون إستئذان .
وتوضح لنا الآبحاث أن الضوضاء قد تضعف قدراتنا الآنتاجية , كما أثبتت الدراسات فى عام 1974 فى وكالة حماية البيئة فى الولايات المتحدة الآمريكية أن 80 فى المائة
مواطن أمريكى يعانون أضطرابات خطيرة فى حياتهم بسبب الضجيج , وأن نحو 17 مليونا أخرين مصابون بأختلال فى حاسة السمع , ينسب هذا بسبب تأثيرات ضجيج الحضارة , ولذا نجد فى الولايات المتحدة قوانين تمنع الضجيج العالى الناتج عن معدات البناء , كذلك الجلبة المستمرة , وأصدرت قوانين صارمة ترغم الشاحنات والطائرات والمعامل على إلتزام الهدوء .
لكننا لازلنا نعانى ونكابد هدير ا لماكينات والقرقعة فى مجتمعات أستهلاكية , وللأسف الشديد لا يوجد قانون يوجب الجميع بأحترام خصوصيات الغير ويحمينا من أزعاج الآخرين لنا , والمحافظة على السكون والهدوء , أننا فقدنا الآحساس والآستمتاع بالهدوء والسكون , من منا لا يحلم بنعمة الهدوء فى ظل مجتمعات تسودها الضوضاء واللامبالات فى التصرفات تجاه الآخرين , نحن نفكر جديا فى الهروب الى المروج بين الجبال الشاهقة , إن الهدوء يخلق حالة من الآبداع والتصورات وهو مجدد للثقة بالنفس ويولد الحيوية و الطاقة , ويلبس الآشياء أشكالا جلية ,إن الهدوء فيه راحة للأبدان ويغير أفكارنا للأحسن وخلجات نفوسنا , وبدونه نفقد أحد مقاييس الآنسانية .
كل ما نخشاه فى يوم من الآيام فى هذا العصر المتصارع الذى يركض فيه الآنسان نحو التكنولوجيا المستوردة أن نتخلى عن أماكن هدوءنا ونجد أن الفانون لا يعرف ولا يفهم معنى الهدوء والسكون .
اننى شخصيا كل ما أخشاه أن يجيئ يوما وأنظر حولى أرى أن الهدوء قد تلاشى وأصبح شيئ من السراب أو الحلم بعيد المنال , وأضمحل فى غياب القانون الذى يحمينا
من الملوثات , إن ضياع الهدوء من حياتنا فيه أكبر خسارة لكل قدراتنا ومقدراتنا . وسيكون خسارة لآننا ساعتها لا نستطيع أن نميز بين الآشياء الجميلة والآشياء القبيحة , إن القبح هو أن نرى أننا غير قادرين على أن نخلق الهدوء والجمال لآنفسنا ولآجيالنا من بعدنا .
والضجيج هو من الملوثات الناتجة عن أحداث أصوات عالية كالتى تحدث من ألات الآحتراق الداخلى ومكبرات الصوت , وهو يؤثر على الآنسان ويحدث تلوثا سمعيا , والضجيج له عدة أنواع : منها الضجيج الضوضائى , والضجيج النبضى , والضجيج الحرارى , كما أن له عدة أشكال كالضجيج الخارجى مثل الضجيج الجوى , والضجيج الناتنج عن النجوم والشمس بما يسمى بالضجيج المجراتى , والضجيج الاصطناعى الناتج عن النيون والآقواس الكهربائية . كما أن هناك نوع أخر ألا وهو الضجيج الداخلى الناتج عن التأثيرات الحرارية النابعة من الآجهزة .
مخاطر الضجيج الصحية :
أن الضجيج له أثار سلبية على صحة الآنسان , كما يؤثر على النمو والتطور الذهنى والآدراكى , لآن هناك دراسات أثبتت أن الضجيج المستمر يضعف القدرات الذهنية وبالآخص لدى الآطفال , ويضعف مهارات القرأة لديهم , كما أن له اثارا سلبية فى تأخر النمو البدنى للطفل , وللضجيج أثارا ضارة لما يحتويه من مواد ضارة فى الجو
وهو يصيب الآطفال بألتهاب الشعب الهوائية والربو , والضجيج له قدرة كبيرة على التأثير على القدرات السمعية لدى الكبار , كما أنه يؤثر على نوم الطفل فيجعله فى حالة قلق مستمر وهذا ينعكس بالسلب على صحة الطفل عموما , كما أنه يؤثر على النمو الآدراكى والمهارات اللغوية لدى الآطفال .
هناك دراسات وأبحاث أظهرت أن الآطفال الذين ينشأون فى بيئة مليئة بالضوضاء والصخب إنما يصابون بحالة من القلق والآضطرابات النفسية , وهم يكونوا عرضة
لعدم التكيف مع متغيرات الحياة وضغوطاتها .كما أن أطفال كما قبل المدرسة , يكونوا أكثر تعرضا للمشاكل الحياتية , ويكونوا سلبيون وذوات سلوك أنفعالى وسريعوا الغضب .
أننا نأمل أن نعيش فى جو غير مشحون بالضوضاء , ونأمل ونحلم أن يجيئ اليوم الذى يطبق القانون فى بلداننا العربية على كل من يخترق حياتنا بالضوضاء ويطبق عليه أقصى العقوبات حنى نحمى أنفسنا من الآمراض والملوثات التى أحاطت بنا من كل جانب .
#عبدالله_صقر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟