|
عبد الإله الرحيل في :
رياض خليل
الحوار المتمدن-العدد: 3516 - 2011 / 10 / 14 - 09:18
المحور:
مقابلات و حوارات
24 – الأديب والصحفي عبد الإله الرحيل ، يكتب عن رياض خليل : " الريح تقرع الباب " ( بحثا عن الخبز والحب والحرية ) ، في جريدة تشرين ، في العدد ( 438 ) تاريخ 24/3/1977 ، الصفحة السادسة . 24 – الأديب والصحفي عبد الإله الرحيل ، يكتب عن رياض خليل : " الريح تقرع الباب " ( بحثا عن الخبز والحب والحرية ) ، في جريدة تشرين ، في العدد ( 438 ) تاريخ 24/3/1977 ، الصفحة السادسة . أشار أرسطو إلى أن وظيفة الدراما إنما هي تطهير الانفعالات ، والتغلب على الذعر والشفقة ، بحيث أن المتفرج المتمثل ب( أوريست ) أو أوديب ، يستطيع إن يتحرر من هذا التماثل ، وأن يرتفع إلى مافوق صروف القدر العمياء . بذلك تنحل قيود الحياة مؤقتا ، لأن الفن يأسر بطريقة تختلف عن الواقع ، وهذا الأسر المؤقت اللطيف ، يشكل بالضبط طبيعة هذه التسلية ، وتلك المتعة التي نشعر بها حتى بالمأساة . لقد قال برتولد بريخت بصدد هذه الغبطة : " إن مسرحنا يجب أن ينمي رعشة الفهم ، وأن يدرب الناس على متعة تغيير الواقع ، فلا يكفي جمهورنا أن يعرف كيف تحرر بروميثيوس فقط ، بل عليه أن يتدرب على اللذة في تحريره ، أن نعلمه كيف يشعر بكل الفرحة والغبطة ، اللتين يشعر بهما المخترع والمكتشف ، وبكل النصر الذي يشعر به المحرر . " . إن بريخت يشير إلى إلغاء الفوارق الاجتماعية في قلب الجمهور ، كنتيجة مباشرة للأثر الفني في مجتمع قائم على الصراع الطبقي . وربما تلتقي قصص رياض خليل بمسرح بريخت بشكل من الأشكال ، فما يرجوه رياض خليل في مجموعته " الريح تقرع الباب " ، والتي احتوت على تسع قصص ، هو أن يتأمل القارئ بعد أن ينتهي من استعراض القصص واقع الأبطال في هذه القصص ، وطرح البديل المناسب أو المفروض . ويمكن بلورة ملامح قصص هذه المجموعة شكلا ومضمونا ، بأنها تكثيف للإحساس بالغربة ، خاصة في المدينة ، والتركيز على لحظات عابرة ، قد تبدو عادية لاقيمة لها ، ولكنها تحتوي من المعاني قدرا كبيرا ، وهذه اللحظات القصيرة ، لاتخضع لتسلسل الزمن ، ولكنها تحتوي الماضي والحاضر والمستقبل . وعلى الرغم من أن المجتمع الحديث هو في غالبيته مجتمع مدينة ، فإن الشعور بالغربة ، لم يظهر إلا فيه ، رغم أنه مجتمع يتميز بالكثافة العددية لأفراده ، إن هو قيس بالتجمعات الإنسانية في الهيئات الأخرى ، وفي الأزمان القديمة . وقد يبدو غريبا أن يتولد الشعور بالغربة لدى الإنسان هنا ، ولكننا إذا تأملنا قليلا .. زالت هذه الغربة ، فالكثافة العددية نفسها من شأنها أن تهبط بقيمة الفرد إلى الحد الأدنى ، بل ربما قضت عليه تماما ، حتى لايعود سوى رقم من الأرقام . ولهذا فإن هذا الشعور هو أسرع شيء يتسرب إلى نفس الإنسان في مثل هذه الحالة ، وهو يزداد في نفس المرء حدة كلما كان المجتمع الذي يعيش فيه كثيف العدد . فالشخص الوحيد لايشعر بحدة الغربة بنفس القدرالذي يحسها شخص يعيش بين عدد هائل من الأفراد . ولكن هذا الشعور عند رياض خليل لم يأت ليكلله في نهاية المطاف بمقولة المال والنجاح ، بل كان يركز اهتمامه دائما على شيء واحد .. هو .. تغيير هذا الجو ، وكان يلحف بالتغيير بشكل جذري .. حتى وإن جاء هذا التغيير بواسطة شعاع صغير ... • " الشراع الأسود " في هذه القصة يستخدم المؤلف ضمير المتكلم ، بمثابة التأكيد على لحظة الحضور المعاشة في الماضي ، ويخاطب كلا من ( فريد النّوني ، وفلّيص الدرويش ) اللذين هما بمثابة الزعيمين لقبيلة " القرباط " ، والذي لم يكن لعرس أن يتمّ دون حضورهما . ومنذ البدء يفتتح رياض خليل قصته بالتذكز :" مازلت أذكر يا فريد النوني يوم أوصيتني .. حينما كنت صغيرا ، أن لا أجلب غيرك من قرباط المنطقة لإحياء احتفالات عرسي . كنت طفلا .. وكنت أعرف أنك تحب المزاح معي " . ولكن الواقع يصدم الطفل بحقيقته : " آه .. لو تعرفان ماذا حل بالطفل الذي وعدتماه بالدق والعزف في عرسه ، لو تعلمان أين حل به الدهر ، وكيف صار غريبا بلا مأوى ، تلتهمه العمارات والشوارع والمساحيق وليل المدينة المقنع بالأضواء المتلألئة ... كأنها الحلي تغطي جسد زنجية جميلة " . ولكن متى يأتي فريد النوني .. وفليص الدرويش بالطبل والأرغن ؟ إنهما يأتيان عندما يجد الفتى عروسا ؟ لكن الفتى يشير إلى أن عروسه ( الشيطانة المحبوبة ) لم يجدها بعد بالرغم من وجود مئات من الفتيات الكثيرات ، وهاهو يورد على سبيل المثال علاقة مع خمس فتيات .. انتهت جميعها إلى الفشل ، لأنها كانت علاقات زائفة ، مبنية على أسس أنانية . ولكن الفتى لم يصل إلى تخوم اليأس أو التشاؤم ، فإذا لم يجد عروسا ، فلماذا لايشارك الآخرين أفراحهم ؟ ويمضي بعد أن قر رأيه على ذلك إلى فريد النوني وفليص الدرويش لينتسب إليهما ويكون معهما جنبا إلى جنب : " نضرب في المكان والزمان بحثا عن الفرح والحب والشمس ، بحثا عن أعراس الفقراء ، والمقيمين خلف الحرمان والوجع والعذاب ، سنغني لهم .. ونوقظهم " . ولكن هل يجد بطل القصة حبيبته ؟ إننا لانفقد الأمل في ضياع الحبيبة المنتظرة ، كما أن القتى لايفقد الأمل في إيجادها ، ولربما وجدها متجسدة في : • " عيّودا " وفي هذه القصة التي يستعمل فيها ضمير المخاطب ، كتأكيد على لحظة الحضور الواعي ، وكتأكيد على لحظة التواصل بين بطل القصة وبطلتها " عيّودا " : " ياعيّودا ..! أهل تلك الحارات لايزالون يجوعون .. يبردون .. ينامون بلا غطاء .. يولد أطفالهم دون قابلة قانونية ، يمرضون وليس من دواء .. أهل تلك الحارات .. يا .. عيّودا مازالوا يحلمون بالخبز والملح والحب .. مازالوا يحلمون .. " وعلى الرغم من هذه النداءات من حبيبها .. إلا أنها تلوذ بالصمت ، وتتخلى عن " الحارات " القديمة ، إنها لاتفصح عن نفسها .. ولا عما في نفسها ، وترفض حتى النهاية أن تتلفظ بكلمة واحدة – غير أن رياض خليل ينسج من هذا الصمت حديثا وأغنية . ليس فقط أن الغياب والسكوت يشدان القارئ بتوتر إلى متابعة القراءة ليعرف النهاية ، وإنما أيضا يتيحان للعاشق أن يكتشف ذاته ، ويبلور وعيه – كما ذهب إلى ذلك الدكتور هاني الراهب في نقده لهذه القصة في الموقف الأدبي ، في العدد (61 ) وبعنوان : " عيّودا ...وقصص أخرى " . إن تخلي " عيودا " وهي ليست رمزا ذهنيا مجردا ، عن الحارات القديمة .. لايعني تخليها عن الماضي ككل ، ولكن يعني تخليها عن الأفكار القديمة والمتخلفة بالدرجة الأولى . إن تخلي " عيودا" : ( التجسيد المعنوي ) للأرض أو الانتماء أو الحبيبة ، عن الرد على حبيبها بحضور أهل الحارات القديمة ، يعني رفضها التعامل معه بحضور هؤلاء ، وعدم اعترافها بهم جملة وتفصيلا . ولكن بطل القصة مرة ثانية ، ينادي " عيودا " بعد أن جاء أهل الحارات القديمة ، يسألون فتاها عن موعد الزفاف ، ولكنها لاتجيب ، فيسقط على الأرض مغشيا عليه . وإذا بدا هذا السقوط غير مقنع ، فإنه قد يعني اليقظة مجددا من أجل خطوة جذرية وحاسمة . وتأتي عيودا أخيرا ، فتبدو كزهرة ذابلة ، وبالرغم من ذبولها ، فإنه هو وحده الذي يعرف أن فيها ( بذرة ) كفيلة بجعل عيودا الأخرى أن لاتموت . ويحمل الفتى عيودا على كتفه كتأكيد على تناوله لقضيته ، ومسؤوليته عنها ، ليدفن " النصف الأدنى من قامتها .. وحتى الخصر " . ويهيل عليها التراب ، ويروح ينقل الماء إليها من " أمكنة مختلفة ومتعددة " ليسقيها .. فتنمو البذرة . وعندما يقترب أهل الحارة القديمة منه ليبعدوه عن عيودا ، فيرموه إلى الليل والغيوم والثلج . كان سلاحه الوحيد صرخات انفعالية ، ربما تعني التطهير في المفهوم الأرسطي ، ولكنه يزداد ثقة عندما يرى ابتسامة عيودا ... إن هنات طفيفة وقعت في القصة مثل سقاية عيودا بعد أن زرعها من أمكنة مختلفة ومتعددة ، ومثل حربه مع الآخرين بالكلمات دون أن يتعاون مع أي طرف . لكن سقاية عيودا ، وابتسامتها الأخيرة .. قد تفتحت لتجيء الولادة أكثر إصرارا على المقاومة . • الولادة تفتتح القصة بهذه العبارة :" في لحظة ما .. أدركت خطر وجوده ، وملاحقاته المريبة ، كانت الصبية تتأبط ذراعي ضاغطة عليها بشدة خوفا منه " . ويقرر أن يتخلص من الرجل / الرقيب ، الذي يلاحقهما في كل الأمكنة ، ولسان حاله يقول: " للإنسان أكثر من ظل .. ألا يكفي البرد والعراء والجوع ؟ " وتحت لحظة عصيبة .. يقول مخاطبا فتاته أو زوجته : " نقتله أو يقتلنا ، لابد من زواله أو زوالنا عن هذه المدينة !" فتجيبه بسؤال استنكاري : " والطفل الذي في بطني ؟ " لقد أعلنت الأبواب مقاطعتهما .. وصارت الخطوات منهكة ، لكنه عندما يصل إلى هذه الحالة النفسية المتأزمة ، يتذكر ماقاله جده يوما في أمسية شتائية عاصفة ، لقد قال الجد حينذاك : " المطر لذيذ .. أنت لاتحدق فيه جيدا " . وربما هذا المطر يذكرنا بمطر بدر شاكر السياب المعادل للثورة ، ولا أدل على هذا من أن بطل القصة يعيد هذه الجملة لحبيبته ، لبدء الخطوة التالية ، لقد تعانق معها مودعا إياها ، ومضى كل منهما في اتجاه معاكس للآخر ، كلعبة لتضليل المراقب ، ولما يلتحم معه في مشادة عضلية يتغلب عليه وجها لوجه ، لكن الرقيب يغدر به ، ويرميه بخنجر في ظهره ، وقبل أن يهوي البطل ، يسمع صرخة طفله الأول ..... وبعد إن الفن في أعمق مستوياته احتجاج عظيم ، دون قسر أو افتعال ، بل بملء حرية الفنان ، وحرية الفنان هي شرط الالتزام ، فلا التزام بغير حرية ، وليس ملتزما من كان التزامه صادرا عن قسر أو مجاراة أو ممالأة ، بل ليس فنا أو أدبا مايصدر عن غير الوجدان الصادق والإرادة الحرة ، وهذا مافعله رياض خليل في مجموعته القصصية . إننا عندما نكتب عن الحياة .. لايمكن أن نعصرها في دمعة ، ولا أن نلخصها في قرص من الحبوب الطبية ، ولانستطيع كذلك أن نقدم صورة مفصلة للحياة بكافة عناصرها وأحداثها الجارية ، فما هكذا تفسر الحياة ، إنما نكتب عن الحياة بأن نختار منها قطاعا ، وليس معنى القطاع أن نقيم حائطا بين الحادث الذي نختاره والأحداث الأخرى المرتبطة به ، أو نقتصر على لحن واحد من ألحان الأوركسترا .. لا .. أبدا .. فهذا لن يكون قطاعا من الواقع ، بل تجزئة الواقع .. أما القطاع فهو صورة مستعرضة ، مهمتها أن تكشف العلاقات المتشابكة بين الأشياء . لقد كشف رياض خليل في مجموعته عن الإنسان عبر علاقاته المتشابكة ، وكشف عن أحلامه وأمانيه وتطلعاته ، وقد رأيناها في قصة الشراع الأسود يتمنى أن يكون مع القرباط في أفراحهم ، وبالتالي فهو يريد أن يقول لنا بشكل غير مباشر أن هؤلاء الذين يدخلون الفرح إلى قلوب الآخرين ، لايتيسر لهم لقمة الخبز إلا إذا شاركوا بأفراح الناس . إن الطبل والأرغون والأعراس .. والبحث الدائم عن عيودا ، كالبحث عن لقمة الخبز .. جاءت في قصص رياض خليل عبر لوحاته ، لتتجمع في نهاية المطاف بلوحة واحدة ينادي بها الفقراء في كل مكان .. وتنادي بها الجماهير في كل الأزمنة .
#رياض_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصائد قصيرة جدا : شعر
-
النظام السوري يطلق النار على نفسه
-
الشيء
-
حدث بين الشاطئ والبحر(الربان
-
التنمية المتوازنة
-
كلمة عن الشعر
-
عرس الرماد
-
الأفق والراية والنصر
-
الدكتور أحمد جاسم الحسين ناقدا
-
الشجرة البريّة : قصة قصيرة
-
وردة الشمس: شعر
-
ميساء عدرة في حوار مع رياض خليل
-
بين الكتاب والشاشة
-
الأديب خيري عبد ربه يكتب عن رياض خليل
-
إشكالية العلاقة بين الأدب والشاشة الصغيرة
-
هل انتهت الحرب الباردة ؟
-
عن رياض خليل كتب : طلعت سقيرق
-
مقابلة مع رياض خليل
-
عن رياض خليل: قراءة تحليلية
-
بيانكا ماضية : في دراسة عن رياض خليل
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|